دنيس جونسون ديفز تكتب: العراق.. بلد الأنهار والأحزان
فيما كنت أشاهد نشرة أخبار المساء خلال اليوم الذي كتبت فيه هذه السطور، والتي كانت تدور حول العراق، وهو بلد قريب من نفسي زرته بانتظام في الماضي، ولي فيه أصدقاء كثيرون، انصرف اهتمامي إلى مقال قديم كتبه الدبلوماسي البريطاني المعروف ستيوارت بروين، الذي كان يعرف العراق حق المعرفة في الماضي، ومضيت أقرأ مراجعة كتبها حول كتاب من تأليف غيفن يونغ بعنوان »العراق.. أرض الرافدين«.
يصف الكتاب العراق بأنه من أقدم بلاد العالم وأحدثها، ولهذا فإن العراق بلد يصعب وصفه إلى أبعد الحدود لمن لا يعرفونه. وفي هذا الكتاب حول العراق، قام يونغ بمحاولة موجزة لوصف العراق الحديث، والتطرق أيضا إلى ماضيه العريق.
الكتاب مطبوع بشكل جميل، ويحتوي على كتابة بخط محمد الصقال، كتبت بالخط الديواني الذي حظي باهتمام كبير منذ أمد بعيد في العراق. وتتصدر أمثلة من هذا الخط كل قسم في الكتاب، وتكمل هذه الخطوط صور فوتوغرافية بديعة لنيك ويلر، وهناك حوالي 80 صورة من إبداع ويلر، وهي صور متألقة حقا تطلعنا على العراق في الماضي والحاضر، المقدس والمدنس، وترتحل بنا عبر المساجد والكنائس والأسواق والمدن والأودية الخضراء، كما نجد أيضا مختارات مميزة من أبناء هذه الأرض.
تحظى هذه الصور ببلاغة مميزة، فهناك على سبيل المثال؛ ملوية سامراء، والصور تبدأ ببغداد عاصمة الدولة الحديثة الممتدة باستمرار، ثم نزور وسط العراق بما في ذلك بابل والحبانية وأيضا سامراء. وتصحبنا مدن جنوب العراق، إلى كربلاء والنجف والكوفة.
ويمثل شمال العراق القسم الثالث والأخير، حيث نجد وصفا مفصلا للموصل وإربيل وكركوك ومباهج كردستان الجميلة، حيث يمكنك في الربيع أن تستمع إلى هتاف الوقواق، وتشاهد أبناء القبائل وهم يرقصون حول أشجار الكمثرى وتحت الجبال التي تتوجها الثلوج. وقد وقع المؤلف، شأن الكثيرين ممن سبقوه، في هوى هذا الريف الساحر والمختلف أشد الاختلاف عن سهول العراق الأدنى الصحراوية، والصفحات التي يصف فيها المؤلف هذه المنطقة من العراق، تعد من بين أكثر صفحات هذا الكتاب تأثيرا في النفس.
ويعتمد المؤلف في الأوصاف التي يقدمها للماضي إلى حد كبير، وله الحق في ذلك، على ما كتبه الرحالة والمستكشفون الذين سبقوه، مثل غيرترود بيل، ومن هنا فإن من الغريب ألا تجد اعترافا بفضل هؤلاء الرحالة والمستكشفين الذين تمتعوا بمواهب بارزة، والذين قدموا الكثير لبلورة العراق الحديث. ومن بين هؤلاء الرحالة والمستكشفين أناس مثل سير وليام ويلكوكس، الذي كانت خططه أساسية بالنسبة لمجمل الازدهار الزراعي في العراق. ورغم ذلك فإن صور ويلر ونص يونغ يتكاملان ليقدما لنا صورة بانورامية أخاذة، لما هو أكثر جاذبية في العراق الحديث.
وفي كتاب آخر بعنوان »الصحراء.. المستنقع والجبل«، نجد أن الرحالة البريطاني الشهير سير ويلفرد ثيسغر الذي يعرفه أبناء الخليج باسم مبارك بن لندن، يصف مطولا حياة بدو الصحراء التي اختار أن يعيشها وقتا طويلا، وهو يعد آخر الأجانب الذين قدر لهم العيش والارتحال في هذه المنطقة من العالم. وقد ارتحل سير ويلفرد ثيسغر في الربع الخالي بجنوبي شبه الجزيرة العربية، بين عامي 1945-1950، والعديد من رحلاته مسجلة الآن في أفلام، وقد أمضى شهورا عديدة بين ظهراني الأكراد في الأراضي التي تأخذ بالألباب في شمال شرقي العراق.
من المؤلم والمحزن للغاية أن نرى كيف أن هذا البلد العظيم، العراق، قد تردى الآن إلى مثل هذه الوضعية الرهيبة، والمرء يبتهل إلى الله العلي القدير لكي تضع كل الأطراف هناك خلافاتها جانبا، وتعمل سويا من أجل هذا البلد العظيم وشعبه الذي تعرض للمحن طويلا.
Comments