المحتوى الرئيسى

غزة .. النقاط العشر أيمن الصياد

07/20 14:06

ربما لا جديد فيما يجري في «بيتنا» المجاور؛ غزه. فالمحتل هو هو، والمقاوم، ملامحه لم تتغير: «عربية فلسطينية» منذ عبدالقادر الحسيني، وعز الدين القسام، وحتي يحيي عياش وصلاح شحادة وفتحي الشقاقي مرورا بابو علي مصطفي وابو جهاد وغسان كنفاني وكمال عدوان وليلي خالد ووفاء ادريس ودلال المغربي وايات الاخرس.. وغيرهم وغيرهن. الملامح هي هي وان بدت في تجاعيدها تفاصيل السياسه والياس.

الجديد فقط اننا، او بعضنا، انسته الحسابات الضيقه والمعارك الصغيره حقائق الماضي وحسابات المستقبل

«This is not just a war about rockets from both sides, but it is actually a war about illegal settlements and stolen land».

العباره السابقه التي اثرت، توثيقا ان انقلها بلغتها الاصليه، للنائب البريطاني سير نيكولاس سومز Sir Nicholas Soames. وتقول ترجمتها: «ان هذه ليست مجرد حرب صواريخ. بل هي في الواقع حرب المستوطنات اللاشرعيه والارض المسروقه». وكان النائب المحترم (وهو وزير سابق للدفاع) قد قالها في جلسه لمجلس العموم (١٤ يوليو ٢٠١٤) وشاركه فيها الراي نواب اخرون (يمكنكم مشاهده تسجيل حي لجانب من الجلسه علي هذا الرابط).

والحاصل انني كنت قد شاهدت الجلسه، عندما «هربت» من غث القول في قنواتنا؛ عامه وخاصه لمتابعه الحدث علي قنوات اخري. وكانت ابنتي التي تدرس في نيويورك قد حكت لي عن مظاهرات يوميه احتجاجا علي ما يفعله الاسرائيليون في غزه، يشارك فيها يهود يحرصون عاده علي ارتداء ما يميزهم؛ ربما ليؤكدوا انهم ايضا مشاركون. فما هو «انساني»، تتراجع معه كل ما عدا ذلك من حسابات. اوجعتني ملاحظتها مقارنه مع ما بدا هنا وقد اضلته مشاعر الاستقطاب والكراهيه والحسابات الضيقه.

عندما بحثت في مكتبتي لاستزيد مما قرره القانون الدولي بشان ما يجري. صادفت كتابا، ربما كان علي هامش ما ابحث عنه. ولكن عنوانه كان كافيا في دلالته: «من النكبه الي غزه.. هو لا يزال احتلالا». وهو من اصدارات «دار العين للنشر» ومن اعداد وترجمه الباحث النابه نائل الطوخي. ويقوم علي ترجمه كتابات لكتاب وادباء وشعراء اسرائيليين، اهمهم المؤرخ الاسرائيلي البارز والمثير للجدل «ايلان بابيه» Ilan Pappé احد اعمده جماعه «المؤرخين الجدد» التي بدات قبل سنوات في سرد الروايه الحقيقيه لما جري في الاربعينيات (وقبلها) من القرن الماضي. وهي الروايات التي تدحض بالادله والوثائق، ما روجه الصهاينه علي مدي عقود، ووجد طريقه للاسف الي السنه واقلام بعض من اعلاميينا في هذه الايام من قبيل ان الفلسطينيين باعوا ارضهم.

اشتهر ايلان بابيه بكتابه المؤسس «التطهير العرقي لفلسطين» The Ethnic Cleansing of Palestine الصادر سنه ٢٠٠٦ والذي يقوم علي معلومات وبيانات مستقاه من الارشيف الوطني الاسرائيلي وارشيف الجيش الاسرائيلي. بالاضافه الي يوميات «الاباء المؤسسين» من اعضاء الحركه الصهيونيه مثل بن جوريون.

ايلان بابيه الذي ولد في الخمسينيات من القرن الماضي لابوين يهوديين من اصول المانيه كانا قد هربا الي اسرائيل من الملاحقه النازيه لليهود خلال ثلاثينيات القرن العشرين. يحكي في كتابه كيف مارس اليهود في فلسطين افعال النازيين انفسهم. وكيف دمروا القري، وسمموا الابار، وسرقوا الممتلكات، وزيفوا التاريخ.

لن تسمح هذه المساحه بالطبع بتلخيص الكتاب المؤلم (٣٢٠ صفحه) والذي لم يعرف به بالطبع اولئك المزيفون للوعي الجمعي لاجيالنا القادمه علي شاشات التليفزيون كل مساء. كما لعلهم لا يعترفون للاسف «بالايجاز» الذي اختاره نائل الطوخي عنوانا لكتابه الذي كان قد صدر بمناسبه الحرب علي غزه ٢٠٠٨-٢٠٠٩ «.. هو لا يزال احتلالا».

اخشي ان بعضنا «هنا وهناك»، ليس بحاجه فقط الي ان يستمع الي النائب البريطاني، او الي الاطلاع علي كتابات اسرائيليه «منصفه»، بل لعله بحاجه ايضا الي التذكير ببدهيات كنا قد اشرنا الي شيء منها مرارا وتكرارا. ولعلي احاول هنا ان اجملها في نقاط عشر:

١ ــ ان غزه بحكم الجغرافيا والتاريخ وروابط الثقافه والدم بوابه مصر الشرقيه والعمق الاستراتيجي لامنها القومي. ثم.. اكرر؛ ثانيه والفا: ان حماس (اجرمت او احسنت) ليست غزه. وغزه ليست فلسطين. وان المعايير الجيوستراتيجيه للامن القومي لا تتغير هكذا بين يوم وليله.

٢ــ ان اسرائيل «المحتله» هي «الجيش» الذي خاض معه الجيش المصري خمس حروب، وان سيناء مازالت ناقصه السياده بسبب قيود وضعها الطرف «الاسرائيلي» ومازال يتمسك بها حتي الان. وان تحت رمالها الطاهره رفات ٢٥٠ اسيرا مصريا «اعزل» قامت الفرقه العسكريه الاسرائيليه «روح شاكيد» بقتلهم بل ودفن بعضهم احياء (كما تقول الروايه الاسرائيليه ذاتها).

٣ــ ان اسرائيل «تلك» هي المستفيد الوحيد من القضاء علي «المقاومه». وبحسابات الامن القومي «المصري» الحقيقيه، فان مزيدا من الاختلال في ميزان القوي الاقليمي لصالح اسرائيل «تلك» لن يكون طبعا في صالح مصر لا علي المدي القصير ولا البعيد.

٤ــ حسب قواعد القانون الدولي، فالقوات الاسرائيليه «قوات احتلال». وحق الشعوب في مقاومه المحتل «باي وسيله كانت»، حق لا يقبل المناقشه. وكل شعوب العالم تقريبا عرفته، من الفرنسيين وغيرهم الذين قاوموا النازي، الي المصريين انفسهم الذين قاوموا الانجليز يوما. وقاموا بعمليات «فدائيه» خلف صفوف المحتل الاسرائيلي في سيناء يوما اخر. باختصار هذه ليست حربا بين دوله غزه ودوله اسرائيل. هذه حرب بين حركه تحرر وطني ودوله الاحتلال.

٥ــ ان كل ما يطلبه الفلسطينيون لانهاء المعركه هو فك الحصار الخانق الذي طال لما يقرب من عقد من الزمان، والذي يحول غزه الي سجن كبير (والوصف لجيمي كارتر الرئيس الامريكي الاسبق لا غيره) وهو الوضع الذي يحول الحياه اليوميه للفلسطينيين هناك الي قطعه من جحيم.

٦ــ ان الواقع اليائس الذي لا افق له يوفر بالضروره التربه الاكثر ملاءمه للعنف والتطرف. حيث يتزايد الشعور بانه لم يبق غيره سبيلا للحياه، مجرد الحياه. ناهيك عن الكرامه والانسانيه. وهو الوضع الذي، مع الوقت سيدفع ثمنه «الجميع». اكرر: «الجميع». وان حسابات الامن القومي «الواعيه» ينبغي ان تضع ذلك رقما في المعادله.

٧ ــ علي اولئك الذين ما زالوا اسري «ما كان» ان يدركوا حقيقه ان «لا فارق يذكر» بين المبادره المصريه الاخيره، وبين تلك (نوفمبر ٢٠١٢) والتي تمت علي يد الدكتور مرسي وبرعايه هيلاري كلينتون (قبل ساعات من الاعلان الدستوري / الازمه، وربما مهدت اليه). الا ان علي الجانب الاخر ايضا ان يدرك ان قواعد الدبلوماسيه تعرف انها لا تتحرك في الفراغ. وان للوساطه احكامها. وان العلاقات الرسميه المصريه الغزاويه لا يمكن مقارنتها بين التاريخين.

٨ ــ انه وفضلا عن ان القصه بدات في الخليل (اي في الضفه)، وبغض النظر عن موازين معروفه للقوي داخل القطاع، فان الواقع يقول ان صواريخ الاباتشي وقذائف الاف ١٦ لا تفرق علي الارض بين اعلام خضراء او صفراء. او بين صاحب لحيه او حليقها. وان الواقع الميداني يقول ان كل فصائل المقاومه قد صارت في اتون المعركه: حركه حماس، الجهاد الاسلامي، الجبهه الشعبيه، الجبهه الديمقراطيه، ألوية الناصر صلاح الدين، كتائب شهداء الاقصي..وغيرها. ثم ان علينا «جميعا». وليس علي الاخوه في غزه ورام الله فقط ان نعض علي المصالحه الوطنيه بالنواجز، والا يزايد احد الاطراف علي الاخر (بما ضحي او اهدر) من دماء. والا يظن بعضهم «اَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا» وحدهم. فنجد انفسنا وقد عدنا بالفعل الي المربع صفر. ونكون بحق قد اهدرنا ما كان من دماء وتضحيات. ويتصل بهذا حقيقه ان اسلوب طرح المبادرات واسلوب التعاطي معها يمكن له ان يعزز الوحده الوطنيه بما ينهي الانقسام، او ان يكرس هذا الانقسام، بما لذلك من تبعات. ينبغي علينا جميعا ان ننتبه الي حقيقه ان الحرب هي علي الشعب الفلسطيني، وليست مع غزه. والا ننسي ان بدايه القصه كانت في الخليل، لا في خان يونس.

٩ ــ علينا ان ندرك ان حسابات المستقبل، ومعادلات «امننا القومي»، بحكم التعريف والمنطق لابد وان تظل بعيدا عن خلافاتنا الداخليه الانيه. وان علي الجميع؛ علي هذا الجانب من الحدود او ذاك، ان في القاهره او غزه او رام الله؛ مناصرين للاخوان المسلمين او مناوئين لهم ان يدرك ذلك جيدا. مهما كانت مراراته، ومهما ضللته حسابات اللحظه «الراهنه» او اعماه غبارها.

١٠ــ ثم يبقي علي الجميع؛ في الداخل او في الجوار. في هذه العاصمه او تلك؛ متربصه او متحفزه ان نسمو فوق مشاعرنا الانيه او «الانانيه». وان نتواجد «تعاونا، لا تنافسا» وان ندرك ان هناك في التاريخ لحظات تحتاج رجالا عرفناهم في سبتمبر / ايلول ١٩٧٠.. اتذكرون.

فقد كنت قد كتبت في الموضوع الاحد الماضي، وكنت اظن ان لا حاجه للعوده اليه، فلا جديد هناك. ولكن بعد ان انتقلت الحرب من الارض الي شاشات تليفزيون «الاشقاء» لتصبح اشد قسوه من قنابل «الفوسفور الابيض»، وبعد ان بدا ان البعض «هنا وهناك» قد تاهت منه البوصله، واكتفي بالنظر تحت اقدامه، وجب التذكير.

ــ غزه: حديث الحوار الاستراتيجي

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل