المحتوى الرئيسى

سلوكيات اللسان 20- الهجاء جمال قطب

07/19 11:14

«الهجاء» احد ابرز جرائم اللسان، وللاسف الشديد قد احترفه بعض الشعراء واعتبروه فنا ولونا وبابا من ابواب الشعر. بل ان سوق الهجاء قد راجت فوجدت نقادا يستحسنون الهجاء. فقد راينا في تراثنا الشعري من الهجاء ما يتجاوز اللياقه وحدود الادب فضلا عما يجب ان يتحلي به المثقف والشاعر من اخلاق رفيعه. فالشاعر في حقيقته اديب ذو حس رفيع يتطوع لينشر الفضيله والحكمه بين الناس. واذا ذكر الهجاء ذكرنا من الشعراء الاخطل وجرير والفرزدق اصحاب «النقائض» المشهوره حيث دارت بينهم معارك لسانيه بلغ الهجاء فيها مبلغا فانشا كل منهم قصائد كثيره استهلك بها اعراض الاخرين سبا وشتما وغمزا ولمزا دون حدود.

وفي الهجاء يفتخر المتكلم بنفسه كذبا، ويحقر الاخر كذبا، فالهجاء سوق رائجه للكذب والفحشاء، وتجاوز الحرمات. ولا نستطيع ان ننسي ان اميرا عربيا هو «الزبرقان بن بدر» قد تعرض لهجاء قاس من «الحطيئه» الشاعر الهجاء المشهور، اذ هجاه الحطيئه قائلا:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فحسبك انت الطاعم الكاسي

ومعني هذا الهجاء ان الرجل لا كرامه له ولا شرف، فلا يصلح لزعامه ولا لرياسه اذ منتهي ما يفلح فيه ان يطعم نفسه ويكسوها، وهذا هجاء لاذع. فاشتكي الامير الي عمر بن الخطاب، فلما ثبت فحش الهجاء فقرر عمر ان يحبس الحطيئه تاديبا له، وكان في المدينه «جب» (بئر جف ماؤه) فجعله عمر سجنا انفراديا للعقاب. ومر عمر بجوار الجب فسمع الحطيئه يقول:

ماذا اقول لافراخ بذي مرخ

زغب الحواصل لا ماء ولا شجر

القيت كاسبهم في قعر مظلمه

فاغفر عليك سلام الله يا عمر

فراجع عمر نفسه في مدي مشروعيه عقوبه السجن، فالجاني يستحق العقاب ولكن ما ذنب من يتولي الجاني امرهم، وقرر عمر الغاء حكم الحبس وهدد الحطيئه بقطع لسانه، فكانت المفاجاه ان خشع الحطيئه باكيا معللا ما يفعله بانه عاده سيئه تعودها من الجاهليه، وتكسب بها، واشتهر بذلك، وقد تحولت تلك العاده السيئه عند الحطيئه الي مرض نفسي خطير، فالرجل ــ غفر الله له ــ قد انصرف الناس عنه لبذاءه لسانه فاقام في بيته لا يخرج الي الناس، ومع ذلك مارس عادته السيئه فهجا اباه وامه وزوجته فتركه جميع الاهل فوجد نفسه وحيدا فهجا نفسه قائلا:

ابت شفتي اليوم الا تكلما

بسوء فما ادري لمن انا قائله

اري له وجها شوه الله خلقه

فقبح من وجه وقبح حامله

واذا كان الشعراء قد جعلوا الهجاء فنا، فانهم من حيث لم يدروا فتحوا ابوابا واسعه امام شياطين الانس ليخوضوا فيمن حولهم شتما وسبا ولعنا.

وقد واجه الرسول وباء الشتم والسب مواجهه واضحه فصنع لوحه تعليميه حيث قال: «اِنَّ مِنْ اَكْبَرِ الْكَبَائِرِ اَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ»، قِيلَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟» قَالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ اَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ اَبَاهُ وَيَسُبُّ اُمَّهُ»

وكثيرا ما كانت نصائح الرسول ان يشير الي اللسان قائلا: «امسك عليك هذا».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل