المحتوى الرئيسى

عبدالحسين شعبان يكتب: نصرٌ لـ "إسرائيل" أم هزيمةٌ للأمم المتحدة؟

07/09 14:42

اثار تصويت 74 دوله من بين 159 بالجمعيه العامه للأمم المتحده لصالح "اسرائيل" بانتخاب مردخاي اميهاي نائباً لرئيس اللجنه الرابعه لتصفيه الاستعمار التابعه للامم المتحده، جدلاً مستفيضاً علي المستوي الدولي القانوني والدبلوماسي والسياسي.

وفي اروقه الامم المتحده وخارجها، وفي اطار المجتمع المدني، اذ ان لمثل هذا التصويت دلالات سياسيه وقانونيه واخلاقيه، فكيف اختار ما يسمّي بالمجتمع الدولي، دوله عنصريه لا تزال تمارس نهجها الاستعماري الاستيطاني منذ قيامها العام 1948 عبر سياسات الاجلاء والتهجير للشعب العربي الفلسطيني وبناء المستوطنات علي ارضه ومنع شعبه من حقه في تقرير المصير والعوده الي وطنه، لمثل هذا المنصب؟

الدلاله الاولي هي التعارض الشديد بين مبادئ وميثاق الأمم المتحدة وبين قراراتها احياناً، فضلاً عن التعارض مع القواعد العامه الامره للقانون الدولي المعاصر، فقد مثّل قرار اختيار "اسرائيل" سابقه خطيره، فكيف لدوله تنتهك حق شعب اخر وتحتل اراضيه، تصبح في عداد الدول الراعيه لتصفيه الاستعمار وهي مستعمِره؟ وكان الاجدي بالجمعيه العامه الطلب من "اسرائيل" التعهد بانهاء احتلالها، والقيام بما يدعم ذلك عبر التزامات محدّده امام المجتمع الدولي، وعلي الاقل تنفيذاً لقرارات الامم ذاتها .

الدلاله الثانيه انكشاف زيف دعوات الكثير من الدول، وخصوصاً الدول الغربية التي تتشبث ليل نهار بقيم الحريه والعداله والسلام وحقوق الانسان، فكيف تؤيد دوله محتله في اشغال منصب يتعلق بتصفيه الاستعمار؟ وجاء ترشح "اسرائيل" من المجموعه الاقليميه لغرب اوروبا ودول اخري، والتي تراستها بريطانيا احدي الدول الاساسيه المسؤوله عن ماساه الشعب العربي الفلسطيني، باصدارها وعد بلفور العام 1917 وتشجيعها علي الهجره اليهوديه الي فلسطين، وخصوصاً خلال فتره انتدابها بعد الحرب العالميه الاولي من العام ،1922 وصولاً لقرار التقسيم رقم 181 الذي صدر عن الامم المتحده العام ،1947 ومن ثم اندلاع الحرب العربيه - "الاسرائيليه" بعد قيام "اسرائيل" العام ،1948 ومن الغريب ان هذه المجموعه تضم اضافه الي بريطانيا و"اسرائيل"، دوله مثل تركيا الاسلاميه ونيوزيلاندا وغيرهما .

والدلاله الثالثه تتعلق بانهيار المنظومه القيميه والاخلاقيه للمنظمه الأممية التي تطبق سياسه ازدواجيه ومعايير انتقائيه في التعامل مع القضايا الدوليه، وخصوصاً التي تخصّ العالم الثالث، والبلدان العربيه والاسلاميه، ومثل هذا النصر يعتبر اشدّ عاراً من الهزيمه ذاتها، فاللجنه التي اُنتخبت "اسرائيل" لها معنيّه بالقضيه الفلسطينيه، وهي مطالبه بالتحقيق في انتهاكات "اسرائيل" للقانون الدولي، ولحقوق الانسان، وتقديم تقارير دوريه للجمعيه العامه، بذلك، فهل من المتوقع ان تساهم "اسرائيل" في ادانه نفسها وممارساتها وسياساتها العدوانيه، الاستعماريه الاستيطانيه؟ واقل ما يقال عن هذا الاختيار انه استفزاز للضمير الانساني وللمجتمع الدولي .

اما الدلاله الرابعه، فهي تعكس انحسار الدور العربي علي المستوي الدولي، الامر الذي دفع دولاً اقرب الي الحياديه للتصويت لصالح "اسرائيل"، ولو كان الموقف العربي موحّداً وقوياً واستخدم الاسلحه التي بيده، وخصوصاً الاقتصاديه والماليه، لما تمادت الكثير من الدول علي التصويت لصالح "اسرائيل" في هذا الموقع او في غيره من المواقع، ولنا ان نتذكّر موقف العرب بين العام 1967 والعام ،1973 وخصوصاً باستخدام سلاح النفط في المعركه، حيث اقدمت اكثر من 30 دوله افريقيه علي قطع علاقاتها الدبلوماسيه مع "اسرائيل"، اضافه الي مواقف الدول الاشتراكيه السابقه التي استمرت في قطع علاقاتها مع "اسرائيل" وادانه سياساتها، وتاييد حقوق الشعب العربي الفلسطيني حتي اواخر الثمانينات، عندما بدات موجه التراجع العربي والدولي، حيث استعادت "اسرائيل" زمام المبادره، واعادت علاقاتها مع جميع البلدان التي قطعتها لاسباب تتعلق باحتلالها للاراضي العربيه، بل وحصلت في بعضها علي موقع الدوله الاكثر رعايه، وتوغّلت في افريقيا واسيا، اضافه الي نفوذها الاوروبي في الدول الغربيه والشرقيه لاحقاً .

وكانت المجموعه الاسلاميه والعربيه ان عقدت اجتماعات مع المجموعات الاقليميه الاخري بهدف منع هذا الترشح، ولكن الاجراءات الخاصه باختيار نواب رؤساء اللجان لا يتيح وقف الترشح، فضلاً عن ان ثقل هذه المجموعه، وكذلك دول عدم الانحياز اصبح خفيفاً وغير موحّد .

الدلاله الخامسه ان البلدان التي صوّتت لصالح اختيار "اسرائيل" نائباً لرئيس لجنه تصفيه الاستعمار الرابعه، تناست مواقف المجتمع المدني العالمي، حيث صوّتت اكثر من ثلاثه الاف منظمه مدنيه ضد سياسات "اسرائيل" العنصريه في مؤتمر ديربن العام ،2001 والذي جري فيه استذكار موقف الامم المتحده والقرار 3379 الذي صدر في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني العام 1975 الذي دمغ الصهيونيه بالعنصريه والتمييز العنصري، وهو القرار الذي صدر بُعيد الاعتراف بمنظمه التحرير الفلسطينيه كممثل شرعي عن الشعب العربي الفلسطيني وقبولها عضواً مراقباً في الامم المتحده العام ،1974 وكذلك العديد من القرارات لصالح الشعب العربي الفلسطيني في الامم المتحده في فتره ولايه الأمين العام كورت فالدهايم الذي حاولت الصهيونيه الانتقام منه ومعاقبته لاحقاً في محاوله لتشويه سمعته .

الدلاله السادسه هبوط قيمه الامم المتحده، فكيف لنظام استعماري ان يتراس لجنه مكافحه الاستعمار، وهو النظام العنصري الوحيد علي المستوي العالمي بعد انتهاء ليل العنصريه الطويل في جنوب افريقيا في العام 1994 باجراء انتخابات لكل الاعراق والانحدارات والتكوينات، وفوز نيلسون مانديلا، حيث جري التوجّه صوب دوله ديمقراطيه مدنيه غير عنصريه تقوم علي مبادئ المساواه والعداله وسياده القانون؟ فهل يمكن تكليف نظام الابرتايد الذي حكم جنوب افريقيا لثلاثه قرون ونيّف من الزمان من ترؤس لجنه للقضاء علي العنصريه ام ان في الامر ثمه بعداً سريالياً حقيقياً، او هو جزء من مسرح اللامعقول؟!

الدلاله السابعه ما قيمه المبادئ التي يتم تسطيرها، ففي هذا الاختيار هناك هزيمه للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان واتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام ،1977 بخصوص حمايه ضحايا المنازعات الدوليه المسلحه، وحمايه ضحايا المنازعات المسلحه غير الدوليه، اضافه الي قضايا اللاجئين الفلسطينيين الذين مضي عليهم اكثر من 66 عاماً . ان هذا القرار ياتي تحدّياً للمجتمع الدولي نفسه لانه يتناقض مع توجّهات الامم المتحده ذاتها التي تنتمي "اسرائيل" الي عضويتها، لكنها لا تعترف بقراراتها ولا تطبّقها ولا تحترمها، وخصوصاً القرار 181 بخصوص التقسيم والقرار 242 والقرار 338 وغيرها من القرارات الخاصه بحقوق الشعب العربي الفلسطيني وانسحاب "اسرائيل" من الاراضي العربيه المحتله .

ان انتخاب قوه احتلال ونعني بها "اسرائيل" لمنصب رفيع يتعلق بانهاء الاستعمار يتناقض مع صدقيه اللجنه ذاتها، ف"اسرائيل" تواصل بشكل منهجي، سياساتها غير الشرعيه وغير القانونيه، العدوانيه والعنصريه ضد الشعب العربي الفلسطيني وتنتهك مبادئ الامم المتحده وميثاقها .

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل