المحتوى الرئيسى

حسام عيتاني يكتب : محاولة في رواية «الفتنة» اليوم

06/29 17:19

يتغامز ولداي في ما بينهما عند محاولتي شرح الصراع السني - الشيعي الراهن، تغامز المشفقين علي غفله الغافل او المغفل. ذاك ان مهمه نقل حمولات التاريخ الملتبس الي عقلين شابين لم يصابا بلوثه الصور النمطيه والاحكام الجاهزه، اصعب مما تبدو

تبدا المحاوله من الحاضر، بحديث في الجغرافيا السياسية في الشرق الاوسط. مواقع الدول ومصالحها وتاريخها الحديث. تطلعاتها وازماتها واقتصاداتها. الحروب التي خاضتها في العقود الماضيه وما خلفته من اثار في مجتمعاتها. الغزو العراقي للكويت ثم الاحتلال الاميركي للعراق بعد عقد ونيف. تبدا المشاكل في الظهور عند الوصول الي مكونات هذه الدول وشعوبها. ما هي الطوائف؟ كيف ظهرت؟ لماذا تتدخل في السياسه؟ ما علاقه رجال الدين بالقبائل في العراق؟ لماذا زعيم «حزب الله» رجل دين معمَّم؟

تقود الشروحات «الموضوعيه» الي مزيد من الاسئله البريئه الي حدود الازعاج. فهمنا ان ايران والعراق خاضا حرباً مدمره وان الاولي تحاول منع تكرار الحرب عليها من خلال الهيمنه علي الثاني، ولكن ما دخل ايران في لبنان؟ فلسطين؟ الزحف الي القدس؟ وما علاقه كل هذا بميشال عون؟

تتسع ابتسامه اليافعين عند الانتقال الي الخلفيات التاريخيه. علاقه القوميات في الدول الإسلامية بالدين معضله اخري تستوجب الشرح. لماذا تحولت ايران الي التشيع؟ فلتتشيع وما هي المشكله؟ ثم هناك «مصيبه» المذاهب. لماذا ظهرت؟ واذا كان الاختلاف رحمه، ما الهدف من كل هذا التقاتل؟ وما اهميه ان يكون الاتراك علي المذهب السني الحنفي والايرانيون خصوم الاتراك اختاروا التشيع؟

ولا مفر من العوده الي الاصل. الي الايام الاولي للخلاف بين السنه والشيعه. هنا تتسع الحدقات وتنفتح الافواه دهشه. كيف السبيل الي كشف الرابط السري بين ما جري قبل 1400 سنه وبين صراعات الحاضر؟ الاستنكار وعدم التصديق هو ما يقابله كل من يسعي الي تفسير حاله المشرق العربي اليوم بالاستناد الي المرويات التاريخيه.

الفارق بين هذه المحادثه وبين ما سجله الطاهر بن جلون في كتابه «العنصريه كما شرحتها لابنتي» يتمثل في ان العنصريه ظاهره يمكن العثور علي مسبباتها والمؤثرين والمتاثرين فيها في الحاضر والمحيط. والامثله عليها والشروحات اللازمه لها لا تتجاوز معطيات الواقع والتاريخ البشري التقليدي. ماضي الظاهره وحاضرها وخلفياتها قابلٌ كله للاحاطه «العقلانيه» اذا صح التعبير، ضمن مقولات اطنبت العلوم الاجتماعيه والسياسيه في درسها وفهمها وتعميمها. الخلفيات الاقتصاديه والاستغلال السياسي واللعب علي اوتار الخوف من الغرباء والاجانب والمختلفين، وسوي ذلك من مكونات العنصريه لم تعد تفاجئ احداً او تثير استغراباً ما دامت الظاهره وضِعت في سياقاتها الثقافيه والتاريخيه والسياسيه الصحيحه.

في وضعنا، يختلف الامر اختلافاً بيّناً. فنحن نتحدث في شان راهن وملموس لكن خلفياته تقع في المجال المقدس. صراعاتنا نخوضها نحن، لكن باسم اولياء وصحابه وخلفاء وامراء وشخصيات فوق النقد والتناول التاريخي العادي. والحال ان هذه الهوه بين المقدس والسياسي اليومي، بين الديني والعادي، تحول دون عقلنه الخلافات السياسيه التي يفترض انها تدور بين بشر فانين، تحركهم مصالح وطموحات ونوازع ورغبات ارضيه.

وترتطم كل الجهود الهادفه الي تقديم تفسير موضوعي للصراع السني - الشيعي الحالي بالروايه الدينيه المؤسسه، ما يخرج الصراع فوراً من حيز الادراك «العلمي» ويعيده الي السرديات الغيبيه. معلوم ان مؤلفات كثيره درست الفتنه في العهد الاسلامي المبكر، وضعها باحثون لامعون في العالم العربي وفي الغرب وقدمت رؤي تستند الي حركيه الجماعات وتطورها وانتماءاتها القبليه والجهويه والحساسيات السابقه للنبوه واثرها في تبلّر الخلافات التي افضت الي ما افضت اليه من انقسام واحتراب. ومعلومه ايضاً التفسيرات التي لا تفتقر الي الوجاهه والتي تتناول نشوء المذاهب ونجاحها في مناطق دون غيرها وملامستها مصالح المؤمنين من اهالي البلاد المفتوحه والامصار، وجدل الملّه المعارضه والسلطه القائمه. تضاف الي ذلك، الدراسات التي تناولت تاسيس الدوله العربيه - الاسلاميه وما كانت تمثل بالنسبه الي النخب الدينيه والعسكريه واراء المؤرخين المسلمين وغير المسلمين في هذه الصيروره.

بيد ان كل ذلك لا يكفي للاجابه عن سؤال يطرحه احد اليافعين: ما علاقه هذه الاحداث المغرقه في القدم بما يجري اليوم؟

لمتفذلك ان يلجا الي لوم قوي خارجيه علي اشعال حروبنا الاهليه، كان يقول ان الغزو الأميركي للعراق هو اس البلاء، او ان يستسهل لوم ايران علي اطماعها التوسعيه. اما الصهيونيه العالميه فجاهزه دائماً لخدمه هذه التفسيرات البتّاره. ولكن، في واقع الامر، لا تقدم هذه الاراء ايه اضافه في البحث عن سبب هذا التعلق بالماضي.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل