مصر والكويت "وحدة مصير" ارتوت بدماء الشهداء..

صوت المضيفه ينبهنا الي الاقتراب من مطار الكويت الدولي، فيحرك من الذاكره صوراً من الماضي البعيد، والحاضر القريب.. اما صور الماضي البعيد

فتتحرك منها علي شاشه الذاكره يوم بدات اول خطوه في حياتي  العمليه في مكتب صغير بمبني الاذاعة في الشريفين، انضم فيه الي منشئي إذاعه صوت العرب احمد سعيد والزميله ناديه توفيق.. في رحلتي الممتده بصوت العرب كانت الكويت وجميع الدول العربية في بؤره اهتمامنا، نتابع اخبارها ونتعرف من خلال ما يتاح من اخبار ومعلومات علي الكثير من الحياه السياسيه والاجتماعيه في هذا البلد الشقيق.

اما ذكريات الماضي القريب فتتعلق بيوم من أيام العرب الحزينه، يوم غزا صدام حسين هذا البلد العربي الشقيق. يومها كنت عضواً باللجنة التنفيذية لحزب العمل ومديراً عاماً لجريده الحزب (جريده الشعب) وكنت احد كتاب الجريده.

في اللحظه التي سمعت فيها خبر العدوان المشئوم سارعت الي مقر الحزب، وطلبت من المهندس ابراهيم شكري ان يدعو اللجنه التنفيذيه لاجتماع عاجل لاصدار بيان يدين هذا العدوان علي شعب عربي شقيق. لفتني ان المرحوم عادل حسين، رئيس تحرير الشعب والمهندس ابراهيم شكري يطلبان التمهل حتي تتكشف الامور؟! ورفضت مع عدد من الزملاء اعضاء اللجنه التنفيذيه هذا الموقف. وامام اصرار عدد من الاعضاء علي اصدار بيان يدين العدوان طلب المهندس ابراهيم شكري تشكيل لجنه من ثلاثه اعضاء لصياغه البيان المطلوب. وضمت اللجنه كلا من الاستاذ محفوظ عزام المحامي والدكتور صلاح عبدالمتعال والسيد الغضبان. وتمت صياغه بيان يطالب صدام حسين بسحب قوات العدوان فوراً.

سلمت البيان للمرحوم عادل حسين، رئيس تحرير الشعب طالباً نشره في الصفحه الاولي بشكل بارز باعتباره البيان المعبر عن راي الحزب. غير ان المرحوم عادل نشر البيان في زاويه صغيره بينما العناوين الرئيسيه للجريده كانت تتعاطف بل وتؤيد بقوه غزو صدام.

ارسلت لعادل مقالاً بعنوان: «غزو صدام للكويت الفتنه الكبري التي اصابت الاسلام في مقتل». واشهد ان المرحوم عادل حسين (وهو صديق عزيز احترمه) نشر المقال علي صفحه كامله.. وعدت لنشر مقال اخر في نفس الاتجاه، لكن قياده الحزب كانت قد اتخذت قراراً بمنع نشر مقالي الذي يهاجم غزو صدام للكويت. فقدمت استقالتي من اللجنه التنفيذيه لحزب العمل ومن عضويه مجلس اداره جريده الشعب.

ولم اكن في هذه الفتره علي صله من قريب او بعيد باي شخص له علاقه بالكويت، لكنني اتخذت هذا الموقف انطلاقاً من مبدا راسخ لديَّ يرفض بكل حسم عدوان اي بلد عربي علي بلد عربي اخر.

وتتراجع صور الماضي البعيد والقريب لتحل محلها صور الحاضر، وانا اتابع وفود الدول التي حضرت الي مصر لمشاركه الشعب المصري الاحتفال بتنصيب رئيس جديد، واري سمو امير دولة الكويت علي راس وفد الكويت ليكون هذا التشكيل للوفد الكويتي رساله قويه وواضحه تعبر عن مستوي الدعم الكويتي لمصر اميراً وحكومهً وشعباً.

مع توقف محركات الطائره توقفت الذكريات، وهبطت من الطائره لاعايش الواقع علي ارض هذا البلد العربي الشقيق.

رحلتي هدفها تفعيل اتفاق تعاون بين مدينه الانتاج الاعلامي المصريه وبين تليفزيون الكويت، وهو اتفاق يتعلق بانتاج اعمال دراميه مشتركه.

بعد الترحيب الحار  والمقدر من المسئولين بوزاره الاعلام بدات الاجتماعات لمناقشه تفعيل الاتفاق، ولفتني ان تمثيل الوفد الكويتي كان تمثيلاً رفيع المستوي، في مقدمته الدكتوره هيله المكيمي، وكيل وزاره الاعلام للتخطيط الاعلامي، والاستاذ محمد الشمري، وكيل وزاره الاعلام المساعد للشئون الماليه والاداريه وعدد من الاخوه رؤساء الاقسام المعنيه. انتهت المناقشات حول التفاصيل سريعا وتصورت ان المهمه قد انتهت.

لكن الدكتوره «هيله» بعد ان انتهت المناقشات والامور الاجرائيه رات ان تتسع دائره الحوار وان نتطرق الي افاق اوسع وارحب نخطط فيها لتعاون مثمر في مجال الاعلام. بدات الدكتوره هيله بابلاغنا باعتذار الشيخ سلمان الحمود الصباح وزير الاعلام عن الحضور لانشغاله باجتماعات مهمه، وقالت انه طلب منها ابلاغ الوفد المصري بان مجالات التعاون مفتوحه بغير حدود وانه يؤمن ايماناً راسخاً بان العلاقات المصريه الكويتيه يجب ان تنطلق الي افاق واسعه من التعاون المثمر الذي يحقق الفائده للشعوب العربيه كلها وليس للشعبين المصري والكويتي فحسب. واكد الشيخ سلمان في رسالته التي نقلتها عنه الدكتوره هيله ان ما يربط مصر والكويت ليس مجرد ارتباط مصالح او تعاون اشقاء بل هو ارتباط «مصير مشترك» يقوم بناؤه علي اساس راسخ روته وعمدته ازكي الدماء، دماء شهداء الكويت علي ارض سيناء في حرب التحرير المصريه وارواح شهداء مصر  علي رمال الكويت في حرب تحريرها من عدوان صدام.

كنت انصت الي الدكتوره هيله وهي تبلغنا هذه الرساله، واري امامي افاق التعاون تتسع بغير حدود. ولم تدع لنا الدكتوره هيله مهله للانطلاق بالخيال بعيداً بل زادت علي ذلك اطلاعنا علي رساله رقيقه بعث بها علي هاتفها المحمول سعاده صلاح المباركي، وكيل الوزاره الموجود خارج الكويت. كانت الرساله القصيره معبره بكلمات موجزه عن اهتمام بالغ بالتعاون المشترك في مجال الاعلام وان يتم الحرص علي ان تكون الاعمال المشتركه التي تحمل شعاراً مصرياً وكويتياً علي مستوي متميز، وان تكون الرساله الاعلاميه التي تبثها هذه الاعمال المشتركه رساله تنوير عربيه بحق.

وبعد هذه الجرعه التي اشاعت تفاؤلا كبيرا طرحت الدكتوره هيله اطاراً لهذا التعاون يتطلع الي اعاده الترابط العربي الي القوه التي تضعه علي خريطه النشاط الاعلامي المتميز. وطرحت سيادتها اهميه الاهتمام بتاريخنا الاعلامي والعربي الذي قدم اسهامات متميزه في جميع مجالات المعرفه الانسانيه، والذي لم تترك بصماته واضحه في كثير من مجالات التقدم العلمي واضافاته للحضاره الانسانيه لا يمكن لمنصف ان ينكرها او يقلل من شانها.

وفي هذا السياق، توقفت طويلاً مع مناقشات جاده شارك فيها اعضاء الوفدين الكويتي والمصري.. توقفت امام اهميه الفنون بكل الوانها في الارتقاء بحاسه التذوق وتهذيب النفوس واهميه الاعمال الدراميه الجاده البعيده عن الاثاره الرخيصه والساذجه في تمتين العلاقات بين الشعوب العربية. فالاعمال الدراميه المصريه اسهمت بقوه وقبل ظهور دعوات القومية العربية، اسهمت في تشكيل الوعي العربي بهذه الروابط الاخويه. والهدف اليوم ان نشجع الاعمال الدراميه التي تقدم نمط الحياة اليوميه للشعوب العربيه، ومشاهده المشاهدين في كل بلد عربي لمثل هذه الاعمال تجعلهم يتفاعلون مع اشقائهم في المجتمع الذي يتعرض لحياتهم، وحبذا لو استطعنا ان ننتج اعمالاً دراميه تتناول علاقات انسانيه تربط بين شخصيات من اكثر من بلد عربي ويتم تصويرها في عده بلاد عربية.

استغرقنا هذا الحديث المتدفق واطلق خيالنا الي مستقبل مبشر. وتنبهت اننا في غمره الحماس لهذه الامال الطموحه تركنا الاجراءات الروتينيه وكدنا ننسي اننا في مهمه تتطلب الانتهاء من هذه الاجراءات.

التفت الي الرجل المسئول عن هذه الشئون الاداريه الاستاذ محمد الشمري، وكيل وزاره الاعلام المساعد للشئون الماليه والاداريه وسالته عن هذه الاجراءات.

ابتسم الرجل، وقال هل بعدما سمعنا من اعلي المسئولين بالوزاره يخامرك اي شك في اننا علي استعداد لتيسير كل الامور في اطار اللوائح والقوانين؟ بادلته الابتسام وقلت انني اخاف من عباره اللوائح والقوانين. لكن الرجل بادرني بلهجه جاده ليس بين الاشقاء. ما بيننا وبين مصر كفيل بان يزيل ايه «عقبات».