المحتوى الرئيسى

كيدمان تؤدي آخر أدوار غريس كيلي في افتتاح مهرجان كان السينمائي

05/15 01:09

(من اليمين) المخرج اوليفييه دهان والممثل تيم روث ونيكول كيدمان والممثله باز فيغا لدي حضورهم عرض الفيلم

بدت النجمة الاستراليه نيكول كيدمان نجمه حفل افتتاح مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته السابعه والستين بلا منازع عبر حضورها المباشر علي السجاده الحمراء في حفل الافتتاح او تجسيدها لشخصيه الممثله غريس كيلي واميره موناكو لاحقا في فيلم المخرج الفرنسي اوليفييه دهان الذي افتتح به المهرجان مساء الاربعاء.

وكما هي الحال مع هذا الحضور في حفل الافتتاح، بدا مخرج الفيلم مراهنا علي اداء كيدمان (الحاصله علي العديد من جوائز التمثيل وفي المقدمه منها الاوسكار عن ادائها لدور الكاتبه الانجليزيه فيرجينيا وولف في فيلم الساعات) في انقاذ فيلمه الذي حفل بالكثير من التناقضات وظل اسيرالحكايه الميلودراميه باسلوب الـ"سندريلا"، الفتاه وامير احلامها، وما يحيط بهما من مؤامرات.

وراي البعض ان هذا الاختيار لم يكن متناسبا مع ما تحتشد فيه دوره المهرجان من حضور لاسماء لامعه ومؤثره في عالم الفن السينمائي في مسابقته الرسميه او في تظاهراته الاخري، امثال المخرجين جان لوك غودار ومايك لي ودافيد كروننبرغ وكين لوتش والاخوان داردين واوليفييه اسايس وغيرهم.

تحتوي قصه الفيلم علي كل ما يغري المخرج والمنتج السينمائي الي نقلها الي الشاشه من شخصيه شهيره ساحره وحكايه مفعمه بالعواطف والرومانتيكيه ومشاهير ونجوم وقاده سياسيين، فضلا عن اجواء الريفيرا الفرنسيه وطبيعتها الساحره.

ولم يكن الممثل والمنتج الهندي اودي تشابرا، الذي يخوض في هذا الفيلم تجربته الانتاجيه الاولي في هوليود، بعيدا عن هذا الاحساس عندما تحدث في المؤتمر الصحفي عن ان ذلك ما جذبه الي الفيلم فضلا عن فكره شخصيه تواجه قدرها التي ستجعل الجمهور الهندي يحبه، في رد علي سؤال بهذا الشان.

ولعل اداره المهرجان في اختيارها الفيلم لعرض الافتتاح انطلقت من عده موازانات يحملها الفيلم، ففضلا عن احداثه التي تجري في الريفيرا الفرنسيه قريبا نسبيا من موقع المهرجان، فانه يحمل الكثير من المغريات لها، في عدد من الثنائيات كالصله بين الفن والسياسه وكواليسهما، والصله بين السينما والحياه الواقعيه، والعلاقه بين ضفتي المحيط الاطلسي والتباينات الثقافيه، فغريس كيلي امريكيه باتت اميره في اماره اوروبيه وفي قلب ارستقراطيه القاره الاوروبيه.

اضف الي ذلك تجسيد تلك النخبه الواسعه من المشاهير والشخصيات السياسيه، فالي جانب غريس كيلي والامير رينييه(ادي دوره الممثل تيم روث) كان هناك الرئيس الفرنسي الراحل تشارل ديغول وهيتشكوك ومغنيه الاوبرا اليونانيه ماريا كالاس والثري اليوناني الشهير اوناسيس واخرون.

كما انها في السياق السينمائي تضم الكثير من المواد البصريه التي يمكن اللجوء اليها من المشاهد الوثائقيه التي توثق حياه العائله المالكه في موناكو اوحياه الممثله غريس كيلي وقبل ذلك كله ادوارها في السينما.

وقدرما تمثل هذه المنطقه المشتركه بين الفن والحياه عنصرا مساعدا في تجسيد الشكل الفني للفيلم، فانها تمثل في الوقت نفسه تحديا كبيرا في ما تفرضه من مقارنات وما تحتاجه من معالجه ابداعيه مميزه تظهر تفرد العمل الفني وعدم خضوعه لهيمنتها.

فهل نجح المخرج اولييفيه دهان في تحقيق ذلك؟

يقودنا داهان الي فيلمه بمشهد تمهيدي نري فيه غريس كيري في اجواء احتفائيه بعد تصويرها المشهد الاخير في احد افلامها ثم في لقطه متابعه مميزه وهي تخرج من الاستوديو وتقوم احدي مساعداتها بخلع الرداء عنها وهي تسير في الطريق وكانها خلعت حياه لتدخل اخري، وليقودنا الي زواجها من الامير رينييه امير موناكو.

لقد كان مشهدا تمهيديا ناجحا اختصر فيه داهان حياتها السينمائيه الثريه تمهيدا لتصويرها في حياتها الجديده، ليبدا في مد خيوط حبكته الدراميه مع العرض الذي تقدم به المخرج البريطاني الشهير الفريد هيتشكوك لكيلي للعوده الي السينما في فيلمه "مارني" مقابل مبلغ مليون دولار.

ويجسد داهان ذلك في مشهد مفترض هو قدوم هيتشكوك لزيارتها في قصرها في موناكو لتقديم العرض اليها، والحقيقه انه لم يزرها بل اتصل بها تلفونيا.

وهنا يبدا الصراع داخل كيلي بين رغبتها في العوده الي حياه التمثيل ونجوميتها كممثله ومغادره حياتها في بلاط اماره موناكو التي يلمح الفيلم الي انها لم تكن سعيده فيها وتعاني من المؤامرات ومشكلات التاقلم مع البيئه الجديده، وبين واجبها كاميره تجاه عائلتها وزوجها الذي تحبه وشعب الاماره.

وحين تقرر الموافقه علي العوده الي السينما يثير ذلك توترا كبيرا داخل العائله ويترافق مع ازمه سياسيه كبيره عندما يهدد الرئيس الفرنسي ديغول بضم الاماره ما لم تعدل سياسيتها الضريبيه وتفرض ضرائب علي مواطنيها، بشكل يجعلها لا تشكل واحه امنه للاثرياء الفرنسيين للتهرب من النظام الضريبي في فرنسا، كما يترافق ذلك مع تصاعد ازمه الاستعمار الفرنسي للجزائر علي الحكومه الفرنسيه.

ويجمع المخرج خطي سرده بين العام (الازمه السياسيه) والخاص(الصراع الداخلي لغريس بين الفن والواجب العائلي) عبر سعي بطلته واصرارها علي لعب دور اكبر في الحياه السياسيه لبلادها، حيث ترفض عرض هيتشكوك الذي سبق ان وافقت عليه بعد ان بدات الصحافه في كتابه الاقاويل عن اسباب عودتها الي الفن.

وتخوض التحدي عبر مساعده الاب فرانسيس تاكر (الذي ادي دوره بحضور مميز الممثل فرانك لانغيلا) والكونت فرناندو دولييغ (الممثل ديريك جاكوبي)، الذي يعلمها الكثير عن تاريخ الاماره وتقاليدها وبروتكولاتها، وتبدا بالتقرب اكثر من اهالي الاماره الذين كانت تشعر بعدم محبتهم لها.

لا ينسي المخرج هنا ان ينثر بعض التفاصيل في الفروق الثقافيه بين تربيتها الامريكيه وثقل التقاليد الاوروبيه، لاسيما في اوساط الارستقراطيه الاوروبيه.

ويلجا المخرج، لخلق نوع من التشويق هنا، الي اختراع حدث خيالي من نوع مؤامرات البلاط، حيث تتوصل كيلي الي ان هناك من يتجسس داخل القصر لحساب فرنسا. ويصل هذا الخيط بعد عدد من المشاهد البوليسيه (الباهته) الي ان مؤامره ترتبط بشقيقه الامير رينيه وزوجها لانقلاب علي عرش الاماره بالاتفاق مع فرنسا.

وتبدا كيلي في رعايه عدد من النشطات الخيريه والنزول الي الشارع بشكل مباشر للتقرب من الناس، كما تلجا الي نوع من الدبلوماسيه الناعمه فتقوم باخد الطعام بنفسها الي الجنود الفرنسيين الذين يفرضون الحصار علي الاماره، كما تذهب الي باريس لتدعو الرئيس ديغول لحضور حفل خيري تقيمه جمعيه الهلال الاحمر في الاماره التي تراسها.

وهنا يصل الفيلم الي ذروته مع مشهد القائها لخطبه في الحفل الذي سبقه مشهد جميل لغناء مغنيه الاوبرا الشهيره ماريا كالاس في الحفل، في هذه الكلمه التي بدت مؤثره تتحدث عن حياتها وعن خيارها للسلام والحب ورفضها للحروب.

ولان الفيلم عن شخصيه محوريه هي غريس كيلي وعن لحظه متوتره اساسيه في حياتها، يكتفي الفيلم بهذه الذروه ليلجا في نهايه الفيلم الي وضع سطور تعليقيه توضح القضايا التي تركها مفتوحه كرفع فرنسا الحصار الاقتصادي الذي فرضته علي اماره موناكو في عام 1963.

لقد عمد المخرج داهان الي تجنب تقديم سيره كامله لبطلته واختيار لحظه متوتره يمكنها ان تكون لحظه استقطاب اساسيه تلم خيوط مختلفه من سيرتها وما يحيطها.

كما اختار التركيز علي شخصيته المحوريه وهي الممثله غريس كيلي او اميره موناكو وجعل كل ما يجري من تحديات واحداث خارجيه مجرد خلفيه لها، من هنا حفل الفيلم بعدد كبير من اللقطات القريبه لوجه الممثله كيدمان وهي تجسد مختلف المشاعر، وبدا هذا الاستخدام مبالغا فيه كما هي الحال في اللقطات التي بدت اقرب الي درس تعليمي في التمثيل بالوجه امام الشاشه ، فتبدو كيدمان وهي تقدم التعابير المختلفه مع قطع مكتوبه عن الشعور المجسد.

وحرص داهان علي ان يخفف من ثقل هذه الماده المرجعيه، اعني السجل الصوري للممثله غريس كيلي والسجل البصري الوثائقي لها كاميره موناكو، فاقتصد في استخدام الماده الوثائقيه وجعلها مجرد ظلال في فيلمه يستفيد منها في اعاده بناء احداث فيلمه (مشاهد الشخصيات التاريخيه، الازياء... الخ) او عناصر توتر درامي كما هي الحال مع علاقه كيلي مع السينما وحنينها اليها.

اما افلام غريس كيلي لا سيما مع المخرج القدير هيتشكوك الذي مثلت في ثلاثه من افلامه (تحدثت الممثله كيدمان في المؤتمر الصحفي عن اعجابها الكبير بفيلمها "النافذه الخلفيه" مع جيمس ستيوارت الذي اخرجه هيتشكوك) ومخرجين من امثال جون فورد وفريد زينمان وجورج سيتون الذي حصلت علي الاوسكار عن ادائها في فيلمه "فتاه الريف"، فبدت رصيدا بصريا ينهل منه لاعاده بناء اجواء مرحله الستينيات بل وفي استعاره بعض جماليات تلك المرحله وذلك ما اكد عليه مدير تصوير الفيلم اريك غوتيه ايضا.

ولعل المشكله الجوهريه التي واجهها الفيلم امام هذا التركيز علي شخصيته المحوريه هي ان الحبكات السانده التي حاول ان يقدمها بدت مفتعله ومجرد خلفيه لسلوك بطلته،لاغراض التشويق في خيط مؤامره البلاط، او استثمار توتر الحدث السياسي في خيط الازمه مع فرنسا. فلا تحتمل قضيه الدفاع عن حق مجموعه من الاثرياء المتهربين من الضرائب في خلق فردوس امن لثرواتهم ان تصبح قضيه (وطنيه) عادله يمكن الدفاع عنها.

وبدا احتشاد الفيلم بهذا العدد الكبير من الشخصيات الشهيره مشكله اخري في مجال التعامل مع عنصر التمثيل في الفيلم، اذ بدا معظم هذه الشخصيات في سياق من النمطيه، ولم يصل معظم من ادوا ادوارها الي سقف توقعات المشاهد لهذه الشخصيات الحاصره في باله، كما هي الحال مع تجسيد الممثل روجر اشتون غريفثس لشخصيه هيتشكوك والممثل اندريه بينفيرن لدور الرئيس ديغول، وبدت الممثله باز فيغا استثناء في حضورها الواضح في دور مغنيه الاوبرا اليونانيه ماريا كالاس علي قصر هذا الدور.

لقد كان داهان بعد تجربه ناجحه في تقديم افلام السيره، يطمح ان يحصل من كيدمان علي اداء بتلك الكثافه العاطفيه المؤثره التي قدمتها ماريان كوتيار، والتي توجتها بجائزه اوسكار افضل ممثله عن اداء دور المغنيه الفرنسيه اديث بياف في فيلمه الحياه الورديه. La Vie en Rose.

لقد سارع النقاد الي مهاجمه الفيلم وبقسوه احيانا ملتقطين تفاصيل عدم قدره الفيلم علي الخروج بحبكه ناجحه من جمله العوالم التي حرص الخوض فيها، والتحدث عن شخصيات تاريخيه ما زالت حاضره وبقوه في الذاكره والتطرق الي احداث سياسيه رافقت سيرتها.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل