المحتوى الرئيسى

زوزو نبيل.. شهرزاد الفن التي برعت في الشر

05/03 12:27

عندما كانت تقول بصوتها الساحر "بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد" وتبدأ في سرد حكاية جديدة من حكايات ألف ليلة وليلة، كانت تخطف الاسماع والقلوب، وعندما كانت تنهي ليلتها بكلمة "مولاي" التي تقولها بأنوثة ودلال كانت تأخذنا إلى عالم ساحر.. إنها الفنانة الكبيرة زوزو نبيل أو شهرزاد الفن، التي استطاعت على مدار مشوارها الفني الذي امتد نحو 60 عامًا أن تكون واحدة من أهم الفنانات في تاريخ الفن المصري.

ولعل أهم ما كان يميز زوزو نبيل قدرتها الفائقة على تقديم كافة الأدوار التي تعرض عليها مهما كانت صعبة ومختلفة ومركبة، فقدمت أدوار الزوجة المنحرفة، المرأة الشريرة، فتاة الليل، الصديقة الوفية، العجوز المتصابية، الجدة الحنون وغيرها من الأدوار.

وإذا كانت الأدوار الشريرة ارتبطت بها لفترة طويلة، فإنها في الحقيقة كانت من أطيب ما يكون، وكانت مثالًا للحنان والتفاني والتضحية، ولهذا حظيت بحب واحترام كل من حولها.

وفي ذكرى وفاتها نسترجع مشوار حياتها الملىء بالأعمال الفنية العظيمة.

لم تكن السنوات الأولى في حياة زوزو نبيل تنبىء لها بأن تكون فنانة في المستقبل، فقد ولدت عزيزة إمام حسين لأسرة متوسطة، ولم يكن التمثيل ضمن هواياتها، بل كانت تعشق كرة القدم، وكانت تمارس تلك اللعبة مع مجموعة من البنات أصدقائها، وسارت حياتها مستقرة، حتى توفى والدها، ورحل أيضا شقيقها الأكبر، فعاشت بمفردها مع والدتها، ومن هنا فكرت الأم في تزويج ابنتها لتطمئن عليها، وبالفعل تزوجت زوزو نبيل وهى في سن 13.

توقعت الأم أن تعيش ابنتها حياة سعيدة مع زوجها، خاصة مع إنجابها ابنها نبيل، إلا أن هذا لم يحدث، حيث أحب زوجها امرأة غيرها، فاضطرت للانفصال عنه، وترك منزل الزوجية والعودة مرة آخرى لمنزل والدتها، ومعها طفلها نبيل.

بعد طلاقها من زوجها، قررت زوزو نبيل أن تتفرغ لرعاية ابنها الوحيد، إلا إن الصدفة لعبت دورها في حياتها، لتتحول عزيزة إمام من مجرد مطلقة شابة جميلة إلى زوزو نبيل الفنانة، ففي إحدى الأيام اقترحت عليها سنية، -وهي ابنة صاحب العمارة التي تسكن فيها وتعمل كومبارس- أن تعمل معها في السينما، وقالت لها "تعالي اشتغلي معايا، تعالي نتسلى، الست أمينة محمد -وهي راقصة مشهورة وخالة الفنانة أمينة رزق- بتعمل فيلم وعايزة كومبارس".

وافقت زوزو نبيل على اقتراح صديقتها، وقررت أن تذهب معها لتجرب حظها في التمثيل، وعندما وصلت لمكان التصوير، وجدت أمينة محمد تقف فوق أحد الأسطح بشارع عماد الدين تشارك في إعداد ديكور الفيلم، وعندما رأتها أمينة محمد نظرت لها قائلة "شكلك حلو يا بت، عايزة أشوف رجلك حلوة ولا لا".

غضبت زوزو نبيل من الطلب الذي طلبته أمينة محمد، خاصة في ظل وجود عمال وفنانين متواجدين في المكان، فتركت المكان على الفور، وهي تقول "دي ست مجنونة".

كانت زوزو نبيل غاضبة مما حدث، وقررت العودة لمنزلها ومعها صديقتها سنية، وفي طريقهما للعودة وقفت أمام أحد مسارح شارع عماد الدين، تشاهد صور أهل الفن، وفي تلك اللحظة كان مختار عثمان أحد نجوم المسرح جالسا يدخن الشيشة، وشاهد زوزو نبيل، فقال لها على الفور "تشتغلي ممثلة"، فقالت أيوه، فقال لها "خلاص مرتبك 6 جنيه في الشهر" فلم ترد، فأسرعت سنية قائلة "وافقي يا عبيطة، دي فرصة العمر"، فوافقت على الفور، وعادت لمنزلها لتحكي لوالدتها، التي رفضت اشتغال ابنتها بالتمثيل، فحاولت إقناعها مرارًا، حتى وافقت في النهاية، بشرط أن تكون مثالًا للاستقامة والأخلاق في الوسط الفني، وهو ما تحقق بالفعل طوال مشوارها الفني.

بدأت زوزو نبيل مشوارها الفني من خلال فرقة مختار عثمان، حيث مثلت أمامه الدور الثاني في مسرحية الدكتور يويو مع زينات صدقي بطلة المسرحية، كما قدمت معه مسرحيات آخرى عديدة، ثم جاءتها فرصة العمر، عندما التحقت بفرقة يوسف وهبي، الذي تحمس لموهبتها، وعلمها أصول وقواعد التمثيل، كما أعطاها اسمها الفني زوزو نبيل، وبعدها بفترة التحقت بالمسرح القومي، ورغم تقاضيها مرتباً يقل عن المرتب الذي كانت تتقاضاه في فرقة يوسف وهبي، إلا أنها وافقت على الانضمام للمسرح القومي، لتقف بين عمالقة الفن، وتنمي ثقافتها الفنية.

النجاح الذي حققته زوزو نبيل على المسرح، جعل أنظار المخرجين تتوجه إليها، وكانت البداية من خلال المخرج كمال سليم الذي كان يبحث عن وجوه جديدة، فوقع اختياره على زوزو نبيل، وقدمها في أول أفلامه وراء الستار، بعدها قدمها المخرج توجو مزراحي في عدد من الأدوار الهامة في بعض أفلامه مثل سلفني 3 جنيه ونور الدين والبحارة الثلاثة وسلامة الذي جسدت فيه دور صديقة أم كلثوم، وتوالت أفلامها، ومن أبرزها كليوباترا وهذا جناه أبي والخمسة جنيه وعواطف وكنز السعادة وفي الهوا سوا ومن القلب للقلب.

إذا كانت زوزو نبيل تعاملت مع العديد من المخرجين، فإن المخرج حسن الإمام كانت له بصمة خاصة في مشوارها الفني، حيث قدمت معه 12 فيلم، جسدت في معظمهم دور السيدة الشريرة قاسية القلب، ففي فيلم قلوب الناس، قدمت دور المرأة الشريرة التي تقوم بإيذاء كل من يحاول الوقوف أمامها، وفي فيلم الخرساء قدمت دور زوجة الأب التي تعذب أولاد زوجها، وتحرمهم من العطف والحنان، وفي فيلم زمن العجائب قدمت دور الأم المهملة التي تعيش حياتها دون مراعاة لابنتها، وفي بين القصرين قدمت شخصية الأم القوية التي تتزوج كثيرًا.

وعلى الرغم من تميز زوزو نبيل في هذا النمط من الأدوار، إلا أنها قدمت العديد من الأدوار الآخرى، ساعدها في ذلك قدرتها على تجسيد الانفعالات بشكل واضح، ومن الأدوار التي برعت فيها في تلك الفترة، دورها في فيلم هذا الرجل أحبه، مع يحيى شاهين وماجدة، حيث أدت دور زوجة مريضة نفسيًا، وظلت طوال الفيلم صامتة لا تتكلم، واعتمدت فقط على حركات الإيماء والصوت، كما قدمت أيضًا دورًا مميزًا من خلال فيلم أنا حرة مع لبنى عبد العزيز وشكري سرحان.

إذا كانت زوزو نبيل قدمت أدوارًا مميزة سواء في السينما أو المسرح، فإن الإذاعة كانت المحطة الأبرز في حياتها، من خلال تقديمها دور شهرزاد في المسلسل الإذاعي الشهير ألف ليلة وليلة لمدة 23 عامًا متواصلة، واستطاعت بصوتها الساحر وأدائها المتميز أن تصل للشهرة والنجومية من خلال هذا الدور.

وفي حوار قديم لها تحدثت عن هذا الدور قائلة "شخصية شهرزاد تعتبر من العلامات الفنية في حياتي وتاريخي الفني الطويل، وأدين لهذه الشخصية بالشهرة لدى جمهور المستمعين من الإذاعة، قبل ظهور التليفزيون، الذين تعرفوا على صوتي، وأحبوني من خلال هذه الشخصية الأسطورية الجميلة، وأذكر أننا بدأنا العمل في حلقات ألف ليلة وليلة عام 1955، وحظيت بشعبية كبيرة، وكانت كل الأسر تلتف حول الراديو للاستماع إليها".

بالإضافة لدور شهرزاد في ألف ليلة وليلة، قدمت زوزو نبيل مسلسلات إذاعية كثيرة، حظيت بنجاح كبير، لهذا كانت تعتز بالإذاعة بشكل خاص، وفي حوار لها قالت "الإذاعة هي عمري وحبي الأول والأخير، لأنها بيتي الذي تربيت فيه، وتعلمت منه الكثير، فأنا مدينة لها بكل حياتي ونجاحي وشهرتي، ولو أخذوا كل نقطة في دمي وحللوها، لنطقت بكلمة إذاعة إذاعة إذاعة".

بعد فترة من دخولها الوسط الفني، تزوجت زوزو نبيل للمرة الثانية من رجل متزوج ولديه أطفال، وعلى الرغم من أنها كانت من الممكن أن تطلب منه أن يترك زوجته الأولى وأولاده من أجلها، إلا أنها فعلت العكس، حيث اشترطت عليه أن يكون الزواج سريًا، حتى لا تسبب الأحزان لزوجته الأولى وأولاده، وبالفعل ظل الزواج سريًا لمدة 7 أعوام، وحينما علمت زوجته الأولى بالخبر، ذهبت إليها زوزو نبيل، وتحدثت معها، ثم اتخذت قرارًا مصيريًا لم يتوقعه أحد.

كان القرار الذي اتخذته زوزو نبيل هو ترك حي شبرا الذي تسكن فيه، واستئجار شقة كبيرة في المهندسين لتعيش فيها الأسرتان، ليعيشوا سويًا منذ عام 1949، ولم يحدث ما يعكر صفو الحياة بين كل الأطراف، ووصل الأمر أن قامت زوزو نبيل بتزويج ابنها الوحيد لصفاء ابنة زوجها، وعاشوا في نفس المنزل. وكانت زوزو نبيل في جميع حواراتها تشيد بضرتها، حتى أنها قالت عنها "مقدرش أعيش من غيرها، دي شريكة حياتي".

عاشت زوزو نبيل حياة هادئة، واكتملت سعادتها بأحفادها الثلاثة الذين كانوا أجمل ما في هذه الحياة، ولكن تلك الحياة السعيدة لم تستمر طويلًا، إذ تعرضت لمحنة شديدة، عندما عاد ابنها الوحيد نبيل العميد بالجيش من حرب أكتوبر مصابًا بإصابات بالغة، وبعد عامين من العلاج والمحاولات، مات نبيل، لتصاب زوزو بأكبر صدمة في حباتها، وقد أفقدها الحزن توازنها، وكادت أن تعتزل، ولكن بعد تأديتها فريضة الحج، نصحها الأصدقاء والمقربون بالعودة للفن مرة ثانية، لتتغلب على أحزانها، وبالفعل عادت مرة آخرى، وفي بداية الثمانينات توفى زوجها، فازدادت أحزانها، ولكنها مع ذلك استمرت في العمل.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل