المحتوى الرئيسى

جمال فهمي يكتب: المسار النموذجى لصناعة «فاشى»

04/15 10:17

كثيرون (حتى من بعض أهل الثقافة) لا يعرفون أن الروائى الألمانى الكبير صاحب «نوبل» فى الأدب، توماس مان (1875 ـ 1955) له شقيق يدعى «هاينريش» لا يقل عن شقيقه فى الموهبة والقيمة الأدبية، ومع ذلك ظل هاينريش طوال حياته وبعد مماته قابعًا فى الظل خلف أضواء الشهرة الباهرة التى ذهب أغلبها لأخيه «توماس» حتى إن العمل السينمائى الوحيد الذى نقل عن إحدى رواياته «الملاك الأزرق» عندما حقق نجاحًا هائلًا واستقر فى مكانة خالدة فى تاريخ الفن السابع بقى الناس يتذكرونه ولا يكاد أغلبهم يعرف أن «هاينريش مان» هو صاحب قصة هذا الفيلم.

ما فات مقدمة لكى أقول لحضرتك إن «هاينريش» ترك للإنسانية نصًّا روائيًّا رائعًا (كتبه فى العام 1914) تتبع فيه المسار الذى يصنع فى النهاية إنسانًا فاشيًّا قاسيًا وجلفًا معًا، هذا النص سماه الروائى الألمانى الألمعى «رعية الإمبراطور»، وهو ينطلق فيه من فكرة أساسية يستطيع المرء أن يلمح تجليها الواقعى فى الصور النمطية التى تطبع صورة كل نظم الحكم الفاشية والديكتاتورية العاتية، ملخص هذه الفكرة أن الجماعات الفاشية المظلمة تستقطب مناصريها من دائرة الضعفاء التافهين الذين تدفعهم نشأتهم البائسة وهشاشتهم النفسية والروحية إلى الإيمان بضرورة الركوع المطلق أمام سيد صارم جبار يعطى بعض أتباعه قسطًا من السلطة يكفيهم لكى يسحقوا من هم أصغر وأضعف منهم.

أما النموذج البشرى الذى اتخذه «هاينريش» دليلًا ومشى خلف تطوراته فهو ذلك المدعو «ديترلك هلسنج» وقد بدأت معه أحداث الرواية منذ كان طفلًا فقيرًا يعيش مع أسرته فى مدينة صغيرة، وكان إذا صادف شرطيًّا فى الطريق يرتجف خوفًا ويشعر برهبة تهز كيانه ولا يستطيع أن يتخلص من هاجس مرضى، مفاده أن الشرطى هذا يملك من السلطة ما يجعله قادرًا على اعتقاله وجرجرته إلى السجن لأى سبب.

يشب الطفل ويصير صبيًّا وهو على هذه الحال ويدخل المدرسة الثانوية فينتابه شعور غريب بالفخر لا لشىء إلا لشعوره بأنه ينتمى إلى كيان منتظم قوى (المدرسة) تتحكم فيه وتهيمنُ تراتبيةٌ سلطويةٌ صارمةٌ تجعله يحس بنوع من القوة يستمدها من فداحة القهر الواقع عليه هو وأقرانه.

وهكذا بدأت معالم شخصية «هلسنج» تتكرس وتتضح بمرور الأيام والسنين فيصبح وهو فى معية الشباب عضوًا فى جماعة متطرفة عنيفة وفاشية (تشبه جماعة «إخوان الشياطين» وتوابعها) تطلق على نفسها اسم «التوتونيون الجدد» نسبة إلى قبائل جيرمانية قديمة، اعتبرها مؤسسو الجماعة مثالا لنقاء الجنس الجرمانى ونظافته من الاختلاط والتلوث بدماء أجناس بشرية أخرى «وضيعة»، حسب الزبالة الفكرية المكدسة فى عقول هؤلاء الفاشيين.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل