المحتوى الرئيسى

محمد طلبه يكتب: هرم ماسلو وأهرامات الجيزة

04/11 15:23

مرت منذ أيام ذكرى ميلاد عالم النفس الشهير أبراهام ماسلو الذي ولد في الأول من أبريل عام 1908. ولمن لا يعرف من هو أبراهام ماسلو، فهو ذلك العالم الأمريكي صاحب نظرية "هرم ماسلو" التي تقسم الاحتياجات الإنسانية إلى شرائح متصاعدة. حيث تقبع الاحتياجات الفسيولوجية للإنسان، مثل المأكل والمشرب والمسكن في قاعدة الهرم، وهي التّي يجب تحقيقها وإشباعها قبل الصعود إلى الشريحة الأعلى في الهرم حيثُ تأتي الحاجة إلى الشعور بالأمانتليهَا الرغبة في الشّعور بالحُبّ والإنتماء، وأخيرا الحاجة إلى التقدير وتحقيق الذات.

ولدت هذه النظرية المُثيرة للاهتمام من رجل ولد في نيويورك ومات في كاليفورنيا وتخرج من جامعة ويسكنسن ماديسون العَريقة. لذا لا أظن أن ظروفه المعيشية واحتياجاته الإنسانية كانت مصدر إلهام لتلك النظرية العظيمة. غَيرأنّ مَصدر إلهامه قَد تكون ُ تلك الصورة التي رأيتها في أحد متاحف واشنطُن لمجموعة من البيوت العشوائية في محافظة الجيزة وتظهَر في الخلفية الأهرامات، و لا أعلم من العبقري الذي اختارَ تلك الصورة المأساوية لتمثل مصر في أكبر متاحف القارة الأمريكية.

تطور هرم ماسلو ليصبح مِعياراً يُقاسُ بِه نَجاح وفشل الأنظمة والسيف المسلط على رقابهم. فالدول الطبيعية، ولا أقول الدول المتقدمة، تعمل ليلاً ونهَاراً على استرضاءِ شعبها وتحقيق حاجاته خوفا من غضبه وطمعا في إرضاءه. لا يغضون الطرف عن المواطن الأضعف أو الأقل حظا, بل يرون أنفسهم مسؤولين عن تعثره ويسعون إلى التأكد أنه والآخرونَ فرصتهم سواء في الحصول على الخدمات الحياتية الأساسية. فاضت حقوق الإنسان وأًشبعت حتى أصبح للحيوان والنبات والهواء حقوق... يعتبر الإعتداء عليها جريمة .. إنهم أقوام ارتقوا بإنسانيتهم فارتقَت أممهم.

أمّا في بلادِنَا فقَلّما تجد أيّاً من الساسة يتحدث إلى أبناء عشوائيات الجيزة عن نظريّة هرم ماسلو، فالمواطن الأضعف أو الأقل حظا في مصر يعتبر فرصة يجب استغلالُهَا و سلم يُداس من أجل الصعود بمتطلبات حَياة مَن يفوقونَه حظّاً في التّقسيم الاجتِماعِي.. تجدهم يشبعونهُم حَديثاً عن الوطنية والإنتماء والمعارك المزلزلة التي من أجلها تأخرت التنمية وساءت الظروف المعيشية متعللين بالمقولة الناصرية الشهيرة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". غَير أنّ المعركة تختلفُ حسب الحزب الحاكم.. ففي خلال الحقبة الإخوانية كانت المعركة ضد تغيير هوية مصر من قبل مجموعة البانديتا والبلاك بلوك هي الشغل الشاغل والحجة المستهلكة من أجل الهروب من الإصلاح الحقيقي.. وتكرّرَتالمعارك المَزعومَة مع تولي المجلس العسكري مسؤلية إدارة الفترات الانتقاليّة فحربهم بعد سقوط مبارك كانت ضد الأطراف الثالثة والموساد وإيران والماسونيين، وبعد 30-6 ضد الإرهاب وقطر وتركيا وأمريكا.

تقول الدراسات أن حوالي نصف سكان القاهرة ،عاصمة الدولة المصرية.. قاهرة المُعز، يسكنون في عشوائيات تشكّلَت نتيجة الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة بعد أن أصبحت التنمية مقتصرة على المدن الكُبرى دون القرى، في ظلّغياب تام لمفهُوم العدالة وحقوق المواطن في الحصول على الخدمات الأساسية التي تضمن له الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة ..ففي المدن يسكن صانعُو القرار ورجال الأعمال ويأتي السياح للحصول على لون برونزي وأخذ الصور التذكارية لأهرمات الجيزة.

استقرّ المهاجرون على أطراف الأحياء الراقية في أماكن غير إنسانية بَحثاً عن لقمة العيش حتى أصبحت تلك التجمعات العشوائية أحياء متكاملة غَير أنّها بلا مرافق أو خدمات. فتحوّلَ المهاجرونَ بَحثاً عَن حياة توفّر لهُم الأساسيَات إلَى نازحُونَ دون أن يُغادروا مكانهُم في قاعدَة الهَرم أو يدركوا حقّهُم في الحَاجات التي تَلي ضَرورات المأكَل والمَلبَس والمَسكَن و"الكماليات" التي خلّدت حضارَة الفراعنَة. وظهرت هذه التناقضات جلية في تلك الصورة: بيوت مكدسة وفي الخلفية أهرامات الجيزة..إحدى عجائب الدنيا السبع وأشهر معلم دولي لجمهورية مصر العربية. لم يغادروا قاعدة هرم ماسلو أبدا بالرغم أنهم يسكنون بجانب قاعدة هرم خوفو.

إياك أن تصدق نفسك وإيّاكِ أن تعيشي دور الكونتيسة وكأنّ المكانة المجتمعية التي تحيين فيها هي إستحقاق شخصي نتيجة تمييز عقلي أو شرف عرقي.... وأنتَ مثلك مثل الأغلبية العظمى إنسان عادي متوسط القدرات لم تحصل على تعليم متميز أو مساحات إبداعية كبيرة.. تلك المساعدات والأنشطة الخيرية التي تشترك فيها وأنت مغلق نصف عينيك في حالة روحانية مصطنعة لن تشفع لك أمامَ التقصير تجاه هؤلاء المطحونين في الوقوفِ معهُم من أجل الضغط على الحكومات لتلبية إحتيجاتهم كحقوق لا كمنّة أو تفضل.. تنظر إلى الأعمال التنموية بتعالي كنظرة السياسي المتعجرف الذي نسي أن السياسة في الأصل أداة لخدمة المجتمع وليست أداة لتعويض الإحساس المتزايد بالنقص والدونية.

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل