المحتوى الرئيسى

يا زينك وأنت ساكت

04/10 10:30

هناك وصيةٌ يتناقلها الناس بين بعضهم بعضا وإن لم يعرفوا لها مصدرا أو قائلا، وهي أنه يجب ألا تلتقي يوما بقدوتك أو بطلك، فقد تتبين عندما تدنو منه بأنه لا يمت بصلةٍ إلى ذلك النجم المضيء الذي تراءى لك من بعيد، فيهوي حينها إلى القاع ليتحطم إلى شظاياً يستحيل جمعها.

وربما وجب أن نضيف شطرا بسيطا إلى هذه الوصية، ولا بأس أن ننسبه إلى لقمان الحكيم نفسه، وهي ألا تسأل قدوتك أو بطلك سؤالا لا تضمن أن يجيب عليه إجابةً تحفظ إحترامك له.

غثيانٌ حادُ ذاك الذي اعتراني حينما فوجئت بتصريحات الأسطورة بيليه عن مقتل العمّال البرازيليين أثناء بناء استادات كأس العالم 2014، فأن يعتبر رجلٌ بمكانته وتاريخه وأهميته مقتل البشر "أمرا طبيعيا"، وضريبةً مقبولةً لمبنىً من الحديد والخرسانة، لهو انحطاطٌ تقشعر له الأبدان، وتحجّرٌ يدمي له القلب، وانعدام مبادئٍ مخيفٍ ينضح ممن تعلقت به أفئدة الناس.

ورغم تقززي من إجابة بيليه، ورغبتي الجدية في نصب "هولوكوست" ثانية أحرق فيها اسمه وعظمته المدّعاة، أعتقد بأنه قد آن الأوان لنضع حدا لظاهرة استجواب النجوم حول القضايا التي تخرج عن دائرة اهتمامهم وتخصصهم. وليس هذا دفاعا عن لاعبٍ بعينه، فليس هناك من يستحق الاعفاء من وزر الإنسانية، ولكنها محاولةٌ للذود عن اللعبة التي أعشق.

يجب أن نحصر جنون هؤلاء الرياضيين وهرطقاتهم ضمن حدود لعبتهم بمنافساتها ونزاعاتها، فمن حقهم كمحترفين أن يتمتعوا بحصتهم الطبيعية من الحمق والخطأ، وأن يستكشفوا بأنفسهم الخطوط العريضة لما يجوز التصريح أو التغريد به، ولكن فليتم ذلك بعيدا عن حوارات الحقوق والعدالة والمساواة التي لا تقبل بالمناوشات والاستفزاز والآراء الجدلية، فقد تُلقي بهم في مغباتٍ مؤسفةٍ في ظل غضب الطبقات الكادحة من المليارات التي تُنفق لتنظيم البطولات.

إننا باختصارٍ نُخرج الرياضيين من دائرتهم المريحة، ثم إذا ما سقطوا، حاصرناهم بسلاح التأنيب والتهجّم، وهددنا بسلخ كرامتهم وسمعتهم.

نعم، إن أقل ما يستحقه بيليه نظير استخفافه بموت إنسانٍ أن تُحرّم على سفهه وسائل الإعلام والمنابر، وأن يُجرّد من كونه رمزا للكرة البرازيلية. ولكن قبل أن نسنّ سكاكينا، ألا ضغطنا زر "الإيقاف" على سعينا المهووس للإثارة لنسأل أنفسنا: وما كانت علاقة بيليه أصلا بموت عامل بناءٍ؟ وما كانت حاجتنا إلى رأي الغاني سولي مونتاري حول ميدان رابعة؟ ولم لزم علينا أن نطلب وجهة نظر الألماني محمد شول حول الأحزاب المتناحرة في البرلمان؟

ثم لنعكس المعادلة قليلا، كيف ستكون ردة فعلك لو كان المهندس المسؤول عن تشييد الاستاد-مثلا-قد سُأل على غرار بيليه عن مستوى نيمار، أو ما إذا كان سكولاري سيزج براميريس أساسيا، أو إن كان دييجو كوستا يستحق تمثيل السيليساو؟ سيجمع المتلقين حينها بأن ما يشهدونه على الورق هي صحافةٌ كسولةٌ غبيةٌ علاجها في الإعراض عنها وتجاهلها.

بالطبع، إنك لا تستطيع أن تقيّد نهم الصحفي لإيجاد ما يدغدغ به المشاعر، كما لا تستطيع أن تشفي إدمان بعض القرّاء على "التابلويد" بأساليبه الرخيصة، ولكنك تستطيع أن تعلن رفضك الشخصي لخلط الحابل بالنابل لئلا ينتهي بنا المطاف ننعي اللعبة الأكثر شعبيةً في العالم. وليس هذا سيناريو مستوحىً من الخيال العلمي، فكل النهايات المأساوية ممكنةً ما دام ممثلو كرة القدم الموقرون يبررون تشييد الإنجازات من جماجم المسحوقين، والله وحده أعلم بما سيبررون مستقبلا من جرائمٍ لا تنتظر سوى أن نستخبرهم عنها.

أهم أخبار الرياضة

Comments

عاجل