المحتوى الرئيسى

علاء الأسواني يكتب لـ«نيويورك تايمز»: تاريخ السخرية من رؤساء مصر

03/15 04:24

فى عام 1798، بعد احتلال نابليون بونابرت مصر، أراد بعض الأعيان المحليين التقرب منه، فأهدوه 6 جوارى. فى ذلك الوقت، كان المصريون واقعين تحت تأثير الذوق التركى، الذى يعتبر امتلاء الجسم شرطا أساسيا للجمال الأنثوى. وكان نابليون أكثر ولعا بالأناقة الباريسية، ورفض أن ينام مع أى من النساء لأنهن كن، فى رأيه، بدينات، وتفوح منهن رائحة الحلبة.

وفى إساءة تفسير لعزوفه، سخر المصريون من نابليون باعتباره فاقدا للرجولة، وكانوا ينظرون إليه هو وقواته بعين الاشمئزاز على أنه نقيض لـ«الرجولة» المصرية كما تجسدها دمى «على كاكا»، وهى تماثيل بأعضاء (ذكورية) ضخمة. على الرغم من هذه السوقية فى مجتمع محافظ، استحوذ «على كاكا» على قلوب المصريين، وحظت الدمى بشعبية كبيرة، بل إنها ظهرت فى شكل حلوى للأطفال.

وكما ورد فى كتاب صدر عام 1992 حول النكتة السياسية ألفه الصحفى عادل حمودة، رئيس تحرير صحيفة «الفجر» الأسبوعية المستقلة، كانت (النكتة) وسيلة للمصريين للانتقام من الجنرال الفرنسى، الذى احتل بلدهم. واكتشف المصريون أن السخرية هى أقوى أسلحتهم.

تسبب إطلاق عشرات من النكات فى إصدار نابليون مرسوما يهدد بمعاقبة كل من كان ينقل أو يضحك على النكات التى تسخر منه. ربما يكون التأثير الكبير قد لعب دورا فى استعادة معنويات المصريين: كان هناك ثورات مرتين فى غضون ثلاث سنوات. أسفرت إحداها عن اغتيال نائب نابليون، الجنرال جان بابتيست كليبر.

وبالعودة إلى الوراء إلى عام 1836، أشار المستشرق الإنجليزى إدوارد وليم لين فى كتابه «آداب وأعراف المصريين الحديثة» إلى أن «المصريين ميالون بشكل خاص للسخرية». ولاحظ كيف أن «أفراد الطبقة العاملة يسخرون فى بعض الأحيان من حكامهم فى الأغانى، ويتهكمون على تلك التشريعات الحكومية التى هم الأكثر معاناة منها».

فى عام 1877، أسس الصحفى يعقوب صنوع (المعروف أيضا باسم جيمس صنوع) أول صحيفة ساخرة فى مصر، «أبو نضارة»، كتب انتقادات لاذعة بحق إسماعيل باشا، الخديو العثمانى، حتى إن الصحيفة قد تم إسكاتها على الفور. ونُفى صنوع إلى فرنسا، حيث استأنف النشر. وعندما بعث الخديو إلى صنوع رسالة يعرض عليه الأموال والألقاب إذا امتنع عن السخرية منه، رفض صنوع. وبدلا من ذلك، قام بنشر الرسالة، مما أفضى إلى فضيحة أججت غضب الخديو.

هذا الموروث الثقافى بشأن الفكاهة السياسية المصرية، استمر خلال العصر الحديث. وفى أعقاب الهزيمة فى حرب عام 1967 ضد إسرائيل، أصبح جنود مصر هدفا للسخرية. وخرجت النكات عن نطاق السيطرة حتى دعا جمال عبد الناصر فى نهاية المطاف المصريين للكف عن السخرية من الجيش.

لكن نكات المصريين السياسية لا تأتى من دون ثمن: على مر السنين، دفع مئات الفنانين والكتاب ثمنا غاليا بالغرامات والسجن، وما هو أسوأ من ذلك مقابل جرأتهم وخفة دمهم. فى الستينيات، كان قائد المخابرات العامة فى مصر، صلاح نصر، مقتنعا بأن السفارة الأمريكية فى القاهرة وراء النكات التى تنتشر حول ناصر، الرئيس المصرى آنذاك. وكلفت المخابرات العشرات من المكاتب فى جميع أنحاء مصر بجمع النكات ودراسة معانيها. وكان يجرى كتابتها وإرسالها فى تقارير منتظمة إلى مكتب الرئيس.

ناصر كان شخصية استثنائية، احتفظت بشعبية أسطورية رغم تعرضه للنقد. وعندما توفى، تدفق ملايين المصريين إلى الشوارع من دافع مشاعر الحزن والاحترام له.

وتظل مدى قدرة النكات على تغيير الأشياء فعليا محل نقاش كثير. فالبعض يدفع بأن المصريين يلجؤون إلى السخرية كنوع من العزاء، لأن وسائل التعبير الأخرى قد تم إغلاقها. وهم يقولون إنه إذا كانت هناك ديمقراطية حقيقية، فإن النكتة السياسية يمكن أن تختفى. ويقول آخرون إن المصريين لا يمكنهم ببساطة أن يخوضوا الحياة من دون النكات، وإنهم سيتندرون بنفس القدر على الزعماء، سواء كانوا يروقون لهم أم لا. هم يعتقدون أن السخرية ببساطة هى هواية وطنية، ولا تنطوى على أى موقف سياسى خاص.

لكن الفكاهة ليست دائما غير مؤثرة أو غير ذات صلة بالسياسة. لقد نقلت ثورة 2011 التى أسقطت الرئيس حسنى مبارك، السخرية إلى العلن. تعرض السيد مبارك لسخرية، بلا رحمة، بسبب أفقه المحدود، وافتقاره إلى الذكاء وفساده. وعلى وجه الخصوص، فإن شبكات التواصل الاجتماعى ظهرت كمنطقة للتعبير الساخر بعيدا عن أعين الرقباء. ويعد البرنامج التليفزيونى الأسبوعى الساخر الذى يقدمه باسم يوسف، الذى أطلق عليه جون ستيوارت مصر، دليلا على هذا التغيير. على مدار عام، قام يوسف بالسخرية من الرئيس محمد مرسى. وبعد عزل مرسى، فإن يوسف حوّل اهتمامه نحو حاكم مصر الجديد، الجنرال عبد الفتاح السيسى (نال رتبة المشير الآن). وهو بهذا بات موضع سخط أولئك الذين يتهمونه بالإساءة إلى كرامة الجيش. ومع هذا، فإن الملايين من مؤيديه ومعارضيه على السواء يشاهدون البرنامج كل يوم جمعة فى العاشرة مساءً. للمرة الأولى، يرى المصريون زعيمهم موضعا للسخرية فى وقت يحظى بأعلى درجات المشاهدة، وهو ما زال فى السلطة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل