المحتوى الرئيسى

المسألة المصرية فى الحوار العربى ــ الأوروبى

03/06 07:27

عقدت فى الأسبوع الماضى الجولة الرابعة للحوار العربى ــ الأوروبى الذى تنظمه الهيئة القبطية الإنجيلية، وشارك فيها ممثلون عن خمس دول أوروبية؛ هى ألمانيا وبريطانيا والدانمارك وبلجيكا واليونان. كما شارك ممثلون عن ست دول عربية؛ هى تونس والمغرب وفلسطين والأردن والسعودية ومصر. وفى ورشة العمل التى شاركتُ فيها أثار المحاضر الألمانى، وهو أستاذ كبير متخصص فى القانون بجامعة برلين، مجموعة من الإشكاليات عن المسار السياسى فى مصر بعد 30 يونيو، رأيت لأهميتها وما ارتبط بها من نقاش أن أضعها بين يدى قارئ الشروق.

الإشكالية الأولى التى أثارها دكتور كونراد فون بونين هى تلك الخاصة بالعلاقة بين الديمقراطية والانتخابات. وحسبما قال فإن انتخاب الرئيس انتخابا مباشرا ليس شرطا لإقامة الديمقراطية، ففى ألمانيا على سبيل المثال يتم انتخاب الرئيس بواسطة الجمعية الاتحادية التى تتكون من أعضاء البرلمان الاتحادى مع عدد مماثل من الأعضاء المنتخبين من برلمانات الولايات. كما أن دولا أوروبية كبريطانيا والسويد وهولندا يأتى فيها رئيس الدولة عن طريق الوراثة، بعبارة أخرى فإن الديمقراطية ليست دالة فى أسلوب اختيار الرئيس. لكن ما هو أكثر أهمية يرتبط بالبيئة التى تجرى فيها العملية الانتخابية. وهنا قارن دكتور كونراد بين بيئة الانتخابات الرئاسية الأولى بعد ثورة يناير والتى عايشها حين كان فى زيارة قصيرة للقاهرة، وبين بيئة الانتخابات الرئاسية المقبلة، التى تصادف أيضا أنه يمر بمصر أثناء الاستعداد لها. فى المرة الأولى كان هناك شعور بالأمل فى التغيير وبالقدرة على تحقيقه، وشارك بنفسه فى نقاش حيوى مع شباب بعضهم مؤيد لمحمد مرسى والآخر مؤيد لأحمد شفيق. أما فى المرة الثانية فإنه افتقد هذا الأمل فالشعور بعدم الأمان يسيطر على الجميع، وليس ثمة اختيار أمام أحد، لأن الكل يتحرك قى اتجاه «البطل»، الذى ينقذ الوطن ويحقق الأمن والاستقرار.

لو أن المحاضر تحدث فى شهادته عن تجربة الانتخابات الرئاسية المصرية عام 2012 فى جولتها الرئاسية الأولى التى كان يتنافس فيها ممثلون لاتجاهات وتيارات متنوعة لكان الأمر مفهوما، فكثيرون راهنوا حينها فعلا على التغيير مع خالد على أو حمدين صباحى، والبعض كان يميل إلى الاتجاه الاسلامى الوسطى الذى قدمه آنذاك دكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ودكتور محمد سليم العوا، والبعض الآخر وجد فى عمرو موسى رجل الدولة المناسب للمرحلة. نعم كان هذا هو الحال فى الجولة الرئاسية الأولى، أما الجولة الرئاسية الثانية فقد تبخر الأمل وحُشر المصريون بين نموذجى السيىء والأسوأ، وكلنا نذكر حكاية عاصرى الليمون الذين صوتوا لمرسى لأنهم لا يريدون التصويت لشفيق، فأين كانت هى الحيوية وأين كانت حرية الاختيار؟ أما مسألة عدم الارتباط الميكانيكى بين الانتخابات وبين الديمقراطية فلم يظهر له أثر فى الخطاب السياسى الغربى بعد 30 يونيو، بل كان هناك إلحاح على شعار «أول رئيس منتخب»، هو فقط ظهر مع تطورات أوكرانيا واستيلاء المعارضة على السلطة.

الإشكالية الثانية التى تعرض لها دكتور كونراد وأثارت من حولها جدلا شديدا، كانت عن طرحه العلاقة بين الحرية والأمن. ذكر المحاضر أنه وإن كان يؤمن أن ثمة علاقة بين الأمن والحرية إلا أنه فى سلم الأولويات تتقدم الحرية على الأمن، وفيما يخص شكل الحرية السياسية اعتبر كونراد أن النموذج الأوروبى، وإن لم يكن هو الأفضل بالضرورة إلا أنه من المهم إبصار خطورة الأشكال الأخرى للحرية وبشكل أعم للديمقراطية.

مسألة الأولويات وترتيب المطالب هى من المسائل الجدلية التى يُختلف من حولها بشدة. خذ مثلا العلاقة بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية وأيهما يسبق الآخر وستجد أن هناك من يقول الديمقراطية أولا ويستشهد بالهند، بينما هناك من يقول التنمية أولا ويستشهد بالصين. وفيما يخص علاقة الحرية بالأمن فإذا كان المحاضر الألمانى يرى أن الأولوية للحرية فإن من حق أى أحد أن يسأل كيف يمكن للمختلف مثلا فى العقيدة أن يمارس شعائره بحرية فى مجتمع يُرفع فيه السلاح ضد المنتمين إلى الأقلية الدينية؟ أو أبسط من ذلك كيف يمكن لإنسان أن يمارس حرية التنقل فى غياب الأمن وشيوع قطع الطريق؟ الحرية بدون أمن هى حرية على الورق. انفعلت إحدى المشاركات وبادرت المحاضر بسؤال: هل كان يمكن لأحد فى ألمانيا أن يزاول حريته ويتمتع بها فى وجود النازى؟ وأضافت أخرى من الواضح فعلا أن الغرب يقدم الحرية على الأمن بدليل أنه حرر العراق من نظام صدام، لكنه حبسه فى دائرة عنف خبيث. لكن هل حقا تحرر العراق وهل يمكن وصف كل هذا البناء السياسى المؤسس على الطائفية البغيضة بالديمقراطية؟ إن ما حدث كان مجرد انتقال لقطعة الشطرنج من مربع تسلط حزبى إلى مربع تسلط طائفى.

أما الإشكالية الثالثة والأخيرة فهى عن العلاقة التى وصفها المحاضر بأنها بين الدستور والمجتمع. ووفقا له فإن الدستور المصرى الجديد متميز وبه ما لا يقل عن 20 مادة يمكن أن تمثل نموذجا تحتذى به دساتير الدول الأخرى، لاسيما فيما يخص البيئة والطفل، بل زاد معتبرا أن بعض مواد دستور 2014 يتفوق على الدستور الألمانى نفسه. لكن تظل المشكلة هى فى ضمانات تفعيل مواد الدستور، أو فى الإجابة عن سؤال من يضمن ــ أن يكون هناك ديمقراطيون جاهزون لتطبيق الديمقراطية؟

إن وجود خلل فى عملية التنشئة السياسية والتربية على الديمقراطية وحقوق الإنسان حقيقة واقعة، لكنها لا تقلل من أهمية المضمون الديمقراطى للدستور نفسه، ولو انتظرنا إلى أن تؤتى التنشئة السليمة ثمارها لأدى هذا إلى تعطيل جهود إنشاء دستور ديمقراطى عدة عقود. ومن هنا فالعبرة هى بأن يمثل الدستور قاطرة لتشغيل المجتمع المدنى والدولة معا من أجل تطوير المفاهيم السياسية وترسيخ قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل