المحتوى الرئيسى

ابتسم.. إنه البرنامج!

03/02 17:51

التطور الطبيعي لأي ظاهرة إعلامية لا يخلو من دراسة واعية للسوق من أجل الوقوف على مدى جدواها الاقتصادية، وتوجد نظرية تجارية بحتة اسمها "الجمهور عايز كده"!  ربما هذا هو ما يحدث مع برنامج هذا الجراح الساخر الذي ملأ الساحة ضجيجاً بين مؤيد مستمتع جداً، ومعارض مستنطع جداً برضه! لا أدري لماذا كل هذه الجلبة حول رجل ارتبط نجاحه مباشرة بعائدات برنامجه المادية وتصاعدها الخيالي، وهو نجاح ربما لم يحققه مجموع من عاصروه من نجوم الساحة الإعلامية في أي كيان انتمى أو لم ينتم له هذا الرجل الظاهرة..!

من يتابع مراحل صعود نجم هذا الرجل بموضوعية لن يرى عجباً، لكنه حتماً سيتوقف مرات عديدة ليستوعب نواياه الحقيقية (لا مجال للحديث عن تلك النوايا الأخرى هنا..!)، أو في طبيعة الكيان الغامض الذي ربما يسانده في الصمود بمعارضته الهزلية الساخرة أمام عتاة الفكر المنغلق ممن يتنسمون الرجعية والديكتاتورية كل على شاكلته.

المدهش دائماً أن هناك غالبية معقدة التركيب داخل فئات وشرائح المجتمع المتفاوتة، تحرص دوماً على ألا ترتبط بأي مؤثرات قد تعوق تفرغها التام لمشاهدة الجزء الأول والثاني من البرنامج، وربما يبدأ التململ مع الجزء الثالث حين يقرر البعض أنه اكتفي بالجرعة الأولى التي تحتوي المادة الأكثر سخرية، ثم الثانية التي تحتوي الرسالة والمضمون، وتأتي الجرعة الثالثة التشجيعية والتي تبدأ عندها مرحلة الاستفاقة، وتنمو معها غالباً حالة من ثلاث، إما التشبع والتأييد، أو التدبر والرفض، أو السخرية والندم.

المادة الإعلامية المقدمة من حيث التركيبة لا تختلف عن غيرها كثيراً، إلا أنها هي الأكثر حرفية على الإطلاق، يبدو هذا جلياً من المجهود الذي يبذله طاقم العمل بين تجميع المادة المطلوبة وترتيبها وإعدادها، ثم تهيئة الأجواء المبهرة بين ديكور واستعراضات ومؤثرات مرئية أو سمعية، وقد وصلت درجة الإجادة من العمق بحيث أجبرت المتابع بالفعل على أن يلتصق بمقعده حتى في أثناء فترات الفواصل الإعلانية التي هي مربط المشاهد (الفرس سابقاً)، الخلطة السحرية التي يعتمد عليها هذا البرنامج هي بالضبط ما يحتاجه السوق الذي نسميه مجازاً المجتمع، وهذا يعود لخصوصية التركيبة الاجتماعية ودقة الظروف الاقتصادية والسياسية،  وهذه الخلطة لابد وأن تحتوي على المواد الأولية للتخدير المجتمعي، أو بمسمى أخر لابد وأن تجمع كل فنون الإلهاء.

نحن يا سادة أدمنا على السخرية بلا حساب، ولا نكاد نمرر ساعة واحدة من حياتنا دون أن نتبادل مادة ما تسخر مباشرة من أي شيء، من الغير أو المجتمع ككل أو الأوضاع السياسية أو الظروف الاقتصادية أو القيود الاجتماعية، أو الظواهر البيئية، أو حتى أنفسنا إن لم تتوافر المادة المناسبة، هذا الإدمان المقيت ربما هو أهم أسباب توقفنا عن التقدم ومواكبة مستلزمات الحياة في العصر الحديث، والتي تقف مبادئها على مسافة معتدلة ووسطية بين المعرفة السليمة وحسن التصرف.

لا أود أن أزايد على مواقف أحد، لكن القاعدة المتداولة في مجال الأعمال تقول بأن "التجارة شطارة"!  إذا لا يجب أن نكرر إعلان الحرب عقب كل حلقة من البرنامج، ثم نعاود متابعته صاغرين عن يد في الأسبوع اللاحق! ولا يجب أن نبدي انفعالات كاذبة حينما ينجح برنامج لشخص ما عرف جيداً كيف يحكم قبضته على المقود، فأصبح ينتقل برشاقة من موقع إلى أخر حاملاً نفس المادة المكررة، ولكن بآليات تمهيد وتقديم مختلفة تتناسب مع المساحة المراد تغطيتها، ولا أظن أبداً أن انتقال الرجل من موقع إعلامي لأخر يتم بالصدفة أو حسب المقتضيات المادية فقط، لكنه يتناسب بدقة مع مساحة الانتشار المستهدفة..!.

ربما لم تحقق النسخة الأمريكية (الأصلية) من هذا البرنامج أهدافها بالكامل هناك حيث هي، ذلك لطبيعة المجتمعات الغربية المغايرة تماماً لطبيعتنا، فهناك يسخرون من الأشياء من أجل كسر الملل، لكننا نمل من الأشياء سريعاً إن لم تتجاوب مع طبيعتنا الساخرة حتى الثمالة، وهناك أيضاً يضحكون بحساب، لكننا يجب أن نسقط من فرط الضحك ولا نستطيع النهوض! ترى كم بيننا من أشخاص يتوقفون عند الرسائل المباشرة التي ترسل إلينا عبر البرنامج دون ذكر لاسم هذا الراسل المجهول الذي يهتم بإضحاكنا حتى يستطيع الضحك علينا في النهايات التي غالباً ما نفشل في أن نجعلها سعيدة.! تلك الرسائل التي عادة ما تكون قبل الفاصل في نهاية المقطع الثاني من البرنامج.!؟ لا أظن أن هناك الكثيرين ممن يهتمون بتلك الرسائل ومضمونها، والدليل هو استمرار مثل نجاح هذا البرنامج حتى كتابة تلك السطور.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل