المحتوى الرئيسى

نظرة عن كثب ـ بورتو.. افضل نموذج من الـ “ماني بال”

03/01 08:15

■■ فيلم “ماني بال”.. قصة حقيقية مستوحاة من قصة مدير نادي “أوكلاند الامريكي للبيسبول” ، وهي مقتبسة من كتاب “لمايكل لويس” صدر عام 2003 ، تبدأ الأحداث في نهائي دوري البيسبول للمحترفين سنة 2001 بين فريق “وايت سوكس” و فريق “نيويورك يانكيز” ، للأسف كانت المباراة لصالح فريق “وايت سوكس” لكن الغلبة كانت “لليانكيز”.

■■ في النهاية يضطر النادي لبيع كافة نجومه من أجل دفع ما عليه من غرامات مالية ، و تسديد الديون و غيرها مما كان يعول على دفعه بعائدات الفوز في البطولة ، هذا جعل المدير الفني للنادي “بيلي بين” (الذي مثل دوره الممثل الأمريكي “براد بيت) ، يسعى لتكوين فريق جديد قادر على الفوز ببطولة الدوري في الموسم القادم و هو موسم 2002.

■■ بدأت النقاشات حول مجموعة من اللاعبين ، ليكتشف أنه غير قادر على ابرام صفقات بمبالغ مالية كبيرة او حتى متوسطة نظرا لميزانية النادي التي لا تتجاوز 40 مليون دولار ، فكيف لفريق بهذه الميزانية الصغيرة أن ينافس فرقا بميزانية 180 دولار “كاليانكيز “!؟.

■■ هذا جعل “بيلي” يدرك أن شراء اللاعبين الجاهزين أمر سيكلف الفريق كثيرا ، لكنه لم ينجح في إقناع الإدارة الفنية للفريق بهذا الأمر ، و صدم بما تطلبه النوادي الصغرى ايضا لبيع لاعبيها ، لكن الحظ ابتسم له ليقابل “جون هيل” رجل بدين ، قصير ، و عبقري ، في 25 عاما من عمره ، حاصل على شهادة في الإقتصاد.. ، يقترح عليه بعض الأفكار المربحة التي لاتحتاج لرأس مال كبير ، ليصنعوا في نهاية المطاف فريقا قويا قادر على المنافسة على الالقاب ، رغم تعثرهم الكبير في بداية الموسم ، و مللهم من الخسارة المتكررة.. ، (هذه قصة الفيلم دون الإلمام بتفاصيل قد تحرق عليكم الأحداث).

فيلم “ماني بال” بطولة الممثل الامريكي “براد بيت”

■■ ما سبق يمكن اعتباره مقدمة للحديث عن نموذج “ماني بال” في كرة القدم الحديثة ، كيف تحقق بعض الاندية الاوروبية نجاحات كبيرة بميزانية استثمارية متوسطة الى ضعيفة..!؟ تجعلها قادرة على المنافسة على الالقاب ؟! ماهي الوسائل التي اعتمد عليها “بيلي بين” لاكتشاف المواهب غير المعروفة..!! و التي شكلت قاعدة صلبة لفريقه للعودة للتتويج بالبطولات.

■■ في عالم كرة القدم الحديثة من اشهر الاندية الانجليزية التي يمكن اعتبارها تطبق هذا النموذج ، نادي ايفرتون ، و نيوكاسل.. ، لكن افضل نموذج في انجلترا هو نادي ارسنال ، الذي منذ قدوم ارسين فينغر يحاول الموازنة بين الجانب الاقتصادي و الارباح المالية من بيع اللاعبين ، و في نفس الوقت الحفاظ على التماسك التنافسي الرياضي للفريق محليا و اوروبيا ، باكتشاف مواهب شابة جديدة في كل انحاء العالم وتطويرها ، بحيث حقق الفريق في السنوات 6 الماضية أعلى صافي أرباح في انجلترا ، كما ان النادي يحافظ دائما على مركزه من بين الاربعة الاوائل في الدوري الممتاز كل سنة.

■■ في اوروبا هناك اندية اخرى كمثال ،  كأودينيزي الذي يملك شبكة قوية لاكتشاف اللاعبين ، اذ حقق النادي ارباح طائلة من بيع العديد من اللاعبين ابرزهم اليكسيس سانشيز.. ، فيما قد يكون في الوقت الراهن الجانب الاكثر نجاحا بهذه السياسة هو نادي بروسيا دورتموند ، مع النظام الاكاديمي المميز الذي يعتمده تحت قيادة مدربه المحنك يورغن كلوب ، بحيث بتكلفة استثمارية لم تتجاوز 38 مليون يورو ، استطاع النادي ان يكون في ظرف وجيز من بين اقوي الفرق الاوروبية حاليا ( تقرير سابق لي حول الموضوع بروسيا دورتموند فريق بـ38 مليون يورو في نهائي دوري الأبطال).

■■ لكن هناك نادي واحد حاليا في العالم هو الاكثر فعالية في محاكاة نموذج “ماني بال” ، عبر صنع المال من اللاعبين وفي نفس الوقت الحفاظ على تنافسية الفريق.. ، نادي فاز في العقد الاخير بـ 9 القاب في الدوري ، ولقبين بالدوري الاوربي ،  و لقب بدوري ابطال اوروبا.. ، هذا النادي هو بورتو البرتغالي ، الذي سوف اشرح في هذا الموضوع الكيفية التي حقق بها الكثير من النجاح الرياضي و الربح المالي.

■■ فكيف يفعلون ذلك؟ ـ منذ فترة جوزيه مورينيو و رئيس النادي “بينتو دا كوستا ،” جعل احد الركائز الاقتصادية القوية لبورتو هي تحقيق الربح من بيع اللاعبين ، في السنوات القليلة الماضية الفريق اعتاد على توديع نجم كل موسم ، وبالمقابل وضع الثقة في المواهب الشابة من اجل الحفاظ على القدرة التنافسية في اوروبا مع النخبة ، في ايطاليا ، و المانيا ، و اسبانيا ، و انجلترا.. ، اللاعب الشاب الموهوب غالبا ما يجد صعوبات كبيرة في فرض اسمه في الفريق الاول لأي نادي اوروبي ينتقل اليه ، وهذا مايعطي لبورتو ميزة في سوق الانتقالات ، و يجعله نادي مرغوب به جدا من اللاعبين الشباب ، لأنه يعطيهم الفرصة المباشرة لعرض ابداعتهم على الاندية الاوروبية الكبرى من بوابة اقناع وتحقيق النجاح اولا لبورتو ، قبل ان يتم بيعهم بمبالغ مالية ضخمة تعود بالفائدة على كل الأطراف ، لذلك بورتو متمسك بفكرة الاستثمار في الشباب ، بحيث منذ عام 2003 حقق الفريق اكثر من 16 لقبا ، وقيمة ارباحه تجاوزت 400 مليون جنيه استرليني من بيع اللاعبين.

■■ مغادرة احد النجوم للنادي تنعكس سلبا على فريقه دون شك ، لكن في بورتو هذه الاشكالية غير مطروحة ، لأنهم سيجدون نجما اخر لتعويضه في ظرف وجيز ، بحيث يقول رئيس النادي “بينتو دا كوستا” :” “علينا ان نتابع و ندرس سوق انتقالات الشباب بشكل دائم ، وهذا مايمكننا من منافسة الاندية الاوربية الغنية لأننا دائما نسبقهم بخطوة ، على الرغم من ان ميزانية النادي اقل بـ 20 مرة من الأندية الرائدة الأخرى ، سنة بعد سنة نفقد لاعبين كبار لكن في نفس الوقت نصنع اخرين بوضع ثقتنا في لاعبين بإمكانات كبيرة.”

■■ بورتو أيضا اكتسب سمعة مشرفة لكونه مكانا ممتعا للعب وصقل الموهبة بعيدا عن اي ضغوظ ، يقول “دا كوستا”:”في بعض الحالات لاعب موهوب و شاب ينتقل إلى قارة جديدة ، مدينة جديدة ، ناد جديد.. ، هذه العوامل يمكن أن تشكل عوائق خطيرة ، و لكن هذا ليس هو الحال في بورتو ، اللاعبون عندما يأتون إلى هنا ، يشعرون مباشرة انهم لم يغادروا منازلهم قط ، و يفهمون على الفور أنهم وقعوا لناد كبير مع ثقافة الفوز..”

■■ وتشير بعض التقارير ان بورتو يملك اكثر من 60 لاعبا شابا ، كلهم معارين للعديد من الاندية حول العالم و على الرغم من انهم ماليا يضعون عبئا كبيرا على النادي في دفع الأجور ، الى ان بورتو يهدف إلى تحقيق الربح على المدى الطويل بالعثور على نجم كبير يمكنهم بيعه بمبلغ ضخم جدا ، وعلى ما يبدو أن هذا التوجه يحقق نجاحا كبيرا.

■■ العلاقة القوية مع الرجل الاكثر نفوذا في عالم كرة القدم ـ دون شك كل اندية العالم تعمل على تقليد سياسة نادي بورتو الاقتصادية ، عبر ان تكون سباقة للتعاقد مع المواهب الشابة الرخيصة ، لكن للاسف الامر اصبح اكثر صعوبة الان ، وهذا المجال يعرف منافسة شرسة ، و اصبح مزدحما جدا بوكلاء الاعمال و حقوق الملكية ، وهذه هي النقطة التي يتفوق فيها بورتو على جميع اندية العالم ، و يجعل مهمة منافسته في سوق انتقالات المواهب شبه مستحيل ، قد يقول البعض أن بورتو “محظوظ” في قدرته على إيجاد و اكتشاف المواهب ، لكن في الواقع جزء كبير من نجاحه يأتي من العلاقة الجيدة “لدا كواستا” مع “خورخي مينديز” و التي تمتد لاكثر من عقد من الزمن.

■■ “خورخي مينديز” يمكن اعتباره الرجل الاكثر نفوذا حاليا في عالم كرة القدم ( مقالة سابقة لي بالتفصيل عن من هو خورخي مينديز) ، الرجل الذي يمكنه توفير المال و الوقت على اي نادي بعلاقاته المتجدرة حول العالم ، اذ كان وراء جميع الصفقات الكبيرة التي قام بها بورتو. “خورخي مينديز” وكيل اعمال “جوزيه مورينيو” و “كريستيانو رونالدو” و الرجل الذي سهل صفقة انتقال كوينتراو و دي ماريا.. إلى مدريد ، شركته “جيستفيوت”حققت في السنوات 3 الماضية ارباح سنوية تجاوزت حاجز 200 مليون يورو ، كما انه وكيل اعمال اكثر من 200 لاعب حول العالم بالخصوص من جنسيات برتغالية و برازيلية.

■■ العلاقة بين مينديز و دا كوستا تعود إلى عام 2003 ، وبفعل نفوذه وعلاقته الجيدة مع اصحاب و رؤساء الاندية داخل وخارج اوروبا ، كان قادرا على التوسط في صفقات ضم مواهب شابة و لاعبين من الطراز العالي الى بورتو بمبالغ مالية قليلة جدا.

■■ ومن بين هؤلاء النجوم الذين توسط خورخي مينديز في انتقالهم الى بورتو وحقق منهم النادي ارباح ضخمة :

شراء أندرسون بـ 5 مليون جنيه استرليني من غريميو.. وبيعه الى مانشستر يونايتد بـ 20 مليون جنيه استرليني.

التعاقد مع بيبي من ماريتيمو البرتغالي بـ 1 مليون جنيه استرليني.. وبيعه إلى مدريد بـ 30 مليون جنيه استرليني.

كارفاليو خريج اكاديمية شباب بورتو.. تم بيعه بـ 20 مليون جنيه استرليني لتشلسي.

التعاقد مع كواريسما من برشلونة في صفقة مبادلة مع ديكو.. و بيعه إلى انتر بـ 18 مليون جنيه استرليني.

بوسينجوا وقع لتشلسي مقابل 17 مليون جنيه استرليني.. فيما كان قد انضم الى بورتو من بوافيستا مقابل 3م جنيه استرليني.

انتقل باولو فيريرا إلى بورتو من فيتوريا مقابل 1.5 مليون جنيه استرليني ، و ذهب إلى تشيلسي بـ 17م جنيه استرليني.

مانيش خريج اكاديمية بورتو.. انتقل الى دينامو موسكو في عام 2005 مقابل 16 مليون جنيه استرليني.

برونو ألفيس انتقل من بورتو إلى زينيت بـ20 مليون جنيه استرليني في عام 2010.

راداميل فالكاو تم التعاقد معه بـ 3.3 مليون جنيه استرليني ، ليحل محل ليساندرو لوبيز الذي كان قد انتقل الى ليون بـ 24 مليون جنيه استرليني ، قبل ان يتم بيع فالكاو إلى أتلتيكو مدريد بـ45 مليون جنيه.

جواو موتينيو و جيمس رودريغيز من بورتو الى موناكو بـ 70 مليون يورو.

■■ رغم هذا لايمكن التشكيك ابدا في قدرة نادي بورتو على العمل بهذه السياسة مع او بدون خورخي مينديز ، وهذه قائمة باللاعبين الذين تعاقد معهم النادي و حقق منهم ارباح ضخمة :

هالك تعاقد معه بورتو من طوكيو فيردي الياباني بـ 15م جنيه استرليني.. وتم بيعه لزينيت الروسي بـ50م جنيه استرليني.

ليساندرو لوبيز من راسينغ كلوب الارجنتيني مقابل 2.2 مليون جنيه استرليني.. تم بيعه إلى ليون مقابل 24 مليون جنيه استرليني.

ديكو إلى برشلونة مقابل 15 مليون جنيه استرليني.

لوتشو جونزاليس الى مارسيليا 18 مليون جنيه استرليني.

سيتاريديس الى دينامو موسكو مقابل 10 مليون جنيه استرليني.

غوارين الى انتر ميلان مقابل 11م جنيه استرليني.

ميريليس إلى ليفربول بـ 13م جنيه استرليني.

■■ مع تزايد نفوذ خورخي مينديز ، وتوفر بورتو على لاعبين بموهبة عالية جدا في الفريق كـ جاكسون مارتينيز ، وأليكس ساندرو ، الياكيم مانغالا ، فرناندو ريجس ، و نبيل غيلاس.. لا ينبغي أن نندهش لرؤية بورتو يكسب المزيد من المال من هؤلاء اللاعبين في السنوات القليلة المقبلة.

■■ “ماني بال” ايضا في عالم التدريب ـ نادي بورتو لا يركز فقط في سوق انتقالات اللاعبين بل يده ايضا تطال عالم التدريب ، بعد النجاح الذي حققه “جوزيه مورينيو” مع بورتو ، تم بيعه الى نادي تشلسي ، و تعيين مساعده “اندريه فيلاس بواس” على رأس الادارة الفنية للفريق ، ولأن نظرة “دا كوستا” لاتخيب حقق فيلاس بواس بدوره نجاح كبير عبر التتويج بأربعة ألقاب في أول موسم له ، مما جعل مالك نادي تشلسي يرى فيه “مورينيو جديد” ويتعاقد معه في صفقة حصد منها بورتو ارباح تجاوزت 13 مليون جنيه استرليني. بعد نهاية فترة “فيلاس بواس” تم تعيين مساعده “فيتور بيريرا” الذي قاد بورتو ايضا الى تحقيق نجاحات محلية و اوروبية كبيرة ، جعلته بدوره “مورينيو جديد” في اعين مجموعة من الاندية الاوروبية ، قبل ان ينتقل لتدريب اهلي جدة السعودي في صفقة قياسية.. ، مما سبق يبدو أن “دا كوستا” نجح ليس فقط في تأمين أفضل اللاعبين الشباب ، ولكن ايضا افضل المدربين. بورتو هو مثال مذهل حقا في كيف يمكن لنادي تحقيق الربح من تطوير الموهبة.

■■ علاقة بورتو بخورخي مينديز تقتل الكرة البرتغاليةـ تأثير مينديز على كرة القدم البرتغالية واضح جدا ، اذ كان وكيل اعمال 15 لاعبا من أصل 22 لاعبا في صفوف المنتخب الوطني البرتغالي في نهائيات كأس امم اوروبا الماضية ، ومع ذلك فإنه يشكل خطورة كبيرة على مستقبل كرة القدم البرتغالية ، بتركيزه على جلب المواهب من الخارج بدلا من محاولة اعطاء الفرصة للمواهب المحلية ، و هذا يعني على انه بالرغم من هذه السياسة الاقتصادية مربحة لمينديز وللعديد من الاندية البرتغالية مثل بورتو ، فإن تكلفتها خطيرة على مستقبل الكرة البرتغالية على المدى الطويل و نجاح المنتخب الوطني البرتغالي.

■■ قضايا الفساد ـ معظم مشجعي الكرة البرتغالية يعتبرون العلامة التجارية لبورتو مرادف للفساد ، زعيم النادي لأكثر من 25 عاما “دا كوستا” قضايا الفساد تطارده باستمرار ، اذ هدد رئيس الاتحاد الاروربي بلاتيني نادي بورتو اكثر من مرة بمعاقبته بالحرمان من المشاركة في دوري ابطال اوروبا ، بسبب الفضيحة التي قادت الكثير من الحكام و المديرين التنفيذيين للمحكمة ، بسبب اتهامات موجهة  ”لدا كوستا” بالوقوف وراء اختيار الحكام الذين يشرفون على ادارة مباريات بورتو ، لكن المحكمة لم تكن قادرة على ادانة رئيس نادي بورتو ، رغم وجود تسجيلات هاتفية تؤكد تورطه الى انها لم تقبل كدليل من قبل المحكمة ، بسبب نفوذ دا كوستا داخل منظومة العدالة مستغلا بعض علاقاته القوية جدا مع العديد من السياسيين الذين لهم نفوذ كبير في النظام القانوني البرتغالي.

أهم أخبار الرياضة

Comments

عاجل