المحتوى الرئيسى

د.ياسر ثابت يكتب: صفقات المال والإخوان والسلطة.. «الحلقة الثامنة»

02/24 02:26

رجال الشاطر انتقلوا باستثماراتهم من العمل السرى إلى أروقة القصر

القصة الكاملة للمرشح الذى باع للناخبين وهم «مشروع النهضة».. قبل أن يرثه «الإستبن»!

الشاطر أبعد من مجرد رجل أعمال وأكبر من مجرد قيادة تنظيمية.. بل هو مزيج نادر منهما

مستندات سرية تكشف ضلوع الشاطر فى الوساطة بين مستثمرين وحكومة هشام قنديل

شركاء الشاطر أصبحوا بعد ثورة 25 يناير نجومًا فى المشهد الإخوانى السياسى والاقتصادى

يتعين هنا الإشارة إلى الإمبراطورية الاقتصادية المشتركة بين المهندس خيرت الشاطر ورجل الأعمال حسن مالك، والتى تضم مجموعة من الشركات تصل إلى 70 شركة، منها شركة «مالك لتجارة الملابس الجاهزة والمنسوجات وخيوط الغزل»، ويدخل كل من أشقاء مالك والشاطر أيضا شركاء فيها.

كما نجد عزة أحمد توفيق، زوجة خيرت الشاطر -التى رُزق منها بتسع من البنات وولدين وستة عشر حفيدًا- شريكًا منفردًا مع حسن مالك فى شركة «سيوة لاستصلاح الأراضى»، ويأتى من بعدها بهاء الشاطر، الساعد الأيمن لشقيقه خيرت فى إدارة مشروعاته الاقتصادية، إذ كان بهاء الشاطر مدير معارض السلع المعمرة بنقابة المهندسين، الخطوة الأولى التى انطلقت منها الإمبراطورية الاقتصادية للشاطر ومالك بعد ذلك، فكان يلجأ كل من الشاطر ومالك إلى تسجيل بعض الشركات باسم بهاء تحايلاً على نظام مبارك، كما هى الحال فى شركة «المستقبل» المملوكة لمالك والشاطر والمسجلة باسمه، فى تجسيد حى لعمق المصالح المشتركة والعلاقات العائلية فى منظومة النفوذ الاقتصادى والسياسى داخل الجماعة.

ويشارك الأبناء فى إدارة إمبراطورية الشاطر الاقتصادية، وقد أسست ابنته الكبرى، الزهراء، مجموعة مدارس «جنى دان للغات».

«الإخوان فصيل أساسى فى المجتمع، وحريص على مصلحة ونهضة مصر». تلخص هذه الكلمات شخصية الشاطر، فهو يحمل راية الدفاع عن الجماعة، بعدما كان عضوًا بمنظمة الشباب التابعة للاتحاد الاشتراكى، ولا يتهاون فى دعم مكانتها، فيقول وهو يقف وراء القضبان فى عهد مبارك: «إحنا أصحاب الحق فى البلد دى»، مدعمًا رسالته بهتافه الشهير: «قولوا يا ناس لرأس الدولة عمر الظلم ما قوم دولة».

خيرت الشاطر الذى نال شهادة فى الهندسة من جامعة الإسكندرية، ثم أصبح مدرسا مساعدا بكلية الهندسة فى المنصورة، إلى أن شملته قرارات سبتمبر 1981، تعرض للسجن 5 مرات. الأولى عام 1968 لاشتراكه فى المظاهرات الطلابية، ثم عام 1992 فى قضية «سلسبيل»، وجاءت الثالثة عام 1995 وبقى بالسجن 5 سنوات، وكانت الرابعة فى عام 2001 حيث سُجِن لمدة عام تقريبًا، والخامسة بدأت فى 14 ديسمبر 2006 وبلغت ذروتها فى 15 أبريل 2008 حين أصدرت محكمة عسكرية حكمًا بسجنه 7 سنوات.

فى قضية «سلسبيل» تحديدًا، اتهمه نظام مبارك بأن جماعته تسعى للسيطرة على مصر من خلال ما عُرف باسم «خطة التمكين»، التى جاءت فى 13 ورقة.

وتحدثت سطور «خطة التمكين» التى نسبها نظام مبارك إلى الشاطر، بأنه يسعى لاستيلاء الإخوان المسلمين على الحكم «عبر التغلغل فى مؤسسات الدولة الحيوية بداية من الجيش والشرطة، وصولاً إلى النقابات والاتحادات الطلابية، فضلاً عن استقطاب رموز المجتمع من رجال أعمال وفئات شعبية كجدار واق ضد النظام المباركى».

ذهبت «وثيقة التمكين»، التى نشرتها مجلة «المصور» فى تسعينيات القرن العشرين، للحديث عن سعى الإخوان المسلمين لإشعار دول الغرب خصوصًا الولايات المتحدة أنه من صالحهم التعامل مع «الجماعة» عند تمكنهم من كرسى السلطة، لأنهم يمثلون «الاستقرار والانضباط».

تنكرت «الجماعة» مما نسبه إليها نظام مبارك، بل واستعانت أوساط مؤيدة لها بحديث للرئيس السابق مبارك، مع «لوموند» الفرنسية، نشرت صحيفة «الأهرام» مقتطفات منه، 1993، قال خلاله: «هناك حركة إسلامية فى مصر تفضل النضال السياسى على العنف، وقد دخلت هذه الحركة بعض المؤسسات الاجتماعية واستطاعوا النجاح فى انتخابات بعض النقابات مثل الأطباء والمهندسين والمحامين»، أبى مبارك أن ينطق صراحة باسم جماعة الإخوان المسلمين، فهو يراها طوال عهده «محظورة»، لكن أنصار «الجماعة» رأوا فى شهادته دليلاً على دعوتها السلمية الرافضة للعنف.

وقبل إسدال الستار على قضية «سلسبيل» ضرب نظام مبارك جماعة الإخوان المسلمين فى مقتل فى محاولة لإخماد صوتها قبل الانتخابات البرلمانية، عام 1995، حيث وجه إليها اتهامات نظرها القضاء العسكرى تفيد بأن الشاطر ومعه ما يزيد على 40 متهمًا أداروا على خلاف أحكام القانون «الجماعة»، وعقدوا لقاءات وندوات سرية لشرح مبادئ مناهضة للدستور والقوانين، ونال إثر تلك التهم 5 سنوات، إضافة إلى غلق مقر الإخوان، الكائن آنذاك فى شارع التوفيقية، ومصادرة جميع ما فيه.

«أحكام سياسية غير جنائية ولا قضائية.. ولم تكن تلك الأحكام عقابًا على جريمة، ولكنها كانت مانعًا صُنع عن عمد، للحيلولة بين رجال الإخوان المسلمين وبين خوض الانتخابات البرلمانية التى أجريت سنة 1995».. كان ذلك تعليق المحامى، آنذاك، د.محمد سليم العوا، الذى كان ضمن فريق الدفاع عن متهمى الإخوان.

ومع مطلع الألفية الثالثة، ظهرت القضية التى عُرفت باسم «العرض العسكرى»، وبقى مسلسل الصراع بين مبارك والشاطر ما يزيد على 70 جلسة، حتى نال حكمًا عسكريًّا يجبره على البقاء خلف القضبان لمدة 7 سنوات.

ورغم تكرار اعتقاله والحكم بسجنه فإن الشاطر ظل الرقم الصعب فى معادلة الإخوان المسلمين، وظل أبعد من مجرد رجل أعمال، وأكبر من مجرد قيادة تنظيمية لتلك الجماعة الدينية، بل هو مزيج نادر منهما. وجد خيرت الشاطر أقلامًا وأصواتًا محايدة تأسف للأحكام الصادرة ضده، وترى أن «كل جريمته أنه ينتمى إلى معسكر معارض للنظام، ومن الشرفاء الذين لم يلوثهم فى أى يوم من الأيام جرائم رجال الأعمال الذين تضعهم الدولة فوق الرؤوس الطالح قبل الصالح، واعتبرته رجل أعمال يقوم على تمويل جماعة الإخوان الإرهابية التى تتكفل بآلاف الأيتام والأرامل والمطلقات وذوى الحاجات».

بعد ثورة 25 يناير 2011، والإفراج عنه بعفو صحى، أصبح يُنظر إلى الشاطر على أنه الرجل الحديدى داخل الجماعة، وأحد الذين يرسمون إطار المحادثات مع المجلس العسكرى، حيث أشرف على إدارة الانتخابات البرلمانية وتفاوض مع ممثلى دول الخليج وصندوق النقد الدولى بشأن حصول مصر على قروض، قبل أن ترشحه الجماعة لخوض أول انتخابات رئاسية فى مصر بعد سقوط نظام حسنى مبارك.

فقد فاجأ المرشد العام للجماعة، د.محمد بديع، شعب مصر فى نهاية مارس 2012 بإعلانه أن الشاطر رضخ لقرار مكتب الإرشاد بعد تصويت مجلس شورى الجماعة بالترشح لرئاسة مصر، وقدم استقالته من منصبَى نائب المرشد وعضو مكتب الإرشاد حتى يكون «مرشحًا لكل المصريين».

طوفان الدعاية الإخوانى انطلق يروج لمرشحه على أنه صاحب «مشروع النهضة» إلى جانب شعار آخر حملته فى أول انتخابات نيابية بعد ثورة ميدان التحرير وهو «نحمل الخير لمصر».

مثَّل الدفع بالشاطر الخارج لتوه من السجن إشارة إلى بدء عهد جديد لم تعد فيه الجماعة ضحية نظام حكم قائم، وإن لم تتخل عن الخطاب الذى يعلن تعرضها الدائم للتهديد والتربص. فعقب الثورة خرجت جماعة الإخوان المسلمين «من ظلمة السجن إلى أروقة القصور»، حسب تعبير ناجح إبراهيم، القيادى السابق فى الجماعة الإسلامية. فكما انحسرت موجة الثورة الأولى كاشفة عن عماد تنظيم جماعة الإخوان المتماسك الذى يدين بالولاء لرأسه -المرشد العام ونائبه محمود عزت- انحسرت غياهب السجن عن الشاطر كاشفة عن إمبراطوريته الاقتصادية، مترامية الأطراف، التى لم يمسسها سوء، وقوة التنظيم المساند له الذى لم تفككه الملاحقات المستمرة ولا التحالفات المشهرة مع نظام مبارك.

تقدم الشاطر بأوراقه إلى اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، لكن الحلم الإخوانى بالوصول إلى كرسى الرئاسة واجه صعوبة عندما قرر «الصندوق الأسود لنظام مبارك»، اللواء عمر سليمان، مزاحمة «الجماعة» فى السباق الرئاسى، لكن يبدو أنه تمت الاستعانة برجل المخابرات كى يسحب معه مرشحين أثارا الجدل فى قطار الرئاسة، فمنعت اللجنة العليا للانتخابات الشاطر من تحقيق حلم «الجماعة»، فاستبعدته من السباق لعدم صدور عفو صريح يرد إليه اعتباره ويعيد إليه حقوقه السياسية فى القضايا سالفة الذكر، كما ابتعد أبو حازم صلاح إسماعيل لحصول والدته على الجنسية الأمريكية.

ابتعد الثلاثى ولجأت «الجماعة» إلى ترشيح د.محمد مرسى، الذى نافس للنهاية ضد الفريق أحمد شفيق، حتى وصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى الكرسى.

يعزو المراقبون إلى الشاطر القرارات المفصلية التى شهدتها مصر خلال عهد مرسى وما سبقه خلال المرحلة الانتقالية، بهدف دفع الجماعة إلى تحقيق حلم «التمكين وأستاذية العالم» فى أقصر وقت ممكن. امتد نفوذ الشاطر إلى الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح التى احتل موقع العضوية فيها، وهى جبهة تضم عددًا من مشايخ التيارات السلفية والجهادية ورجال الدين المحسوب بعضهم على جماعة الإخوان المسلمين، مما دعا الشاطر نفسه إلى التقدم باستقالةٍ رفضها علماء الهيئة.

بعد عزل الرئيس محمد مرسى تعالت المطالب الشعبية بالقبض على الشاطر، وهو ما جرى فى 5 يوليو 2013 ليتم نقله إلى سجن طرة، ليبدأ التحقيق معه بشأن اتهامه بالتحريض على قتل المتظاهرين أمام مكتب الإرشاد. وقرر المستشار هشام بركات، النائب العام، التحفظ على أموال الشاطر ضمن 14 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامى، على خلفية أحداث ميدان النهضة بالجيزة، ومحيط مكتب الإرشاد بالمقطم، إلى جانب الأحداث التى وقعت أمام دار الحرس الجمهورى، وقصر الاتحادية.

غير أن ما يهمنا هنا ما كشفته المراسلات السرية للشاطر التى تسربت إلى وسائل الإعلام عقب إلقاء القبض عليه؛ إذ تبين هذه المراسلات والمستندات تعدد الأنشطة الاقتصادية للشاطر وتنوعها، وضلوعه فى الوساطة بين مستثمرين وحكومة د.هشام قنديل، بدرجة أكبر من أى وزير فى تلك الحكومة.

تضم المستندات مراسلات حول شراكة بين أحد أكبر شركات الرخام فى العالم، وهى شركة «هاز» السعودية المتخصصة فى الأنواع الراقية فى الرخام.

المراسلات الممتدة منذ بداية يونيو 2013، تدور حول صفقة من طرف خيرت الشاطر، وأشرف سرى، عضو المكتب التنفيذى لمشروع النهضة، وعز ناصر، مدير شؤون دولتى مصر وسوريا فى مجموعة «فيلوسى» العالمية، من جهة، وهانى أبو بكر من جهة، ومدير منطقة الشرق الأوسط بشركة «هاز» ويقع مكتبه فى أبو ظبى بالإمارات.

ويظهر من المستندات أن المفاوضات حول قيمة «هاز»، التى تقدر بـ40 مليون دولار، وأن مُعامل الربح 28 مليون دولار، وأن هناك تفاوضًا بين الشركة وسرى حول رغبة «الطرف المصرى»، الذى لم يتم تحديد هويته بالضبط، الاستحواذ على نسبة من الشركة.

ويعرض سرى دفع 20 مليون دولار، مقابل الاستحواذ على 30% من الشركة. ولا يظهر من المراسلات إن كانت الصفقة اكتملت أم لا.

وفى رسالة أخرى، تلقى الشاطر رسالة من «أفنتيكوم كابيتال» فى فبراير 2013، وهى مشروع مشترك للاستثمار بين «كريديه سويس» السويسرية، و«القابضة القطرية»، حيث تشكر الشركة الشاطر على زيارتها لها يوم الإثنين الموافق 11 فبراير فى العاصمة القطرية الدوحة، وتطلب منه مقابلته، وأن يتولى ترتيب زيارة بين مسؤولى الشركة من جهة، ومحافظ البنك المركزى، ووزير المالية، ووزير البترول والثروة المعدنية، ووزير التجارة الخارجية، ورئيس الوزراء، والرئيس إن أمكن.

وتظهر ثقة الشركة فى قدرة الشاطر على تنظيم هذه اللقاءات وتسهيل أمور الشركة، رغم أنه لا يتمتع بأى صفة رسمية خارج إطار جماعة الإخوان المسلمين.

وبالدخول إلى خلية الرجل الحديدى داخل جماعة الإخوان المسلمين المهندس خيرت الشاطر، التى تُعد من أكبر العائلات داخل التنظيم اقتصاديًّا -لديه 10 أبناء- وبقراءةٍ لزيجات بناته، على وجه التحديد، سنجد فيها نموذجًا إخوانيًّا للحرص على حماية المصالح التنظيمية والسياسية والاقتصادية بروابط الدم وعلاقات المصاهرة، حيث إن زوج شقيقة الشاطر الصغرى هو د.محمود غزلان المتحدث الرسمى باسم الجماعة الذى صعد إلى طبقة الحكم فى الجماعة، بعد زواجه بفاطمة الشاطر، التى أنجبت له هاجر ومحمد وياسر وأنس وعبد الرحمن ويحيى.

اقترب غزلان بعد هذه الزيجة من دائرة النفوذ التنظيمية، وشغل مناصب عضو مكتب الإرشاد والمتحدث باسم الجماعة وأمينها العام السابق، وتحوّل إلى أحد رجال أعمال الجماعة البارزين، بعد أن أصبح ضمن «طبقة الصفوة» الذين قررت الجماعة على مدار سنوات أن تكتب أموالها بأسمائهم هربًا من الملاحقة القانونية. دخل غزلان شريكًا مع خيرت الشاطر فى شركة «الواحة»، إحدى المشروعات الزراعية الكبرى التى تم فيها استغلال خبرة غزلان كأستاذ فى كلية الزراعة جامعة الزقازيق، حيث امتلكت هذه الشركة مزارع ضخمة لتربية الأبقار وإنتاج الألبان فى الكيلو 110 طريق مصر- الإسكندرية الصحراوى، بخلاف مجال المبانى والمقاولات الذى ظهر فيه اسم محمود غزلان بثقل، خصوصًا فى شراكته مع رجل الأعمال الأشهر عبدالرحمن سعودى فى شركة «التنمية العمرانية» التى كان غزلان عضوًا بمجلس إدارتها.

تعد الزهراء -كبرَى بنات خير الشاطر- هى خيط البداية فى شبكة العلاقات المالية والتنظيمية المهمة له داخل الجماعة، فزوجها المهندس أيمن عبد الغنى مدير أعمال الشاطر، والمتهم معه فى قضية ميليشيات الأزهر. وأيمن هو شريك للقيادى أحمد شوشة فى حزب الحرية والعدالة ورجل الأعمال الإخوانى فى شركة «إليجى» بالجزائر، ناهيك بأن شوشة هو أيضًا شريك خيرت الشاطر فى شركة «المدائن للمقاولات والإنشاءات»، والذى ظهر على الساحة السياسية التنظيمية أخيرًا بعد الإفراج عنه كعضو بمكتب إدارى شرق القاهرة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل