المحتوى الرئيسى

إسلاميون ضد استهداف السياحة

02/20 15:17

من جانبها رصدت الجماعة الإسلامية – جناح ناجح إبراهيم – في دراسة منشورة عنها على موقعها الالكتروني موقف الإسلام من قضية استهداف الأجانب والسياح بالقتل ، مشيرة إلى أن القائمين بهذه العمليات يستندون إلى مقدمات يظنونها صحيحة فتولد النتيجة الخاطئة وتلك المقدمات تتلخص في أمرين، الأول أن هؤلاء الأجانب سواء كانوا خبراء أو فنيين أو سائحين محاربين دخلوا دار الإسلام أو دار الحرب والأصل استباحة دمائهم.

والثاني أن هؤلاء الأجانب لا يصح الأمان الممنوح لان أركان الأمان الشرعي غير قائمة لأنهم لم يطلبوا أماناً من أحد ولم يعطهم أحد الأمان بالمعنى الشرعي فالأمر بينهم و بين الحكومات، وفى حالة افتراض وجود مثل هذا الأمان فهو غير معتبر لصدوره لمن لا يصح أمانه شرعا.

بالإضافة إلى أنهم ليست لهم شبة أمان بعد تحذيرهم من القدوم لهذه البلاد ويستدلون على ذلك بحادثة قتل الصحابي أبى بصير لأحد الرجلين اللذين تسلماه من النبي صلى الله عليه وسلم تطبيقا لبنود صلح الحديبية، بل وأنه على فرض وجود أمان لهم صحيح أو شبه أمان معتبر شرعا فقد نقضوا هذا الأمان بما يفعلونه من مخالفات لمقتضى الأمان .

وردا على هذه الآراء التي يعتمد عليها الذين يستهدفون الأجانب والسياح بالقتل أشارت الدراسة الصادرة عن الجماعة الإسلامية – جناح ناجح إبراهيم – الى ان الإسلام أباح السياحة في الأرض وحث الناس على السير فى الأرض والنظر فى سير الأولين والآخرين للتدبر فيها والتأمل والتفكر في عظمة الخلق وحكمة الأقدار، لذلك فإن السياحة جائزة سواء كانت للأغراض العلاجية أو الترفيهية أو التعليمية أو الثقافية أو التأملية لتحصيل العظة والاعتبار أما إذا صاحب أي منها ما يدخل فى عداد المعاصى فهنا تصير السياحة محرمة ليس لذاتها ولكن لغيرها ولأمر خارج عنها.

وتضيف الدراسة بأنه لا حرج على اى دولة كانت فى أن ترصد جزءاً من مواردها لتنمية الأنشطة السياحية بما يحقق تنمية الدخل القومي شريطة ألا يكون ذلك على حساب القيم والأخلاق والأحكام الشرعية وأمن البلاد والعباد وهذا هو النموذج المطلوب اليوم تقديمه من الدول الإسلامية للعالم.

وأشارت الدراسة إلى أن الشريعة أباحت لأمة الإسلام الاستعانة بالأجانب وغير المسلمين لتحقيق مصلحة مشروعة طالما عرف من يستعان به منهم حسن الرأى، وانتفى فى حقه سوء القصد ولعل فى استعانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر الصديق بعبد الله بن اريقط الليثى لمساعدتهما فى الهجرة إلى المدينة وكان هاديا ماهرا بالطريق رغم أنه كان على دين قومه من قريش دليلا بينا على ذلك الأصل وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر).

وأكدت الدراسة إن اعتبار كل الأجانب والسياح الذين يترددون على البلاد الإسلامية اليوم محاربين، حكم فيه تجاوز لا يخفى وخلل لا يغتفر، وذلك لأن من بينهم من يعتنق الدين الإسلامى وإن حمل جنسية أجنبية, ولأن من بينهم أيضا من لا يجوز قتله ولو كان من غير المسلمين كالنساء والأطفال والرهبان والشيوخ وغيرهم، كما أن منهم من يدخل بأمان أو لتجارة أو لسماع دعوة الإسلام مما يعد مانعا يمنع من قتلهم.

وشددت الدراسة على ان القائلين بجواز قتل الأجانب والسياح يرتكبون عدداً من الأخطاء التي تتعلق بتنزيل أحكام الأمان بشكل غير صحيح فى هذه القضية ، منها الخطأ فى جعل كل أجنبى أو سائح محاربا مستباح الدم ، لأنه قد يكون من بين أولئك الأجانب السياح مسلم معصوم الدم لا يجوز استهدافه, يقول الله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) ويقول سبحانه «من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا»، وقال مجاهد رحمه الله فى الإثم وهذا يدل على عظم قتل النفس بغير حق، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم ).

كل هذه الأدلة وغيرها كثير كما تقول الدراسة تدل على عظم حرمة دم المرء المسلم وتحريم قتله لأى سبب من الأسباب إلا ما دلت عليه النصوص الشرعية فلا يحل لأحد أن يعتدي على مسلم بغير حق ، وكما أن دماء المسلمين محرمه فإن أموالهم محرمة بقول النبى صلى الله عليه وسلم ( إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا).

وتضيف الدراسة بأنه قد يكون بين أولئك الأجانب والسياح من لا يجوز قتله لان الشريعة نهت عن قصد قتل أصناف من الكفار كالنساء والأطفال والشيوخ والرهبان ونحوهم طالما لم يقاتلوا أهل الإسلام ، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان، وعن انس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشا قال (انطلقوا باسم الله لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)، وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشا قال: (لا تقتلوا أصحاب الصوامع).

وتشير الدراسة إلى انه قد يكون بين هؤلاء الأجانب والسياح من لا يجوز قتله لدخوله بأمان صحيح قال تعالى «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون»، وقال صلى الله عليه وسلم (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما).

وفى ردها على أهم مبررات إباحة قتل الأجانب والسياح لعدم وجود أمان أو شبه أمان لهم، أوضحت الدراسة أن المتأمل فى أحوال دخول الأجانب والسياح اليوم لديار الإسلام سيجد أن طريقة دخولهم، تندرج غالبا فى مفهوم التأمين بمعناه الشرعي مما يجعل دخول هؤلاء لهذه البلاد دخولا مشروعا يمنع استهدافهم بالقتل لوجود الأمان الممنوح لهم أو لقيام شبه الأمان على أسوأ الفروض، من خلال تأشيرة الدخول التى تقوم اليوم مقام الأمان أو تمثل شبهة الأمان لأنها تمثل فى حقيقة الأمر عقدا يشبه عقد الأمان بمعناه الشرعي لاسيما لو كانت هذه التأشيرة صادرة بناء على دعوة مقدمة من مسلم لأجنبي لزيارة بلاد الإسلام أو للعمل بها.

ولا يشك أحد فى أن السائح أو الاجنبى عندما يقبل مثل هذه الدعوة ويحصل على تأشيرة الدخول يعتبر نفسه آمنا على نفسه وماله ولا يتصور قبوله للمجيء إذا علم أن هذه التأشيرة لا تعنى شيئا من ذلك.

وقدمت الدراسة اجتهادا فقهيا فيما يتعلق بالأحكام المتعلقة بعقد الأمان لبيان التماثل بين دلالة عقد الأمان وتأشيرة الدخول ،تضمنت شرح تعريف للأمان بأنه عهد بالسلامة من الأذى بان تؤمن غيرك أو يؤمنك غيرك، وشرعا هو عقد بين المسلم والمشرك على الحصانة من لحوق الضرر من كل منهما للآخر ولا ممن وراءه إلا بحقه ودليله قول الله تعالى: «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه».

وأشارت الدراسة إلى أن منح الأمان من حق كل مسلم فيصح من الإمام ومن أحاد المسلمين رجلا كان أو امرأة، ولنا ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أغفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل).

وأضافت الدراسة بان أمان الإمام يصح دون قيود أما آحاد المسلمين فيصح أمانهم للواحد أو للعشرة أو القافلة الصغيرة أو نحو ذلك، وفى هذا يقول ابن قدامة يصح أمان الإمام لجميع الكفار وآحادهم لان ولايته عامة على المسلمين ويصح أمان الأمير لمن أقيم بإزائه من المشركين فأما فى حق غيرهم فهو كآحاد المسلمين لان ولايته على قتال أولئك دون غيرهم. ويصح أمان آحاد المسلمين للواحد والعشرة والقافلة الصغيرة والحصن.

وبناء على انعقاد الأمان، تؤكد الدراسة انه يصير للحربي المستأمن حصانة من إلحاق الضرر به سواء من المسلم الذى آمنه أو من غيره من المسلمين أو الذميين لقوله صلى الله عليه وسلم (فمن أغفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل).

وفى هذا الإطار تنتهي الدراسة إلى وجود تشابه بين أحكام الأمان والأحكام المترتبة على تأشيرة الدخول سواء فى تحديد الجهة التى يمكن صدور اى منها عنها أو فى حدود حق كل جهة فى منح الأمان أو التأشيرة أو من حيث الأثر المترتب على ذلك من عصمة الدم والمال والحصانة من تعمد إلحاق الضرر بمن صدر بحقه الأمان أو التأشيرة.

وترفض الدراسة الآراء المتطرفة القائلة بان الأمان الصادر اليوم عن الحكومات التى لا تحكم بما انزل الله لا ينعقد بتأشيرة الدخول لأنها صادرة عن سلطة غير شرعية أو من قوم كافرين، مشيرة الى ان وصف الجهة التى صدرت التأشيرة عنها بأنها سلطة غير شرعية مسألة قد يختلف حولها البعض داخل الحركات الإسلامية ذاتها وعلى فرض صحتها فان هذا لا يؤثر فى اعتبار التأشيرة بمثابة أمان لهم لأن التأشيرة قد تكون صادرة كاستجابة لطلب مقدم من مسلم للسماح بدخول الأجنبى سواء لزيارة بلده أو للسياحة به أو للعمل لديه وأمان آحاد المسلمين جائز وواقع بلا خلاف.

بل وترى الدارسة انه فى حتى كون تأشيرة الدخول اليوم تمثل شبهة أمان فقط، فإنها تمنع من إباحة قتل الأجانب والسياح، لان العبرة فى انعقاد الأمان شرعا ليس بما يريده مانح الأمان فحسب إنما يتوقف على ما يفهمه من يطلب الأمان أو ادعى قيامه، لذلك تشير الدراسة الى ان الفقهاء ذكروا أمثلة عديدة لما ينعقد الأمان به من ألفاظ أو أقوال أو أعمال، والمتأمل فى دلالتها يجد أن من بينها صورا وأمثلة هى دون تأشيرة الدخول فى الدلالة على وجود الأمان، فقد عد الفقهاء الأمان منعقدا بألفاظ مثل، لا بأس عليك، وأنت على ما تحب، أو بإشارة كالإشارة بالإصبع إلى السماء أو بفتح المصحف الى غير ذلك.

وهذا يدل كما ترى الدراسة على أن العبرة بما يفهمه الأجنبى طالب الأمان ، فحتى من لم ير من العلماء انعقاد الأمان ببعض هذه الصور فانه ذهب الى القول برد الأجنبى إلى مأمنه أو يجعله فيئا للمسلمين وفى كل هذه الأحوال هو لا يقتل إما لقيام الأمان أو لوجود شبهة الأمان، معتبرة ان هذا الموقف من الفقهاء يعكس فلسفة بديعة للإسلام بالحرص على عدم التوسع فى إهدار الدماء وذلك بقبول ما يعد دليلا أو شبهة على انعقاد الأمان وحتى فى حالة نفى انعقاد الأمان فان الواجب هنا عدم القتل ، فباب الأمان مبنى على التوسع فى حقن الدماء.

ومن هذا الإطار تنطلق الدراسة لتؤكد أن سواء تم اعتبار تأشيرة الدخول بمثابة الأمان أو تمثل شبهة أمان، فإنها تمنع استهداف الأجانب بالقتل، وهو أمر ثابت انطلاقا من كونها أكثر دلالة على الأمان من كثير من الصور التى اعتبرها الفقهاء دليلا على انعقاد الأمان، بالإضافة الى أن العبرة فى انعقاد الأمان بما يفهمه الأجنبى، وإذا اعتبر أن تأشيرة الدخول لا تعد أمانا صحيحا فالواجب والراجح ردهم إلى مأمنهم.

دار الإفتاء: الانتحارى يعذب يوم القيامة بما قتل به نفسه فى الدنيا

جددت دار الإفتاء المصرية موقفها الثابت من العمليات الإرهابية، حيث اشارت فى فتواها الصادرة فى أعقاب حادث طابا الإرهابى إلي ان الشرع الشريف أمرنا بالالتزام بالعقود والعهود والمواثيق فقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعهود) كما روى البخارى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب واذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر).

وقالت الدار فى فتواها إن الشرع توعد أمثال هؤلاء الذين ينقضون عهود الأمان مع من آمنوهم وأدخلوهم إلى بلادهم أو باستهداف من آمنهم المسلمين وأدخلوهم الى ديارهم بحمل لواء الغدر يوم القيامة، فروى ابن ماجة عن عمرو الجزاعى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ومن آمن رجلا على دمه فقتله فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة).

وشددت الدار على ان هذه الافعال من كبائر الذنوب لأنها سفك للدم الحرام وقتل لنفوس الابرياء من المسلمين وغير المسلمين التى حرم الله تعالى قتلها إلا بالحق.

وقد عظم الشرع الشريف دم المسلمين ورهب ترهيبا شديدا من إراقته أو المساس به بلا حق فقال تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما).

وروى النسائى فى سننه عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما ان النبى صلى الله عليه وسلم قال (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم) كما حرم الله قتل النفس مطلقا بغير حق فقال عز وجل (ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق) بل جعل الله قتل النفس المسلمة او غير المسلمة بغير حق قتلا للناس جميعا فقال سبحانه (من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).

كما شددت الفتوي علي أن هذه الأعمال الغادرة تعد قتلاً للغافلين، حيث روي أبو داود والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم (لا يفتك المؤمن الايمان قيد الفتك)، وقال ابن الاثير في النهاية «الفتك أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل فيشد عليه فيقتله»، ومعني الحديث أن الإيمان يمنع من الفتك كما يمنع القيد من التصرف، لأنه متضمن للمكر والخديعة وقوله عليه الصلاة والسلام «لا يفتك مؤمن»، هو نهي أو خبر بمعني النهي.

وأكدت فتوي دار الافتاء علي أن هذه الأفعال تعد منافية لمقاصد الشرع الكلية، موضحة أن الشرع الشريف جاء وأكد وجوب المحافظة علي خمسة أشياء أجمعت كل الملل علي وجوب المحافظة عليها وهي الأبدان، والنفوس، والعقول، والأعراض، والأموال، وهي ما تسمي المقاصد الشرعية الخمسة، مشددة علي أن مثل هذه التفجيرات تعدٍ علي بعض هذه المقاصد الواجب صيانتها بالبطلان، ومنها مقصد حفظ النفوس، فالمقتول إن كان هو الانتحاري القائم بعملية التفجير الذي يقحم نفسه في الموت اقحاما بتلغيم نفسه أو نحو ذلك فهو داخل عموم قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم «من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة».

سيد إمام أمير ومفتى تنظيم الجهاد سابقا: الرسول رفض أن يستحل تمر الصدقة.. فكيف بمن يستحل دماء الناس وأموالهم

فى وثيقته التى حملت عنوان: «ترشيد العمل الاسلامى» والتى اعلنت فى ديسمبر 2006، طرح الدكتور سيد امام الشريف، منظر وأمير جماعة الجهاد سابقا، الاطار العام  لمبادرة جماعة الجهاد، والتى تناولت خمسة عشرة بندا وأربعة تنبيهات، تدور أغلبها حول التخلى عن فكرة تكفير الحاكم والمجتمع ورفض العنف، وعرض البند السابع فيها تفصيلا لمسألة تحريم إيذاء السائحين القادمين لبلاد المسلمين.

حيث اشار سيد امام الى أن الأجانب القادمين والمقيمين في بلاد المسلمين لا يجوز التعرض لهم بقتل أو نهب أو إيذاء سواء قدموا للسياحة أو العمل أو التجارة ونحوها، وذلك لستة موانع تمنع إيذاءهم، المانع الأول أنهم قد يكون فيهم مسلمون، وقتل المسلم عمدا بغير حق من كبائر الذنوب ومن السبع الموبقات، وقد قال الله تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، وفي الحديث الصحيح أيضًا قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا).

مضيفا أن الناس كانوا قديما متميزين فالمسلمون في دار الإسلام، والكفار في دار الحرب ومن أسلم منهم هاجر إلى دار الإسلام، وأهل الذمة في دار الإسلام يتميزون في المظهر عن المسلمين، وكل هذا لا وجود له اليوم، والغالب على الناس اليوم هو جهالة الحال مما يدل على أنه من الخطأ اعتبار جنسية الإنسان أو لغته أو لون بشرته أو مظهر ثيابه دليلاً على إسلامه أو كفره، أو دليلاً على جواز قتله، فالتميز متعذر عليهم، والتمييز متعسر علينا، والتبين واجب علينا، والمسلم معصوم بإسلامه أينما كان، والشبهة قائمة، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام).

وبهذه الرؤية الفقهية ينتهى سيد إمام الى انه إذا تعذر التبين وجب الكف عن الجميع للشبهة، ومن هنا توقف النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل تمرة وجدها ملقاة في بعض طرق المدينة للشبهة وهي احتمال أن تكون من تمر الصدقة وهي لا تحل له، متسائلاً – عن قتل السائحين الأجانب - فكيف بدماء الناس وأموالهم؟ وفيهم مسلمون مختلطون بغيرهم لا يتميزون، والمسلم محرم الدم والمال على المسلم أينما كان، ومستدلا بان القاعدة الفقهية تنص على أنه (إذا اختلط الحلال أو المباح مع الحرام ولم يتميزا غلب جانب الحرام ويجب تغليب حكمه في المنع عند اختلاطه بالمباح من دون تميز، لأن الحرام مفسدة والمباح مصلحة و(درء المفاسد مقدم على جلب المصالح).

ويستند الأمير السابق لجماعة الجهاد فى تحديد المانع الثاني بأن هؤلاء الأجانب قد يقدمون إلى بلاد المسلمين بدعوة أو بعقد عمل من مسلم صاحب عمل أو صاحب شركة سياحة، وهذا أمان شرعي صحيح لا شك فيه، أما تأشيرة السلطات بعد ذلك فلا تغير شيئًا من حكم أمان المسلم لهم، ونقض أمان المسلم بالتعرض لمن دعاهم من الأجانب بالأذى من كبائر الذنوب المفسقة لأن فيه وعيدًا باللعن، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)، ومعنى (ذمة) العهد والعقد ومنه الأمان، ومعنى (أخفر مسلمًا) أي نقض عهده بإيذائه لمن عاهده من غير المسلمين، وفي الصحيح أيضًا قال النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا)، ومع جهالة حال هؤلاء الأجانب من جهة ديانتهم ومن جهة الأمان، فالشبهة قائمة والكف عنهم واجب، كما يرى المفتى السابق لتنظيم الجهاد.

ويلخص سيد امام المانع الثالث فى أنه لو فرض أن الأجانب ببلادنا كفار لا عهد لهم، فإن معظمهم ممن لا يجوز للمسلم أن يتعمد قتلهم حتى حين التحام القتال مع الكفار إذا كانوا في معسكر الكفار، مثل النساء والأطفال والشيوخ والعمال والرهبان، مستنكر ومتسائلا كيف يحل تعمد قتلهم ابتداء وهم – سائحون- منفردون؟  مؤكداً انه  ورد النهي عن قتل هؤلاء في الأحاديث الصحيحة عن ابن عمر وأنس وبريدة بن الحصيب وغيرهم من الصحابة، كما ورد النهي عن ذلك في وصايا الخلفاء الراشدين كأبي بكر وعمر لقادة جيوش المسلمين رضي الله عنهما، فتعمد قتلهم فيه مجافاة صريحة لصحيح الشرع.

وكما يقول سيد إمام فعن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا)، وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تغدروا، ولا تغلّوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع)، والذرية والوليد هم الأطفال، والعسيف هم العمال والأجراء، وأصحاب الصوامع هم الرهبان غير المقاتلين، فهذه أحاديث صريحة في النهي عن قتل كل هؤلاء عمدًا حتى حال الحرب، وفيها أيضًا النهي عن الغدر بنقض العهود، والنهي عن المثلة اى تشويه جثث القتلى –كما يحدث فى العمليات الانتحارية – فكيف بالتفجير؟

ويعتمد المنظر السابق لجماعة الجهاد فى حديثه عن المانع الرابع الذى يمنع قتل السائحين على مبدأ المعاملة بالمثل، حيث يرى أن الأصل في التعامل مع الكفار هو المعاملة بالمثل إلا فيما لا يجوز شرعا، والتعامل بالمثل مبني على قوله تعالى (َمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)، وجعل سبحانه ذلك من خصال التقوى، ومستندا الى استشارة عمال الثغور لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، في مقدار ما يفرضونه من العشور (الجمارك) على تجار أهل الحرب إذا قدموا دار الإسلام، فقال لهم عمر رضي الله عنه (خذوا منهم مثل ما يأخذون منكم إذا دخلتم إليهم)، فبني ذلك على قاعدة (المعاملة بالمثل) من كتب (الخراج) لأبي يوسف ويحيى بن آدم و(الأموال) لأبي عبيد بن سلام، واليوم يوجد في بلاد الكفار الأصليين ملايين المسلمين يقيمون ويعملون بأمان.

ويضيف سيد إمام أنه إذا حدثت خروقات في هذا فليست هي الأصل، وكذلك إذا دخل المسلم بلادهم بأمانهم (تأشيرة) فإنهم يحترمون دمه وماله وإذا اعتدى عليه أحد اهتموا بالأمر فليس هو مهدر الدم والمال عندهم، وهذا هو صلب عقد الأمان وحقيقته (سواء كان اسمه تأشيرة أو فيزا) فيجب معاملتهم بالمثل إذا قدموا إلى بلاد المسلمين بما يعتبرونه موافقة على قدومهم أيا ما كانت الجهة التي سمحت لهم بالقدوم.

ويتناول امير جماعة الجهاد السابق فيما سماه بالمانع الخامس لمنع قتل السائحين، الرد الشرعى فى حقيقة الامر على ما يحدث فى مصر الان، قائلا إنه إذا كانت للمسلم خصومة مع حكومة بلده أو مع حكومة بلد الأجانب وهو عاجز عن النيل من خصمه، فلا ينبغى ان يدفع هؤلاء – السائحين – الثمن،  ومعظمهم ممن لا يجوز للمسلم أن يتعمد قتلهم ابتداءً وإن تيقن كفرهم كما سبق بيانه، مستنكرا هذا المسلك الذى سماه بثارات الجاهلية، التي نهى الله عنها في قوله تعالى (... وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى...) وقال تعالى (... وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى...).

ويعرض سيد امام لدعم وجهة نظره لقصة الصحابي خبيب بن عدي رضي الله عنه، والذى كان أسيرًا عند كفار مكة (بعد حادث بعث الرجيع) وهو متيقن أنهم سيقتلونه، وجاءه صبي منهم يزحف ومع خبيب الموسي وبوسعه أن يقتل الصبي انتقاما منهم أو يأخذه رهينة، ومع ذلك لم يؤذ الصبي لأنه لا يجوز له أن يقتله، ولما رأى خبيب الفزع لدى أم الصبي قال لها (أتخشين أن أقتله، ما كنت لأفعل ذلك) فقالت أم الصبي بعد ذلك (والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب) كما ورد بالبخاري.

ويتساءل مفتى الجهاد السابق، مستعرضا ان خبيب لم يرد أن يختم حياته بذنب، فكيف بمن يقتل وينسف بلا حساب من لا يجوز قتله من الكفار، ومن لا يعلم ديانتهم من الأجانب؟ وكيف بمن يقتل الأجانب ويقتل معهم أهل بلده من المسلمين أو مجهولي الحال بالجملة؟ وقد أمره ربه بالتبين على كل حال!!!!

وينتهى سيد امام فى ذكره للمانع  السادس والأخير لمنع قتل السائحين الى أن هؤلاء الأجانب والسياح في جملتهم ما جاءوا بلاد المسلمين لحرب أو لقتال، لذا يجب ان تجري عليهم المعاملة بالحسنى الواردة في قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، هذا هو ما شرعه الله معهم ومع أمثالهم (أن تبروهم) من البر وهو المعاملة الحسنة وفعل الخير معهم، و(تقسطوا إليهم) أي تعدلوا معهم ولا تظلموهم، لا أن تقتلوهم على حين غرة.

ويختتم سيد أمام الموانع الستة التى وضعها، مشيرا إلى ان كلاً منها يكفى بمفرده للكف عن الأجانب والسياح وعدم التعرض لهم بسوء أو أذى، ومضيفا: كيف يقتلون إذا اجتمعت كل هذه الموانع أو بعضها في حقهم؟ قائلا خاصة وأنا لم أذكر ضمن هذه الموانع تأشيرة السلطات في بلدان المسلمين والتي قد لا يعتبرها البعض مانعًا، وإنما ذكرت غيرها من الموانع، مع العلم بأن أبا عمر بن عبد البر، رحمه الله قد ذكر في كتابه (الاستذكار في ذكر مذاهب علماء الأمصار ج5) أن عامة أهل العلم على أن كل ما فهمه الكافر أنه أمان له من جانب المسلمين فهو أمان معتبر، ومشيرا الى ان السياحة مشروعة في الجملة ومن المباحات، وكذلك جواز معاملة الكفار والمشركين بالبيع والشراء والإجارة والهدية ونحوها.

وفى ختام رؤيته لموقف الشرع، يؤكد أمير الجهاد السابق أنه لا يجوز التعرض بالأذى من قتل أو نهب أو غيره للأجانب والسياح القادمين والمقيمين في بلاد المسلمين، وداعيا جميع المسلمين إلى الالتزام بهذا الحكم الشرعي وعدم مخالفته، مشددا على أنه لا يجوز بحال استحلال قتل إنسان لمجرد انتسابه إلى بلد من البلدان (أي القتل على الجنسية) معتبرا ذلك بدعة لا سابقة لها في سلف الأمة، مضيفا أن انتساب إنسان إلى بلد ما ليس دليلاً على إسلامه أو كفره، وإنما المراد من الانتساب إلى البلدان ونحوها مجرد التعريف كما قال تعالى (...وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، حيث جعل الله الانتساب إلى شعب أو قبيلة مجرد وسيلة للتعريف بالشخص، ثم أتبعه بما يؤكد أن الانتساب ليس معيار تفضيل، وإنما هذا بالتقوى والدين، وقد جمع الإسلام بين سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وبين أبي بكر العربي رضي الله عنه، فالقتل على الجنسية بدعة منكرة لا سابقة لها في سلف الأمة.

ومضيفا أنه لا يجوز بحال الحكم بإسلام إنسان أو كفره أو استحلال قتله بناء على لون بشرته أو شعره أو لأنه يتكلم لغة أجنبية أو لأنه يلبس ثيابا إفرنجية، فليس ذلك دليل كفر أو إسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).

وفي عصر الصحابة رضي الله عنهم تم فتح معظم بلدان فارس والروم، ولم يقوموا في فتوحاتهم بقتل كل الناس سكان بلاد المشركين، ولم يقاتلوا أو يقتلوا إلا من انتصب لقتالهم منهم، فليس كل كافر يجب أو يجوز قتله، والكفر عقوبته في الآخرة، أما عقوبات الدنيا فهي لدفع العدوان والفساد كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (مجموع الفتاوى ج12).

مبادرة إنهاء العنف فى أعقاب مذبحة الأقصرلا يحل التعرض للسائحين بالقتل أو التعرض لأموالهم أو أعراضهم

تضمنت مبادرة انهاء العنف الصادرة عن الجماعة الإسلامية فى اعقاب مذبحة الأقصر، موقفا واضحا من قضية استهداف السائحين، حيث حمل الكتيب الثالث من سلسلة كتب تصحيح المفاهيم والذى جاء تحت عنوان: تسليط الاضواء على ما وقع فى الجهاد من إخطار  فصلا حول حرمة قتل المستأمنين وقضية السياحة، اشارت فيه إلى أن السياح الذين يدخلون البلدان الإسلامية سواء بتأشيرة من الدولة للدخول أو بدعوة من الشركات السياحية أو من الأفراد أو من الهيئات الأخرى، فإن كل ذلك يعتبر أماناً لهم  فلا يحل التعرض لهم بالقتل أو التعرض لأموالهم أو أعراضهم.

وقالت الجماعة فى رؤيتها وإذا اختلف البعض فى أمان الحكومة، نقول لهم إن العبرة بما يعتبره السائح أمانا، وإلا فإن جماعة التكفير والهجرة تكفر الحكومة وتكفر الجماعات الإسلامية وهناك من يكفر الجميع بمن فيهم جماعة التكفير نفسها، والسائح لا علم له بهذه الخلافات ولا طاقة له بمعرفتها أصلا فالعبرة بما يعتبره هو أمانا وقد قدمنا أننا لو حلفنا على المصحف أن نقتلهم فظنوه أمانا فهو تأمين لهم.

وأضافت الجماعة أنها أعلنت فى الماضى أنها تستهدف السياحة لا السياح، لذلك فإنها ترى انه لما كان استهداف السياحة يؤدى غالبا إلى قتل السائحين أو إصابتهم فما كان ذريعة إلى قتل معصوم الدم ينبغى ان يمنع منه، خاصة أنه يصعب الفصل بين استهداف السياحة وبين قتل السياح أو اصابتهم،  وان استهداف السياحة غالبا يؤدى إلى محرم (هو قتل السياح أو اصابتهم ) ينبغى المنع منه وهو استهداف السياحة.

فالأفعال أما ان تكون فاسدة بذاتها فهى محرمة لا خلاف فى ذلك، وإما ان تكون مباحة الأصل ولكنها تؤدى الى الشر والفساد، وهذا مثل بيع السلاح فى وقت الفتن، وكإجارة العقار لمن يستعمله استعمالا محرما، فهذه تمنع لا لذاتها ولكن لما يترتب عليها من المفاسد وما تؤدى إليه من الوقوع فى الحرام.

وابن باز يحرم الاعتداء على السياح

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل