المحتوى الرئيسى

«الدستور الأصلي».. قصة كفاح موقع ثــورة 25 يناير الأصلى

01/27 10:24

وصل ترتيب الموقع خلال الثورة إلى المركز الثانى على مستوى مصر وتجاوز عدد زواره نصف المليون فى اليوم الواحد

فوربس تختار «الدستور الأصلى» رقم 16 فى العالم العربى

المواقع تناقلت أخبار حجب «الدستور الأصلى» أثناء تغطيته للمظاهرات

أول موقع يستحدث فكرة «تابع الأخبار لحظة بلحظة».. ومصرى فى السعودية نشر الأخبار على الموقع بعد قطع الإنترنت

«الدستور الأصلى» أول مَن نشر خريطة مظاهرات 25 يناير قبـــــــــل الثورة بيوم واحد وحرَّض على التظاهر بوضوح ضد مبارك

مجلة «فوربس» الشهيرة اختارت الموقع بين أكثر 50 صحيفة إلكترونية تأثيرا فى العالم العربى فبدأ نظام مبارك يلاحقه بالهجوم التقنى

المقولة الشهيرة هى أن ثورة 25 يناير كانت بلا قائد، قد يكون ذلك صحيحا، لكن الأكيد أن ثورة 25 يناير لم تكن بلا صاحب، بل كان لها ملايين الأصحاب، بعضهم ظهر فى الصورة، وبعضهم فرض نفسه فرضا، وغالبيتهم لا يزال مجهولا، وهناك فريق آخر ربما قام بدوره فى الثورة وعاد إلى بيته أو عمله راضيا مرضيا دون أن يظن أنه سيصبح منسيا، وربما ونحن نحتفل بالذكرى الثالثة لهذه الثورة الأم المباركة، آن الأوان لأن نعرف بعضا من أدوار مجهولة، لعبت دورا نحسبه مهما فى التمهيد للثورة أو للدفاع عنها خلال أيامها الـ١٨ أو بعدها، وهو دور ربما عندما تهدأ الطبول وحالات البطولات المزيفة ويهتم المدققون بالتأريخ للثورة وأهلها، ستتضح أهميته قطعا، ولعل موقع «الدستور الأصلى»، والدور الذى لعبه منذ إعادة إطلاقه فى نوفمبر 2010 كموقع إخبارى مستقل عن أى مؤسسة صحفية، وحتى اندلاع الثورة فى الخامس والعشرين من يناير 2011، وما بعدها يستحق أن نروى قصته الحقيقية للتاريخ فى السطور القادمة.

البداية كانت يوم 4 أكتوبر 2010، وفى مقر جريدة «الدستور» آنذاك، 3 شارع أحمد نسيم بالجيزة.. كان اليوم الإثنين وهو يوم السهرة المعتاد لتجهيز (تقفيل بلغة أهل الصحافة) العدد الأسبوعى، وبينما كانت الساعة تقترب من الحادية عشرة مساء، فوجئنا بخبر إقالة رئيس التحرير إبراهيم عيسى من قِبل الإدارة الجديدة الممثلة فى السيد البدوى شحاتة ورضا إدوارد.

وبينما كان جميع الصحفيين لا يزالون فى حالة من عدم التصديق ويحاولون التباحث فى الأمر وكيفية التعامل معه، فكرنا نحن -نانسى حبيب ومحمد هشام عبيه- باعتبارنا مديرا تحرير الموقع الالكترونى، هل ننشر خبر الإقالة على الموقع الإلكترونى؟ خصوصا أن الموقع ملك لإبراهيم عيسى لا لمؤسسة الدستور، وأرسلنا إليه رسالة هاتفية بهذا المعنى، وجاء الرد أن انشروا الخبر فقط، ثم انتظروا ولا تفعلوا شيئا الآن. وبالفعل نشرنا خبر إقالة إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير «الدستور» وأخذته كل المواقع الأخرى، نقلا عن موقع «الدستور»، لنفاجأ برضا إدوارد يدخل علينا ومعه الناشر أحمد عصام ومجموعة من البودى جاردات يتجولون فى المكان. دخل إدوارد وسأل عن أسماء الموجودين قبل أن يخرج تاركا لنا رسالة مع أحمد عصام بأن «كل الصحفيين اللى قابلوه مفصولين لأنهم قابلوه مقابلة وحشة»!

فى اليوم التالى ذهبنا إلى الجريدة التى صارت مقرا لاعتصام الصحفيين، وبينما كان المكان يمتلئ بمجموعة من الكتاب والصحفيين والسياسيين الذين جاؤوا للتضامن مع صحفيى الجريدة تلقينا مكالمة هاتفية من شخص قال إنه يعمل مع رضا إدوارد المالك الجديد، وطالبنا بالحصول على «باسوورد» الموقع الإلكترونى، فأجبناه بأن الموقع لا علاقة له بالجريدة أو أصحابها، لأنه يخص الزميل إبراهيم عيسى فهو مؤسسه ومالكه.

وبدأنا ننشر أخبارا عن أزمة الدستور وصحفييها على الموقع الإلكترونى، ثم جاءتنا فى اليوم التالى عدة مقالات لكبار الكتاب الذين يعلنون تضامنهم مع صحفيى «الدستور» ورئيس تحريرهم إبراهيم عيسى. وهكذا أصبح الموقع لسان حال الصحفيين فى أزمتهم قبل أن ينقلوا مقر اعتصامهم إلى نقابة الصحفيين.

ومن النقابة امتلأت صفحات الموقع بالأخبار والبيانات والمقالات، كنا نشارك الزملاء الصحفيين فى الاعتصام ونحن كاتبى هذه السطور نحمل جهازى الكمبيوتر الشخصيين، كل منا كان جالسا يحمل اللابتوب الخاص به على رجليه، لينشر مقالا أو خبرا عن يوميات الصحفيين فى الاعتصام والزيارات التى تتوالى علينا أو بيانا أصدرته نقابة الصحفيين بعد اجتماع عاصف لمناقشة الأزمة.

كان قراء «الدستور» يتابعون تطورات الأزمة عبر الموقع، ويتفاعلون مع مقالات الصحفيين التى تسرد يوميات اعتصامهم فى النقابة، كما يستمتعون ويتفاعلون بمقالات كبار الكتاب التضامنية مثل الكبير أحمد رجب وسلامة أحمد سلامة وجلال أمين وأحمد السيد النجار وعلاء الأسوانى وعمر طاهر وصافى ناز كاظم ووائل عبد الفتاح وأحمد خالد توفيق ونبيل فاروق ونجلاء بدير وطارق الشناوى ونوارة نجم وغيرهم كثيرون.

وظللنا على هذا الحال حتى نهاية شهر أكتوبر عندما اجتمع بنا الأستاذ إبراهيم عيسى ليخبرنا أنهم حاولوا إسكاتنا بما فعلوه معنا فى الجريدة، لكننا سنواصل رسالتنا من خلال موقع «الدستور». واتفقنا على أن يكون بداية شهر نوفمبر موعدا لكى يعود موقع «الدستور» خبريا يقدم الأخبار والتحقيقات وتحليلها، ونكمل من خلاله ما تعودنا عليه فى الجريدة من محاربة فساد النظام والبحث عن الحرية والديمقراطية.. ومن هنا كانت البداية، بداية موقع «الدستور الأصلى».

لم يكن قرار عودة موقع «الدستور الأصلى» ليكون موقعا خبريا من جديد بالقرار السهل، فالتحديات كانت كبيرة، لكن إصرارنا وإرادتنا وإيماننا جميعا بأن هذه هى رسالتنا كانت الدافع كى نتجاوز كل العقبات.

العقبة الأولى كانت تتمثل فى احتياجنا لعدد من الصحفيين حتى يمدونا بالأخبار التى نحتاجها لتحديث الموقع باستمرار، خصوصا أنه فى خلال أقل من شهر كانت مصر على موعد مع انتخابات مجلس الشعب، إلا أن هذه العقبة تم تجاوزها سريعا، فمع إعلان الأستاذ إبراهيم عيسى فى نقابة الصحفيين عن عودة الموقع إخباريا زاد الحماس عند صحفيى «الدستور» المعتصمين للعمل من جديد، وهو الأمر الذى قابله رئيس التحرير بتأكيد أنه سيكون هناك مكافأة شهرية لكل من يسهم فى العمل.

وبالفعل مع بداية العمل بدأت الأخبار تنهال علينا، بل إن بعض الكتاب تحمسوا وقاموا بإرسال مقالات لنا ومنهم طارق الشناوى ونوارة نجم ونجلاء بدير وغيرهم كثير، وهو الأمر الذى جعل الإقبال على الموقع يزداد وجعل عدد الزوار وتفاعلهم مع الموقع فى ارتفاع مستمر، خصوصا مع عودة مقالات الأستاذ إبراهيم عيسى النارية.

ووصل الأمر إلى ذروته فى نهاية شهر نوفمبر مع تغطية الموقع للانتخابات البرلمانية، حيث أسهم موقع «الدستور الأصلى» بشكل كبير فى فضح كل عمليات التزوير التى شابت الانتخابات بالصور والفيديوهات الحصرية التى كانت تصلنا من شبكة مراسلين على مستوى محافظات الجمهورية ومن الصحفيين الذين كانوا يتنقلون بنشاط وحماس بين لجان القاهرة والجيزة، إضافة إلى أن القراء عندما شاهدوا التغطية المتميزة التى قمنا بها كانوا يتفاعلون معنا بشدة ويرسلون إلينا الانتهاكات التى يرونها موثقة بالصور والفيديوهات.

كنا تقريبا نواصل الليل بالنهار، نتابع الأخبار المرسلة ونقوم بالتأكد منها وتدقيقها وضبط صياغتها ونتابع المصورين ونختار الصور المناسبة، وكل هذا بسرعة حتى نستطيع أن نواكب الأحداث ونوصلها إلى القارئ لحظة بلحظة. ولم يكن من يتابع الموقع يصدق أبدا بأن كل هذا يتم من خلال جهازيى لابتوب من داخل نقابة الصحفيين.

ومع كل هذا الجهد كان بانتظارنا مفاجأة سارة، عندما أعلنت مجلة «فوربس الشرق الأوسط» قائمة أكثر 50 صحيفة إلكترونية تأثيرا فى العالم العربى، وحصل موقع «الدستور الأصلى» على المركز الثانى بين المواقع المصرية والمركز السادس عشر عربيا. وتعد مؤسسة «فوربس» الإعلامية أكبر مجلة اقتصادية أمريكية فى العالم، وهى شركة نشر ووسائل إعلام أمريكية، وأبرز منشوراتها هى مجلة «فوربس» الشهرية التى تعد أكثر القوائم شهرة فى العالم، واعتمدت «فوربس» فى إعداد قائمتها على ثلاثة مقاييس، هى قوة حضور تلك المواقع على الإنترنت، والمحتوى الذى تقدمه، إلى جانب عدد الزوار اليوميين للموقع.

وكانت المفاجأة أن يأتى موقع «الدستور الأصلى» فى المركز الثانى بعد موقع «اليوم السابع»، متفوقا على مواقع كبرى مهمة بإمكانيات ضخمة مثل «الأهرام» الذى احتل المركز الثالث مصريا والعشرين عربيا وموقع «المصرى اليوم» الرابع مصريا والسادس والعشرين عربيا.

كل هذا كان كفيلا بإثارة غضب من يؤيدون نظام مبارك، والذين أدركوا أن إبعاد إبراهيم عيسى عن جريدة «الدستور» لم يكن كافيا، لأن موقع «الدستور الأصلى» صار صداعا فى رأس النظام ومزعجا لكل من يعيشون فى ظله، وهكذا بدأت سلسلة من الهجمات.

وبدأ موقع «الدستور الأصلى» يتعرض لمحاولات قرصنة إلكترونية منظمة ومحترفة كانت تتسبب فى إغلاق الموقع لعدة ساعات، وكانت هذه هى العقبة الثانية.

كانت الشركة التى قامت بتصميم موقع «الدستور الأصلى» هى «أورانج ستوديو»، ومنذ اليوم الأول لإقالة الأستاذ إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير جريدة «الدستور» كانت هناك محاولات من قِبل السيد البدوى شحاتة ورضا إدوارد للوصول إلى مسؤولى الشركة وإغرائهم بالمال حتى يمكنوهم من السيطرة على الموقع، إلا أن هانى البشرى ورانيا وصفى -مسؤولى الشركة- اختارا منذ اللحظة الأولى الوقوف إلى جانب «الدستور الأصلى»، أولا لأن المالك الحقيقى لموقع «الدستور الأصلى» هو إبراهيم عيسى، وثانيا لإيمانهما برسالة صحفيى «الدستور الأصلى».

وبدأت رحلة من المغامرات الشبيهة بما يحدث فى أفلام السينما، حيث أكد هانى ورانيا للسيد البدوى ورضا إدوارد أنه ليست لهما أى علاقة بالموقع فى الوقت الذى كانا فيه على اتصال دائم بنا. كنا نتحدث معهما فى حالة حدوث أى مشكلة من تليفون عمومى وعلى خطوط تليفون أرضية لا تحمل أسماءهما، وإذا تطلب الأمر كنا نتقابل فى أحد الكافيهات.

ومع اقتراب شهر يناير كانت شراسة الهجمات الإلكترونية تزداد، فلم يكن الهجوم على موقع «الدستور الأصلى» فرديا أو عشوائيا، وإنما كان يقوم به محترفون، وكان يستند إلى الإيحاء بوجود عدد ضخم من الزوار الوهميين على الموقع قد يصل إلى مئات الآلاف من الزوار فى نفس اللحظة، بدرجة تتسبب فى بطء تحميل الموقع، وقد يتطور إلى توقفه عن العمل بشكل كامل.

مع زيادة الهجمات كان الموقع يتم إغلاقه لعدة ساعات، ويظل هانى ورانيا يعملان على نقل الموقع على عدة سيرفرات احتياطية قبل أن ينجحا فى استعادة السيطرة عليه.

ومع زيادة العقبات، ونجاح الموقع أكثر، لم يكن استمرار العمل فى نقابة الصحفيين بهذا الشكل ممكنا، وكنا فى حاجة إلى الانتقال إلى مكان آخر.

وكان النجاح الذى حققه الموقع سببا فى التفاف كل من يؤمن بضرورة التغيير حولنا، فموقع «الدستور الأصلى» لم يعد مجرد موقع خبرى، يعكس تجربة مميزة تحمل خصوصية لصحفيى «الدستور الأصلى» ورئيس تحريرهم الذين رفضوا أن يتم إسكاتهم، وإنما تحول إلى منبر لكل رأى حر وصورة تعكس للعالم كله أن فى مصر معارضة حقيقية ترفض نظام مبارك وترفض التوريث وترفض ممارسات الحزب الوطنى وتسعى وتعمل من أجل تحقيق الحرية والسير نحو الديمقراطية.

وهكذا جاءنا دعم كل من يؤمن برسالتنا، وكان على رأسهم المهندس ممدوح حمزة، الذى قرر أن يمنحنا مكانا نعمل فيه، وهكذا انتقلنا من نقابة الصحفيين إلى شقة صغيرة فى شارع قصر النيل بها نحو ٤ أجهزة كمبيوتر.

ومع الانتقال إلى المقر الجديد فى بداية شهر ديسمبر انضم إلينا للعمل فى الموقع الزميلان مصطفى شحاتة وعبد المجيد عبد العزيز، ليصبح عددنا أربعة. وتحولت هذه الشقة إلى شعلة من النشاط، وكانت بمنزلة بيتنا الأول. كنا نقضى فيها اليوم كله من التاسعة صباحا حتى الثانية عشرة مساء، وفى بعض الأيام كان الصحفيون الرجال يبيتون ليلتهم فيها ليتابعوا الأخبار لحظة بلحظة ولا يفوتهم شىء. وجمعنا أموالا من بيننا واشترينا الأكواب والملاعق والبوتاجاز المسطح الصغير بشعلة واحدة. كنا نكنس ونمسح ونحضر الطعام والشاى والقهوة جنبا إلى جنب مع متابعة الأخبار وتحديثها. وظللنا هكذا حتى كانت البشارة يوم 17 ديسمبر 2010، يومها بدأت شرارة الثورة فى تونس عندما أشعل محمد البوعزيزى النار فى نفسه، وسرعان ما تطور الأمر إلى احتجاجات ثم اندلعت الثورة التونسية.

فى «الدستور الأصلى» اخترنا ليس فقط الانحياز إلى الشعب التونسى، بل وتأكيد أن ما حدث فى تونس سيحدث قريبا فى مصر، وفى الوقت الذى كانت فيه كل الصحف والمواقع -لا نستخدم عادة لفظ حاسم مثل «كل» لأن هناك استثناءات حتما، لكن اللفظ هنا دقيق جدا- لا تلمح إلى ذلك إلا فين وفين وعلى استحياء، كان نهج «الدستور الأصلى» هو التصريح المباشر بأن مبارك سيلحق بزين العابدين بِن على قريبا، وأن هذا هو المصير المنتظر وخلال أيام لا شهور أو سنين، وغيَّرنا من لوجو «الدستور الأصلى» حينها، بحيث يظهر فى القلب منه العلم التونسى، وكتبنا أسفل اللوجو عبارة «تضامنا مع أحرار تونس»، وكان «الدستور الأصلى» هو الموقع المصرى الوحيد -لفظ الوحيد دقيق أيضا هنا- الذى أعلن انحيازه علنية ومباشرة مع الثورة التونسية فور اندلاعها، وقبل أن يظهر اتجاه أنها ستحسم لصالح الشعب، ودون الخضوع فى فخ الحياد والتغطية الباردة.

وحينما سقط بِن على يوم 14 يناير 2011، اتصلنا بالأستاذ إبراهيم عيسى على الهاتف، وقلنا له «عنوان مثل هذا يجب أن تقوله لنا أنت بنفسك»، وكان العنوان الذى اختاره «أحرار تونس يسقطون الطاغية بِن على»، ولم يكن نظام العمل حينها فى الموقع يتطلب العودة إلى رئيس التحرير فى كل ما ينشر، وكانت مراجعته للأخبار المنشورة، أو العناوين لاحقة لا سابقة، لكن حدثا مثل انتصار الثورة التونسية استدعى أن نطلب منه ذلك، وحسنا فعلنا، لأنه مع سقوط مبارك بعد ذلك بأقل من شهر لم يكن هناك وقت للاتصال برئيس التحرير، ووضعنا نحن العنوان بأنفسنا.

وبدءا من هذا التاريخ، مارس «الدستور الأصلى» دورا تحريضيا بامتياز، كان يمارسه بالأساس قبل الثورة التونسية ضد نظام مبارك، وكان الموقع من أوائل المواقع التى أشارت إلى دعوة جروب «كلنا خالد سعيد»، لأن يخرج المصريون فى يوم 25 يناير ضد الظلم والاستبداد وممارسات الشرطة العنيفة، وفى يوم 24 يناير كان «الدستور الأصلى» الموقع الأول الذى نشر خريطة تظاهرات يوم 25 يناير، بأماكن التجمعات أمام المساجد فى كل ضواحى القاهرة، وهى الخريطة التى لم تجرؤ صحف «مستقلة ومعارضة»، ومواقع إخبارية على نشرها، لأن نشرها بالطريقة الاحتفائية التى تمت فى «الدستور الأصلى» كانت تعنى وبوضوح أننا ندعو وندعم ونحرض على الثورة ضد نظام مبارك، فى وقت كان لا يزال فيه نظام مبارك وذراعه الأمنية متماسكة وعنيفة، وهو ما تجلى فى واقعة قتل الشاب السلفى سيد بلال على يد بعض رجال الشرطة فى قسم الرمل بالإسكندرية يوم الخامس من يناير عام 2011، بعدما اتهموه بالوقوف وراء تفجير كنيسة القديسين ليلة رأس السنة فى العام ذاته، وبالمناسبة كان موقع «الدستور الأصلى» أول وسيلة إعلام فى مصر تكشف عن واقعة وفاة سيد بلال متأثرا بالتعذيب، قبل أن تنقل كل وسائل الإعلام المصرية والعربية والعالمية الخبر ذاته عن «الدستور الأصلى» لاحقا، وبعدها طبعا تعامل كل واحد منهم على أنه انفراده الخاص دون الإشارة إلى أن موقع «الدستور الأصلى» هو أول من نشر وأول من جرؤ على النشر «بعضهم لا يزال يتبع نفس الأسلوب حتى يومنا هذا.. مرض بعيد عنك».

وقبل ذلك وفى ليلة رأس السنة، وبينما يستعد العالم لاستقبال عام 2011، كانت مصر على موعد مع كارثة كنيسة القديسين التى راح ضحيتها العشرات وجرح فيها أكثر من مئة مصرى، ولم يخيب موقع «الدستور الأصلى» آمال قرائه فى نقل هذه المجزرة إلى العالم وتحليلها والدعوة للثورة التى كنا نتأكد يوما بعد يوم أنها قادمة. وهكذا وكما عودنا كل من يتابعنا كنا جزءا من الحدث ورفع الموقع شعار «حدادا على شهداء الوطن»، وبدأنا نحشد أكثر ليوم 25 يناير الذى صار بالنسبة إلينا ولكل المصريين طريق الخلاص.

صباح يوم 25 يناير تحولت الشقة الصغيرة التى كان فيها «الدستور الأصلى» فى شارع شريف بوسط القاهرة، إلى خلية نحل، كان الأفراد الأربعة الرئيسيون الذين يقومون بنشر الأخبار (نانسى حبيب- محمد هشام عبيه- مصطفى شحاتة- عبد المجيد عبد العزيز) يتابعون التفاصيل مع المراسلين فى الميادين عبر تليفوناتهم الشخصية «فى زمن كان فيه اللى معاه آى فون من ولاد الأكابر، ولم يكن الأندرويد قد ظهر بالأساس»، وعبر تليفون نوكيا صغير تم شراؤه من محلات وسط البلد بمبلغ وقدره «120 جنيها»، وكروت شحن كان يتم شراؤها كل يوم بحسب الحاجة.

كان «الدستور الأصلى» فى هذا اليوم المبارك «25 يناير»، أول موقع مصرى يستحدث فكرة «تابع الأخبار لحظة بلحظة»، وكنا ننشر خبرا جديدا كل دقيقة تقريبا وربما أقل، نعتمد على فريق ضخم ومقاتل وشريف من المراسلين كان يرصد الحدث فى القاهرة والمحافظات ويتظاهر ضد مبارك فى ذات الوقت، نتابع ما يكتبه النشطاء على «فيسبوك» و«تويتر»، وما ترصده المواقع الإخبارية الأجنبية، وما تبثه بعض التليفزيونات، وبنهاية اليوم كان «الدستور الأصلى» الموقع الرئيسى فى متابعة أخبار الثورة منذ ولادتها.

وفى يوم 25 يناير، ونحن نبحث فى تغطية محمومة عن الأخبار المتتالية، ونبحث فى ذات الوقت عن زملائنا للاطمئنان عليهم، كان السؤال المهم «فين أستاذ إبراهيم عيسى؟»، كان رئيس تحريرنا قد نزل للتظاهر منذ أول يوم، وشوهد فى ميدان التحرير وهو يهتف مع الآلاف ضد نظام مبارك، ويدعو إلى بدء الاعتصام فى المكان حتى تتحقق المطالب، قبل أن يختفى من المشهد، وبدأت الشائعات فى الظهور، والقلق يتزايد، وفى نهاية اليوم، وقد بدأت ملامح الاعتصام تظهر بوضوح فى الميدان، فوجئنا بالأستاذ إبراهيم عيسى يدخل إلى مقر «الدستور الأصلى» منتشيا ومبتهجا وفخورا بهذا اليوم الاستثنائى فى تاريخ مصر، وجلسنا معه للتناقش فى كيفية الاستمرار فى التغطية والحشد للثورة عبر الموقع.

ورغم أن حدة التظاهرات فى يومى 26 و27 يناير كانت أقل مما حدث فى يوم 25 فإن الموقع استمر فى الحشد والتحريض على التظاهر، وبدءا من يوم 27 يناير بدأ موقع «الدستور الأصلى» فى التعرض للحجب داخل مصر، ولم نكن بحاجة لنعرف أن من يقوم بذلك الجهات الأمنية بعدما أصبح الموقع منصة إعلامية مهمة للمتظاهرين فى مصر، وللمتابعين للموقف من الخارج، واتبعت الجهات الأمنية أسلوبين للهجوم على موقع الدستور، الأول بحجبه، لكن ذلك لم ينجح كثيرا، بعدما نشرنا على الموقع نفسه كيف يمكن اختراق حجب الموقع نفسه، والاستمرار فى متابعة الأخبار، وهى الطريقة التى نشرها متابعو الموقع على «فيسبوك» و«تويتر» بكثافة شديدة، والثانى عن طريق الدخول بأعداد وهمية كبيرة على الموقع بما لا يتحمله سيرفر الموقع.

وفى يوم 28 يناير مع انقطاع اتصالات المحمول وشبكة الإنترنت عن مصر كان التحدى الأكبر فى أن نستمر فى تقديم خدماتنا الإخبارية للمصريين بالخارج، وللمهتمين بأمر الثورة المصرية فى العالم كله، وهنا وفى هذا اليوم الدموى الصعب والمفصلى فى مسيرة الثورة، اقترح علينا هانى البشرى، مسؤول الشركة التى تقدم الخدمات التقنية للموقع، أن نقوم بالاتصال بأحد أصدقائه المقيمين بالسعودية، لنخبره عبر الموبايل فى حال وجود الشبكة، أو عبر التليفون الأرضى الذى كان لا يزال يعمل، بأهم الأخبار من أرض المعركة، ليقوم بنشرها هو على موقع «الدستور الأصلى» ذاته، وهكذا تطوع هانى ودفع من ماله قيمة كروت اتصال تليفونى دولى بنحو 200 جنيه -فى أيام أغلقت فيها البنوك وقد نهبت ماكينات الصرف الآلى كلها تقريبا- وبدأنا فى إملاء هذا البطل المصرى -الذى لم نعرف اسمه للأسف- أخبار الثورة، لينشرها على الموقع، هكذا أصبح «الدستور الأصلى» أول موقع يصدر من مصر، ويراه فقط الموجودون خارج مصر! وكان هو الموقع المصرى الوحيد الذى يتم تحديثه فى ظل انقطاع الإنترنت بهذه الطريقة الفريدة.

وعقب موقعة الجمل، اتصل بنا الأستاذ إبراهيم منصور، رئيس التحرير التنفيذى، الذى كان يمدنا بالأخبار مباشرة بحماس شديد من قلب الميدان بروح محرر صحفى فى مقتبل حياته، ليروى لنا تفاصيل عرفها من مصادره الخاصة، بأن عددا من قيادات الحزب الوطنى هى التى تقف وراء ما حدث فى ميدان التحرير من هجوم بالجمال والأحصنة على المتظاهرين، وهو ما ثبتت صحته بعد ذلك يقينًا.

بعد عودة الإنترنت استمر الموقع فى تقديم خدماته الإخبارية الميدانية خلال أيام الثورة الباقية، وتحول مقر الموقع إلى مكان مبيت عدد من محررى الموقع، حتى يكونوا على مقربة دائما من الحدث، وحتى يتم تحديث الأخبار طوال 24 ساعة، وتحول ميدان التحرير نفسه أحيانا إلى مقر لموقع «الدستور الأصلى»، إذ كان كل واحد منا يحمل اللابتوب الخاص به، ونندمج فى فاعليات ميدان التحرير الفريدة فى هذا الزمن الجميل، لنهتف ونغنى ونضحك ضد مبارك وعنه، ونرصد الأخبار من الميدان، وننشرها مباشرة عبر تمركزنا فى إحدى خيام الاعتصام المنتشرة فى الميدان.

مقر «الدستور الأصلى» نفسه كان حاضنا لمؤتمرات ائتلاف شباب الثورة، وكان الموقع أول وسيلة إعلامية ينظم فيها الائتلاف مؤتمراته الصحفية بعد رحيل نظام مبارك، قبل أن يتكرر ذلك فى صحف أخرى، وكان هذا أمرا يحمل دلالة واضحة.. ائتلاف الثورة يقيم مؤتمره الصحفى فى موقع الثورة. صحيح أن هذا كان يقلص من مساحة المقر من شقة إلى مجرد حجرة صغيرة، لأن المكان كان يمتلئ بكاميرات التليفزيون من كل أنحاء الدنيا، لكننا كنا نشعر فى الموقع بالفخر، ونحن نبث قرارات ائتلاف الثورة على الهواء مباشرة من «الأوضة اللى جنبا». ولم يكن ائتلاف شباب الثورة فحسب الذى مر من هنا، بل إن معظم فريق حملة تمرد التى مهدت للإطاحة بحكم الإخوان، قد عملوا فى أيام ثورة يناير كصحفيين فى موقع «الدستور الأصلى» وقد تحول بالأساس إلى مقر للثائرين، الذين منهم من ظل ثائرا نقيا، ومنهم من اختار العمل فى السياسة، ومنهم من اختار أن يلعب على الجميع ومع الجميع.

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل