المحتوى الرئيسى

على جرادات يكتب : مصر: تحديات ما بعد “الاستفتاء”

01/26 18:30

كان لافتاً ودالاً إقرار الدستور المصري الجديد الحائز نسبتيْ مشاركة وتأييد غير مسبوقتين بشرعية موجتيْ ثورة 25 يناير . لكن رغم ذلك

، ورغم أنه يعبّر عن إرادة أغلبية ساحقة من أبناء الشعب المصري، إلا أن الباقين من بنية نظام الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، لم يسلموا بشرعية الموجة الأولى للثورة بزعم أنها مجرد "مؤامرة إخوانية"، بينما لم يسلم "الإخوان" بشرعية جولتها الثانية، بل ما انفكوا يمارسون العنف والإرهاب التكفيري ويستقوون بالخارج لإسقاطها بزعم أنها مجرد "انقلاب عسكري" . وكذا بينما لم يَرُق لبقايا النظام الأسبق مساندة جيش مصر الوطني للإرادة الشعبية في تنحية مبارك، ما انفك "الإخوان" يحاربون الجيش ذاته الذي انحاز وحمى الإرادة الشعبية ذاتها لعزل محمد مرسي .

هنا ثمة مفارقة فحواها: تماثل السلوك السياسي لخصمين تجاه ثورة 25 يناير وتجاه انحياز جيش مصر الوطني لها . تماثل يؤكد أن تناقضهما إن هو إلا تناقض ظاهري لأن كليهما، وكل منهما على طريقته، يرفض الإقرار بأن ما بعد ثورة 25 يناير هو نوعياً غير ما قبلها، وبأن استعادة مصر للأمن والاستقرار والاستثمار مشروطة بتلبية مطالب شعب مصر وحقه في "الحرية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية"، وبأن توجهات نهوض مصر واستعادتها لاستقلالها وسيادتها ودورها القومي ووزنها الإقليمي والدولي غير ممكنة من دون إنهاء تبعيتها للسياسة الأمريكية، ما يحيل إلى حقيقة أن الطرفين المتصارعين على السلطة السياسية ينتميان لقاعدة اجتماعية واحدة تقودها -بتوصيف المفكرين الوطنيين المصريين- "حفنة فاسدة وتابعة من رجال المال والأعمال ورأسمالية المحاسيب"، رغم انشطارها إلى قسمين: "الأول بلحية والثاني من دون لحية" . وآية ذلك جلية في أن صراعهما على السلطة لم يمنع اتفاقهما على فصل ثورة 25 يناير بموجتيها عما سبقها من انتفاضات وثورات شعبية في مقدمتها ثورة 23 يوليو 1952 التي تعرضت، ولا تزال تتعرض منذ رحيل قائدها عبدالناصر، لعملية "شيطنة" ممنهجة يشارك فيها "الإخوان" ونظام مبارك وريث نظام السادات الذي ارتد عليها، بينما جاءت ثورة 25 يناير بموجتيها لاستعادة البناء على ما حققته من إنجازات وطنية واجتماعية وقومية ما انفكت حاضرة في وجدان الشعب المصري وعقله . كيف لا بينما كانت صورة عبد الناصر هي الأكثر حضوراً في كل التظاهرات المليونية لموجتي ثورة 25 يناير، بل وكان اسمه هو الاسم الوحيد الذي حظي بتوصيف "الزعيم الخالد" في نصوص الدستور الجديد .

على أية حال، هنا ثمة خصمان سياسيان يجمعهما العناد وتجاهل حقيقة أن الفوز بثقة الشعوب وصوتها الحر يتطلب برنامجاً يستجيب لمصالحها وهمومها ومطالبها . هذا عموماً، فما بالك إذا كان الشعب المعني هو شعب مصر الذي استطاع بثورة شعبية أبهرت العالم أن يطيح سلطة نظامين كان يصعب تخيل إسقاطهما خلال ثلاثة أعوام . ما يعني أن المواجهة التي يخوضها الشعب المصري -تحت حماية جيشه الوطني- مع عنف "الإخوان" وإرهابهم التكفيري منذ عزل محمد مرسي، إنما تحمل المضمون ذاته، وإن اختلف الشكل، لمواجهته السياسية مع بقايا نظام مبارك منذ تنحيته . إنها المواجهة الشعبية الرافضة لاختطاف الثورة أياً كان اسم ولون الطرف الذي يحاول ذلك . وآخر دليل على ذلك هو أن الشعب المصري الذي رفض دعوات "الإخوان" إلى مقاطعة الاستفتاء على الدستور الجديد وشارك وصوت ب"نعم" بنسبتين غير مسبوقتين، رفض -أيضاً- على لسان رموز حركته السياسية والشبابية والمجتمعية الوطنية - محاولة بقايا نظام مبارك الفصل بين موجتي الثورة، ما يعني أن أغلبية ساحقة من أبناء الشعب المصري ترفض -بدعم من القوات المسلحة- عودة كل من سلطة نظام مبارك وسلطة نظام "الإخوان" في آن . لا جديد في ذلك . أما لماذا؟

هنا ثمة يقظة شعبية تحولت في معمعان ثلاثة أعوام من الانخراط في "ميادين" الثورة إلى بصيرة سياسية عامة تعي معنى التزامن بين تنحية الرئيس الأسبق، حسني مبارك، ودخول "الإخوان" في مساومة مهدت لاستلامهم الحكم عبر استعجال الاستفتاء على "إعلان دستوري" وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية توجتهم "حاكماً بأمره" بعد جوع ثمانين عاماً . ما يعني أن الخلاف كان منذ البداية بين من أطلق ثورة 25 يناير، "الشباب"، ودعا إلى استمرارها حتى تحقيق مطالبها، و"الإخوان"، الذين نجحوا في التمكن من السلطة مع بقاء بنية نظام مبارك . ف"الإخوان" لم يكتفوا بارتكاب مساومة إحلال "المسار الدستوري" محل "المسار الثوري"، بل ارتكبوا -أيضاً- مساومة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية قبل صياغة دستور جديد يحظى بالتوافق الوطني . بزعم أن إعادة الاستقرار لمصر يكمن في إجراء "الانتخابات أولاً" وليس في إنجاز دستور متوافق عليه كخيار تبنته الائتلافات الشبابية وأغلبية القوى السياسية والمجتمعية الوطنية بمشاربها المتنوعة . بهاتين المساومتين، لم يؤسس "الإخوان" لعدم تحقيق مطالب الثورة ولسقوط سلطتهم، فحسب، لكنهم أسسوا -أيضاً- لتحويل الخلاف على مضامين الدستور وآليات صياغته وضمانات نزاهة الاستفتاء عليه إلى صراع سياسي حاد تحول بدوره إلى استقطاب شعبي ومجتمعي ومؤسساتي شامل أنذر بتحويل الدولة المصرية إلى دولة فاشلة، خاصة بعد أن أصدر محمد مرسي في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 "إعلاناً دستورياً" يحصن قراراته السابقة واللاحقة لتمرير دستور "إخواني" ولمنْعِ "المحكمة الدستورية العليا" من إصدار قرار قضائي كان وشيكاً يقضي بحل "اللجنة التأسيسية" لإعداده .

لذلك من التعسف اختزال خلافات قوى الثورة مع "الإخوان" في الخلاف على دستور ما بعد الثورة، وإن كانت تركزت عليه منذ نهاية عام ،2012 حيث جرى تمرير دستور "الإخوان" . فخلاف "الإخوان" مع قوى الثورة بدأ مباشرة بعد تنحية حسني مبارك، بل قبل ذلك بأيام حين قبل "الإخوان" الدخول في مساومة فحواها إخلاء "الميدان" مقابل تعيين المرحوم عمر سليمان نائباً للرئيس وإحالة صلاحياته إليه وإجراء تعديلات على بعض مواد الدستور . ما يعني أن إدخال الثورة ومطالبها في دهاليز "المسار الدستوري" كان خياراً مشتركاً بين نظام مبارك وقيادة جماعة "الإخوان" .

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل