المحتوى الرئيسى

أحمد ممدوح يكتب: أخبار الحمقى والمغفلين

01/16 18:15

ثم جلس الملك على عرشه ، عرش يحكى الجميع ويتحاكون عنه ، المقعد مصنوع من حجر المرمر الذى أضيفت إليه بعض الصبغات المائية لعمل الملونات المطلوبة فأعطته لونا أرجوانيا ، استخرج المرمر عمال مفتولو العضلات من المناجم المتناثرة فى أنحاء المملكة ،كان متكأ على يد العرش اليمنى التى ترصعت باللؤلؤ وأحجار أخرى كريمة وشبه كريمة، كل حجر يرمز إلى إنجاز وحقبة مجيدة .

للأسف كان لدى الملك ولد أخرق شديد العته دأب الإساءة إلى ملك أبيه فأصاب الملك الهرم والعجز من أفعاله ، عرف عن الولد ضحكه الدائم حتى عند حلول الفجائع والمصائب حتى صار هو نفسه أضحوكة الناس ولا يزال مستمرا فى ارتكاب الحماقات فأصبحت المملكة مهددة من قبل الجيران الطامعين فيها .

تدهورت أحوال المملكة وتردت الأوضاع بشكل لم يسبق له مثيل ،ولكن نما إلى علم الملك فجأة أن ولده قد فاق من سباته وأنه قد أدرك عظم المسئولية الملقاة على عاتقه فقرر أن يعد لمملكة أبيه ما فقدته من رونق .

اتفق المؤرخون على أن الولد قد قرر أن يطلب عفو أبيه فى الخامس والعشرين من شهر يناير ،البعض الاخر ذهب إلى أن اللقاء بينهما تم فى الثامن والعشرين من الشهر نفسه ، على أيه حال نحن لا نعرف على وجه التحديد فللتاريخ وجهان : وجه كاذب ووجه أكثر كذبا .

حمل الولد فى ذلك اليوم صندوقا عملاقا مصمتا من الصنوبر الأحمر، أبدى الملك إندهاشه من عظم حجم الصندوق ولكن انفرجت اساريره عندما شعر أن بداخله هدية قد حملها ولده راجيا إياه أن يغفر له ما تقدم من كسله وغبائه .

تقدم الولد بخطوات على مهل نحو أبيه ذلك اليوم ثم فتح الصندوق فتكشف ما بداخله ...بطيخة كافور !

نعم بطيخة ، جلب سكينا وشقها إلى نصفين كما يبقر الطغاة بطون الحوامل وتناول قطعة منها حتى يتيقن والده من حلاوة طعمها ، ثم أراد أن يعطيها إلى أبيه ويبصق فى الصندوق .

لكن حماقة هذا الولد كانت أحادية وخلاقة جعلته يبصق فى وجه أبيه ويضع البطيخة فى الصندوق مرة أخرى .

استشاط الملك غضبا حتى صار وجهه أشد قرمزية من لون العرش الذى يجلس عليه وأيقن أن ولده هذا هو عقاب أنزله الله إياه لسبب لا يعلمه إلا وحده عز وجل .

مرت الشهور الواحد تلو الأخر حتى أتى يوم الثلاثين من يونيو فى العام الذى تلى فعلته الشنعاء ، أراد الولد أن يعتذر من أبيه أمام الملأ فطلب من الوزير أن يأمر بجمع الناس من كل صوب وحدب حتى يرق قلب أبيه فيغفر له ما فعل .

أتى الجميع كهلهم ورضيعهم إلى باحة القصر الأمامية التى تدثرت بسجاجيد مزركشة تغطى البلاط الوردى ، تفوح فى الجو رائحة البنفسج الذى زرعت أشجاره فى البستان الملحق بالقصر ، كان كل شىء مثاليا ، لم يتبق سوى أن يعتذر الأحمق لأبيه عما فعل .

أمام الجموع الهادرة نظر الولد إلى الملك الحزين على عمره ثم قال " والله العظيم والله العظيم لقد أخطأت وغلطت ، أردت أن أبصق فى وجهك وأضع البطيخة فى الصندوق !"

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل