المحتوى الرئيسى

عادل حمودة يكتب: شهر واحد حاسم فى العام الجديد

01/07 02:20

عودة يناير فى أحضان يونيو!■ التصويت على الدستور بنسبة مرتفعة من الإقبال والقبول.. يعنى الانتصار فى الحرب بسرعة وجرأة وبأقل قدر من الخسائر

عودة يناير فى أحضان يونيو!

■ التصويت على الدستور بنسبة مرتفعة من الإقبال والقبول.. يعنى الانتصار فى الحرب بسرعة وجرأة وبأقل قدر من الخسائر

كانت مائدة العشاء عامرة بطعام شهى يصعب مقاومته.. لكن.. ما إن هممت لتناول شىء منه حتى سمعت من شاب ملتحٍ يجلس أمامى ما أصاب شهيتى بالشلل.

قال بهدوء يحسد عليه: «كنت أتحرى عن بيتك بعد أن صدرت تعليمات الجماعة بقتلك».

الشاب اسمه أحمد كروم.. من قيادات تنظيم الجهاد الذى أسسه نبيل نعيم.. مفجر موجة إرهاب تسعينيات القرن الماضى.. قبل أن يطلق العنف.. ويجرمه.. ويحرمه.. فيما بعد.

بأمر من عاصم عبدالماجد وضعونى فى قائمة سوداء.. تضم عادل إمام ونوال السعداوى وأحمد عبدالمعطى حجازى والمستشار سعيد العشماوى.. أما حيثيات الموت فتبدأ برجمنا بالكفر.. وتنتهى بذبحنا بتهمة أننا أخطر على الإسلام من أبولهب.

إلى نفس المائدة.. جلس ضباط شرطة كبار.. تقاعدوا بعد أن أجهزوا على التنظيمات المتشددة.. وسلموا البلاد نظيفة منها.. ليأتى يوم لم يتخيله أحد من قبل.. أن يجلس الطرفان معا.. يأكلان من نفس الطعام.. ويتشاوران فى نفس المشكلة.. مشكلة التفجيرات والتفخيخات والاغتيالات والاشتباكات التى تعيشها مصر وتعانى منها.

ما يلفت النظر.. أن «الجهاديين» القدامى أصروا على أن كسر شوكة التنظيمات النشطة.. الشرسة.. لن يكون إلا بقوة جهاز الأمن.. وسيطرته على خصومه.. فالجانب الآخر لا يفهم سوى لغة العنف.. ولم تتفكك تلك التنظيمات من قبل إلا بأمن يجيد استخدام الشدة.

جانب الضباط الكبار.. فجر مفاجأة أخرى.. ضاعفت من صدمتى.. أننا فى روزاليوسف عندما هاجمنا قصور وزير الداخلية الأسبق حسن الألفى.. شن رجاله.. المستفيدون من وجوده.. حملة تشهير بنا.. قادها مساعده للعلاقات العامة رؤوف المناوى.. تجاوزت كل الحدود الإنسانية والأخلاقية.. وأنفقت فيها ملايين الجنيهات على كتاب وصحفيين وشعراء استأجرهم لتحقيق ما يريد.

لقد كنت مؤمنا بأن الفساد هو الوجه الآخر للإرهاب.. لكننى.. لم أتصور أن يدبر الإرهاب لتصفيتى جسديا.. وينفذ الفساد التصفية الشخصية.. والغريب.. أن الإرهاب عاد من جديد يطالب برقابنا.. فهل ننجو هذه المرة من التآمر على أرواحنا؟

إن الكلمة- سواء كتبت أو نطقت- لو نجت من القتل لن تنجو من المصادرة.. ولو فرت من المتفجرات لن تفر من التويتات.. مطلوب من الكلمة إما أن ترقص فى فرح العمدة.. وإما أن تتغنى بفضائل المرشد.

والأمة التى تهين الكلمة إما دخلت مرحلة الجنون.. وإما فى طريقها إلى مرحلة الغيبوبة.

لكن.. الكلمة.. لن تموت.. لا يمكن تذويبها فى حامض كبريتيك.. الكلمة طائر النار الذى يضع بيوضه فى وجدان الإنسان فلا تستطيع سلطة قائمة أو قوة قاسية أن تمنعه من السفر.. أو التناسل.

لقد صاغت ثورة يناير شعاراتها فى كلمات.. عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. لتضيف إليها ثورة يونيو.. الكرامة الوطنية.. فلا يجوز الفصل بين الثورتين.. أو إشعال الحرب الأهلية بينهما.. فالأولى تكمل الثانية.. والثانية امتداد للأولى.. ولو لم نستوعب هذه الحقيقة فإننا قد نجبر على القبول بثورة ثالثة.

فى سبتمبر الماضى تناولت الغداء على مائدة مجموعة من دارسى الماجستير والدكتوراه فى جامعة يل.. كان الجو من حولنا فى نيويورك مشمسا.. دافئا.. وربما الحوار أيضا.

بعد ساعتين من النقاش الأكاديمى انتهينا إلى أن النظام السياسى فى مصر كان يتكون من حزب فاسد فى السلطة.. وجماعة فى المعارضة.. مثّلا معا شقى الحكم.. قضت ثورة يناير على الشق الأول.. مبارك ورجاله.. وقضت ثورة يونيو على الشق الثانى.. جماعة الإخوان التى استولت على السلطة بعد أن انتقلت من المعارضة.. وسرقت الثورة.

إن نظامى مبارك ومرسى هما فى الحقيقة وجهان لعملة واحدة لم تعد قابلة للتداول بعد ثورتى يناير ويونيو.. وكل من يحمل بعضا منها يجب أن يقدم إلى مباحث الأموال العامة بتهمة تزييف النقود.

ويثير التفرقة بين يناير ويونيو رموز ووجوه جعلت من خدها حذاءً لنظام مبارك وأجبرت على الاختفاء بعيدا عن العيون خوفا من المطاردات واللعنات.. لكن.. هذه الشخصيات الفاسدة عادت إلى السطح مؤخرا.. تكتب وتدير وتتحدث وتقود وتتحالف مع أصحاب الثروات الحرام للسيطرة على مقدرات المستقبل.. فى محاولة يائسة لاستنساخ ما كان.. وربما استردت حلمها المستحيل فى ترشح جمال مبارك للرئاسة.

استغلت قوى ما قبل يناير العداء الساحق للإخوان وانضمت إلى حشود يونيو.. دون أن تنسى عداءها ليناير.. فأشعلت الوقيعة بين الثورتين.. فخرجت اتهامات.. وعقدت محاكمات.. وبرزت مؤامرات.. وصدرت أحكام.. وكلها صبت فى خانة تناقض وهمى بين يناير ويونيو.. لم يستفد منه سوى الإخوان.. العدو الرئيسى الذى نسيه البعض وسكت عنه البعض الآخر بسبب ما جرى ليناير على يد نظام ما قبل يناير.

لن يعود نظام ما قبل يناير لو انطبقت السماء على الأرض.. هذه حتمية التاريخ.. ما مات.. مات.. لكننا.. لو لم نستوعب هذه الحقيقة ونكف عن ضرب يناير فإن يونيو أيضا سيموت.. وسنجد أنفسنا أمام قوى منظمة خارجية وداخلية تصر على تنفيذ مخططاتها دون أن نقدر على مواجهتها بقوى ثورية ووطنية مبعثرة ومتناحرة ومتصارعة.

لقد عجز مجلس المشير حسين طنطاوى عن استيعاب يناير فسلم البلاد إلى الإخوان.. ولو كررنا الخطأ نفسه سنصل إلى النتيجة ذاتها.

إن العدو الذى نواجهه أكبر من الإخوان وقطر وتركيا.. هذه القوى الثلاث مجرد عرائس متحركة بين أصابع القوى الخفية فى الولايات المتحدة الأمريكية.. لقد ضربت مصر مشروعها الذى طبخ على مهل منذ سنوات طوال.. وطناً عربياً مقسماً إلى جماعات ودويلات طائفية ومذاهبية وعرقية.. خالية من جيوش قوية.. تواجه وتقاوم وتقود وتوحد.. وتتصدى للتفتيت.. حسب النموذج الصومالى.. والتفجير.. حسب النموذج العراقى.. والتكفير.. حسب النموذج اليمنى.

وقد حاولت إدارة جورج بوش فى عام 2008 أن تلغى الجيش المصرى من خريطة القوة.. فأبدت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس استعدادها إلى منحه مزيدا من المعونات مقابل أن يسرح تشكيلاته.. ويتحول من جيش نظامى إلى فرق لمواجهة الإرهاب.. وتلاقت تلك الرغبة مع رغبة الإخوان فى التخلص من القوة العسكرية المصرية.. الخطر المباشر على سلطانها.. على أن يكون البديل ميليشيات تحت أمرها.. وحدها.

وما إن وصل الإخوان إلى الحكم حتى سارعوا إلى توجيه ضربات إلى الأجهزة الأمنية السيادية.. فاستقبلت قطر وتركيا مئات من شباب الجماعة للتدريب على أعمال المخابرات.. ودخلت ألمانيا على الخط لتقديم خبرتها فى تفكيك هذه الأجهزة.. حسب ما سمعت من اللواء رأفت شحاتة المدير السابق للمخابرات العامة.

وتخشى وكالات المخابرات الأمريكية أن تأتى رجلها فى قضية التخابر التى اتهم فيها محمد مرسى.. لكن.. تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا لم تقترب من طرف خارجى.

على أن مثل هذه القضية التى تعود إلى ما قبل رحيل مبارك عن الحكم تؤكد أن وصول الإخوان إلى الحكم كان نتيجة مؤامرة بينهم وبين وكالة المخابرات المركزية.. واستغل الطرفان تظاهرات يناير البريئة التى فاجأت كل أجهزة الاستخبارات والمعلومات فى تحقيق ما اتفق عليه.

ولن تستسلم الولايات المتحدة بسهولة للتغيير الحاد الذى أطاح بالإخوان فى يونيو.. ولو كانت تصريحاتها الرسمية ناعمة فى كثير من الأحيان فإنها فى الحقيقة تترك القتال المباشر للتنظيم الدولى للجماعة والعائلة القطرية الحاكمة والحالم باسترداد مجد الإمبراطورية العثمانية رجب طيب أردوغان.

وربما لهذا السبب.. لا يجوز الانتظار طويلا.. فكما سحبنا سفيرنا من أنقرة علينا أن نفعل الشىء نفسه مع الدوحة.. وفى الوقت نفسه نعلن الجزيرة قناة معادية.. دون أن ننسى أن نسحب الجنسية من الإرهابيين الذين تستضيفهم.. من يوسف القرضاوى إلى عاصم عبدالماجد.

ولست متفائلا بأن واشنطن سوف توافق على تجديد المعونة العسكرية لمصر فى إبريل القادم.. وإن كانت تشعر بأنها ليست مؤثرة فى القرار المصرى.. كما أنها تخشى من دخول الروس والصينيين طرفا فى إمدادنا بالسلاح.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل