المحتوى الرئيسى

الإسلاميون فشلوا في الحكم لاحتكارهم الدين وقلة خبرتهم بالسلطة

12/28 08:54

كثير من الناس يرفضون حصر الإسلام علي فئة أو فصيل بعينه، ويري البعض أن مصطلح «الإخوان المسلمين» يشعرهم بالبعد عن الدين، فهل الإسلام اقتصر علي هذه الجماعة وحدها؟ وهل كل من خرج من دائرتهم كفرة؟ فالإسلام دين دعوة لا تمتلكه فئة ولا تمثله مجموعة

ولأن مصر بلد الأزهر لا يصح في ظل وجوده أن يكون هناك حزب ديني خارج نطاقه، وليس معني ذلك إلباس الأزهر الشريف الإسلام وحده، لكننا في حاجة الي قلعة للإسلام الوسطي تدعو إلي التلاحم والاعتصام والوحدة بعيدا عن الفرقة والتشرذم والانقسام، وفي حواره الي «الوفد» يؤكد الداعية الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف رفضه كلمة حركات إسلامية وأن يكون الإسلام مقصورا علي حركات ولا جماعة بعينها أو فصيل بمفرده كما يري أن الحركات الإسلامية ما فشلت في السلطة إلا لافتقارها الخبرة السياسية التي تؤهلها لذلك، أطراف الحديث تتسع وتتشعب في أمور شتي معه، فإلى نص الحوار:

< كيف تري الوضع الراهن في مصر مع وجود كل هذه الصراعات السياسية والمشاكل وإطلاق الشائعات وهل أنت متفائل؟

- بداية ينبغي أن ننطلق من قاعدة الإسلام وهي «إن مع العسر يسرا» وهذه الآية المحكمة التي تكررت تجعلنا علي يقين أن الأمور ستؤول في آخر الأمر الي خير وفي الوقت نفسه لابد أن تتحقق المعادلة، لأن هذا الدين دين المعادلة، فنحن متفائلون، وندعو الناس الي هذا التفاؤل عن يقين، ومن نصوص قطعية الدلالة لقوله تعالي: «لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا»، فالله سبحانه وتعالي يتحدث عن المستقبل الذي نفتقر إليه بكل ما تحمله هذه الجملة من معان، ونحن نفتقر الي تدبر آيات القرآن الكريم في المستقبل «وما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها»، وآيات المستقبل كثيرة حتي في الحديث النبوي، قال الرسول صلي الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»، فما قال مات علي الشهادة ونحن أمة لا تدعو الي الموت وإنما تدعو الي الحياة، ولي كتاب مطبوع اسمه «حياة علي طبق الموت» وهو مهم جدا لأنه خلاصة ما نحن عليه من سوء، نحن نقدم مظاهر الحياة ولكن علي طبق الموت من سوء العبارة من مَن وأذي، وشأن الدين أن تقدم الحياة علي طبق الحياة، بشروا ولا تنفروا، أقول في  الوقت نفسه ينبغي أن نحذر أثر التفرق أيضا، فنحن اليوم غاب عنا معني الاعتصام والوحدة وصرنا مختلفين سواء تجمعنا أو تفرقنا، وإنني أحذر من غياب المعني الديني ويعني أننا نتواجد ونحن مختلفون فإذا جلسنا واستمع كل منا للآخر، قمنا ونحن متفقون علي رأي أحدنا حتي نكون منصفين وموضوعيين ومسلمين، فالإسلام ليس شعارات أو شعائر بل هو منهج حياة ولكي ينصلح حال البلد لابد أن يعود الخطاب الديني المستنير الذي يقوم علي بناء الشخصية السوية ويدعو الي اعتدال الفكر وإلي عزم الأمور، فالله سبحانه وتعالي حذرنا من التنازع قائلا: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»، وذهاب الريح يعني ذهاب القوة وهذا الذي أسميه «الإسلام دين المعادلة» ولذا يجب ألا تغرق في الآمال والتفاؤل فقط ولا تغرق في اليأس فقط، وإنما تجمع بين الأمرين، لكن ليكن الأمل، وليكن ترقب الخير وانتظار.

وإنني أحذر من «التعصب المذهبي» فالتعصب وباء، وقد جاء الدين فنفاه جملة وتفصيلا «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» جعل الناس كلهم إخوة «لا فضل لعربي علي عجمي إلا بالتقوي»، لا فضل لأبيض علي أحمر إلا بالتقوي، والتقوي ها هنا محلها القلب حتي يكف الجميع عن البحث في الغيبيات الذاتية، ولابد أن تكون لنا خطة واضحة في الإصلاح ولابد أن يكون لنا منهج واضح في التقدم لا أن نكون عيلة علي غيرنا، وإنما يجب أن نكون علي مستوي مسئولية حملنا إياها ديننا وحملنا إياها وطننا، ونشكر كل من يقدم لنا العون، والخطاب الديني يحتاج لقواعد عامة ليس «جهجوني» و«لا همبكة كلام» فليس الأمر مجرد إقامة الصلاة وتعظيم مقتضاها وهو النهي عن المنكر، وكذلك الحال «وأمر بالمعروف وانه عن المنكر»، ولا يمكن أن يأمر أحد بالمعروف إلا إذا كان عالما بالمعروف فكيف يأمر بشيء هو لا يعلمه ولابد لكي يكون ناهيا عن المنكر أن يكون علي علم بالمنكر. كما أعتقد أننا جميعا في حاجة هذه الأيام الي الصبر وضبط النفس وضبط اتزان قواها الروحية حتي لا يحدث «الهيجان» والانفعال.

< هناك إشكالية كبري بين الدين والسياسة.. فتارة يري البعض أنه لا دين في السياسة وآخرون يرون أن هناك ارتباطا وثيقا بين الجانبين فكيف تري هذه الإشكالية؟

- سمها ما شئت، لكنني أري الدين يشمل كل شيء بمعني أنه لا يدعو الناس جميعا الي السياسة كما أنه لا يدعو الناس جميعا الي أن يكون كل منهم مفتيا، ولا يدعو الناس جميعا الي أن يكون كل منهم طبيبا، لكن الإسلام يقول تعلموا الطب وتعلموا السياسة وتعلموا الاقتصاد، والكارثة الكبري الآن أننا في «معجنة» إن صح التعبير، فما معني لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين؟ كلام مركب هدفه يا أهل الدين لا تتدخلوا في السياسة لأنكم ستفسدون ويا أهل السياسة لا صلة لكم بالدين لأنكم لستم مشايخ. هذه هي العبارة التي تحتاج الي تحقيق، وقديما قبل الإسلام كانوا يقولون «اعط القوس باريها»، وهو ما قاله أسلافنا وأجدادنا بالمعني العامي «ادي العيش لخبازه»، وجاء الإسلام وجاء ذلك فأقر الرشد الذي قاله العرب قبل الإسلام فالرسول صلي الله عليه وسلم قال في غزوة أحد: «من كان لديه كنانة - أي وعاء للسهام - فلينثرها أمام أبي طلحة» لأنه كان أستاذا في الرمي فحرام علي أي إنسان يشهد لله بالوحدانية ولمحمد صلي الله عليه وسلم بالرسالة أن يتصدر السياسة وهو لا يجيدها فنحن نريد سياسيا لا يشرب الخمر لأنه مسلم ولكن لا يوقع الدنيا في مأزق، ولا يوقع البلد في خرابة ولا يؤدي الي كارثة، ولا يحسن التعامل مع الدول في الخارج، ولا يعرف كيف يقضي علي مشكلة من المشكلات فنحن نظلم الدين إذا زججنا به في هذه المعتركات تحت اسم الدين «الإسلامي» فالناس تأكل بالزراعة ولابد من زارع يجيد الزراعة، الناس تلبس بالصناعة ولابد من نساج يحسن النسيج، والناس في حاجة إلي إمام، قال عليه الصلاة والسلام: «يؤم الناس أقرأهم ما قال يؤم الناس أحسنهم زراعة أو غيره» وقد يجمع المرء بين الزراعة والصناعة والقراءة ويكون إماما وزارعا في الوقت نفسه وتاجرا ماهرا فما الذي يمنع؟

وبمثل هذا أقول لا شيء يسمي السياسة في الدين ولا دين في السياسة، فالإسلام أصله دعوة، فهل يدعو الي السياسة؟ نعم لكن مع اشتراط الخبرة فإذا أردنا أن نرفع راية الدين في السياسة إذا كنا مهرة فيها فلا بأس أبدا أن يتقدم الماهر بشهادته وخبرته لا بوصفه متدينا، فأبعد أى شيء اسمه حلال أو حرام عن أمور الحياة وقوامها، ولكن انظر من يصلح ومن لا يصلح، وما مؤهلات كل منهم فالعبرة في النهاية في هذا الدين بالخبرة وليست بالتدين.

< بعض السياسيين يرون أن الغاية تبرر الوسيلة مما يضطرهم لاستخدام الحيل السياسية بعيدا عن الحقيقة فما رأي الإسلام في ذلك؟

- الحيل مشروعة ومنها حيل غير مشروعة، ومن الفقهاء من حرمها علي الإطلاق وقالوا «لا حيل» والإمام أبوحنيفة له باب كبير اسمه باب الحيل، فالحياة كلها حيلة، فالقرآن نص عليها «لا يجيدون حيلة ولا يهتدون سبيلا»، وفي القرآن أيضا قول الله تعالي: «وألنا له الحديد» فهذه حيلة لكي تتعامل مع الحديد وتشكله، فالحياة كلها حيلة، لكنها لابد أن تكون مشروعة، فلا يمكن أبدا أن تقطع اللحم من الجازر وتضعه في فمك، فلابد من حيلة وهي الطهي، فإن كنت ماهرا فأت بحيلة لنا لا يمكن أن تكون من باب الغاية تبرر الوسيلة، فهذا كلام آثم وفارغ، وإنما هي من طريق الحيل المشروعة التي إن نظرت اليها كانت هي ذاتها، والغاية أيضا كانت حلالا فيجتمع الحلال بحلال، لأن الدين يدعو الي إعمال العقول لا إلي قتلها ولا إلى إخمادها ولا إلي ضعفها.

< القوي السياسية أصبحت متهمة بالعجز عن تقديم مشاريع وخطط متكاملة للنهوض بالمجتمع وتقدمه وكل همها الوصول للسلطة فقط فما رأيك؟

- الوصول للسلطة من غير أن يكون لدي أي إنسان أو جماعة خطة محكمة ومتكاملة للنهوض بالمجتمع والشعب أمر أثبتت الأيام أنه لن يطول، فمن أراد أن يغامر بحاضره ومستقبله فليصل للسلطة ومصيره معروف، ومن أراد أن يحتاط عليه أن يجتهد وأن يقدم للناس البرهان علي أنه صاحب كفاءة لكي يحكمهم ويسوسهم كما يقول ابن منظور في معجم لسان العرب، فمن كان عنده طاقة لهذا وقدرة وبصيرة نافذة وهو دارس لأحوال مجتمعه ولجغرافيته ولطبيعته ولثقافته، فالناس اليوم يعشقون رجلا هو الفريق أول عبدالفتاح السيسي، لماذا؟ لأنه الرجل الذي يلين خطابه، والناس في حاجة الي رجل لين في خطابه يذكرهم بالزعيم جمال عبدالناصر، عندما يقول أيها الإخوة، أيها المواطنون، وهي الكلمات التي تشعرهم بالكرامة والانتماء الي غير ذلك من الأمور، ولكن يبقي السؤال: هل بلين الخطاب وحده تخرج الأمة من أزماتها؟ لا، ولكن مطلوب إذا توافر معه الآلية لإخراج الناس من ظلمات البطالة والفقر والتعليم والخطاب الديني وما لا يحصي من المشكلات، فإذا أتيت بإنسان مؤهل للقضاء علي هذه المشكلات لكنه جاف سريع الانفعال، غضوب، يحرق الناس بكلامه حتي وإن أحياهم بعد إحراقهم فلن ينجح، وإذا أتيت بإنسان ناعم في حواره، لين في خطابه وليس عنده من الآلية ولا من يعينه علي إخراج الناس مما هم فيه، فسوف يفشل أيضا، فنحن في حاجة دائما الي تحقيق هذه المعادلة التي تقتضي أن يكون المتقدم للقيادة خبيرا وأن يكون لينا، وصدق الله العظيم حي يقول للرسول الكريم «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك»، فالناس التفوا حول رسول الله للينه ورحمته وهمته، فلابد أن يكون نصب أعيننا إن أردنا فهما وفقها أنه لا بد من توافر عنصر القيادة مع العمل ثم العمل للنهوض بهذا المجتمع والخروج من أزماته.

< الإخوان المسلمون ربطوا فشلهم بسقوط الإسلام فما رأيك وهل تري أنهم أساءوا للدعوة بصفة خاصة؟

- الإسلام لم ولن يسقط أبدا، لابد أن نقول الإسلام لا يسقط بسقوط إنسان وإلا كان سقط بسقوط سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، وهو صاحب الدعوة، قال تعالي: «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا»، وأنا لا أعادي الإخوان وأرفض أن توجه لأحد كلمة من رجل يظن أنه عالم تحمل عداء أو تحمل تعصبا ولكني أنصح لهم أن يفيدوا من الدرس، وأنهم إن أرادوا أن يكونوا في سلطة فيما بعد، فليس ذلك بحرام، علي أن يتعلموا معني السياسة والإرادة وليكن ذلك بعد 50 أو 200 سنة، لا بأس علي الإطلاق ألا نفقد الأمل، فأريد أن أقول الذي حدث للمسلمين يوم أحد: «إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس» لكن ليس معني أن يصيبك القرح أن تحرق البلاد والعباد وأن تدعو الي تعصب، وإذا كانوا علماء بالدين فهل الدين يدعو الي القتل إذا قتل منهم أحد؟ وهل يقتله أحدهم أم يقتله الحاكم؟ فمبادئ الدين ينبغي أن تكون علي علم وأقولها لأول مرة: لا أحد إن أردنا وجه الله وإن أردنا الإصلاح وإن صدقت نياتنا لله، لأن يكون هذا الوطن كما عهده التاريخ مرفوع الراية، ينبغي مع وجود الأزهر ألا تنعت جماعة نفسها بالدينية أو الإسلامية، فهذا عيب، فلا يفتي ومالك في المدينة، الأزهر به مليون مالك، وبه مذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، فما قيمة الأزهر في بلد إذا ادعي هؤلاء أنهم إسلاميون ودينيون؟ فأنا أرفض مصطلح الجماعة الإسلامية أو الدينية ولابد أن ندع هذا اللقب لأهله، وهذا ليس معناه نزع الدين من أحد، ولا سلب الإسلام من أحد، وإلباسه الأزهر، فهذا أيضا خلط للأوراق، ولكن مصر كعبتها الأزهر وهو مقصد الدنيا جميعا، فلم لا نعطيه حقه ودوره وتستفييه وبه مجمع البحوث الإسلامية وبه دار الافتاء وإدارة الوعظ والإرشاد وفيه المعاهد الأزهرية والجامعة المنشرة في كل مكان؟ فلابد من إجلال الأزهر وعلمائه ولا تنسلخ من عباءته وتجعل لنفسك كيانا وتظن أنك الأعلم والأفقه، والأيام تثبت بأنك في عجز عن فهم المعاني، فهذه مشكلة إن أردنا إصلاحا وتوفيقا أن نوجهها لمن سموا أنفسهم بالإخوان المسلمين، فأنا لا أعرف كلمة إخوان مسلمين، لأن كل المؤمنين إخوة، واللفظ نفسه يشعر بأنهم وحدهم مسلمون وغيرهم كفرة، وهذا لا يمكن أن يختاره إنسان عاقل محترم، فالذي سمانا المسلمين ليس حسن البنا، وإنما كما قال القرآن: «ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل»، فالذي سمانا بذلك هو سيدنا إبراهيم عليه السلام، وفي الوقت نفسه لا أتهم أحدا بالإساءة الي الدعوة فمن المؤكد أن فيهم المثقف، ولكن تواري وفيهم الفقيه وهذا بسبب التحزب والتعصب، والتعصب عين الجاهلية، فلابد أن نكون جميعا مسلمين فما الفرق بين رجل ينتمي الي جماعة وبين رجل ينتمي الي الأزهر، فالذي ينتمي الي الأزهر ينتمي الي مؤسسة مشروعة، ولا يعني ذلك أن العلم وقف علي الأزهر.

< إذن.. كيف تري دور الأزهر علي الساحة الدولية خلال الفترة الأخيرة؟

- له دور كبير علي الساحة الدولية، وهو القلعة التي تتحطم علي حصونها رؤوس الأعداء والحصن الذي حافظ علي مكانته وكيانه عبر الأزمنة، رغم أنه مطمع الأمراء والحكام والسلاطين والجماعات والرؤساء فما من رئيس يصل الي عرش مصر إلا ويحاول الاستيلاء علي الأزهر الشريف ويظل يحاول حتي يرحل ومازال الأزهر علي نفس حاله ثابتا في منهجه وسطيا في قاعدته الشرعية العريقة، التي يؤمن بها، وادعاء أن دور الأزهر تراجع هو من الفهم الخاطئ لدي الغالبية من الناس، فالأزهر مؤسسة وليس جهة أمنية أو رقابية ولديه إدارته الإرشادية والوعظية ولم يتخلف عن دوره ذات يوم ولم يتراجع أو يختفي وسيظل هدفه نشر الوسطية واللغة والأدب الرفيق بعيدا عن التعصب والمذهبية.

< وما رأيك فيما يحدث اليوم من طلاب الإخوان تجاه الأزهر وجامعته؟

- بكل تأكيد.. هذا عبث ولابد أن نربي النشء علي عزم الأمور وعلي تقدير الأخلاق فأنا يحزنني ما أراه اليوم من بعض الطلاب المنتمين لهذا الفصيل من حرق وتدمير للممتلكات والجامعة، وحرق للأشجار داخل الحرم الجامعي فهذا شيء مؤسف ومذهل فالنبي صلي الله عليه وسلم حرم علينا حرق أشجار الكفرة، فكيف نحرق كل أشجارنا، فإذا كنا كفرة في رأيهم فحرام عليهم أن يحرقوا أشجارنا كما قال النبي صلي الله عليه وسلم، فهل هذا معقول، أيضا أزهلني وأحزنني ما أراه اليوم من بعض علماء الأزهر الذين ينتمون لهذه الجماعات، فهل يعقل أن تتحول سياراتهم مخازن للأسلحة وبعضهم يحمل المولوتوف ويحرض الطلاب، فهل هذا أستاذ بالأزهر؟ عليهم أن يتقوا الله ويراعوا مصالح البلد ويضعوا المصلحة العليا فوق الجميع، وإذا أردنا أن يستعيد الأزهر دوره فينبغي أن نختار له الصفوة من المجتمع الذين هم أهل لدراسة الدين فيه واللغة، ولابد أن نربي الأجيال والنشء بالذات علي الأخلاق الحميدة، فطالب الأزهر اليوم يختلف عن طالب الأزهر بالأمس والذي كان يهتم بتحصيل العلم سواء الشرعي أو الدنيوي.

< وما رأيك في مناهج التعليم في الأزهر؟ وهل هي في حاجة الي تطوير وتجديد بحيث تتناسب ومقتضيات العصر؟

- التعليم شأن كل شيء يتغير في حياتنا، فالمناهج التي درسناها في جيلنا وجيل أسلافنا تختلف عما يدرس الآن ولكننا منذ فترة رأينا التعليم في كفة والمتعلم في كفة أخري، ولكن شاء الله أن يتطور التعليم في الأزهر، من فترة لأخري ولم يغفل الأزهر عن تطوير مناهجه، فهناك تطوير ولجان علمية قائمة بذلك، وهناك اهتمام جيد بها، وهذا لا يمنع من الدعوة لكل جديد وأن نقوم بالتطوير للإفادة، فبعد أن كان التعليم في الأزهر يقتصر علي كلية اللغة العربية والشريعة وأصول الدين أصبحت هناك كليات أخري كالزراعة والترجمة الفورية والطب والعلوم والهندسة وغيرها، والأزهر بين الفينة والأخري يتعرض لحملات ضده، لكنه سيبقي منارة فهو إن كان مصري الموطن والنشأة فهو عالمي الرسالة.

< وكيف تري التطاول علي شيخ الأزهر ومحاصرة مشيخة الأزهر؟

- هو تطاول علي الأزهر كله، فالأزهر مرآة كاشفة لما فيه المجتمع، فالمجتمع خارج أسوار الأزهر نري فيه الولد يسخر من أمه وأبيه، بل ويرفع يده في وجه أبيه، وصوته فوق صوت أبيه، فمن المؤكد أنه إذا دخل الأزهر فسوف يرفع صوته ويديه ويهين شيخ الأزهر، لأنه يهين أباه، قبل أن يدخل حرم الأزهر الشريف.

< كيف تري المطالبة بإلغاء الأحزاب الدينية أو بمعني أدق ذات المرجعية الإسلامية بحجة استغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية؟

- لا يمكن أن يكون هناك حزب ديني خارج الأزهر الشريف، إذا قرر الأزهر أن يدخل غمار السياسة ويكون حزبا أزهريا ليس في حاجة الي كلمة إسلام، فماذا يعني حزب إسلامي؟ فلابد من العمل علي مكافحة الأمية والبطالة وخدمة المجتمع.

< اليوم افتقدنا روح التلاحم بين المسلمين فماذا تقول؟

- علينا أن نتذكر والذكري تنفع المؤمنين أننا جميعا لآدم وآدم من تراب، وأننا إذا أردنا تدبر الدين وتفهمه ووقفنا عند أسرار الخطاب الديني الصحيح فيه وجدنا أن الأعمال التي تدخل العبد جنات ربه وتجعله يحظي برضوانه وفضله معظمها في التعامل بين الناس ومراعاة معني الإخوة، فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومأساة الخطاب الديني اليوم أنه تجرد من هذه المعاني وفي ذلك خطر عظيم.

< ما شروط الحاكم في الإسلام؟

- أولها الإسلام والعدل والحرية والعقل والخبرة، فهناك إجماع على هذه الشروط، وأن يكون خالياً من العيوب البدنية التي تعوقه عن الحركة والانطلاق، ولابد من الخبرة لأن الناس فهموا أن الدين بالتوكل والبركة، وأن كل من هو مسلم أو يلبس زي المسلمين يصلح أن يكون قائداً على بركة الله فهذا دجل، فلابد أن يكون خبيراً في أمور الحكم والسياسة.

< ما أهم الأخطاء التي يجب أن يتفاداها أي رئيس قادم حتى لا يقع فيما وقع فيه الرؤساء؟

- الخير يقتضي أن يفيد العاقل من تجارب سابقيه، فعليه أن يكون قليل الكلام كثير الأفعال إذا أراد أن يتجنب السوء كله، وأن يتذكر وعده فلا ينساه حيث لا يخاطب الناس بكلام كالزبد، بليل ثم يأتي عليه نهار متسيل، وعليه أن يسند الأمر الى أهله لا إلا عشيرته ولا أحبابه ولا إلى أهل ثقته وإنما كما أقول، الخبرة «أعط القوس باريها» وأني كون متابعاً لهؤلاء الخبراء فيما أسنده إليهم وأن يصغي الى الناصحين لا إلى «المنافقين» و«المطلبين» و«المزمرين»، وأن يعتبر من يقول له اتق الله حبيبه وألا يعتبر الذي يصفق له جيبه، فهو في ساحة جهاد سوف يحاسبه الله عليها إن كان مؤمنا، وعليه باختيار البطانة الصالحة التي تعينه وهذا هو الأهم.

< ما تقييمك لدور الأحزاب السياسية الآن في مصر؟

- ليس لها دور منذ انشئت إلا اطلاق جمل وشعارات، كلما جاءت مناسبة، ولكن الدور المطلوب منها أن تنزل الى الشارع وتخاطب الناس بطريقة عملية، فلابد أن تثبت الأحزاب للناس أنها موجودة، وتشارك في تثقيف الناس وتلبية خدماتهم وليكن لها وجود حقيقي وليس مجرد وجود اسم أو عنوان.

< ماذا كسب الاسلاميون وماذا خسروا من الثورة؟

- لا أقول اسلاميين وغير اسلاميين ولكن أقول ماذا كسب الذين تولوا السلطة، لم يكسبوا شيئاً إلا أنهم بكل موضوعية ازدادوا من الناس بعداً، ولو خير أي مسلم بين أن يكون مقرباً إلى الناس وهو بعيد عن السلطة وبين أن يكون على مبعدة منهم وهو موجود في السلطة فالخير إن كان عاقلاً أن يحظى بميثاق المودة ورباط الإخوة، وقاتل الله السلطة، وفي سورة مريم: «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً»، فهذه الآية غائبة والمودة ثمنها كبير وهى تفوق السلطة بكثير.

< ولماذا لم تنجح الحركات الاسلامية في السلطة؟

- لا أحب كلمة حركة اسلامية، لقد فشلت لسبب بسيط، وهي أنها لم تكن خبيرة بالسلطة ومن ثم أراد الله بها وبنا خيراً، فيعوض الله علينا ما كان من ضحايا ولنتعلم وكلنا إلى الله راجع، فالدماء الغالية علينا ينبغي أن نستثمرها جميعاً بتوجه المسرف فيها «فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً»، ولندع جهات التحقيق تعمل عملها وتبين القاتل من المقتول، وألا ننساق الى إيغار الصدور، لأن الصدر إذا أوغر فقد ساء الأمر منقلباً، ففي الجسم مضغة إذا سلمت سلم بدنه كله وإذا مرضت مرض البدن كله وهي القلب.

< ونحن مقبلون على مرحلة الاستفتاء على الدستور الجديد هل تؤيد هذا الدستور أم لا؟

- أؤيده تماماً، لأنه مرحلة من مراحل خارطة الطريق فلابد أن نمضي، فالتراجع ليس من شيم المسلمين، فهو شىء أجمعت عليه الأمة واختارته، وهذه مرحلة مهمة جداً لننتقل بعدها الى مرحلة الاستقرار، حتى يكون هناك مجلس شعب، ورئيس دولة ونقول لمن لا يريدون استقراراً لبلدنا: اتقوا الله إن كنتم تؤمنون بالله.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل