المحتوى الرئيسى

ننشر الحوار الذى تسبب في منح محمد خان الجنسية المصرية

12/19 15:57

أتمنى أن أحصل على الجنسية المصرية كتكريم

لا أحب السادات كسياسي ولكني أحببته كشخصية درامية والتاريخ يبرأ ساحته الآن

أخرجت أول فيلم سينمائي في تاريخ المالديف بطلب من رئيسها

الفنان بشكل عام لابد أن يكون اشتراكيا منحازا للعدالة الإجتماعية

أخرج كثيرا لأنني «عندي» ولا أتنازل

لو كان عاطف الطيب موجودا لأخرج أفلاما أكثر مني

لست ضد أفلام السبكى، ولكن الاحتكار هو الكارثة

أطلقوا علي أفلامنا سينما الصراصير بسبب صرصار في فيلم «أحلام هند وكاميليا»

«إلى من يهمه الأمر: هل من الممكن لحكومة الدكتور الببلاوى أن تمنحنى الجنسية وأنا فى العقد السابع من عمرى قبل فوات الأوان؟».

جملة جاءت على لسان المخرج الكبير اسمًا والرفيع مكانةً فى عام 2013 وهو يحتفل بعيد ميلاده الحادى والسبعين!

إحساس المرارة من جَرَّاء هذه الجملة لا يوصف، لا يداويه إلا جرة قلم من موظف كسول وخاتم بالجنسية المصرية لمخرج يستحقُّها، لأنه أحَبَّ مصر أكثر من غيره.

محمد خان الذى أخرج للسينما المصرية 22 فيلمًا هى فخر صناعتها، وتم اختيار أربعة من أفلامه ضمن قائمة أهم أفلام السينما المصرية احتفالا بمئويتها فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى عام 1997، يطلب المخرج العظيم -دعونا لا نقُل إنه يستجدى- فمثل محمد خان لا يستجدى أحدًا -الآن- من السلطات المصرية لإعطائه الجنسية المصرية!

مهرجان دبى السينمائى الدولى أصدر مؤخرًا كتابًا تحت عنوان «سينما الشغف، قائمة مهرجان دبى لأهم مئة فيلم عربى»، شارك فى الاستفتاء على الاختيار ما يقرب من خمسمئة عربى، ما بين مخرجين وكُتَّاب ونقاد، المهم أنه كان من ضمن أهم مئة فيلم عربى، 44 فيلمًا مصريًّا، ثلاثة منها للمخرج محمد خان غير الحاصل على الجنسية المصرية حتى اللحظة!

المخرج محمد خان، بريطانى الجنسية، المولود لأب باكستانى وأم مصرية، والذى يعرف مصر أكثر مما يعرفها بعض أبنائها، يحتفل هذه الأيام بعيد ميلاده الحادى والسبعين، ويطلب من مصر أن تمنحه جنسيتها قبل أن يسافر ليمثل مصر فى مسابقة مهرجان دبى السينمائى الدولى بالفيلم المصرى «فتاة المصنع».

سمح لى محمد خان بمشاهدة فيلمه الثالث والعشرين قبل أن يشاهده الجمهور، وسمح لى أيضًا بعمل حوار معه، قلت له فى بداية الحوار: «مسيرها تروق وتحلى»، تلك الجملة التى جاءت على لسان بطل فيلمه «أحلام هند وكاميليا» إنتاج عام 1988، وأكدها هو بتفاؤله وطفولة روحه طوال الحوار:

■ مازال عدم حصولك على الجنسية المصرية يؤلمك؟

- لأنى «زهقت»، وأنا مصرى «غصب عنهم» ولست أجنبيًّا، مولود فى هذا البلد، أمى مصرية من أصل إيطالى، حتى إن كان والدى باكستانيًّا بريطانيًّا، حاولت من قبل ووكلت المحامى اليسارى نبيل الهلالى، وقدم أوراقى ولم يحدث شىء! وقدمت أكثر من طلب للرئيس الأسبق مبارك، ولم أجد أى استجابة، كنت ذات مرة فى النمسا ومعى يحيى الفخرانى، وكان سفيرنا هناك إبراهيم الفقى، فقابلته وسألته عن الأمر، فقال لى: «الورق فى الدرج، لأن الريِّس مش بيحبّ يدّى الجنسية لحد»!

■ ولكنك حاولت مرة أخرى فى أثناء عرض فيلم «أيام السادات».

- كان هناك عرض للفيلم فى رئاسة الجمهورية بحضور مبارك وعائلته لتكريم أسرة الفيلم، فكتبت يومها خطابا وأعطيته لجمال مبارك، واتصلوا بى فى اليوم التالى من مجمع التحرير، ولم يحدث شىء بعدها، لم يحدث أى رفض، ولكن دائمًا يتم تجاهل الموضوع، ففى أول مرة كان تقرير أمن الدولة أنه «لا مانع».

■ لماذا تحرص على الحصول على الجنسية المصرية؟

- هى مجرد ورقة، ولكنى أريدها بشدة، ومع ذلك فأنا لن أطلبها ثانية، نفسى أحصل عليها كتكريم لى، أنا عندى 71 سنة دلوقتى، وعايز أموت مصرى، ففى كل المهرجانات التى حضرتها عمرى ما قدمت نفسى على إنى غير مصرى، ولكن كانت هناك مواقف صغيرة تحزّ فى نفسى، كبعض المضايقات فى المطار أحيانا لأنى كنت أحمل الجنسية الباكستانية، وباكستان كانت دولة راعية للإرهاب، كما أننى كنت مشاركًا منذ سنوات فى مهرجان موسكو بفيلمين، أحدهما فيلم «يوسف وزينب» الذى أخرجته لدولة المالديف، والثانى الفيلم المصرى «الحَرِّيف»، فوجدت اسمى ضمن وفد دولة المالديف، وليس ضمن الوفد المصرى!

■ فلنخرج قليلًا عن هذا الموضوع المؤلم. احْكِ لنا بعض تفاصيل تجربة الفيلم المالديفى، خصوصًا أن كثيرين لا يعرفون ملابساتها، والبعض لم يسمع عن الفيلم أصلا.

- والدى كان تاجر شاى، وكان مكتبه مقرًّا للجالية الباكستانية وغيرها من الجاليات الآسيوية، وكان من بين من يترددون علينا مأمون عبد القيُّوم، كان يدرس فى مصر بالأزهر وجامعة القاهرة، ثم أصبح رئيسًا للمالديف فى ما بعد، وبعدها بسنوات قابلته فى لندن فسألته: إنت رئيس جمهورية كويس؟ فردّ ردًّا أعجبنى وقال: «أنا مش حرامى»، وطلب منى وقتها أن أقدِّم فيلمًا للمالديف، وبالفعل صنعنا الفيلم بطولة فاروق الفيشاوى وليلى علوى وتوفيق الدقن، وأصبح أول فيلم سينمائى فى تاريخ المالديف بعد أن كانوا يعتمدون على السينما الهندية فقط.

■ لديك كثير من الحكايات عن الرؤساء بداية من جمال عبد الناصر.

- والدى كان شريكًا فى تجارة مع مصطفى كاظم شقيق زوجة جمال عبد الناصر، فكان ناصر يدعونا فى الاحتفالات، كان لدَىَّ صورة ضاعت منى وأنا فى الثالثة عشرة من عمرى، وأنا واقف فى الصف الثالث، والسادات فى الصف الأول، وبعدها بسنوات قدمت فيلمًا أدافع فيه عن هذا الرجل.

- لا، ولكن عندما كنت أحضِّر للفيلم تغيرت نظرتى عنه بعض الشىء لقربى من الشخصية، كشخصية درامية، كما أن التاريخ يبرِّئ ساحته فى كثير من المواقف، أما الفيلم فعندما صنعته كان خارج تقييمى للشخصية سياسيًّا، بعيدًا عن حبى أو كراهيتى له.

■ هل من الضرورة أن يكون للمخرج توجُّه سياسى؟

- لا طبعًا، ولكن كنت أنا وكل جيلى تقريبًا، وبلا إعلان، اشتراكيون، وأعتقد أن الفنان -بشكل عام- لا بد أن يكون اشتراكيًّا، فالفنان لا بد أن يعبِّر عن العدالة الاجتماعية، وجميع أبناء جيلى عبروا عنها فى كل أفلامهم بداية من أول فيلم لكل منا.

■ رغم أن جيلك من مخرجى الثمانينيات هو الجيل الذى ظهر معه اتهام تشويه سمعة مصر؟

- صاحب إحدى شركات الإنتاج والتوزيع هو أول من أطلق هذا الاتهام، وقال على أفلامنا «سينما الصراصير»، بسبب وجود صرصار فى فيلم «أحلام هند وكاميليا»، يضربه أحمد زكى «بالشبشب»، رغم أننا كنّا نصوِّر واقعًا، مثلًا فى فيلم «عودة مواطن»، كان السيناريو رائعًا، وفى مشهد سوق الحمام الزاجل كان فى السوق حمار، فالكاميرا مان قال: «استنى، مش عايز أصوّر المشهد بالحمار»، فقلت له: «إنت مالك؟ مش ده اللى موجود؟ إيه اللى فيها لما يبقى فيه حمار؟»، وتفاصيل كثيرة من هذه النوعية، لكننا لم نتعمد إظهار ذلك، لقد كنا نعكس الواقع.

■ حدث هذا رغم ظهوركم فى فترة كانت فيها سينما المقاولات فى أوج مجدها، ورغم أنكم مثّلتم مصر بأفلامكم فى كثير من المهرجانات العالمية؟

- لم نكن نقصد ظهور هذه المشاهد، وبعدين يعنى هُمّا صناع السينما الأمريكية مش بيظهروا البلاوى اللى عندهم؟ أما بخصوص الجوائز، فلم نكن نصنع أفلاما للمهرجانات كما كان يقال، فأفلامنا كانت تنجح جماهيريًّا، لكن الموضوع نسبة وتناسب، فأنا مثلا أنتجت فيلم «فارس المدينة»، وكان مكسبى منه 200 جنيه، ولكن فى ما بعد عندما بعته، حصلت على ثمانية آلاف دولار، فالأفلام لا تخسر.

■ أعتقد أنك أكثر مخرجى جيلك، مثل داوود عبد السيد وخيرى بشارة، حظًّا وقدرة على الانتظام فى إخراج أفلام جديدة خلال السنوات الأخيرة.

- لا، هذا ليس صحيحًا، فلو أن الراحل عاطف الطيب بيننا كان سيُخرِج أفلامًا أكثر منى خصوصا أنه سريع جدا، وحتى أكون صريحًا، جيلى فى الخمسة عشر عاما الأخيرة، لم يكن مرحَّبًا به، فالشكل الإنتاجى اختلف وأصبح المنتج مسيطرًا على كل مقاليد الأمور فى الفيلم، فأصبح هو الذى يحدد ماذا يريد ومن يصبح بطلا وما النوعية المطلوبة وكيف تقدَّم، فهو ببساطة «لبّسنا الشماعة»، بمعنى أنه كان يروِّج أن السينما التى نقدمها لا تحقق إيرادات وتؤخر السينما، قال بسبب أنها أفلام للمهرجانات! رغم أن إنتاجنا أنا وخيرى وداود وعاطف والميهى لا يتجاوز 5% من جملة الإنتاج السينمائى كله.

■ كيف خرجت أنت من كلبشة المنتجين وسيطرة السينما التجارية؟

- لأننى عِنَدِى ومثابر، ولا أقدم إلا ما أريده، صحيح أننى أدفع ثمنه أحيانا من صحتى وأعصابى بتحضيرات لأفلام لا تنفَّذ، مثل فيلم «نسمة فى مهب الريح» الذى لم ينتج حتى الآن منذ 20 عامًا، وحدثت لى أزمة قلبية بسببه، إلا أننى لا أتنازل ولا أيأس.

■ لدرجة أنك أعدت تجربة الإنتاج ثانية بفيلم ديجيتال هو «كليفتى» الذى لم يُعرَض فى السينما؟

- تجربة «كليفتى» تجربة فريدة، دخلت تصويره بـ11 نفرًا، وأنا الذى رفضت عرضه فى دور العرض، لأنه إذا عُرض فى دور العرض كانوا حيرموه رمية الكلاب، وفضّلت أن أبيعه لقنوات «ART»، فشاهده جمهور بأضعاف العدد الذى كان سيشاهده فى دور العرض، كما أنى كسبت من ورائه، فشعرت أنها عملية ناجحة.

■ فى رأيك، ما سبب مشكلة تعمُّد وجود نوعية واحدة من الأفلام؟ المنتج أم الموزع أم المنظومة بأكملها؟

- أنا مثلًا لست ضد أفلام السبكى، ولكنى ضد أن تكون هى النوعية الوحيدة المفروضة على المشاهد، ممارسة الاحتكار هى الكارثة، لأن لعبة غير نظيفة تحدث، فهناك مثلًا منتجون يذهبون إلى دور العرض ويأمرون أصحابها أن لا يعرضوا أفلاما غير فيلمهم، يعنى فيلم مثل «هرج ومرج لنادين خان» هو فيلم شعبى جدا، لماذا لم يحقق إيرادات ضخمة؟ لأن التوزيع لم يعطه مساحة أكبر، فلو حصل الفيلم على فرصة عرض فى 50 نسخة لحقَّق نجاحًا ضخمًا، ولكنى أرى الأمل فى السينما المستقلة، فكلما زاد عدد الأفلام المستقلة بكثافة أصبحت أمرًا واقعًا وستفرض نفسها على دور العرض، ومن ثَم سيجدها الجمهور بجوار النوعيات الأخرى من الأفلام.

■ بدأت تصوير فيلمك الثالث والعشرين «فتاة المصنع» فى عهد الإخوان، وسمعنا بوجود مشكلات وتوقف الفيلم بسبب أحد الإخوان.

- المصنع الذى كنا نصوِّر فيه لم يكن هو المصنع الذى ظهر فى الفيلم، اخترنا مصنعًا فى دار السلام، ولكن صاحب المصنع خاف من المنطقة لأنها منطقة سكنية وخاف من وجود فريق تصوير وسطهم، فقرر صاحب المصنع نقلنا إلى مصنع يمتلكه أحد أقاربه فى الخانكة، وأُعجِبْت بالمصنع، ثم جاء شخص إخوانجى -غالبًا كان رئيسًا للعمال- وهدَّد صاحب المصنع بشكل مباشر بأنه فى حال تصوير الفيلم سيمنع البنات من العمل فى المكان، وقد فعل ذلك دون أن يقرأ السيناريو أو يعرف أى تفاصيل عن الفيلم، وكان الرجل صاحب المصنع تربطه صلة قرابة بالفنان الراحل أمين الهنيدى، وكان أستاذى لمادة التربية الرياضية فى مدرسة النقراشى، المهم أننى قلت له: «مش مهم خلاص»، وتركنا المصنع، وفى النهاية استقررنا على أحد مصانع المنطقة الحرة، وكان مملوكًا لسوريين ومصريين ولم يكن هناك ضغوط علينا فى أثناء التصوير.

■ بمناسبة الإخوان، فى تصوُّرك لو استمر حكمهم كيف كان سيصبح حال السينما؟

- حالة سوداء، الواحد كان حاسس باكتئاب، يعنى مثلا فيلم «المسطول والقنبلة» كان من المستحيل أن ينفذ إذا استمر حكمهم.

■ كيف تتخيل حجم السواد الذى كان سيسود فى حال استمرارهم فى الحكم؟

- كانت الرقابة ستكون عنيفة، سواء الرقابة على المشاهد الجريئة جنسيًّا، أو المشاهد التى تحمل نقدًا سياسيًّا من أى نوع، باختصار، التركيبة الاجتماعية نفسها كانت ستصبح أكثر انغلاقًا.

■ ألم تكن هذه التركيبة موجودة وقت ظهور ما يسمى بالسينما النظيفة؟

- نعم، لم تكن موجودة بالشكل الذى كان سيحدث حال استمرار حكم الإخوان، حتى مع وجود السينما النظيفة كانت الحريات متحققة فى أفلام أخرى.

■ ألم تفرض السينما النظيفة رقابة أخلاقية حتى ولو من قِبَل الممثلين أنفسهم، وأحيانًا المنتجين والموزعين؟

- ومن الممثلين أحيانًا، لكن الرقابة كانت مستنيرة إلى حد كبير، ونحن كنا نتحايل عليها، وبالمناسبة أنا ضد الرقابة، ولكن الرقابة كانت تفرِّق وقتها بين مخرج فى مكانتى أو مكانة داوود عبد السيد وخيرى بشارة، ومخرجين آخرين، كانت تثق بنا وبما نقدمه. ما أعنيه أنها كانت رقابة متفهمة فى مناخ سينمائى مستنير.

■ كيف كنتم تتحايلون على الرقابة؟

- عندما قدمت فيلم «زوجة رجل مهم» مثلًا إلى الرقابة، وافقت على السيناريو كاملا، وبعدها طلبت الرقيبة مقابلتى أنا وكاتب السيناريو رؤوف توفيق، وقالت لنا: «ماتخلّوا الأحداث أيام عبد الناصر»، وفهمنا بعدها أن عبد الناصر أمّم أملاك أهل هذه الرقيبة، فقلنا لها: «ماينفعش»، قالت: «خلاص، فيه ناس عايزين يكلموكم»، وأعطتنا رقم تليفون لنتصل به، وقالت: «اتصلوا قدامى»، فاتصل رؤوف بالشخص وعرفنا أنه يعمل فى مباحث أمن الدولة وذهبنا لمقابلته فى مكتبه بلاظوغلى، سألنى: «إنت عايز تعمل الفيلم ده ليه؟»، وأسئلة من هذه النوعية، ثم قال لى: «قرأت السيناريو وقرأت التقارير المكتوبة عنه»، ثم بدأ يناقشنى فى الفيلم وقال: «سيبك من التقارير، بس كان فيه عمليات تخريب معمولة فى 18 و19 يناير»، قلت له: «طب خلاص، هاحرق لك عربية»، ثم وجدنا بعدها كل التعاون الممكن من الداخلية، لكنه طلب مشاهدة الفيلم بمجرد الانتهاء منه، وعندما انتهينا ذهبنا إلى صالة صغيرة فى سينما ميامى، وكان معنا أحمد زكى ورئيس مباحث أمن الدولة بالقاهرة والضابط الذى كتب التقرير وكان دارسًا للنقد.

■ ولم يُبدِ أى ملحوظات على الفيلم بعد مشاهدته؟

- فقط قال لى: «إنت تقصد إيه بالتلاجة الفاضية فى مشهد الفيلم مصر؟»، وقد أصابنى السؤال بالغثيان طبعًا، وبعدها أجازوا الفيلم، لكننا لم نحصل على التصريح الرسمى بالعرض إلا بعد أن ذهب الفيلم إلى رئاسة الجمهورية! المهم أن منتج الفيلم حسين القلا كان خائفا جدًّا لأنه فلسطينى، وشعر بقلق شديد عندما سمع بحوارات الرقابة وقتها.

■ يعنى التنازل الوحيد الذى قدمته كان حرق سيارة؟!

- لا، أنا لا أعتبر هذا تنازُلًا، خصوصًا أنه كان فى الأحداث -واقعيا- إحراق وتخريب، أسميه قليلًا من المرونة لتمرير الفيلم.

اهتمام محمد خان بشخصيات أفلامه اهتمام رسام مولع بالتقاط أدق تفاصيل الموديل الذى يرسمه. صاحب هذا الولع جرَّب عدة مرات الانتقال من منطقة الظل خلف الكاميرا إلى بقعة الضوء الساطع أمام الكاميرا ممثِّلا، هى زيارات خاطفة قام بها خان ضيفَ شرفٍ، ربما مجاملة لمخرج زميل أو تلميذ، أو معايشةً لحالة الممثل أمام الكاميرا، ظهر فى فيلم «العوامة 70» لزميله المخرج خيرى بشارة فى دور مونتير وصديق للبطل أحمد زكى.

جسد أكثر من مرة شخصية المخرج العصبى بأداء كوميدى ساخر، فهو مثلا مخرج إعلانات «الفنكوش» فى فيلم عادل إمام «واحدة بواحدة»، هذا المخرج الفهلوى الذى صوَّر عددًا من الإعلانات لسلعة مجهولة فى يوم واحد وبسرعة قياسية، وهو المخرج الجادّ الذى يجد نفسه غارقًا فى دوامة إعادة تصوير لقطة بسيطة عشرات المرات بسبب ارتباك وتلعثم الكومبارس الذى يؤدِّى دور ضابط شرطة رغم أنه أستاذ تمثيل، وهو الدور الذى قدمه محمود حميدة أمام هند صبرى فى «ملك وكتابة». وبعيدًا عن الصورة الكاريكاتيرية لشخصيته كمخرج قدم دور أب ضعيف الشخصية أمام زوجته يشجِّع ابنته سرًّا على الاستقلال وتحقيق طموحها أن تصبح عازفة بفرقة استعراضية فى فيلم «بيبو وبشير». له أيضا دور أخير فى فيلم «عشم» للمخرجة ماجى مرجان. إنها نزوة التمثيل لا أكثر، فهو لا يختار أدوارًا رئيسية أو كبيرة، بل يكتفى بتلك الزيارة العابرة خفيفة الظل إلى منطقة الضوء الساطع أمام الكاميرا.

لا أحب السادات كسياسى.. لكننى أحببته كشخصية درامية.. والتاريخ يبرِّئ ساحته الآن

لستُ ضدَّ أفلام السبكى.. ولكن الاحتكار هو الكارثة

محمد خان.. «طائر على الطريق»

فى فيلم «طائر على الطريق» (إنتاج 1981) يصل محمد خان إلى ذروة الإبداع الفنى والفكرى بما يجعلنى أضع الفيلم فى منزلة أفضل أفلامه، رغم كونه الرابع فى رصيده بعد «ضربة شمس» (1978)، و«الرغبة» (1980) و«الثأر»(1980)، فمنذ اللقطة الأولى يُدهشك «خان»، بمشهد السيارة الأجرة التى انتحت على جانب الطريق على مقربة من شاطئ البحر، وقد كُتب على خلفيتها «العين صابتنى وربّ العرش نجَّانى»، ومع أول ضوء نهار يمسح رجل كان نائمًا فى خلفيتها الضباب الذى أحدثته «الشبورة»، ويُغادرها ليُلقى بملابسه فى الهواء، ويرتمى فى أحضان البحر غير عابئ بأمواجه، ولا ببرودة مائه فى ذلك التوقيت، ثم يذهب لتناول طعام الإفطار بينما شريط الصوت، الذى يُجيد محمد خان توظيفه ببراعة، يُعلن، عبر أثير إذاعة الشرق الأوسط، عن بدء صباح يوم جديد.

إنه «فارس» صاحب الياقة المرفوعة دلالة على زهوه بنفسه، عارى الصدر فى مواجهة الدنيا التى ظلمته، المكافح الذى لم يمنعه فقره من الحنوّ على الآخرين من حوله، الشجاع فى الدفاع عن الحق، «ابن البلد» الذى يرفض استمرار العلاقة مع امرأة أخفت عنه أنها متزوجة، عاشق البحر، الذى اختار، فى رحلة بحثه عن الحرية، أن يكون «طائرا على الطريق»، يلهو بطائرة ورقية، ويطاردها كأنه يتعلق بالأمل ويرجو المستحيل، وربما من أجل هذا رفض الزواج خشية أن يُسجَن الطائر فى داخله أو يُكبّل تمرُّده، لكنه تراجع، وبدIل قناعاته، بمجرد أن تعلق قلبه بـ«فوزية»، التى رأى فيها نفسه، ورأت فيه «الفارس» الذى استبدل «البيجو» البيضاء بالحصان الأبيض، واستمات فى الدفاع عنها، وتحريرها من قبضة زوجها المتغطرس، عصبى المزاج، المُحتكر، والعقيم، الذى يُكابر، ويُدارى عجزه بالقسوة فى معاملة زوجته ومَن حوله، فالمخرج محمد خان، ومعه الكاتب بشير الديك، أعلنا تضامنهما، وتعاطفهما، مع المرأة، لكن الانحياز المبكر إلى الطبقة المهضومة -لا أقول المهمشين- لا يأخذ خان بعيدًا عما هو متوقع منه، إذ يقدِّم زخْمًا بصريًّا، ودلالات لا تخطئها العين، وإضافة إلى الزوايا التى اختارها لكاميرا سعيد شيمى، وأضفت سحرا وجمالا على الشاشة، جاءت الصورة لتُكمل المعنى الدرامى، فالزوج الديكتاتور يُطلق الخرطوش على ثمار البرتقال بينما تسقط ثمرة البرتقال من يد البطل إيحاءً بنضج علاقة الحب بينه وبين فوزية، وتسقط ثانية من الشجرة إيذانًا باكتمال بذرة الجنين فى أحشائها، بينما بدت الشجرة ذات الجذعين، كأنها معادل الحبيبين، والحديقة المليئة بالأشجار وارفة الظلال التى وُلد فيها الحب، كأنها الجنة. أما انحناء فوزية لتفكّ رباط حذائها أمام المرآة ففيه تكريس لانكسارها، وحديثها عن الجنود والحرمان من الإجازة، والخوف من العقاب، هو الهاجس الذى يؤرِّقها، بينما جاء اصطدام الطائر بمقدمة السيارة ذيرَ شؤم. وزادت موسيقى كمال بكير التى اعتمدت على الكمان والقانون والناى الحزين جرعةَ الشجن، والشعور بغياب الفرحة. ومع نهاية الفيلم انطلقنا نردِّد مقولته: «مكتوب علينا طول عمرنا نعيش فى سجن مانقدرش نخرج منه.. ولمَّا نحاول نموت»!

يا بختك يا سى ميمى

كنت لا أزال صبية تشاهد الأفلام المصرية وسط أسرتها عبر قنوات التلفزيون المحلية. وفى كل مرة يُعرض فيها فيلم من أفلام هذا المخرج، الذى لم أكن قد عرفت اسمه بعد، أتوقف أمامه إعجابًا، وأتساءل «يا ترى هيطلع من إخراجه برضه؟»، وأتحدى إخوتى ووالدى وأبحث لأول مرة عن اسم المخرج... إنه محمد خان. إلا أن سؤالًا آخر ظل يلح علَىَّ: ازّاى أنا باعرف كل مرة إن الفيلم ده هيطلع برضه من إخراجه؟ ولم أكن وقتها قد درست السينما ولا حتى قرأت عنها، ولم أعرف بعد كلمة «أسلوب»، التى تعنى السمات المميزة لأعمال الفنان وشخصيته، ثم درست السينما وعرفت الأستاذ محمد خان وشاهدت أفلامة مرات ومرات، ولكن ظل نفس السؤال يراودنى، إذ ظل دائما لدىّ شعور أن لدى محمد خان ما هو أبعد من كلمة «أسلوب»، فهل هى روح محمد خان، تلك الروح الجميلة الفياضة بالمشاعر الإنسانية الرقيقة، أم تلك النظرة التى تتوقف عند أصغر التفاصيل والتى يعبرها كثيرون منا؟ وأتذكر ميمى، ذلك الطفل الجالس على السلم الخلفى للعمارة مستندًا برأسه إلى كتف مربيته هند وهى تحكى وقائع ليلة زفافها لكاميليا الخادمة بنفس العمارة. ويتحول ميمى من شخصية لا يلمحها أحد فى ذلك المشهد الصاخب الذى تدور فى خلفيته مشاجرة حادة بين والد ميمى ووالدته تنتهى بصراخها على الخادمة ليصبح بطل اللحظه، إذ تنصرف الخادمتان فجأة تاركتين ميمى بمفرده على السلم وحيدًا شاردًا. وينسى المخرج شخصياته الرئيسية وكذلك الثانوية ويتوقف بكاميرته أمام ميمى الجالس على السلم شاردًا وحيدًا فى لحظة متأملة ساحرة. ويصبح ميمى مخرجًا كبيرًا، يلوّن الفراغ بحكايات رائعة، «موعد على العشاء»، «أحلام هند وكاميليا»، «خرج ولم يعُد»، «عودة مواطن»، «طائر على الطريق»، «زوجة رجل مهم»، «شقة مصر الجديدة»، وغيرها من الأفلام التى تَعدَّت عشرين فيلمًا، آخرها حتى الآن «فتاة المصنع». ويسافر ميمى إلى مهرجانات سينمائية عديدة ويعود إلى مصر حاملًا جوائز كثيرة وهامة لأفلامة، وتهمس هند المربية فى افتتاحية فيلم «أحلام هند وكاميليا» وهى تدفع بميمى الطفل ليطير فوس السجادة الطائرة بمدينة الملاهى: «يا بختك يا سى ميمى!».

بالصدفة وبينما أتحرك فى البيت وقعت عيناى على شاشة التليفزيون.. كان وجه سعاد حسنى يحتل الشاشة فى لقطة كبيرة.. وكانت نظرة حزينة تطل من عينيها.. جلست أتأمل المشهد بينما راحت الكاميرا تستعرض الخضراوات على طاولة البيع فى سوق الخضار.. عرفت أن الفيلم هو «موعد على العشاء».

كنت هناك يوم تصوير هذا المشهد.. كنا قد صورنا مشهدًا آخر فى نفس السوق «سوق شيديا بالإسكندرية» ليوضع فى بداية الفيلم ولكن شتان ما بين المشهدين، فى الأول كان معها أحمد زكى.. وكانا فى حالة من الحب والسعادة.. أما فى الثانى فكانت سعاد وحدها بعد مقتل حبيبها.. وكانت حزينة.. يا الله.. لم أر تعبير الحزن ممتزجًا بالخوف والإصرار والجنون كما رأيته فى عينيها فى هذا المشهد وما تلاه من مشاهد.

تعلقت عيناى بالشاشة أتابع سعاد وهى تعد العشاء لطليقها وغريمها وقاتل حبيبها «حسين فهمى» ثم نراها وهى تضع السم فى الطعام انتقامًا لعمرها المسفوح وأحلامها المهدرة، ثم تضطر أن تشاركه الطعام المسموم لتشجعه على الأكل.... مشهد نفذه محمد خان بعبقرية.. دونما مبالغة أو ميلودراما من أى نوع.. إنه هو.. خان المدهش.. الباحث عن الصعب خلال بحثه عن سينما أكثر صدقًا.. أكثر حقيقية.. أكثر بلاغة وأكثر شاعرية..

تعرفت عليه بعد فيلمه الأول «ضربة شمس» حيث أذهلتنى قدرته على التصوير الخارجى فى شوارع القاهرة التى يعرفها كما يعرف كف يده.. ويعشق أركانها وتفاصيلها التى تربى فيها...

لأول مرة فى السينما المصرية نرى مشاهد كاملة بالحوار والحركة تدور فى الشارع وسط الناس والعربات وحركة المرور... يرافقه صديق عمره وتوأمه المبدع سعيد شيمى كمدير للتصوير.

كتبت له ومعه خمسة أفلام هى «الرغبة» و«طائر على الطريق» و«موعد على العشاء» و«الحريف» و«نص أرنب».. عرفته وعاشرته عن قرب وسافرت معه خارج البلاد وداخلها... وأشهد أنه أعطى مصر كل سنوات عمره.. وما يقرب من ثلاثين فيلمًا روائيًّا من عيون تراثنا السينمائى ومثَّلها فى الكثير من المهرجانات العالمية والمحلية كما حصل على ميدالية تفوق من رئيس جمهوريتها...

هل يجوز بعد هذا كله أن يبقى هذا المخرج العبقرى من دون جنسية مصر؟!

لقد ولد فى القاهرة وتربى فى شوارعها وحواريها وسكب أحلامه على أرضها.. لم يتغرب طول حياته عنها إلا ليدرس السينما فى لندن ثم يعود مخرجًا يخرج لها الفيلم تلو الآخر..

هل من المعقول أو المنطقى أو الطبيعى أن يطلب ذلك المصرى حتى النخاع.. الجنسية المصرية على مدار السنوات السابقة كلها ولا يُعطاها؟

إنه أيها السادة أكثر مصرية منا.. يعرف مصر ويعشقها أكثر منا... يعبر عنها وعن أحلامها وطموحاتها أكثر وأكثر منا...

أيها المسؤولون أفيقوا محمد خان أحق بالجنسية المصرية أكثر من الكثيرين منا...

ومنكم فأعطوها له... يرحمكم الله..

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل