المحتوى الرئيسى

نجاة الناصر "صلاح الدين" من مؤامرات "الحشاشين" بقلعة "آلموت"

12/13 09:22

ومن أسوأ روايات التاريخ الإسلامى سواداً ظهور طائفة من الخوارج الشيعة المنتسبين للإسلام باسم «الحشاشين» وفى اللغة الإنجليزية تعنى فى ترجمة بعض المستشرقين (ASSASSIN) القتل خلسة

أو غدرًا، أو القاتل المحترف المأجور، ويرجع تسمية طائفة الحشاشين بهذا الاسم, نظرا لأنهم كانوا يدربون أتباعهم على الإكثار من تعاطي الحشيش المخدر، ومن الأماكن المنعزلة المحببة لإقامتهم  قلعة «آلموت» بين الجبال، كما كانوا يتخذون من القلاع والحصون فى إيران والشام مقرات لهم، وتذكر المراجع التاريخية, أن مؤسسها «حسن الصباح الأول», الذى يلقب بشيخ الجبل، كان يعيث فى الأرض فساداً, وترويعاً وقتلاً, بسبب تطلعه إلى الاستحواذ على السلطة بالقوة, وصراعه السياسي والديني, لنشر دعوته, وضم المزيد من الممالك والولايات لحكمه، وقد حاول اغتيال الناصر «صلاح الدين الأيوبى» عدة مرات.. وويشير الدكتور عثمان الخميس فى دراسته عن الحشاشين, إلى تمكن أتباعه من اغتيال الخليفة العباسى المستنصر, والخليفة الراشد, وملك بيت المقدس, لحساب الصليبيين.

وعندما خلفه ابنه «الحسن الثانى بن محمد», الذى حكم من (557هـ/1162م) إلى سنة (561هـ/1166م) أعلن في شهر رمضان (559 هـ) قيام القيامة، وأنهى الشريعة، وأسقط التكاليف بإسقاط 4 فرائض من الفرائض الإسلامية الخمس من صلاة, وصيام, وزكاة, وحج، باستثناء الجهاد، ثم ادعى أنه إمام العصر.

وكان له أسلوب غريب في تجنيد أتباعه من خلال اجتذاب الشباب بين (12 - 20 سنة)، وجلب مخدر الحشيش بكميات كبيرة, وإغراهم لتناوله كعشب صحي مفيد، وبعد أن تأخذهم السكرة, يدخلهم إلى حدائق خاصة أنشأها لهذا الغرض تحتوي على ما لذ وطاب من الطعام والشراب والنساء الحسان، ثم يخلي بينهم وبينها بادعاء أنها الجنة، ثم يعمد إلى إيفاقهم من سكرتهم, وإعادتهم إلى حضرته ليطلب منهم بعد ذلك إن أرادوا خلوداً في الجنة التي أذاقهم جزءاً من نعيمها, أن ينفذوا ما يطلبه منهم زعيمهم أو شيخ الجبل, دون نقاش أو تردد, وأن قدر الشجاعة للتضحية بالنفس ضد الطامعين فى نعيم الجنة, وفى سبيل الحفاظ على أسرارها حتى لاتزول إلى الأبد.

وفى عام (607 هـ / 1210 م) مع بدء ظهور حملات التركمان, وعمليات التوسع التركي تولى جلال الدين الحسن الثالث بن محمد الثاني زعامة طائفة الحشاشين، وأعلن رفضه عقائد آبائه في القيامة، ولعنهم وكفَّرهم، وأحرق كتبهم وجاهر بإسلامه، وقام بمد التواصل مع العالم الإسلامي, وأرسل إلى الخليفة العباسي الناصر لدين الله, والملوك والأمراء يؤكد لهم صدق دعوته إلى التعاليم الإسلامية، ففرحت البلاد الإسلامية بذلك وصار أتباعه يعرفون بالمسلمين الجدد، ولكن سرعان ما انقلبوا عليه، وتم اغتياله، ليعاود أتباع الطائفة بعد موته إلى طاعة الأئمة الفسقة, والخارجين علي الدين بقلعة «آلموت»، مما سهل إنهاءهم والقضاء عليهم فى سوريا على يد القائد المملوكى «الظاهر بيبرس»، ومازال لهم إلى اليوم أتباع في إيران، وسوريا، ولبنان، واليمن، ونجران، والهند، وفي أجزاء من أواسط ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي في السابق، ثم جاء المماليك ليستولوا على الحكم فى مصر, والشام وبلاد الحجاز، إلى أن حل محلهم الأتراك العثمانيون, ليحكموا هذه البلاد, ومنها مصر قرابة الـ 6 قرون، حتى دب الوهن فيها, نتيجة للصراع بين قواد الترك, الذين جلبهم الخليفة الواثق بالله, وثورات العلويين, وثورات القرامطة الخوارج.

وما بين شروق, وغروب شمس فتوحات المسلمين الأوائل, وصعود وهبوط منحنى الدعوة الإسلامية كانت الخوارج من المنتسبين إلى الإسلام, وأدعياء هم وقود الفتن والصراعات السياسية, ومعول الهدم فى يد أعداء الدين للتشكيك فى العقيدة, وتفكيك الدولة الإسلامية وسبب مباشر فى مخطط استهداف نظام الخلافة كنظام حكم، واعتماداً على سياسة النفس الطويل, واصلت القوى الخارجية والصليبية سعيها كما تشير كتابات الكثير من المؤرخين, إلى دعم الحركات الانفصالية, والفرق الإسلامية المنحرفة من الشيعة الإثنى العشرية والدروز والنصيرية لبث النعرات الطائفية والمذهبية فى الدولة العثمانية، بهدف إضعاف الجبهة الداخلية وانهيار الجيش بتشتيته بين مواجهة النزاعات والاضطرابات الداخلية, وحروبه الخارجية.

ويرى المؤرخ محمد كمال عثمان فى دراسته «عوامل سقوط الخلافة العثمانية» أن استعانة السلاطين العثمانيين بيهود الدونما «طائفة من اليهود أسلم بعضهم وأظهر بعضهم الآخر الإسلام ولكنهما ظلوا على ولائهم لليهود» كانت فى مقدمة عوامل انهيار الخلافة العثمانية، فبعد أن قدموا من الأندلس بإسبانيا, إلى تركيا  مطاردين من حاكمها تم الترحيب بهم واستقطاع أرض من «سلونيك» باليونان التى كانت خاضعة للحكم العثمانى للإقامة بها, وتم إلحاقهم بالظائف العليا بالدولة، مما شجعهم إلى تأسيس حزب «الاتحاد والترقى», وبعد أن انخرطوا فى أجهزة الدولة, وزاد نفوذهم استغلوا ضعف الدولة بعد أن أصبحت كالرجل المريض, وانشغالها فى مواجهة الصليبيين, واستقلال بعض الولايات, بدأوا فى إثارة القلاقل, والدخول فى صراع على الحكم، وقاموا بإنشاء جناح عسكرى من خلال جمعية باسم تركيا الفتاة, وانقلبوا على السلطان عبدالحميد الثانى، بدلا من رد الجميل للبلاد التى أوتهم وأحسنت ضيافتهم «خيراً تعمل شراً تلقى».

وقد كان آخر عهد للمسلمين بالخلافة الإسلامية العثمانية عام (1341 هـ/  1942م) على يد مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة, بعد أن ظلت الخلافة هى نظام الحكم السائد فى الدولة الإسلامية لمدة 13 قرنا.

وقد رفض الكثيرون تغييب «الخلافة» كمظهر ورمز إسلامى اعتادوا عليه، واستبداله بالنظم المدنية الغربية الحديثة، وبدأ يداعب بعض الطامعين الحنين إلى إعادتها, أو استنساخها من جديد، وقد تلقفت بعض القوى والمنظمات المعادية للإسلام هذا الحنين, للعودة من جديد لاستعمار هذه الدول, والسيطرة على ثرواتها.. وبما أن القوى الاستعمارية لا تعدم حيلة لتنفيذ مخططها، تزامن سقوط الخلافة مع رحلة  البحث عن صديق حليف قابل للإيجار يحقق لها الهدف, وفى نفس الوقت يرضى تطلعاته طبقاً لسيناريوهات التقسيم المعدة سلفاً، ومن بين السيناريوهات زرع الحلفاء والأصدقاء لإشعال الفتن فى مصر المحروسة، على أن تكون هذه القوى واستخباراتها الداعم والمنقذ عند الطلب، ومن السياسة البدء بالعمل الدعوى والخيرى، ثم «الطرق على الحديد وهو ساخن» بالإلحاح على الخلافة لجذب الأنصار والمؤيدين, وتصدير دعوة استكمال مسيرة الدولة الإسلامية الأولى, التى بدأها الرسول (صلى الله عليه وسلم), كرمز لوحدة المسلمين، ومن باب الخلافة يكون الدخول للسياسة, واستدعاء الأنصار - كورقة ضغط - للمساومة والمقايضة, وعقد التحالفات السياسية لتحقيق الغرض وهو السلطة.

وكما كان يجرى التخطيط, لم يدم الوقت طويلا على سقوط الخلافة العثمانية, حتى بدأت فى الظهور جماعة جديدة من المنتسبين للإسلام باسم الإخوان المسلمين، وكأن الغرب على موعد مع حسن عبدالرحمن (23 سنة) مدرس لغة عربية بمدرسة الأنيرية الإبتدائية بالإسماعيلية، حيث بدأ تأسيس الجماعة فى عام 1928 بعد سقوط الخلافة بأربع سنوات, تدعو إلى الإصلاح الشامل, وبناء الإنسان المسلم, والأسرة المسلمة، رغم أن المجتمع المصرى أغلبيته مسلمة, ودين الدولة الإسلام، وقام بأخذ البيعة من لنفسه من 7 أشخاص يصغرانه فى السن، ومنح نفسه لقب الإمام, وأيضاً لقب المرشد العام.. وهذان اللقبان لهما مدلولهما، فالإمام, أو الإمامة تتشابه وتتماس مع نظام الخلافة فى الدولة الإسلامية، حيث لا حدود بين الدول, باعتبارها مجرد أمصار، حيث يختزل الوطن, أو القطر فى  إمارة, أو ولاية فى دولة الخلافة, التى تقترب من الإمامية وبناء على ذلك تتعارض الخلافة, أو الإمامية فى العصر الحديث, وتتضاد مع الوطنية أى الانتماء للوطن، وبالنسبة للقب المرشد العام, فهو يتماهى مع معتنقى المذهب الشيعى حيث المرجعيات الدينية السياسية, ونظام ولاية الفقيه كما فى دولة إيران, أو فى نظم الحكم الطائفية, أو القائمة على المحاصصة كما الحال فى لبنان, والعراق.

ويؤيد هذا المعنى الدكتور ثروت الخرباوى القيادى السابق بالإخوان فى نقده لرسائل «البنا», التى بدأها بـ «نعتذر لمخالفينا», وتوجيهه لأتباعه «بأن الناس إذا اختلفوا رجعوا إلى الخليفة وشرطه الإمامة, ليقضي بينهم». ويعد تمسكه بذكر «الخليفة وشرطه الإمامة» المدخل الطبيعى للطائفة الشيعية من أوسع أبوابها.

وطبقاً لأقوال المستشار عبدالله رشوان ممثل الادعاء فى إحدى قضايا الإخوان، أن أسس تكوين الجماعة التى وضعها «البنا»، تمثلت في ثلاثة أجيال هى:

- جيل التكوين «الأعضاء الجدد» عليه أن يستمع، والطاعة ليست فرضا عليه.

- الجيل المحارب أو جيل الجهاد, ويكون مستعداً لتنفيذ الأوامر والتكليفات, والطاعة التامه فرض عليه.

-  جيل الانتصار, وهذا الجيل هو الذي سيتولى أمر المسلمين وحكمهم بالشريعة الإسلامية في دولة الخلافة، التى تتوارث الحكم.

ولكن سرعان ماانكشف هدف «البنا» الخفى، فبعد أن نجح فى ضم عدد كبير من الأتباع لجماعته فى أكثر من محافظة بدأ باستغلال الدعوة فى اختراق الأحزاب الموجودة فى ذلك الوقت, وفى مقدمتها الوفد, والأحرار الدستوريين, والسعديين, والوطنى, ومصر الفتاة, عن طريق زرع بعض أعضاء الإخوان فيها, واستخدام الخطاب الدينى فى التقرب إلى قيادات الأحزاب, وإقامة علاقات مع السياسيين والرموز الوطنية - كمدخل - للعمل السياسى, للاقتراب من السلطة باعتباره الطريق المؤدى للهدف, وهو الخلافة، وكانت حجته إصلاح الحكم طبقا للشريعة الإسلامية, ومقاومة الاستعمار، حيث بدأ في عام 1938, أى بعد10 سنوات من تأسيس جماعة الإخوان, ينتقل بجماعته للجيل الثاني وهو جيل تنفيذ الأوامر, أو جيل الجهاد.. وبالفعل بدأ في تحويل جزء من الجماعه من العمل المدني الدعوي للعمل العسكري.. فأنشأ فرقاً للرحلات، ثم تطورت إلى الجوالة بالملابس العسكرية، ثم إلى الكتائب, والأسر، وأخيراً ميليشيات التنظيم المسلح عام 1940، الذى عرف باسم الجهاز الخاص أو التنظيم السري, أو الجيش الإسلامى الإخوانى، وكانت شروط الانضمام إليه بالغة الصعوبة لأن عناصره يتم اختيارهم بدقة بالغة، وكان شعارهم الموت في سبيل الله والتضحية بكل ما هو غالٍ ونفيس، ويتم تكوين التنظيم من مجموعات, وكل مجموعة تنبثق عنها مجموعات أخرى، يتفرع عن كل منها مجموعات أخرى عنقودية، بحيث لا يكون هناك رابط بين المجموعات وبعضها، وهذا يؤكد أن البدايات, والمقدمات المعلنة, كانت عكس النهايات كما يقول «الخرباوى».

وحسب ماجاء فى كتاب محمود الصباغ عضو التنظيم السرى «حقيقة التنظيم الخاص للإخوان». قرر حسن البنا فى عام 1936 ترك مهنة التدريس, والتفرغ الكامل لنشاط الجماعة، وبعد فترة بدأ تشكيل التنظيم السرى للإخوان عام 1940 تحت رئاسة «محمود عبدالحليم»، ونتيجة لعدم تفرغه، وانتقاله بعيدا عن القاهرة بحثا عن عمل, أسندت رئاسة التنظيم إلى عبدالرحمن السندى, الذى لم يكمل تعليمه الجامعى، ووقف عند الثانوية العامة، حيث التحق بإحدى وظائف وزارة الزراعة، وكان فى العشرينيات من عمره, ومريضا بالقلب وبعض المتاعب الصحية الأخرى، وقد كان اختيار شخص ينتظر الموت فى أى لحظة لهذه المهمة أمرا يثير الريبة!. خاصة أن هذه المهمة تتطلب موصفات خاصة من حيث البنيان الجسمانى والعقلى, وقدرات خاصة للقيام بأعمال عنف, واغتيالات سياسية، اللهم إلا أن شخصاً مسلوب الإرادة وتتوافر فيه الطاعة العمياء لتنفيذ الأوامر، وكان من أبرز أعضاء التنظيم المرؤسين له صالح العشماوى, ومشهور أحمد مشهور الذى تولى منصب المرشد العام فيما بعد, وسيد فايز, وأحمد زكى, وأحمد عادل, وسيد سابق, ويوسف طلعت, وآخرين، ثم انضم بعد ذلك محمود الصباغ, وعبدالعزيز كامل.

سقوط «البنا» أمام مرشح الوفد

وعندما اطمأن حسن البنا المرشد العام, لقدرة جماعته على الحشد, وجهوزية جهازه السرى, لتقليم أظافر منافسيه, وإزاحة من يقف فى طريقه، اقتنص أول فرصة جاءته بعد طول انتظار, لركوب قطار انتخابات مجلس النواب عام 1942 عن دائرة الإسماعيلية مركز انطلاق دعوة الإخوان، لبدء مرحلة الصراع على السلطة, لتنفيذ مخطط التمكين فى استعادة دولة الخلافة.

وطبقاً لمذكرات المفكر الإسلامى خالد محمد خالد «التنظيم السرى للإخوان» قام البنا بترشيح نفسه للانتخابات، ثم سرعان ما انسحب منها، نتيجة لتفاهمات مع مصطفى باشا النحاس رئيس الوزراء فى حكومة الوفد، وحتى لا يفوت الفرصة, استغل الظرف الذى تمر به البلاد, وضغوط الإنجليز, وطلب دعماً أكثر للدعوة, وفتح المزيد من «الشعب» للجماعة بالمحافظات.

وفى وزارة أحمد ماهر الأولى 1944, قرر خوض تجربة الترشح مرة ثانية لمجلس النواب، وحصل على نصيب كبير من الأصوات بيد أنه أعيدت الانتخابات بينه وبين مُنافسه، فنجح مُنافسه بطريقة لم يشك الإخوان معها فى تزوير الانتخابات لصالح المُنافس وهو سليمان عيد عن حزب الوفد.

وأدى سقوط المرشد, إلى ترك أثر سيئ فى نفس التنظيم السرى، وتأكيدا لما كان يجهر به الدكتور ماهر من عداوة للإخوان، مما جعل التنظيم السرى يتحين الفرصة للنيل منه!

وفي عام 1945 كانت جماعة الإخوان قد بيتت النية لتصفية أحمد باشا ماهر, فترصده أربعة من شباب التنظيم السرى بعد إلقاء بيانه فى مجلس النواب, وانتظروه وهو فى طريقه إلى مجلس الشيوخ، وما أن اجتاز البهو الفرعونى, تقدم نحوه أحدهم مُتظاهرا بمصافحته، فلما مد أحمد ماهر إليه يده, فاجأه بعدة رصاصات استقرت فى قلبه, وهرب الثلاثة الآخرون، وحاول هو الهروب، ولكن حرس المجلس كان قد تمكن من الإُحِاطَه به والقبض عليه، وعُرف اسمه «محمود العيسوى» محام تحت التمرين، وادعى أنه من أنصار الحزب الوطنى، وقد أقر الشيخ أحمد حسن الباقوري, والشيخ سيد سابق المنتميان لجماعة الإخوان المسلمين في مذكراتهما بأن محمود العيسوي هذا كان من أعضاء الإخوان المسلمين, ومن ميليشيات الكتائب المسلحة فى التنظيم السرى، وكان ادعاء الإخوان بانتمائه للحزب الوطنى محاولة كاذبة, وخسيسة للتغطية على الجماعة, ولعدم إلصاق اسمها بالإرهاب، خاصة أن «البنا» كان يلح على تصدير فكرة الجماعة للناس بأنها جماعة دينية دعوية.

فقد كان التنظيم السرى بَارِعاً فى التنكر. فهو بعد تدريب أعضائه على أعمال الإرهاب، والتصفية الجسدية, يأمر بعضهم أن يلتحق ببعض الأحزاب أو الجماعات، حتى إذا اختير يوما لعمل من أعمال الاغتيال, أو الإرهاب، لم يظهر أمام القانون, أو الرأى العام انتماءه للإخوان، ولضمان عدم اكتشاف سر التنظيم السرى! ومن هذا النوع، كان محمود العيسوى، فهو عضو فى الإخوان، ومجاهد فى النظام الخاص.. وقد ظل الناس زمنا طويلا يجهلون عنه هذه الصلة.. وحين ارتكب جريمته لم يُعرف عنه إلاّ أنه شاب متحمِّس من شباب الحزب الوطنى.

ويؤسس المؤرخون تاريخ التحول الدراماتيكى الأكبر لسياسة الإخوان الانتهازية, مع بداية حكومة إسماعيل صدقى الثالثة فى 16 فبراير 1946, الذى كان يوصف بعدو الشعب، بتهافت الإخوان على تملقه, وخلع عليه صفة الأنبياء, لاستمالته إلى صفهم، وتجاوز نفاقهم هتاف زعيم طلبة الإخوان بالجامعة مصطفى مؤمن له «واذكر فى الكتاب إسماعيل». نسبة للنبى إسماعيل, واستشهادا بالآية الكريمة «واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا»، مما يعد استهزاءً بالقرآن بالاستدلال بالآيات فى غير ما أنزلت فيه، وهذا تلاعب مذموم بالدين، ووفقا لما ذكره القيادى المنشق يالتنظيم السرى أحمد عادل كمال, الإخوان جماعة انتهازية وعلى استعداد للتعاون مع الشيطان وليس فقط صدقى للوصول للحكم.

وعن اختياره يقول عمرو إبراهيم الباحث فى التاريخ: إن تكليف الملك فاروق لصدقى بالحكومة على أنقاض حكومة النقراشى، كان بهدف ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، فهو يعد نكاية فى حزب الوفد العدو اللدود للقصر, وصاحب الشعبية الكبيرة, لما بينه وبين صدقى من ثأر قديم, ووسيلة لإرضاء الإخوان، ويرجع وصفه بعدو الشعب, إلى تاريخه الأسود فى الاعتقالات, والتنكيل بخصومه, ومواجهة مظاهرات العمال والإضرابات الطلابية, واقتحام المدارس وضرب الطلاب بالرصاص في الفصول, وتزييف الانتخابات, وإغلاق الصحف, ومنها صحيفة حزب الوفد، فضلا عن علاقته بالإنجليز واليهود, ورجال المال.

وكان صدقى فور توليه الوزارة, ذهب إلى المرشد العام للجناعة فى مقره العام بالحلمية بالقاهرة, بعد انتقاله إليه من الإسماعيلية, لكسب حشد الجماعة إلى صفه وتأييده ونسيانهم لماضيه, ومساندته فى مفاوضاته مع الإنجليز, وبادله المرشد الزيارة، وتم التعاهد على التعاون – وكالعادة – لم يفوت الإخوان الفرصة فى قبض الثمن, إعمالا بمبدأ المنفعة الانتهازية «شيل وأنا أشيل»، فكان الثمن ترخيص باصدار صحيفة يومية، وبعض المساعدات غير المباشرة من وزارتي التعليم والشئون الاجتماعية, وامتيازات في شراء ورق الطباعة بالأسعار الرسمية، وتسهيلات خاصة بالجوالة تتمثل في تخفيض سعر زيها الرسمي وحرية استخدام المعسكرات, ومنح الجماعة قطع من الأرضى، كما ضمت الحكومة محمد حسن العشماوي عضو الجماعة وزيراً للمعارف.

وعن حماس الإخوان للدفاع عن صدقى, كان الكاتب الصحفى الكبير صبرى أبوالمجد قد ذكر, ما من مظاهرة عارضت وزارة إسماعيل صدقي، إلا أفسدوها, وتصدى شباب الإخوان المسلمين لها بالسكاكين والعصي، وفى جريدة مصر الفتاة كتب المناضل أحمد حسين زعيم الحزب, أن حسن البنا أداة فى يد الرجعية, وفى يد الرأسمالية اليهودية, وفى يد الإنجليز وصدقى باشا، وكان الشعب يستقبل البنا بالهتاف ضده يسقط صنيعة الإنجليز.

وبما أن النظرية «الميكافيلية» الغاية تبرر الوسيلة, أيديولوجية وعقيدة, وأسلوب حياة عند إخوان البنا, فالمبادئ والمواقف فى عرفهم متغير, حيثما توجد المصلحة.. عرض وطلب، وبالتالى لا عجب من إنقلاب الإخوان على صدقى 360 درجة, فبعد أن كان صادق الوعد, اتهموه بالخيانة والعمالة للإنجليز مجاراة لغضبة الحركة الوطنية، بسبب توقيعه اتفاقية المفاوضات مع الإنجليز, المعروفة باتفاقية «صدقى – بيفن» وانحيازها لبريطانيا واليهود.

وقد حاول البنا التماس العذر للإخوان، بسبب اتهامهم بالانتهازية, وتسييس الدعوة, واستقالة عدد من أعضاء الجماعة، بعد اكتشاف تواطئه مع الملك فى إقالة النقراشى, واختيار صدقى الملقب بعدو المصريين، ثم الانقلاب المفاجئ عليه من التأييد الأعمى, إلى الهجوم السافر دون مبرر, أو تمهيد مسبق، الأمر الذى دفع «الوفد» والقوى الوطنية إلى مطالبة البنا بالاعتذار للمصريين, ورفضهم تبريرات فريد عبدالخالق سكرتيره التى نشرها فى جريدة الإخوان, بأن جماعة الإخوان هى الضحية, لأنها «خدعت فى الرجل» أى صدقى.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل