المحتوى الرئيسى

الإسلام السياسى وصناعة الإرهاب من عصر الصحابة إلى حكم الجماعة!

12/12 16:07

فى بلاد الغرب.. بلاد«الإفرنجة», و«الوق الواق» التطرف الدينى صناعة عارضة.. وافدة.. ظاهرة استثنائية.

وفى بلاد الحضارة الإسلامية, مهد الشرائع السماوية, والوحى, والوسطية, الإرهاب والتطرف الدينى صناعة أصيلة, لها ماركة مسجلة, وملكية فكرية, وبراءة اختراع, ومحظور على ماعداها التقليد.

ورغم تغير الظروف والأزمان بداية من عصر الخلفاء الراشدين, وحتى زوال الخلافة, إلى يومنا هذا لا تزال الفرق, والجماعات والأحزاب, وتيارات الإسلام السياسى بنزقها, وصلفها هى هى. تتغير المسميات والهدف واحد, وهو الصراع على السلطة . وتحت ستار الدين تقنن الفتن, وجميع الموبيقات لنفسها ولأنصارها, وتزينها لغيرها. فالحرام فى شرعها حلال, والحلال حرام. والكذب مباح, والرجوع عن الحق فضيلة, وسفك الدماء وسيلة. ومن أجل الغرض, والسلطة تستحل الأموال, والأعراض. ويصبح «جهاد النكاح» جائزا, ومستحبا فى عرف, وأدبيات شيوخ المدعين.

وتوصف المذاهب, والفرق والجماعات المتطرفة المنتسبة للإسلام باليمين الدينى, أو المتأسلمين الجدد, أو الإسلام السياسى, وهو أمر متعارف عليه, ومتكرر فى التاريخ الإسلامى. و- غالبا - ما يصاحب ظهورها فترات ضعف الدول . بما يسمح بانشقاق فئات, وطوائف من المسلمين, واعتزالهم الناس, ومجالس العلماء, وخروجهم عن الإجماع بالتشكيك فى العقيدة, لإحداث فتنة فى المجتمع «وجر شكل» السلطة, لاستنزافها فى مواجهات مسلحة بدعوى حماية الدين والشريعة. وللأسف هم دائما أداة طيعة فى يد أعداء الدين, وأجهزة مخابرات القوى الخارجية لتفتيت وحدة المسلمين.

بداية تمهيدية قبل الدخول فى حلقات, أو دراسة حركات الإسلام السياسى.. مرتزقة الحروب, وأمراء الفتنة فى إزكاء الصراعات الطائفية والمذهبية على مر العصور. نشير إلى أن النبش فى التاريخ, واستدعاء التجارب المظلمة فيه, ليس مضيعة للوقت, أو وسيلة للتباكى, وتقليب المواجع. فالتاريخ الإسلامى على امتداده مضيء.. ناصع.. مليء بالشخصيات, والمواقف, والعبر, والذكريات. وإن مرت به بعض العثرات, والفترات الحزينة المؤلمة فى مسيرة الحضارة الإنسانية للشعوب,  والمسلمين على وجه الخصوص.

وفى حالات التشابه, والتكرار, لا مفر من المقارنة والقياس كوسيلة متاحة للتدليل, وإصدار الأحكام. وبالنسبة – لى – هو مبرر واقعى للربط – إن أمكن - بين بدايات بروز ظاهرة فرق وجماعات العنف, والتطرف الدينى فى القرن الأول للهجرة, وأصداء دعوتها ومعاركها, وما آل إليه الحال الآن بعد أكثر من 14 قرنا. وقد تكون فرصة لكشف أسباب إعادة تكرار الظاهرة بملامحها, وأهدافها. دون أى تغيير سوى فى الأشخاص, والعصور وكأن التاريخ يعيد سيرته الأولى.  

ومن الشواهد الملفتة فى التاريخ الإسلامى تكرار ذكر مصطلح «الخوارج» بين الحين والآخر. ووصف, أو مصطلح الخوارج يطلق على الفرق, والجماعات, والأحزاب المنتسبة للإسلام, التى تؤمن بالعمل السرى, وترفع السلاح على أئمة المسلمين, وتتخذ العنف, والاغتيالات وسيلة, لإرهاب من يخالف أفكارها. وهى تضم مذاهب, وفرقا, وجماعات شتى. ترفع لواء الدين والشريعة فى خطابها. فى حين تضمر كل الشر للإسلام, والمسلمين، وإن ادعت غير ذلك.

والخوارج سياسيا وتاريخيا كما جاء فى كتب السيرة والسنة النبوية, هى فرق إسلامية كانت لها آراء أحدثت شرخا سياسيا فى بناء الدولة الإسلامية. وأعضائها, أو دعاتها فى الأغلب الأمم كانوا من «القراء» حفظة القرآن الكريم. ويطلقون على أنفسهم المؤمنين, وجماعة المؤمنين, والجماعة المؤمنة، على اعتبار أنهم أوصياء على الدين.

ويؤخذ على الخوارج «الفئة الباغية», أنهم أول من تقولوا على الرسول صلى الله عليه وسلم, وكفروا الصحابة, إلى حد الخروج عليهم بالسلاح, واستباحت دماءهم, ودماء آل البيت، على حساب الإسلام, لإعلاء العصبية القبلية, ومصالحهم الخاصة, وكرسى الحكم.

ويأتى فى مقدمة فرق الخوارج القديمة الأشهر خلال الـ200 سنة الأولى من الهجرة حسب ترتيبها في الغلو, فأشدها غلواً «الازارقة» أتباع نافع بن الأزرق، ثم «النجدات», أتباع نجدة بن عامر المنشق على نافع، ثم «الأباضية» لعبدالله بن باض التميمى, و«الصفرية» لزياد بن الأصفر, و«الشيبية» لشبيب بن يزيد الشيبانى، ثم القرامطة, والمعتزلة, والأشاعرة, والشيعة من الزيدية الإثنى عشرية, والنصرية, والصفوية, والحشاشين . ومن أهم عقائد الخوارج فى القرنين الأولين من الهجرة:

1- تكفير مرتكب الكبيرة وتخليده في النار.

2 - تكفير عثمان وعلي رضي الله عنهما.

3 - تكفير من خالفهم من المسلمين.

4 - الحكم بأن دار مخالفيهم من المسلمين دار كفر.

5- إسقاط حد الرجم و القذف.   

6- موالاة اصحاب الحدود والجنايات إذا كانوا على مذهبهم، والتشدد فى فرض الحدود على مخالفيهم.

7 - استثناء من كان على مذهبهم من الكفر حتى لو ارتكب الكبيرة كما تقول الازارقة.

وترجع بدايات إطلاق وصف الخوارج على استحياء من خلال أفراد, إلى عهد النبى صلى الله عليه وسلم, من خلال واقعة «حرفوص بن زهير», أو ذو الخويصرة التميمى أحد المنافقين, الذى عاب على الرسول فى تفريق الصداقات, كما يقول «بن الجوزى» حينما قال له أعدل , فنزلت فيه الآية (ومنهم من يلمزك فى الصداقات). ولكن بعد أن كثر عدد الخوارج, وزاد بأسهم وبغيهم, وتحولوا إلى ظاهرة فى شكل فرق, وجماعات ضغط سياسى, وعنف. بدأ تأصيل الخوارج رسميا – وبالتحديد – مع اندلاع «الفتنة الكبرى» فى عام 35 هـ, والتى كان أولي ضحاياها مقتل الصحابى الجليل ثالث الخلفاء الراشدين ذي النورين عثمان بن عفان. وكانت أولى الفتن التي تسببت فى انشقاقات, وحروب أهلية في الدولة الإسلامية، نتيجة للخلافات السياسية

وهناك قصة شاعت كثيرا على ألسنة البعض عن «قميص عثمان», وأصلها يعود إلى احتفاظ مجموعة من خوارج الشام, والأعراب, ومصر للقميص الذى كان يرتديه سيدنا عثمان أثناء قتله, وعليه آثار دمائه, وتعليقه على منبر المسجد الجامع بدمشق, إلى جوار «أنامل» أصابع زوجته نائلة بنت القراصفة, فى إطار الكيد لسيدنا على بن أبى طالب عندما آلت إليه الخلافة, بدعوى الثأر لمقتل عثمان, والتوظيف السيء للدين فى السياسة. ويقال إن معاوية بن أبى سفيان شاركهم فى هذا الفعل, تحت تأثير العصبية القبلية, وطمعا فى الخلافة.

ويرى الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة, أن الأحداث الدموية والمأساوية التى تصاعدت بعد مقتل عثمان, والغضب من على كرم الله وجهه, لتأخر القصاص من قتلة عثمان، كان الشرارة لمعركة الجمل فى البصرة عام 36 هـ. وبدأت باستئذان طلحة بن عبيدالله, والزبير بن العوام رضى الله عنهما عليا فى الذهــاب إلى مكة, وهناك التقيا بعائشة رضى الله عنها، وكانت عائدة من الحج, وسمعت بمقتل عثمان فعزموا على الأخذ بثأر عثمـان, فخرجوا من مكة ومن تابعهم قاصدين قتلة عثمان. وانضم إليهم كثير من أهل البصرة, وسمـع على بحدوث قتال بين والى البصرة, وطلحة والزبير, والسيدة عائشة . مما أدى إلى انقسام الناس طائفتين. وهنا خرج على من المدينة, إلى الكوفة بجيش لمقاتلة طلحة والزبير، وأرسل إليهما رسولين ليتحدثا معهما. واتفقوا على عدم القتال. ولكن اختلفوا فى توقيت قتل قتلة عثمان، حيث رفض طلحة والزبير التباطؤ فى تنفيذ القصاص. فى حين يرى على رضى الله عنه الانتظار لحين تستتب أمور البلاد. ثم يكون القصاص. وفى النهاية تم الاتفاق, ونام الجيشان. ولكن الخوارج وأعداء الدين من «السبئية» أتباع عبدالله ابن سبأ لم يهدأوا, وفى الليل هاجموا جيش طلحة والزبير فظن جيش طلحة أن عليا غدر بهم فناوشوا جيشه فى الصباح, فظن جيش على أن طلحة والزبير غدرا بهم، واشتعلت المعركة بين الفريقين وحاول الكبار من الجيشين وقف القتال. ولكن لم يفلحوا فحدثت المعركة. وقتل طلحة والزبير, وسقط الهودج من على ظهر الجمل الذى كانت به السيدة عائشة, فهدأت المعركة بعد سقوط آلاف القتلى, ومر على بين القتلى فوجد طلحة والزبير قتلاً فبكى، وأخذ على عائشة وأرسلها إلى المدينة . ونسبة لهذا الجمل سميت المعركة باسمه.

وقبل أن تندمل الجراح, وتهدأ نار الفتنة، قام الخوارج بتأجيجها من جديد بإعلان النفير العام, وممالأة بعض ولاة الأمصار للانحياز إلى معاوية, والادعاء بأنه أحق فى الخلافة من على, وأقدر على فرض سيطرته على الدولة الإسلامية, وتسيير أمورها، الأمر الذى لاقى هوى فى نفس معاوية, وشجعه على استمرار امتناعه عن مبايعة على. تحت دعوى لا بيعة قبل القصاص من قتلة عثمان أولا, باعتباره وليه.

وقد ساهم تفكير سيدنا على فى عزل معاوية عن إمارة الشام, فى اتساع شقة الخلاف, والخصومة مع على, وظهر ذلك فى منع معاوية أهل العراق الشرب من ماء نهر الفرات, حتى نزل بهم العطش, وهلكت دوابهم . فأعد علي جيشا قوامه 130 ألف مقاتل, منهم من شارك مع الرسول الكريم فى غذوة بدر، مقابل 135 ألف مقاتل لمعاوية. وأرسل علي وفدا إلى معاوية فى الشام, لإنهاء الصراع سلميا حقنا لدماء المسلمين، ولكن دون جدوى! فدارت الحرب أوزارها, فكانت معركة صفين على نهر الفرات بين العراق والشام سنة 36 هـ, بعد موقعة الجمل بسنة، وتم سقوط ضحايا من الجانبين بلغ سبعيا ألفا، منهم طبقا للروايات 45 ألفا من جيش معاوية, و25 ألفا من جيش على، كان فى مقدمتهم الصحابى ياسر بن عمار من جيش على. وكان النبى (صلي الله عليه وسلم) قد قال: لعمار (يا عمار ستقتلك الفئة الباغية)، ففزع معاوية, وخشى من هزيمته. مما أدى إلى لجوء معاوية إلى التحكيم, برفع المصاحف على أسنة الرماح تحت ضغط من أنصاره, والخوارج عليه, وعلى على. وإستجاب على لحقن الدماء.

وبعد أن عاد على بجيشه إلى الكوفة، اعترضوا الخوارج الذين طالبوا وضغطوا على الطرفين بقبول التحكيم للوصول إلى «هدنة» استراحة محارم. وما كادت تدخل الهدنة حيز التنفيذ والتوقف عن القتال, لحين ما تهدأ الأمور – تمهيدا – لأخذ ثأر عثمان، حتى انقلبوا علي على. كما أن أصحاب على لاموه على قبول مبدأ التحكيم , واتهموه بالابتداع, واعتزلوا جيشه, وخرجوا إلى مكان يقال له «حروراء». وتم تسميتهم بالخوارج , أو الحرورية. وكان عددهم زهاء اثني عشر ألفاً. وعندما أدرك علي رضي الله عنه ضعف موقفه أمام خصمه معاوية حاول استرضاء من خرج من جيشه. وطلب منهم الانضمام إليه مجددا ليستأنفوا القتال من جديد ضد معاوية وجيشه. إلا أن الخوارج اتهموه أنه لم يغضب لله وإنما غضب لنفسه, ورموه بالكفر, وطالبوه بالتوبة والرجوع إلى الإسلام. وقالوا مقولتهم المشهورة (لا حكم إلا لله) والتي قال عنها علي رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل، بحجة أن على ضيع وصية رسول الله, وقالوا «إن الحكم إلا لله وليس لعلى»، فقام على بقتالهم حتى قضى عليهم فى معركة النهروان على نهر دجلة عام 38 هـ.

وقد استمر النزاع السياسى البغيض على السلطة حتى مقتل على, على يد عبدالرحمن بن ملجم عام 40 هـ. وتمت مبايعة ابنه الإمام الحسن, وبعد 6 أشهر تنازل «الحسن» طواعية لمعاوية بالخلافة حقنا للدماء. وظل معاوية حتى عام 60 هـ, وورث بعده ابنه «يزيد», لتتحول الخلافة على يد معاوية وابنه من بيعة وشورى, إلى ملكا عضوضا. وبسبب النزاع على الحكم بين يزيد, والحسين بن على جرت وقائع واقعة «كربلاء» بالعراق, والتى قتل وسحل فيها الحسين سيد شهداء أهل الجنة, وأسر وسبى الكثير من آل البيت, وسيطر الأمويون على مقاليد أمور الخلافة.

وفى أوائل القرن الثانى, إلى الرابع الهجرى حتى العصر العباسى كانت فرق الخوارج التى ناصبت الخلفاء الراشدين العداء, واستحلت الدماء والأعراض وأموال المسلمين بعد تسييس الدين, والانحراف به فى صراعها على السلطة قد اضمحلت، نتيجة محاربتها, وتشتيت جمعهم. بدأت فى الظهور فرق جديدة من الخوارج باسم القرامطة, والمعتزلة. وطبقا لموسوعة الفرق المنتسبة للإسلام, فالقرامطة هى فرقة باطنية مرتدة عن الإسلام خرجت من عباءة التشيع والرفض  ، وتنتسب لحمدان بن الأشعل الملقب بـ«القرمط» لقصر قامته, وهو من أهل الكوفة. والذى بدأ دعوته بالزهد والورع, وفى نفسه يبطن الشر للإسلام والمسلمين, ولا يؤمن بالبعث والحساب. وفى 8 من ذى الحجة عام (317 هـ) دخل أبو طاهر القرمطى المقيم بالإحساء فى الجزيرة العربية فى عمليات إغارة على القوافل, وحروب لفرض دعوته بالقوة, والمنافسة على السلطة، شملت حروبه شن حملة على الكعبة, وضربها «بالمنجنيق»، أسفرت عن قتل ما يزيد علي 30 ألف حاج، ودفنهم بلا غسل, ولا كفن ولا صلاة, وطمروا وردموا بئر زمزم بأكثر من 3 آلاف جثة، ثم قام هو واتباعه بنزع الحجر الأسود من مكانه, وأخذوه معهم إلى الإحساء لمدة 22 سنة، حتى تمت إعادته بعد هذه السنوات. وتعد مجزرة القرامطة أبشع مجزرة فى التاريخ تتعرض لها الكعبة, وحجاج أهل البيت الحرام الأولى من حيث الدموية, بعد وإساءة أصحاب الفيل.

وظهرت بعد القرامطة التى امتدت جماعاتها من الحجاز إلى الشام والبحرين, فرقة المعتزلة, وهى أيضا فرقة خارجة علي الإسلام, سلك أصحابها منهجا عقليا متطرفا فى بحث العقائد الإسلامية. وكان مؤسسها «واصل بن عطاء» . الذى اعتزل مجلس الإمام الحسن البصرى إمام أهل السنة والجماعة، بسبب إثارته للشبهات فى مجالسه. ومحاولاته لفرض رأيه المخالف للإجماع حول مرتكب الكبيرة. وقد نجح مؤسس مذهب المعتزلة فى لفت الإنظار إليه, وإلى مذهبه من خلال تعمد مخالفة السائد من الفتاوى, والتركيز على المختلف فيه.. وقد شهدت المعتزلة ازدهارا فى عصر الخليفة المأمون العباسى. نتيجة احتضانه لهذا المذهب, وتقريب معتنقيه من مجالسة وأركان حكمه، حيث منح أتباع المعتزلة مناصب سياسية فى البلاد. ومن بين أفكارهم المنحرفة القرآن مخلوق, أو ما عرف بخلق القرآن. وتشمل أفكارهم الهدامة الإفتاء بأن, الفاسق لا مؤمن ولا كافر أى بين بين, وتشكيكهم فى صحة شفاعة النبى, ومخالفتهم لأصول أهل السنة والجماعة, والاعتماد على العقل المجرد فى فهم العقيدة, والتأويل. فهم يؤولون فى الصفات كما يؤولون الصراط والميزان. وقد أساء المعتزلة للإسلام, وعلى أيديهم أوذي الأئمة, وأشاعوا الفوضى وارتكبت المعاصى فكانوا معول هدم فى يد الأعداء لتفكيك الدول الإسلامية. وكانت فرق المعتزلة تضم «الوصلية, والهزيلية, والنظامية, والمردادية, والبشرية, والخابطية».

الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها, ما تكاد تخبو إلى وتطفو.. صراع متواصل بين الحق والباطل تمتد إلى حروب ضروس تنتهك فيها الحرمات, والمقدسات باسم الدين من أجل مكاسب زائلة ضيقة. وما زالت محاولات إشعالها لم تتوقف, وتقول هل من مزيد لهدم الدين. رغم الحقيقة الثابتة هى أن الإسلام راسخ مصان إلى يوم يبعثون. بحكم قوله تعالى «وإن نزلنا الذكر وإن له لحافظون». ولهذا هو بريء من تطاول الكارهين «الذين يحرفون الكلم عن مواضعه», ويطوعون آياته المنزلة فى وصف المؤمنين, وجعلها فى وصف الكافرين.

ويذكر التاريخ بعض حالات الانحياز الممقوت للباطل على حساب الحق تحت تأثير عاطفة العصبية والقبلية, ومناصرة المناوئين للصحابة الأخيار من الخلفاء الراشدين, والمنازعين لهم فى الخلافة. تارة بتعمد, وتارة اخرى بحسن نية ظنا منهم أنهم يفعلون ذلك طاعة لله, ونجاة من النار – وهذا – تلبيس إبليس عليهم. ولا يستثنى من هذا الخطأ المتعمد, أو غير المقصود من شارك فى تجييش الجيوش, ضد الخليفة الثالث عثمان, والرابع على بن أبى طالب, لخلعهم أو قتلهم.

ويذكر الدكتور «كريمة» أن أصحاب المذاهب الأربعة نالوا أشد العنت والظلم والاضطهاد, إلى درجة اتهامهم بالكفر على يد المنتسبين للإسلام من الخوارج, والمتنفذين فى السلطة والحكم فى العصرين الأموى, والعباسى . فقد تعرض الإمام أبوحنيفة لكثير من الاضطهاد, والإقصاء بسبب رفضه منصب قاضى القضاة. وكان نصيب الإمام مالك الجلد على باب المسجد النبوى, للجهر بإعلانه «ليس على المكره بيعة» . كما لم يسلم الإمام الشافعى من المطاردة, وإلصاق به تهمة التشيع، فضلا عن تعرض الإمام أحمد بن حنبل, للسجن باتهامه ببدعة أن القرآن مخلوق «رحم الله أئمتنا وعلماءنا الصالحين».

وقد حذرنا الصادق الأمين المعصوم, الذى لا ينطق عن الهوى النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) من الخوارج, وخطرهم فى كل عصر, حيث قال (سيخرج فى أواخر الزمان حدثاء الأسنان, سفهاء الأحلام, يقولون من قول خير البرية, يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية, يدعون إلى كتاب الله وهم ليسوا منهم فى شيء). «أخرجه صحيح, ومسلم».

‎ومن صفات الخوارج, التى عددها رسول الله صلى الله عليه وسلم . الجرأة على العلماء:

‎1 – صلاح الظاهر وفساد المعتقد والباطن.

‎2 – الجهل بالكتاب والسنة وسوء الفهم لمعانيهما كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقرأون القرآن ويحسبونه لهم وهو عليهم «رواه مسلم».

‎3 – تغتروا زهدهم, وهم شر الخلق والخليقة «أخرجه مسلم».

‎4 – استباحة دماء المسلمين والمعاهدين واستحلال أعراضهم وأموالهم بل وأولادهم.

5 – يظهرون الإصلاح والمطالبة بتحكيم الشريعة مع أنها – محكمة – ليتوصلوا لحمل السلاح وإسقاط الدولة «فى صحيح مسلم».

‎6 – وقال على رضى الله عنه «يزعم أنه ينطق بكلمة الحق ولكن هواه ووجهه ونصرته لغير أهل السنة والسلف الصالح» 

ونتيجة لضعف الدولة الإسلامية الأموية, وانقلاب العباسيين عليها, وسيطرتهم على مقاليد الحكم, وقتل الولاة وأمراء الأمصار الأمويين شر قتلة. يقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر, استمرت البلاد الإسلامية تحت حكم العباسيين 6 قرون. حتى دب الوهن فيها, نتيجة للصراع بين قواد الترك, الذين جلبهم الخليفة الواثق بالله, وثورات العلويين, و ثورات القرامطة الخوارج.

وكالعادة كانت النهاية الطبيعية, لاشتداد صراع حركات الإسلام السياسى, ومنازعة أصحابها من الطامعين والطامحين للسلطة فى بلاط الخلافة, إلى حدوث تصدع وانشقاقات, واستقلال بعض الدول, واجتياح جيوش المغول بقيادة «جنكيز خان». وسقوط العباسيين. وكان حكم مصر من نصيب «أحمد بن طولون». حيث أسس الدولة الطولونية, وتلاها دولة الاخشيديين, وفى شمال افريقيا أسس الفاطميون دولتهم. ليبدأوا من المغرب زحفهم إلى مصر، للتوسع فى نشر الفرق والمذاهب الشيعية, وتم بناء الأزهر الشريف لتدريس المذهب الشيعى.

وشاء حظ مصر العثر أن ابتليت فى عهد الخليفة الفاطمى «الحاكم بأمره» الذى حكم مصر والشام وأجزاء من العراق مع الحجاز وشمال أفريقيا فى الفترة ما بين (386ـ 420هـ) و(996 -1020م). كثير من المساخر والخروج على الإسلام، حتى أطلق الناس عليه الحاكم بأمره هو لا بأمر الله، لأنه لم حكم بما يخالف أمر الله . وكما يروى أحمد كمالى الباحث فى التوثيق التاريخى, اختلق كثيرا من الغرائب والبدع, فقد ادعي الألوهية في أواخر أيامه، وأمر بسب الصحابة عمر بن الخطاب وأبي بكر الصديق, والسيدة عائشة وطلحة والزبير, ومعاوية وعمرو بن العاص علي أبواب المساجد والشوارع، ثم رجع عن ذلك. ونهي عن بيع العنب حتي لا يستخدم في صناعة النبيذ, وحرم أكل الملوخية، ومنع صلاة التراويح عشر سنين، ثم أباحها، وإجبار الناس على النوم وغلق محالهم, ومتاجرهم بالنهار, والعمل بالليل، وأجبر اليهود والمسيحيين على الإسلام, وخرب المعابد, والكنائس. كما هدم كنيسة القيامة في القدس عام 398 هـ. ولكنه تراجع وبني ما تهدم من الكنائس, إلى أن اختفى, وتم نسج الأساطير حوله, لدرجة القداسة ووصفه بالنبى المخلص صاحب الرسالة طبقا لاعتقاد بعض الشيعة, وخرج بعض أتباعه للبحث عنه، حيث استقروا فى لبنان وتأسيس الطائفة الدرزية، حتى حلت محلها الدولة الأيوبية بقيادة السلطان «الناصر صلاح الدين الأيوبى».

فى الحلقة الثانية (الحشاشين, والإخوان خوارج العصر الحديث)

ومن أسوأ روايات التاريخ الإسلامى سواداً ظهور طائفة من الخوارج الشيعة المنتسبين للإسلام باسم «الحشاشين» وتعنى فى ترجمة بعض المستشرقين (Assassin) القتل خلسة, أو غدرًا، أو القاتل المحترف المأجور. ويرجع تسمية طائفة الحشاشين بهذا الاسم, نظرا لأنهم كانوا يدربون أتباعهم على الإكثار من تعاطي الحشيش المخدر. وكانوا يستوطنون قلعة «الموت» بين الجبال. وكانوا يتخذون من القلاع والحصون فى إيران والشام مقرات لهم. وتذكر المصادر التاريخية, أن مؤسسها «حسن الصباح الأول», والذى يلقب بشيخ الجبل. كان يعيث فى الأرض فسادا, وترويعا وقتلا, بسبب تطلعه إلى الاستحواز على السلطة بالقوة, وصراعه السياسي والديني, لنشر دعوته, وضم المزيد من الممالك والولايات لحكمه. وقد حاول اغتيال الناصر«صلاح الدين الأيوبى» عدة مرات. ويشير الدكتور عثمان الخميس فى دراسته عن الحشاشين, إلى تمكن أتباعه من اغتيال الخليفة العباسى المستنصر, والخليفة الراشد, وملك بيت المقدس, لحساب الصليبيين . وعندما خلفه ابنه «الحسن الثانى بن محمد», والذى حكم من (557هـ/1162م) إلى سنة (561هـ/1166م ) أعلن في شهر رمضان (559هـ) قيام القيامة  ، وأنهى الشريعة، وأسقط التكاليف بإسقاط 4 فرائض من الفرائض الإسلامية الخمس من صلاة, وصيام, وزكاة, وحج. باستثناء الجهاد، ثم ادعى أنه إمام العصر.    

وكان له أسلوب غريب في تجنيد أتباعه من خلال اجتذاب الشباب بين (12 – 20 سنة )، وجلب مخدر الحشيش بكميات كبيرة, وإغرائهم لتناوله كعشب صحي مفيد. وبعد أن تأخذهم السكرة, يدخلهم إلى حدائق خاصة أنشأها لهذا الغرض تحتوي على ما لذ وطاب من الطعام والشراب والنساء الحسان، ثم يخلي بينهم وبينها بادعاء أنها الجنة، ثم يعمد إلى إيفاقهم من سكرتهم, وإعادتهم إلى حضرته ليطلب منهم بعد ذلك إن أرادوا خلوداً في الجنة التي أذاقهم جزءاً من نعيمها, أن ينفذوا ما يطلبه منهم زعيمهم أو شيخ الجبل, دون نقاش أو تردد, وأن قدر الشجاعة للتضحية بالنفس ضد الطامعين فى نعيم الجنة, وفى سبيل الحفاظ على أسرارها حتى لا تزول إلى الأبد.

وفى عام (607 هـ/ 1210 م) مع بدأ ظهور حملات التركمان, وعمليات التوسع التركي تولى جلال الدين الحسن الثالث بن محمد الثاني زعامة طائفة الحشاشين. وأعلن رفضه عقائد آبائه في القيامة  ، ولعنهم وكفَّرهم، وأحرق كتبهم وجاهر بإسلامه . وقام بمد التواصل مع العالم الإسلامي, وأرسل إلى الخليفة العباسي الناصر لدين الله, والملوك والأمراء يؤكد لهم صدق دعوته إلى التعاليم الإسلامية، ففرحت البلاد الإسلامية بذلك وصار أتباعه يعرفون بالمسلمين الجدد. ولكن سرعان ما انقلبوا عليه، وتم اغتياله، ليعاود أتباع الطائفة بعد موته إلى طاعة الأئمة الفسقة, والخارجين علي الدين بقلعة «الموت». مما سهل إنهاءهم والقضاء عليهم فى سوريا على يد القائد المملوكى «الظاهر بيبرس». وما زال لهم إلى اليوم أتباع في إيران، وسوريا، ولبنان، واليمن، ونجران، والهند، وفي أجزاء من أواسط ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي في السابق، ثم جاء المماليك ليستولوا على الحكم فى مصر, والشام وبلاد الحجاز. إلى أن حل محلهم الأتراك العثمانيون, ليحكموا هذه البلاد, ومنها مصر قرابة الـ6 قرون، حتى دب الوهن فيها, نتيجة للصراع بين قواد الترك, الذين جلبهم الخليفة الواثق بالله, و ثورات العلويين, و ثورات القرامطة الخوارج.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل