المحتوى الرئيسى

طارق الشناوي يكتب: لم ينتظر الجزرة.. ولم ترهبه العصا!

12/04 10:20

يومًا ما سألتُ المخرج الكبير حسن الإمام، فهو واحد من أساطين السينما فى عالمنا العربى، وهو الأكثر إلمامًا بذوق الناس، ولإمام باع طويل فى تقديم حياة الراقصات مثل بديعة وبمبة وشفيقة وغيرهن، قلت لمخرجنا الكبير أين سيرة حياة المثقفين، أين رائدات النظال الوطنى أمثال هدى شعراوى وسيزا نبراوى؟ وأين الشاعرة مىّ زيادة فقال لى هل فى حياة هدى أو مىّ أو سيزا رقصة أو ضحكة أو نكتة حتى أقدم سيرتها الشخصية للناس؟ ولم أجادله ولكنى أتصور لو كان الزمن يسمح وقتها رقابيًّا بتقديم حياة أحمد فؤاد نجم لفعلها حسن الإمام، لأن فى سيرته الشخصية، بالإضافة للقيمة السياسية والإبداعية والفكرية، ما هو أكثر من الرقصة والضحكة والنكتة.

كانت حياته فى الحقيقة هدفًا لأكثر من مشروع فنى خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، عندما بدأ عصر الفضائيات فصار نجما جماهيريا، وترددت أسماء عادل إمام وأحمد زكى ولكن كان نجم يشترط ذكر بعض وقائع مثل قصيدته «كلب الست» التى كان يسخر فيها من أم كلثوم، ولهذا كانت تموت الفكرة قبل أن تبدأ، حتى وافق نجم على مشروع الكاتب والمخرج عصام الشماع «الفاجومى»، ولم نر قصيدته «كلب الست» ولكننا شاهدنا نجم كما أراده نجم.

الفيلم لو يرض النهم ولا الشغف الخاص بشاعرنا الكبير، ولكنه أرضاه، واعترضت الكاتبة الكبيرة صافيناز كاظم زوجته السابقة وأم ابنته نوارة، ولكن نجم ظل متحمسا لتوثيق حياته على الشاشة، كما أداها خالد الصاوى لعله أدرك أنها وثيقة ستعيش بعده.

والفيلم يذكرنى فى تناوله بقصة قديمة للكاتب الكبير يوسف السباعى عنوانها «أم رتيبة» بطل الرواية طرشجى اسمه «سيد بنجر» وجد أن اسمه غير لائق فأطلق على نفسه اسم «على بنجر»!!

فلقد غير الأسماء التى عاصرت نجم واحتفظ بأفعالها وملامحها، ربما أراد الشماع أن يتجنب مأزقا قانونيا من الممكن أن يطوله فأطلق على البطل اسم «أدهم فؤاد نسر»، أما عنوان الفيلم فلقد ظل كما هو «الفاجومى»، وهو كتاب أصدره «نجم» متناولا حياته حتى التسعينيات، وتعبير «الفاجومى» هو اختصار لعدد من حروف اسمه الثلاثى وتشير فى ثناياها إلى معنى الهجومى التى من الممكن أن ترى فيها الكثير من طبيعة النجم المشاغب دوما، وهكذا صارت تدل عليه.. الغريب أن الأسماء التى اختارها الشماع جميعها جاءت على إيقاع الأسماء الحقيقية، الشيخ إمام عيسى صار «همام موسى» وهناك أسماء أخرى تركها كما هى مثل «حجازى» فنان الكاريكاتير المعروف، من عاصر هذا الزمن الذى تناولته الأحداث منذ نهاية الخمسينيات حتى الانتفاضة الوطنية فى 18 و19 يناير، سوف يرى بالتأكيد واقعا آخر، لأن الحقيقة دائما هى التى نراها بمشاعرنا وآمالنا وأحلامنا.

الخيال مع مرور الزمن يضيف أشياء إلى الصورة لم يكن لها أى ظل من الحقيقة، والغريب أننا نصدق الخيال ونعتبره هو الواقع الذى عشناه!!

الفيلم يراهن على شاعر كبير يروى حكاياته التى تتلامس فى دوائر قريبة مع آخرين قد تطولهم أحيانا، بل الصحيح أن تقول دائما شظايا من تلك القنابل التى يفجرها نجم والتى لم يسلم منها بالمناسبة أحد.

إلا أن السؤال هل المخرج يقدم رؤية للمذكرات على مسؤولية قائلها أم أنه عليه واجب توثيقى، يتحمل المخرج بالطبع التبعات بكل ظلالها، ليست فقط القانونية، ولكن الفنية والفكرية تظل هى مسؤوليته. فى هذا الشريط السينمائى الذى لم أجد فيه ما يشفى غليلى، ولكنه من الواضح أصاب الهدف الذى استشعره بحدسه، وهو أن الزمن يفلت من بين يديه، وعليه أن يوثق حياته على الشريط، وهكذا حضر العرض الخاص للفيلم وأشاد بصناعه.

الفيلم حمل ولا شك قفزة مغايرة فى ما تعودنا عليه فى دراما السيرة الذاتية، كما أنه عزف على وتر حساس لشاعر كان مناضلا فى كل العصور، ودخل فى خصومة مع الرؤساء الثلاثة «عبد الناصر» و«السادات» و«مبارك»، صحيح أن الفيلم الذى تم إنتاجه قبل ثورة يناير قفز بعيدًا عن زمن مبارك ووصل إلى تخوم ثورة 25 يناير التى كان نجم إحدى أيقوناتها.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل