المحتوى الرئيسى

قراءة نقدية فى مشروع الدستور 2013

11/30 10:15

قبل أن تبدأ لجنة الخمسين الموقرة فى التصويت على مواد مشروع الدستور الذى انتهوا منه مؤخرا، نذكر بعض الملاحظات التى نعتقد أنه سيكون من المفيد للصالح العام تداركها أو التوقف أمامها وبحثها أو إعادة النظر فيها، وهذه الملاحظات تشمل بعض مواد فى حرية التعبير، والبرلمان

وفى منصب رئيس الجمهورية، والأجهزة الرقابية، والأزهر، والنسب التى خصصت من موازنة الدولة، وفى القضاء، وقد اعتمدنا فى قراءتنا هذه على المسودة التى نشرت فى بوابتى جريدتى «الوفد» و«الأهرام».

فى البداية نشير إلى أننا كنا مثل الملايين من المصريين نظن أن لجنة الخمسين سوف تحقق للذين خرجوا فى 25 يناير وفى 30 يونيو مطلب رؤية دستورهم يتضمن لأول مرة وصف الدولة بـ «المدنية»، حيث إن ورودها فى ديباجة الدستور ليس بقوة وفاعلية وجودها فى المادة الأولى منه، كما كنا نأمل أن تتجنب اللجنة شبهة الفئوية عند كتابة موادها، حيث غلبت الشبهة فى العديد من المواد الخاصة بالمعلمين وأهل النوبة وسيناء والمحامين والأطباء والقضاة والصيادين والفلاحين والمثقفين وغيرها.

على أية حال نبدأ ملاحظاتنا بـ (المادة 7)، الخاصة بالأزهر الشريف، حيث ذكر أن الأزهر: هو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية»، وكلمة أساسى هنا تعنى وجود مرجعية أخرى ثانوية قد يرجع إليها، مثل المرجعية السلفية، ومرجعية خطاب السلفية الجهادية التكفيرية، أو خطاب تنظيم القاعدة أو غيرها من خطابات الجماعات الإسلامية، لهذا نقترح حذف كلمة « الأساسى» وأن تصاغ الجملة على النحو التالى: وهو المرجع فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية».

فى المواد (18 و19 و21 و23) استقطعت لجنة الخمسين 10% من اجمالى الناتج القومى للإنفاق على الصحة والتعليم قبل الجامعي، والتعليم الجامعي، والبحث العلمى، حيث جاءت الصياغة كالتالي: وتلتزم/وتكفل/وتخصص الدولة نسبة (لا تقل) من الإنفاق الحكومى للـ صحة عن 3%، تعليم عن 4%، تعليم الجامعى عن 2%، بحث العلمى عن 1%». وللأسف أن هذه النسب كما هو واضح ضئيلة جدا لبلد تسعى إلى النهوض واللحاق بركب التقدم التكنولوجى والعلمى والصحى فى بلدان العالم، وكان من الأولى أن ترفع اللجنة هذه النسب إلى 40 أو 50 % من الناتج القومي، أو أن تحث على الاهتمام بالتعليم والصحة والبحث العلمى دون التقيد بنسب، بغض النظر عن حجمها، قد تصلح فى عام ولا تصلح فى آخر، لذا نقترح حذف النسب المقترحة فى المواد.

لا نعرف لماذا اهتمت لجنة الخمسين بأهل النوبة عن سائر الشعب المصرى؟، ولا نعلم لماذا تدخلت فى المشكلة الخاصة بقراهم؟، فقد ذكرت اللجنة أهل النوبة فى مادتين، المادة 50، حيث طالبت الدولة بالإهتمام الخاص لحفظ المكونات الثقافية: «وتولى الدولة اهتماما خاصا بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية فى مناطق النوبة وسيناء والواحات وغيرها»، هذا مع أن المكونات الثقافية تختلف حسب الجغرافيا ونسبة التعليم، وحجم الخدمات المقدمة، ونوعية الحرفة الغالبة على سكان القرية أو المدينة، الزراعة أو الصناعة او التجارة أو الرعى، وجميع هذه العوامل بالإضافة إلى المناخ ونسبة الفقر تعمل على تشكيل مكونات خاصة بكل منطقة، وهذا التنوع واقع مشاهد وملموس فى معظم محافظات مصر.

الغريب فى الأمر أن تقحم لجنة الخمسين فى المشكلة التى يرفع رايتها بعض النوبيين، وذلك بنص المادة 235 : «وتعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات لإعادة توطين النوبيين فى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذى نظمه القانون».

المفترض أن مشكلة سكان النوبة لا تزيد أهمية على مشكلة تمليك أهل سيناء الأراضي، ولا على مشاكل الذين تنتزع الحكومة أراضيهم وتصادر بيوتهم ومزارعهم من أجل المنفعة العامة، ولا تختلف كثيرا عن الذين دمرت السيول بيوتهم ومزارعهم وتجارتهم وتم نقلهم لمواقع أخرى بعيدة عن السيول، نعتقد أن لجنة الخمسين مطالبة بحذف المادة 235 بكاملها، ونقترح عليها أن تعيد صياغة المادة 50 بإضافة باقى المناطق الفقيرة والأشد فقرا والمهمشة، وتطالب الحكومة بزيادة الاهتمام بها.

المادة 140 اشترطت فيمن يترشح رئيسًا للجمهورية أن يكون: 1 ــ مصريًا من أبوين مصريين، 2 ــ ألا يكون قد حمل، أو أى من والديه أو زوجه جنسية دولة أخرى، 3 ــ أن يكون متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية، 4 ــ أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أعفى منها قانونًا، 5 ــ ألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن أربعين سنة ميلادية، ويحدد القانون شروط الترشح الأخرى»، ( نشير لشروط القانون فى سياق تالٍ).

والمادة 141 من مسودة لجنة الخمسين أضافت شرطا سادسا لقبول الترشح لمنصب الرئاسة وهو: «6 ــ أن يزكى المترشح عشرون عضوًا على الأقل من أعضاء مجلس النواب، أو أن يؤيده ما لا يقل عن خمسة وعشرين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب فى خمس عشرة محافظة على الأقل، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها».

كما هو واضح من نص المادتين أن لجنة الخمسين حددت ستة شروط لقبول ترشح أى مواطن مصرى لمنصب الرئاسة، وهذه الشروط ليس بينها شرط تحدد فيه الديانة، حيث تسمح بقبول ترشح المصرى المسلم أو المسيحى أو اليهودى أو البهائى أو البوذى أو الادينى والدرزى، كما أن الشروط لم تحدد المذهب أو الطائفة: شيعة، سنة، أباضى، كاثوليكى، بروتستانت، شهود يهوه..

وهذه الميزة توجد فى جميع الدساتير المصرية التى كتبت بعد قيام ثورة يوليو 1952، وكانت المادة 120 من دستور 1956 هى أول مادة تكرس لهذه التعددية، حيث نصت على التالى:»  

يشترط فيمن ينتخب رئيسا للجمهورية أن يكون مصريا من أبوين وجدين مصريين، وأن يكون متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية، وألا تقل سنه عن خمس وثلاثين سنة ميلادية، وألا يكون منتميًا إلى الأسرة التى كانت تتولى الملك فى مصر».

ونص المادة هنا تضمن أربعة شروط، الأول: أن يكون مصريا ومن أبوين مصريين، الثاني: متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، الثالث: سنة لا يقل عن خمسة وثلاثين سنة (لكى يتوافق مع سن الرئيس عبدالناصر)، الرابع: ليس من الأسرة المالكة، وهذه المادة لم تشترط الديانة، كما أن نص المادة لم يمنع أصحاب الجنسية المزدوجة من الترشح لكرسى الحكم، فقط اشترطت أن يكون مصريا من أبوين مصريين، وهو ما يعنى أن الذى يحمل الجنسية المصرية مع الجنسية الفرنسية أو الأمريكية أو الإسرائيلية يحق له الترشح، والذى يعود لنفس المادة يكتشف أيضا أنها تسمح للمتحدث بلغة غير العربية أن يتقدم للحكم، لأنها لم تشترط إجادته اللغة العربية.

وهذا النص بحالته تمت المحافظة عليه فى الدستور التالي، دستور عام 1964، حيث ذكرت ذات الصياغة فى المادة (101)، وحذف منها فقط الشرط الرابع الخاص بالأسرة الحاكمة، وظلت فى دستور 1971 الذى سمى بالدستور الدائم تحت رقم ( 75)، والتعديل الوحيد الذى أدخل عليها كان فى عمر رئيس الجمهورية، حيث اشترطت المادة: «ألا تقل سنه عن أربعين سنة ميلادية».

وقد ادخل على الدستور الدائم ثلاثة تعديلات، الأول فى ٢٢ من مايو سنة  1980، والثانى يوم ٢٥ مايو سنة 2005، والثالث  طبقا للاستفتاء الذى أجرى يوم الاثنين ٢٦ مارس سنة ٢٠٠٧،

ورغم تعدد التعديلات ظلت المادة رقم (75) كما هى تتيح الفرصة أمام جميع المصريين من المسلمين واليهود والبهائيين والمسيحيين والصابئة والملحدين والقايدانيين والدروز والشيعة، للترشح إلى منصب رئيس الجمهورية.

حتى عندما وضعت جماعة الإخوان دستورها 2012 لم تمس هذا الحق لأتباع الديانات الأخرى، وجاءت المادتان 134 و135 بالشروط نفسها ولم تقصر ديانة المرشح على المصريين من أتباع الديانة الإسلامية.

المادتان 140 و 141 من مسودة الدستور نقلت فيهما لجنة الخمسين الشروط الستة(كما أوضحنا بعاليه) التى يجب توفرها فى المواطن المصرى الراغب فى التقدم للترشح إلى منصب رئيس الجمهورية، وكما أوضحنا أن هذه الشروط لم تحدد ديانة بعينها للمتقدم، أو أنها حددتها فى ديانة الأغلبية، بل تركت الفرصة متاحة لجميع أتباع الديانات حتى الملحدين منهم.

الغريب أن هذه الشروط لم تحدد كذلك درجة تعليم المتقدم لهذا المنصب، حيث تركت كذلك الفرصة للجميع: الأمى، والحاصل على الابتدائية أو الاعدادية أو الثانوية أو الجامعة أو الماجستير او الدكتوراه، فقد ساوت الشروط بين المواطنين، وفتحت الباب أمام المهندس والنقاش، والطبيب والسباك، والمدرس وماسح الأحذية، والمحاسب ومبيض المحارة، وأستاذ الجامعة والعجلاتى، الفرصة متاحة للفلاح والبواب والحداد المسلح والبلطجى وبائع الخضار والفران والميكانيكى والكهربائى وعامل اليومية، المطلوب منه فقط أن تتوافر فيه الشروط الستة المذكورة فى مادتى الدستور، وأن يستوفى الأوراق المطلوبة فى القانون رقم 174 لسنة 2005، الخاص بانتخابات الرئيس، والمرسوم بقانون الخاص بتعديله رقم 12 لسنة 2012، والذى أصدره المجلس الحاكم العسكري، وعلى وجه التحديد فيما جاء بالمادة رقم 13 من القانون ومن المرسوم بقانون، والتى حددت المستندات التى يجب أن يقدمها المرشح للرئاسة، وهى على النحو التالى: 

مادة13:.. يجب أن يرفق بالطلب المستندات التى تحددها اللجنة وعلى الأخص:

1ــ النماذج الخاصة بتأييد طالب الترشح أو ترشيح الحزب له.

2ــ شهادة ميلاد طالب الترشح أو مستخرج رسمى منها.

3ــ إقرار من طالب الترشح بأنه مصرى من أبوين مصريين، وبأنه لا يحمل جنسية أخرى.

4ــ إقرار من طالب الترشح بأنه غير متزوج من غير مصري.

5ــ شهادة بأنه أدى الخدمة العسكرية أو أعفى منها طبقا للقانون.

6ــ إقرار الذمة المالية طبقا لأحكام القانون رقم 62 لسنة 1975 فى شأن الكسب غير المشروع.

7ــ بيان المحل المختار الذى يخطر فيه طالب الترشح بكل ما يتصل به من عمل اللجنة».

وكما هو واضح المستندات المطلوب تقديمها للجنة الانتخابات لا تتضمن المؤهل الدراسى للمرشح للرئاسة، وهو ما يعنى أن القانون والمرسوم بقانون فتحا باب الترشح لمنصب الرئاسة للمتعلم ولغير المتعلم، وبات من الممكن أن يتقدم لهذا المنصب الأمى والحاصل على شهادة الابتدائية أو الإعدادية أو المؤهل المتوسط أو ما هو دونها، وهو ما يعنى أن القانون والمرسوم يسمحان لأى صاحب مهنة التقدم وتمثيل مصر كرئيس لها، النقاش والحلاق والخباز وبائع الخضار والحانوتى والسباك والبواب وغيرها من المهن التى نجل لأصحابها كل احترام وتقدير.

المدهش أن لجنة الخمسين تعمم مبدأ الديانة وشهادة التعليم على اختيار رئيس الحكومة والوزراء، حيث تركت المادة 163 من المسودة الفرصة متاحة لجميع المصريين، اليهودى والمسلم والمسيحى، وأمام الشيعى والأباضى والبروتستانت والسنى والكاثوليكى، والملحد والبهائى، يتم اختيار أحدهم لتولى حقيبة وزارية أو رئاسة الحكومة، كما تركت نفس الفرصة للحاصل على الابتدائية والأمى والإعدادية والحاصل على الشهادة الجامعية أو مؤهل متوسط أو الحاصل على الدكتوراه، لرئيس الجمهورية أن يختار من بينهم، ويشترط فقط حسب نص المادة: 

فى من يعين رئيسًا لمجلس الوزراء، 1 ــ أن يكون مصريًا من أبوين مصريين،  2 ــ ألا يحمل هو أو زوجه جنسية دولة أخرى، 3 ــ أن يكون متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية، 4 ــ ان يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أعفى منها قانونا، 5 ــ ألا تقل سنه عن خمس وثلاثين سنة ميلادية فى تاريخ التكليف».

والأخطر مما سبق أن نص المادة يسمح لمزدوجى الجنسية بالتعيين فى الحكومة، وقد يكون من بين هؤلاء من يحمل الجنسية الإسرائيلية، حيث إن المادة أسقطت عند اختيار الوزير شرط رقم 2 ــ الجنسية، وشرط رقم 1 ــ من أبوين مصريين، واكتفت بمصريته هو، وهو ما يعنى أن لجنة الخمسين تسمح لحاملى الجنسية المزدوجة وللحاصلين على جنسية مصرية من الأب أو الأم أن يتولى حقيبة وزارية، أو كما جاء فى المادة: «ويشترط فى من يعين عضوًا بالحكومة، أن يكون مصريًا، متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية وأن يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أعفى منها قانونًا، بالغًا من العمر ثلاثين سنة ميلادية على الأقل فى تاريخ التكليف.

اهتمت لجنة الخمسين بشكل ملحوظ بتجريم ما أسمته التمييز بين المواطنين، والحض على الكراهية، لكن الذى يتابع المواد التى ذكرت فيها هذه الجرائم يكتشف عدم التوافق أو التطابق، وربما التعارض فيما بينها، حيث تلتبس العقوبة على القارئ، هل هى ستترك للقانون وتصنف تحت خانة جرائم الجنايات التى تبدأ فيها العقوبة من 3 سنوات حتى الإعدام مرورا بعقوبة المؤبد أم أن هذه الجرائم سوف تصنف فى جرائم الغرامات التى يكتفى فيها بعقوبة مالية، سيترك تقدير العقوبة لما أسمته بالمفوضية المزمع إنشاؤها؟.

فى المادة 53  نصت لجنة الخمسين على التالى: «المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل، أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى أو لأى سبب آخر.

والتمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض».

يفهم من نص المادة هنا أن اللجنة أوصت بإنشاء مفوضية بقانون لكى تقضى على كافة أشكال التمييز، واعتبرت المادة أن التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، ما هى العقوبة؟

المادة 67 الخاصة بحرية الإبداع الفنى والأدبى تركت تحديد العقوبة لتقدير القانون، حيث نصت بأنه لن: «... توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكري، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون».

والغريب أن نفس المادة فى الفقرة التالية حددت العقوبة بالغرامة أو ما اسمته بالتعويض:» وللمحكمة فى هذه الأحوال إلزام المحكوم عليهم بتعويض جزائى للمتضرر إضافة إلى التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها وذلك كله وفقًا للقانون.

فى المادة 71 التى خصصت لحرية التعبير (الصحف والفضائيات والاذاعة والندوات والمحاضرات) أغفلت اللجنة المفوضية والغرامات وتركت العقوبة للقانون:»..ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها فى زمن الحرب أو التعبئة العامة ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالحض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد فيحدد عقوباتها القانون».

وهذا ما يثير عدة علامات استفهام: هل العقوبة متروكة للقانون أم تم تحديدها بالغرامة؟، هل ستقدر العقوبة بغرامة فى القضايا التى تقع فى السينما والمسرح والدراما التليفزيونية، وتقدر بالسجن لسنوات للصحفيين والكتاب والمذيعين والمعدين؟، هل القضاء هو الذى سيقدر العقوبة أم المفوضية المزمع إنشاؤها؟.

مثل سائر الدساتير السابقة فقد خلت مواد مسودة لجنة الخمسين من مادة تحدد ميزانية مجلس الشعب، كما خلت أيضا من آلية مراقبة انفاق هذه الميزانية، وأغفلت اللجنة تماما الحديث عن حجم الأموال التى تنفق فى البرلمان وعلى الأعضاء، ذكرت فقط صرف مكافأة للأعضاء يمكن زيادتها، حتى المادة 218 التى تحدد الجهات التى يراقبها الجهاز المركزى للمحاسبات لم تشر فيها لميزانية البرلمان: «يتولى الجهاز المركزى للمحاسبات الرقابة على أموال الدولة، والأشخاص الاعتبارية العامة، والجهات الأخرى التى يحددها القانون، ومراقبة تنفيذ الموازنة العامة للدولة والموازنات المستقلة، ومراجعة حساباتها الختامية».

الذى يعود إلى لائحة مجلس الشعب يكتشف أن ميزانية المجلس يتم إدراجها كرقم فى ميزانية الدولة، ففى الباب الرابع عشر من اللائحة تم تخصيص فصل للموازنة ضم تسع مواد تبدأ من المادة 392 وتنتهى بالمادة 400، المادة الأولى (392) نصت على التالى: «المجلس مستقل بموازنته وتدرج رقما واحدا فى موازنة الدولة»، هذا الرقم الذى يدرج مرة واحدة دون تفصيل من المسئول عن إنفاقه داخل المجلس؟، حسب (المادة 394): «يضع مكتب المجلس القواعد الخاصة بتنظيم حسابات المجلس، ونظام الصرف، والجرد، وغير ذلك من الشئون المالية»، ومكتب المجلس حسب (المادة 10) من اللائحة هو رئيس المجلس والوكيلان، وقد عهدت المادة (393) للجنة الخطة والموازنة بالمجلس مهمة قسم الحسابات.

نعود للسؤال الذى سبق وطرحناه: من الذى يراقب موازنة مجلس الشعب؟، (المادة 397) من لائحة المجلس تضرب بكل مؤسسات الدولة عرض الحائط، حيث أكدت أن المجلس سيد قراره، وسيد موازنته، ينفق كيفما شاء ولا رقيب ولا حسيب عليه: « يتولى المجلس حساباته بنفسه، وهو فى ذلك غير خاضع لأية رقابة من سلطة أخرى، ومع ذلك فلرئيس المجلس أن يطلب من رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات ندب من يراه، لوضع تقرير يقدم إلى رئيس المجلس عن حسابات المجلس وطريقة تنفيذ موازنته أو عن أى شأن من الشئون المالية الأخرى للمجلس».

نفهم من هذا أن مجلس الشعب لا يقدم للحكومة فى نهاية العام حسابًا ختاميًا لموازنته مثل سائر المؤسسات والوزارات، لماذا؟، لأنه كما سبق وقلنا هو سيد قراره، والحساب الختامى؟، حسب المادة(399):» يضع مكتب المجلس خلال ثلاثين يوما من انتهاء السنة المالية الحساب الختامى لها ثم يحيله رئيس المجلس إلى لجنة الحسابات لبحثه وتقديم تقرير عنه يعرض على المجلس فى أول جلسة تالية».

الطريف أن هذه الأموال التى لا تخضع لرقيب ولا لحسيب إذا لم تكن كافية لمصروفات المجلس، المادة (399) أعطت للمجلس ان يطلب المدد من الحكومة، وهذا المدد لا يخضع كذلك لرقيب ولا حسيب:» إذا لم تف المبالغ المدرجة فى الموازنة لمواجهة مصروفات المجلس، أو إذا طرأ مصروف لم يكن منظورا عند وضعها وضع مكتب المجلس بيانا بالاعتماد الإضافى المطلوب، ويحيله رئيس المجلس إلى لجنة الحسابات لتقديم تقرير عنه للمجلس».

مادة 111 أكدت أنه: «لا يسأل عضو مجلس النواب عما يبديه من آراء تتعلق بأداء أعماله فى المجلس»، وهى منقولة من المادة 89 بدستور 2012.

ظاهر النص هنا يمنح عضو البرلمان حصانة ضد القذف والسب، فقد أعطته الماده حرية اتهام شخصية عامة( وزير أو مدير أو قاض أو صحفى أو رجل أعمال أو فنان أو اعلامى..)، أو شخصية اعتبارية (مؤسسة، هيئة، شركة..) بالسرقة أو التزوير أو النصب تحت قبة البرلمان، وقد تكون المحطات الفضائية تنقل اتهاماته هذه على الهواء مباشرة، وهو ما قد حدث بالفعل من بعض أعضاء وقيادات جماعة الإخوان والسلفيين فى البرلمان المنحل، على سبيل المثال ما سمعناه من بعض البرلمانيين من اتهامات للقضاة بتلقى رشاوى فى قضايا مخدرات، وما سمعناه من أن القاضى الذى حكم فى قضية الرئيس مبارك قد حصل على أراض على سبيل الرشوة، وغيرها من الاتهامات التى وجهت تحت قبة البرلمان على مرأى ومسمع العالم أجمع إلى هيئة المحكمة التى قضت فى قضية القرن، مثل أن الحكم صدر بناء على تعليمات من المجلس العسكري، أو لإعادة إنتاج النظام الفاسد، أو أن الحكم أملى عليهم بالتليفون، أو أن الحكم صدر لمساندة المرشح المنافس لمرشح جماعة الإخوان.

والغريب أن مجلس الشعب آنذاك قد خصص جلسة لانتهاك حرمة السلطة القضائية، وأتاح المجال أمام الأعضاء لقذف القضاة وسبهم ونهش سمعتهم وتاريخهم، والأمر لم يتوقف عند القضاة، بل سبق ورشق البرلمانيون الحكومة وبعض الشخصيات بالألفاظ  تحت دعوى حق البرلمان فى المناقشة، والطريف فى هذا السيرك أن الإعلان الدستورى آنذاك لم يضم بين مواده المادة (98) من الدستور الدائم (دستور 1971) الخاصة بالأفكار والآراء، والتى نصت على: «لا يؤاخذ أعضاء مجلس الشعب عما يبدونه من الأفكار والآراء فى أداء أعمالهم فى المجلس أو فى لجانه».

والسؤال هنا: ماذا عن الملايين التى شاهدت واستمعت لاتهاماته بالتزوير أو السرقة أو الرشوة؟، هل يحق للمشهر به أن يقيم دعوى قذف وسب ضد النائب المحترم أم أن نص المادة يمنحه حصانة؟.

أغلب أعضاء مجلس الشعب يعتقدون أن مادة الدستور تحصنهم بالفعل ضد قضايا القذف والسب خلال تواجدهم تحت قبة البرلمان، هذا مع أن نص المادة يتحدث عن الأفكار والآراء وليس عن الكلمات والأوصاف التى قد تسىء للآخرين، خاصة وأن نص المادة(284) من لائحة مجلس الشعب، قد اشترطت على الأعضاء المحافظة على كرامة وهيبة المؤسسات والأشخاص: «يجب على المتكلم التعبير عن رأيه ووجهة نظره، مع المحافظة على كرامة وهيبة المؤسسات الدستورية بالدولة، وكرامة المجلس وكرامة رئيس وأعضاء المجلس، كما يجب على المتكلم أن لا يكرر أقواله ولا أقوال غيره، ولا يجوز له أن يخرج عن الموضوع المطروح للبحث، ولا أن يأتى بصفة عامة أمرا مخلا بالنظام والوقار الواجب للجلسة».

لهذا نقترح على لجنة الخمسين أن تضيف فقرة إلى المادة تحظر فيه توجيه إهانات أو سخرية أو اتهامات مشينة خلال كلامهم تحت قبة البرلمان، كما توصى المادة بمنع إذاعة هذه الكلمات فى الفضائيات مسجلة أو على الهواء.

لقد سبق وتناولت الجرائم التى وجهتها مواد مسودة لجنة الخمسين إلى الصحفيين والإعلاميين والمعدين، وباختصار غير مخل نشير إلى أن معظم الجرائم التى ستواجه الصحفيين والإعلاميين تصنف حسب قانون العقوبات فى أغلبها ضمن الجرائم الجنائية، بعد أن كان معظمها يصنف فى جرائم الجنح، والفرق بين النوعين فى حجم ونوعية العقوبة، فى الجنايات تبدأ العقوبة من السجن 3 سنوات وحتى عقوبة الإعدام، وفى الجرائم المحددة فى مواد الدستور لن تقل أبدا عن سبع وعشر سنوات، أما العقوبة فى جرائم الجنح فهى تبدأ بالحبس شهر وحتى سنتين أو الغرامة أو الحبس والغرامة معا.

وحسب نصوص مواد لجنة الخمسين سوف يواجه الصحفيون والإعلاميون حوالى 12 جريمة جنائية، ثلاثة جرائم نصت عليها المادة 71 التى تقدم بها نقيب الصحفيين ضياء رشوان بموافقة مجلس النقابة، وقد سبق وحدد الجرائم الكاتب صلاح عيسى بموافقة المجلس الأعلى لصحافة، وجريمتان فى المادة 183 المقدمة من القضاة، اضافة إلى سبع جرائم ذكرتها المادة 203 الخاصة بالقضاء العسكرى، والقضايا هى:

1 ــ الحض على العنف

2 ــ التمييز بين المواطنين.

3 ــ الخوض فى الحياة الشخصية

(  مادة 71 : لا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالحض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد فيحدد عقوباتها القانون).

4 ــ التدخل فى شئون العدالة.

5 ــ التدخل فى القضايا.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل