المحتوى الرئيسى

القاهرة بريشة الليتوانية زوفيا رومير

11/22 00:39

زوفيا رومير فنانة ليتوانية هربت من أوروبا في أربعينات القرن العشرين، تحت نيران الحرب العالمية الثانية، فوجدت في القاهرة ضالتها لأربع سنوات ومارست فيها فنها لتستطيع أن تعيش. فأنتجت لوحات مبدعة عن القاهرة ظلت مجهولة إلى أن عرضت أخيراً في معرض أقيم بالاشتراك بين بيت السناري التابع لمكتبة الإسكندرية وسفارة ليتوانيا.

في البداية، اعتمدت رومير على بعض الاسكتشات الصغيرة وبعض المناظر لساحات القاهرة وشوارعها وضواحيها، وكذلك الغرباء الذين أثاروا انتباهها ووافقوا على الوقوف للرسم مجاناً. ومع ذلك وفي كثير من الأحيان كانت تحصل على بضعة جنيهات بصعوبة، فهذه هي الطريقة التي أخرجت بها صوراً لرجل يدعى إبراهيم وصبي مصري وغيرهما من الأشخاص غير المعروفين تحت مسميات وعناوين مختلفة مثل «عربي»، «جلسة عربي»، «امرأة عربية»، «تمثال رجل مصري عجوز» و «صورة الباستيل لفتاة تدعى سونيا»، وغيرها.

وكانت اللوحات واقعية وغنية بالألوان، ولكن ما كان يجذب الانتباه دائماً هو العيون التي غالباً ما تكون حزينة وتنظر بعدم ثقة للمشاهد أو للفراغ أو لأسفل.

فقـــد جـــذبت صورتها الأولى التي رسمتها للترويج، بعض الزبائن. وكانت الأميرة إرمينا طــوسون من أول الزبائن، وفي وقت لاحق أقامت زوفيا صداقة مع أسرة كل من غرينويل غولد، أحد أوائل الطيارين في العالم، والديبلوماسية البارونة كريستينا كارا دي فو سان سير، وكلاهما كان يقيم في القاهرة، والكاتبة هنرييت سي. ديفونشاير وابنتها ماري اللتين رسمت صورتهما زوفيا رومير.

وقد تضمنت نماذج رومير في القاهرة، بعض الضباط الإنكليز مثل جونسون ديفيز وسيسيل ثراب، إضافة الى الأب عبد المسيح من الدير القبطي، وعاشق الفن ريتشارد موزيري، وأبناء السفير البريطاني اللورد كيليرن والسفراء وزوجاتهم، وكذلك الدوقة زينب يسري التي أقامت حفلة لعرض صورتها. بعد هذا الحدث، جاء أشخاص آخرون يرغبون في أن ترسمهم رومير، من بينهم ابنة عم الملك فؤاد الأول الدوقة أمينة فؤاد توجاي، والدوقة حُسن وابنها الأمير حسن عزيز حسن.

وعندما لم تكن الفنانة تجد نماذج للرسم، كانت تلمح مشاهد من البيئة المحيطة، وتحديداً قرية العجوزة الصغيرة وشوارعها الفارغة والهادئة والأمسيات والمواضيع المثيرة، وترسمها. وكانت تجذبها جزيرة الزمالك في القاهرة، وحي الموسكي، والشوارع القديمة، وقباب المساجد والديكورات الداخلية الغامضة للمعابد، وباحات المنازل ذات الطراز العربي.

وكتبت زوفيا رومير في مذكراتها: «السفر عبر شوارع القاهرة التي لا تنتهي، يمكّنني من عكس تجربتي على أشياء كثيرة ورسم الكثير من اللوحات التي لا تعد ولا تحصى في مخيلتي. وبعد أن تصل إلى وجهتك تذوب من الإعجاب بالديكورات والزخارف الداخلية الجميلة والبسيطة، كقاعات الحريم المليئة بغموض الشفق والجدران المغطاة بالزهور الزُرق المرسومة على البلاط. يمكنك نسيان العالم كله بطرفة عين». كما قالت: «مصر ساحرة لأنها تعرف كيف تصرفك عن الواقع وتروي حكايات لا تنتهي من ألف ليلة وليلة. كل ما عليك القيام به هو قيادة سيارة للذهاب إلى العصور القديمة، إلى الفراعنة، إلى معبد الكرنك والأقصر».

وعلى رغم ذلك، لم ترسم رومير مشاهد من المعابد المصرية الشهيرة. فقد رأت أن على المرء أن يحضر شخصياً في غابة الأعمدة الضخمة «من أجل الحصول على الشعور الحقيقي وكأنه أشبه بدودة صغيرة».

وكانت الفنانة الليتوانية شغوفة أيضاً بالمشاركة في رسم الديكورات الداخلية للقاهرة، بصرف النظر عما إذا كانت في المساجد أو في بيت الفنانين بالقلعة أو في منزل «بيت زينب خاتون» الفاخر.

في الثاني من كانون الأول (ديسمبر) 1944 وبعد سنة في القاهرة، افتتحت زوفيا رومير معرضها الشخصي في صالون غولدبرغ في شارع قصر النيل، وهو المكان نفسه الذي كان يعرض أعمال الرسام المصري المشهور محمد محمد صبري. حينذاك حصلت زوفيا على قاعة مقابل صورة زيتية للسيد غولدبرغ. وبالفعل في اليوم التالي، نشرت مقالة في «لابورس إيجيبسيين» عن المعرض. ولم يكن هذا المعرض الوحيد للفنانة الليتوانية، فبعد ذلك بوقت قصير عرضت صورة «ر.موزيري» و «الحياة الساكنة» في الصالون، وصوراً ومناظر طبيعية في معرض نادي سيدات القاهرة. واعتبرت الصحافة صورة الفتاة ليلى ليون (الفتاة الوردية) من أفضل الأعمال في المعرض، بينما نشرت «لابورس إيجيبسيين» صورة لها.

وغالباً ما كانت رومير تلام على الواقعية المفرطة في لوحاتها. وقد علقت بنفسها على عملها الإبداعي: «تأثرت بشدة بجمال العالم الخارجي الذي أراه من حولي، ولدي حاجة لتشكيل هذا الجمال بداخلي باستخدام لغة البلاستيك المعبرة، متمنية أن يراه الآخرون بالطريقة التي آراها أو يجدوا الإثارة ذاتها».

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل