المحتوى الرئيسى

معرض «سراب 2» لحازم طه حسين... غموض وتساؤلات

11/18 02:00

بين التقاطعات الزخرفية التي تشكلها خطوط الدوائر المرسومة بدقة، ينثر الفنان المصري حازم طه حسين مفرداته وعناصره وألوانه، فيدفعنا إلى حالة من الاشتباك البصري مع تلك الطبقات المتراكمة.

تتماهى خطوط الدوائر الزخرفية في أعماله مع العناصر المرسومة، لتؤلف حالة ضبابية تحمل شيئاً من الغموض والتساؤل. وهو في معرضه المقام حالياً في قاعة «المسار» في القاهرة بعنوان «سراب 2»، لا يترك لنا مجالاً للهرب أو الفكاك من أسر المساحة. تشدك العناصر المرسومة رغماً عنك إلى عالمها، وتحيطك بخليط آسر من الرموز والعلامات والأسطورة. تقحمك في تفاصيل الأحداث التي تتعاقب أمام ناظريك في الشارع. فلا تجد حيال كل ذلك، غير مواجهة كل هذا الكم من العـناصر والمفردات الذائبة في قلب اللوحة.

تحاول اكتشاف ذلك المعنى المراوغ الذي يتقافز أمام ناظريك، لكنك تعود في كل مرة من رحلة الاكتشاف هذه بكثير من علامات الاستفهام. فالمعنى يختفي ويظهر، يومئ لك من قريب، لكنه سرعان ما يعاود الانفلات والتخفي بين طبقات اللون والزخارف. كلمات مكتوبة قد لا تشي بشيء تتوزع هنا وهناك. أرقام مطبوعة تقتحم الرؤية الأولى للعمل. صور وملامح لأشخاص نألفها، ملائكة مُجنحة، أختام وقصاصات جرائد.

تتكرر الوجوه والعناصر من لوحة لأخرى. تستطيع بالكاد فك شيفرتها من طريق الربط بين العناصر المتماهية. تحيلك الصور إلى المشهد الحالي. تصنع الأرقام المطبوعة تواريخ ذات دلالة، بينما تشير الكلمات إلى معان قريبة. يتدفق طوفان من العلامات والرموز أمام ناظريك، فلا تستطيع حيال كل هذا الزخم البصري سوى الاستسلام لموجات الصور التي تتدفق فوق تلك المساحات الضبابية.

يجمع الفنان حازم طه حسين بين وسائط عدة في معالجته للمساحات. هو يرسم، ويستخدم الكولاج (القص واللصق)، كما تشي عناصره بالفوتوغرافيا. يراوح ما بين الأشكال العضوية والهندسية، ويمزج في ما بينها على مساحة الرسم، ويصنع غلالة شفافة من الدوائر والأشكال الهندسية المتقاطعة والتي تتداخل خطوطها مع مفردات العمل الأخرى. تظهر التقاطعات في شكل دلالي حين يأتي بعناصر محلية وأخرى غربية يمزج بينها. في أعماله ثمة روح قاهرية قديمة، بينما تحيلك التواريخ البارزة في صدارة المشهد والتي تتكرر في لوحات عدة إلى الواقع الحالي. رسالة ضمنية تحملها الأرقام المطبوعة، رسالة بصرية تحتفي بالدولة المصرية بمكوناتها التقليدية وثقافتها، في مقابل ظل الرجعية الثقيل الذي كان على وشك السيطرة على المشهد. تتكرر الأرقام، وتبقي الأختام والعناصر والوجوه المألوفة لتؤكد ثبات الدولة المصرية كما نعرفها. قد يتحرك بعض العناصر هنا أو هناك، لكن الشكل العام ذلك الذي يشي بالعمق عبر هذا السياج الزخرفي الممتد إلى أعماق اللوحة، ينبئ بالقوة والاستقرار. فلا مجال هنا للقلق أو المراهنة.

يقول حازم طه حسين إن «السراب هنا هو استمرار لسلسلة المعارض التي تتجاوز فكرة السراب كظاهرة بصرية طبيعية. فالتجربة هنا أكثر اعتماداً على إنتاج الصور الاجتماعية المهزوزة، والأفكار الثقافية المنقولة التي كثيراً ما ترتبط بالروايات الأسطورية ودمجها بشكل أو آخر مع الأحداث المعاصرة. فتواري الأشياء وسيلة لقراءة صور ضبابية اجتماعية أو سياسية، أو حتى لقوالب نمطية أو أحداث مغلوطة».

وهو يرى أن فكرة الغموض والضبابية المسيطرة هنا هي انعكاس لكثير من المفاهيم الغيبية التي تتحكم في تفسير الناس في عالمنا العربي لواقعهم وحياتهم الشخصية. ففك شيفرة الصور في أعماله أشبه ما يكون بفك شيفرة فنجان القهوة من طريق قراءة الطالع أو وضع تفسيرات عامة بناءً على ملامح الوجه، فكلها تعكس كما يقول «غريزة إنسانية لدينا لاكتشاف الأشياء الخفية وتفسيرها وفقاً لخلفياتنا المختلفة».

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل