المحتوى الرئيسى

جرح الإرهابى والمغتصب والمتظاهر

11/04 23:40

« بهذا الوعيد تنتهى عشرات الآلاف من الحوارات العنيفة يومياً، وقد تتطور إلى تشابك بالأيدى بين إخوانى وغيره أو إخوانية وغيرها فى دواوين الحكومة والبيوت وصالات الأفراح وحتى فى سرادقات العزاء. تصريحات القادة قبل القبض عليهم، والمكايدات على الإنترنت، أنذرت الشعب منذ البداية: «سنحيل حياتكم جحيماً» ولم يكن هذا مجرد تهديد غاضب، فقد تحول إلى سلوك عملى جعل مظاهرات الإخوان لا تخلف وراءها سوى خرابات: الأشجار محروقة وبلاط الرصيف مخلوع، أصص الورد مقلوبة على مداخل إدارات الجامعات، وكميات ضخمة من القمامة يخلفها المتظاهرون أينما احتشدوا. ولم يكن هذا سلوك ثوار 25 يناير، بل العكس تماماً، إذ كان طلاء أفاريز الكبارى وكنس الشوارع أول ما فعلوه بعد تنحى مبارك. ولم تحمل شعارات يناير أى روح انتقامية، بل دعوة بالحب للواقفين بالشبابيك: «يا أهالينا ضموا علينا». تعرف التيارات المدنية الفرق بين النظام والشعب، بين الحكومة ومؤسسات ومرافق الدولة، لكن المظاهرات الإخوانية لا تعترف بهذه الفروق الحقيقية، لأن ما يحركها هو روح الانتقام التى توحد بين المظاهرة والهجوم الإرهابى، على الرغم من اختلاف حجم الضرر فى الحالتين.

مع فرض سلمية المظاهرة فخسائرها تختلف عن خسائر استهداف كمين للجيش أو الشرطة، ولكن إلحاق الأذى بالآخرين توحد بين المتظاهر والإرهابى، وتجمعهما مع المغتصب والمتحرش جنسياً.

الإرهابى يقتل الضحية فعلياً والمغتصب يقتلها معنوياً، المتظاهر يذلها بتعطيل مصالحها وتدمير مظاهر مدنيتها، والمتحرش يذلها باستباحة جسدها. والدافع النفسى واحد فى كل الحالات وهو الإحساس بتلقى إهانة من المجتمع تستوجب الانتقام. وسواء كان هذا الإحساس حقيقياً أم متوهماً، فمتعة القصاص هى الهدف الأول.

لا يستمتع المغتصب بالجنس، ولا يحقق المتحرش ذاته عاطفياً، لكنهما يستمتعان بالانتقام وبإذلال المرأة، لأن أحدهما لم يستطع الحصول على واحدة بالحب أو بالزواج بسبب فقره أو تدنيه الاجتماعى أو افتقاد مهارة التعارف الطبيعى. كذلك لا يستمتع الإرهابى بالقتل بل ينتقم من مجتمع كافر أو على الأقل ساكت على كفر حكامه، ولا يحقق المتظاهر رضا عن نفسه بصفته ممارساً لواجبه الديمقراطى، بل يستمتع بإذلال الشعب لأنه رفض الطاعة غير المشروطة لحكم الجماعة.

ومن السهل إعادة المغتصب والمتحرش إلى المجتمع من خلال الإصلاح الاقتصادى، فالإحساس بالإهانة لدى كل منهما يرتكز على وعى بأنه الأقل فى المجتمع، وأقصى طموحه أن يكون كالآخرين وقد يعترف جزئياً بمسؤولية أسرته التى لم تدفع به إلى المدرسة أو بمسؤوليته الشخصية لأنه تقاعس عن أداء واجبه. لكن الأمر أكثر تعقيداً فى حالة أصحاب الأيديولوجيا الدينية، لأن إحساس الإهانة فى هذه الحالة مؤسس على قاعدة «الاصطفاء» وهذا يعنى أنه الأعلى والمعصوم من الخطأ والمجتمع هو الكافر أو الجاهل، وليس مطلوباً من المتدين الانحطاط والاندماج فى الجهل والكفر، بل على المجتمع أن يصعد إليه تائباً!

هذا الجذر العقيدى والنفسى هو الذى يسقط الحاجز المضلل بين العنيف والسلمى فى الجماعات الدينية، كلاهما يعتقد بأنه «مصطفى» ومنذور لمهمة مقدسة وسط أغيار أقل مكانة، ينبذهم المتطرف ويقتلهم فوراً، بينما يتروى المعتدل ويحاول الهداية أولاً، استناداً إلى أن المنبوذ قد يكون مسكوناً بالشيطان أو بالجهل، وفى حال الإصرار تتصاعد درجات التقويم (من القلب إلى اللسان إلى اليد) لتتطابق فى النهاية مع العقوبات التى يطبقها المتشدد بشكل فورى.

وفى الحرب الحالية، يركز الإرهابى عملياً على المنبوذ العسكرى، فيستهدف كمائن الجيش وجنود الجيش حتى لو كانوا فى إجازة أو فى رحلة لإنهاء إجراءات تجنيدهم، وهو يعلم أن الجيش ليس طبقة مغلقة، فالجنود أبناء الشعب، مع ذلك لا يجد مشكلة فى ذلك القتل العشوائى، فالشعب منبوذ، لأنه وافق على الانقلاب!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل