المحتوى الرئيسى

حرب إستقلال الجزائر .. نسمات الماضي تداعب حاضرنا الأليم

11/01 14:35

تسعة و خمسون عامًا على حرب الإستقلال الجزائرية تهل علينا في ظل أوجاعٍ عربية متعددة تئن لها القلوب و تفكر فيها العقول من أجل الخروج من المأزق المحكم الملتف حول الوطن العربي ما بين كمين داخلي و كمين خارجي تجعل البلاد العربية تبحث عن المفر و المخرج النهائي لتلك الأزمات الطاحنة و هنا كان لإستعادة ذكريات الحرب الجزائرية الإستقلالية خير دليل للإستعانة بنسمات الماضي لكي تزيح عنا خماسين الربيع العربي الذي أصبح خريفًا خماسينيًا ببراثن الداخل و الخارج.

إندلعت شرارة الحرب الإستقلالية الجزائرية بسليقة الثورة المتوهجة للحصول على الإستقلال المنشود منذ العام 1830 و هو العام الذي أحتلت فيه الجزائر من الإستعمار الفرنسي بسبب ضعف داي الجزائر الذي أستسلم للإستعمار الفرنسي يوم 5 يوليه من نفس العام و إذ بإحتلال الجزائر كانت البادرة للإعداد للهيمنة الأوروبية ما بين الأنياب الفرنسية و البريطانية للتغول في قلب البلاد العربية و لكن أتت الجزائر كبادرة مبكرة تعد العدة لعقود مديدة تم فيها وقوع الأراضي العربية ما بين القوتين حيث إحتلال تونس في العام 1881 من قِبل فرنسا و إحتلال بريطانيا لمصر العام 1882 و إحتلال فرنسا للمغرب العام 1912 و دخول الفاشية الإيطالية الأراضي الليبية العام 1911 من أجل إستعادة مجد يوليوس قيصر في القرن العشرين عبر الدوتشي الإيطالي بينوتو موسوليني لتتوالى الشبكة العنكبوتية على معظم البلاد العربية طبقًا لإتفاقية سايكس بيكو العام 1916.

كان للجزائر أسبقية قبل الثورة الكبرى التي بدأت العام 1954 في الأول من نوفمبر و ذلك عبر أحمد باي بايليك قسنطينة  الذي قاد المقاومة الجزائرية المنظمة ضد الإستعمار الفرنسي مذكرًا الجميع بأحمد باشا الجزار والي عكا الذي تصدى للإحتلال الفرنسي في العام 1798 و 1799 و ظل باي قسنطينة مستمرًا في المقاومة عشر سنوات من العام 1830 حتى العام 1840 إلى أن تم القبض عليه و تم تحديد إقامته إلى أن وافته المنية في العام 1848 و كان للأمير عبد القادر الجزائري دور في المقاومة الجزائرية مسجلاً بطولات خرافية جعلت فرنسا تعترف بسلطته على الوسط و الغرب الجزائري مكونًا لبنات الدولة الجزائرية الأولى رغم التسلط الفرنسي مجسدًا أروع البطولات على مدار خمسة عشر عامًا من العام 1832 حتى العام 1847 إلى أن قُبض عليه و أصبح أسيرًا متنقلاً بين بلاد مختلفة حيث المنفى الجبري إلى أن وافته المنية بدمشق في العام 1883 و ظلت المقاومة مستمرة من زعيم إلى زعيم ما بين الشيخ بوزيان و الشريف بوغيلة و فاطمة نسومر و أولاد سيدي الشيخ و الحاج محمد المقراني و مقاومة التوارق بلهقار و الشيخ حمود بن مختار و مقاومة الأغواط و مقاومة الصحراء.

ظلت المقاومة مستمرة من العام 1832 حتى العام 1919 إلى أن ذهب الأمير خالد بن الأمير عبد القادر الجزائري لمؤتمر حق تقرير المصير الذي دعا له الرئيس الأمريكي ليندون جونسون و الذي لم ينتج عن المطلوب لتبقى تلك المقاومات مبروزة في سجلات الخلود إلى أن سمح القدر بإستعادة تفاصيلها و الذي دق عن أجراسه يوم 1 نوفمبر من العام 1954 ليكشر أحفاد أبطال القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين عن أنيابهم في منتصف القرن العشرين للرد على مجازر 8 مايو من العام 1945.

بدأت الحرب في نفس يوم عيد القديس أوجستين حيث العطلة الرسمية للجيش الفرنسي ليتحول العيد إلى لهيب كبير تتناقل أصدائه ما بين الجزائر و باريس و تزداد فرنسا تصلبًا للمقاومة الجزائرية ليخرج وزير الداخلية الفرنسية في ذلك الوقت فرانسواه ميتران قائلاً:

دارت الحرب بين الجيش الفرنسي النظامي و الجيش الجزائري العصابي و كانت الفوارق متفاوتة بين الإثنين من حيث كفاءة التسليح و لكن تغلبت المقاومة الجزائرية على هذا الفارق بإستخدام الحرب النفسية أو السيكولوجية بصفة متكاملة مع العمليات العسكرية.

دعمت مصر الثورة الجزائرية من حيث التسليح و المتطوعين للرد على الجيش الفرنسي المكون من الكوماندوز و المظليين و المرتزقة متعددة الجنسيات و أصبح للثورة المصرية صدى في تحميس الثورات العربية الأخرى من بينها الثورة الجزائرية ليخرج أحفاد عبد القادر و أحمد باي و فاطمة نسومر بأسماء جديدة و لكن بنفس الحماس و الرغبة لتحرير الجزائر و هم أحمد بن بيلا و هواري بومدين و عبد العزيز بوتفليقة و جميلة بوحريد و أحمد بوضياف و تنتشر المقاومة بروحها الشاب للمغرب الذي كان في أوج إزدهار مقاومته بقيادة الملك محمد الخامس و تونس بقيادة الحبيب بورقيبة ليُسدل ستار الإستعمار على المغرب و تونس العام 1956 بعد تنسمهما للرحيق الجزائري.

كان للدعم المصري دور كبير في تحريك عجلة التحرير للأمام و بسبب هذا غضبت فرنسا من هذ التحريك منتظرةً مبررًا يدفعها للهجوم على مصر فكان لتأميم قناة السويس عبر جمال عبد الناصر الحافز للهجوم الذي أتى عبر التصديق الإسرائيلي من فم ديفيد بن جوريون:

على أصدقائنا المخلصين في باريس أن يقدّروا أن عبد الناصر الذي يهددنا في النقب، وفي عمق إسرائيل، هو نفسه العدو الذي يواجههم في الجزائر.

تم العدوان الثلاثي على مصر في يوم 29 أكتوبر من العام 1956 يوم إقتراب الذكرى الثانية للثورة الجزائرية ليكون الحماس مزدوجًا بضربة ثنائية في وجه الإستعمار ليكون ختام حرب العدوان الثلاثي قاصمًا على الإمبراطورية البريطانية و الإمبراطورية الفرنسية التي قاربت على الإنتهاء بعد إستنزافها في معركة السويس و الذي ساهم في تفعيل المقاومة الجزائرية لتقترب السيمفونية من النهاية.

ظل التعنت الفرنسي مستمرًا و لكن بخوار الختام و سكرات الموت العسكري و الإستعماري إلى أن تم الإستقلال يوم 5 يوليه من العام 1962 يوم إحتلال الجزائر ليكون هذا اليوم ممزوجًا بالضحكات و الدموع و ليخرج الرئيس الفرنسي مؤسس الجمهورية الخامسة شارل ديجول يعلن على الشعب الفرنسي هذا البيان:

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل