المحتوى الرئيسى

دعاء سلطان تكتب: خروج آمن للسينما

10/29 02:47

تقرر مصر إقامة دورة جديدة من مهرجان فاشل يُدعى مهرجان الإسكندرية السينمائى.. يستنزف مالًا يقتص من أموالنا نحن دافعى الضرائب، ويهدر جهد وطاقة مَن فيه، كما أنه يستهلك روح مَن هو متاح من الفنانين لو كان رخيصًا، كما كان رخيصًا ذلك الكيان الذى أطل على جمهوره من خلاله.

كانت دورة مهرجان الإسكندرية الماضية عارًا و«عرّة» لمصر، ولم تكن تحديًا للظروف التى تعانى منها مصر كما روّج القائمون على كارثة مهرجان الإسكندرية السابق.

دورة مهرجان الإسكندرية السابقة فشلت شكلًا ومضمونًا، فقد قامت على أكتاف أغبياء ورثوا غباء مَن سبقهم -«ممدوح الليثى نموذجًا، ويبدو أن مَن أقاموا مهرجان هذا العام تلاميذ له، وإن اشمئّزوا من سيرته على سبيل إعلان أنهم محترمون»- ممن أهدروا قيمة مهرجان مهم، وكان يجب أن يكون الأهم من بين مهرجانات المنطقة.

إذن، أقام الفاشلون دورتهم الفاشلة والتى لا «تسوى فى سوق المهرجانات بصلة» وتقاضوا مكافآتهم لينتصروا على اللا شىء! أنفقوا من مالنا الذى هو نتاج ضرائبنا أموالًا فقط، ليثبتوا لنا أنهم فشلة، وإلا فليقل لنا أى من منظمى مهرجان الإسكندرية رد فعل العالم على إقامة هذا المهرجان البحر متوسطى المهم؟!

الإجابة: العالم لم يسمع شيئًا عن هذا الهراء الذى أُقيم.. فقط كسبت المذيعة بوسى شلبى بعض اللقاءات بنجوم مصر لسهرة امتدت ثلاثة أيام فى عيد الأضحى!

وما بين حماس مشوب بمصالح منظمى مهرجان الإسكندرية، وخوف وتراجع منظمى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى -الذى كان وما زال حتى اللحظة واحدًا من بين 11 مهرجانًا يحمل صفة الدولية- عن تنظيمه هذا العام فى كارثة لم يعرف الفن المصرى مثلها، وتهدّد بتراجعنا فى التصنيف الدولى، ومن ثَم اختفائنا من خارطة الفن والثقافة فى الشرق الأوسط وفى العالم على الإطلاق.. فى هذه الأثناء تُقام الدورة السابعة لمهرجان أبو ظبى السينمائى!

كتبت على صفحتى العامة على «فيسبوك» -قبل سفرى بدقائق- والتى وصل عدد مشتركيها حتى اللحظة 393.734، أى ما يفوق الثلاثمئة ألف عضو: أنا فى طريقى إلى أبو ظبى الآن.

رد أحدهم: ابقى هاتى شفيق، وقال آخر: كنت أحترمك إلى أن ظهر انتماؤك إلى شفيق، حتى إنك ستذهبين إلى الإمارات لأجله!

كان من السهل تجاهل مثل هذين الغبيين، ولكن الأغبياء يراهنون على غباء مَن معهم، فقلت لهما: ألا يوجد فى الإمارات سوى شفيق؟!

إنهم لا يعرفون أن فى الإمارات مهرجانًا للسينما، ولا يعرفون أنه مهم، بل إنهم لا يعرفون أنه أصبح الأهم فى المنطقة الآن!

على مدار أربع سنوات أحضر فى نفس التوقيت لمهرجان أبو ظبى السينمائى الدولى.. لا يخلف المهرجان موعده ولم يحدث أبدًا أن أساء التنظيم.

مهرجان أبو ظبى السينمائى فى دورته السابعة ورغم أهمية وقيمة مسابقته الدولية وبقية مسابقاته ماديًّا ومعنويًّا، فإنه ما زال مُصرًّا على تأكيد هويّته العربية.. مهرجان عربى ينتزع عالميته باحترامه السينما العربية وفهمه قيمتها.. هذا العام مثلًا قرّر المهرجان بمنظمين يبدو أنهم واعون تمامًا للبرنامج الذى اختاروه، عمل قسم خاص لمختارات من الأعمال الروائية الأولى والثانية للمخرجين العرب.. يعنى أن العالم الذى اجتذبه مهرجان أبو ظبى بجمهوره الذى يتحسس خطواته نحو السينما، سيشاهد فيلم «الصعاليك» لداوود عبد السيد، و«عرق البلح» لرضوان الكاشف، و«صمت القصور» لمفيدة التلاتلى، و«أحلام المدينة» لمحمد ملص، وغيرها من الأفلام التى ما كنت لتشاهدها إلا فى برامج من هذا النوع فى مثل هذه المهرجانات.. إنه مهرجان يعرف أنه يخطو نحو القمة ولا ينسى أن يعتمد على جذور ثابتة تسند ظهره.. جذور هذا المهرجان هو السينما العربية.

مهرجان أبو ظبى فى دورته السابعة خصص أيضًا جائزة جديدة عنوانها «جائزة حماية الطفل».. عشرون فيلمًا تقدّم لنيل جائزة قيمتها 70 ألف دولار لحماية الطفل لأفضل إخراج، و30 ألف دولار لجائزة حماية الطفل لأفضل سيناريو.

خمسة عشر فيلمًا فى المسابقة الرئيسية للأفلام الروائية، وخمسة عشر فيلمًا آخر فى المسابقة الروائية للعملين الأول والثانى «آفاق»، وثلاثة عشر فيلمًا وثائقيًّا بخلاف مسابقة الأفلام الروائية القصيرة.. جوائز معنوية قيّمة ومادية تسهم فى إضافة حقيقية لدعم السينمائيين الفائزين ودعم السينما عمومًا، مع وجود صندوق سند الذى يموّل مشاريع الأفلام العربية الوثائقية والروائية الطويلة، ويوفّر سنويًّا تمويلًا إجماليًّا قيمته نصف مليون دولار لصانعى الأفلام العرب.

يستهلكنا النظام وتستهلكنا الأنظمة عمومًا، وتزعجنا الأرقام، وتبقى قيمة الأفلام بداخلنا.. المهرجانات السينمائية الجادة تحقّق لنا خروجًا آمنًا من الصراع المؤسف الدائر فى أوطاننا.. تفاعلنا يضمن لها التوهّج والتألّق، ومتعتنا تضمن لها الاستمرار.. مهرجانات لن تستمر إلا بدعمنا، ولن تكتمل إلا برضانا، وإن امتنعنا فنحن الخاسرون.

أول فيلم شاهدته فى أنشطة الدورة السابعة لمهرجان أبو ظبى السينمائى، كان الفيلم البريطانى Philomena «فيلومينا» الذى كان ضمن المنافسين على جوائز مهرجان فينيسيا السينمائى الدولى فى دورته السابقة، وهو الآن من ضمن المنافسين على جوائز المسابقة الرسمية لمهرجان أبو ظبى. جودى دانش.. أو فولومينا المرأة الأيرلندية السبعينية الكاثوليكية جدًّا، تبحث عن ابنها الذى أنجبته وهى فى سن المراهقة وقررت راهبات الدير أن يعرضنه للتبنّى.. تلتقى صحفيًّا متحمسًا وتبدأ معه رحلة البحث عن ابنها.

رحلة إنسانية مفعمة بالأمل والرغبة فى معرفة مصير الابن المخطوف منها عنوة، ثم الخيبة فى منتصفها، خصوصًا عندما نعلم أن الابن قد مات متأثرًا بمرض الإيدز بعد اكتشاف مثليته، وأخيرًا التعافى وانتصار الحياة بتفاصيل حياة الابن الغائب نفسه الذى كان -قبل موته- يبحث عن أمّه أيضًا، وقررت الراهبات تضليله كما ضللوا الأم قبل وفاته وبعدها.

المرأة العادية جدًّا الكاثوليكية المتدينة كادت أن تسقط منا فى منتصف الفيلم بعد علمها بوفاة ابنها، لكن الأمل والرغبة فى الكشف تحيى خلاياها ثانية، فها هى الآن ترغب فى معرفة إن كان ابنها يتذكرها أم لا.. هل يعرف أن له أمًّا أيرلندية تنتظره بعد أن تبنّته أسرة أمريكية؟

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل