المحتوى الرئيسى

عمر طاهر يكتب: 5 مشاهد من كوماسى

10/20 09:54

بعد هدف ابو تريكه اشعل المشجعون بعض الشماريخ فاضاؤوا استادا «بابا يارا» وسط دهشه الغانيين، بعد دقيقه القي احد المشجعين الشمروخ بعد ان انهي مهمته وتحول الي مجرد هيكل شبه محترق، انحني احد افراد الشرطه الغانيه والتقط الشمروخ الفارغ ثم رفعه في وجه المشجع وهو يصيح بمنتهي العصبيه والفزع:

«?‏Do you want to kill me? Do you want to kill me»

اندهش المشجع من (افوره) الشرطي الغاني فقال له نصًّا (كيل يو ايه يا عم الحج.. ات از شمروخ).

كان المشجع يرتدي فانله الزمالك، كنت انقل النظر بينه وبين الجندي المرعوب، علي يساري قليلا كان يجلس بين المشجعين عبد الله السعيد لاعب الاهلي يتابع المشهد بنصف ابتسامه، بينما علي البعد تلوح من مدرجات مشجعي غانا لافتات رابعه، وفي نقطه اعلي شاب نصف عارٍ يحاول ان يعلق علي سور مدرج المصريين علم السويس الذي اسقطه الهواء، في تلك اللحظه احرزت غانا هدفها الثالث.

في مكتب التطعيمات كان يسبقني في الدور وفد من عشرين عاملا مصريا في طريقهم الي الكاميرون، كان اداؤهم مستفزًّا لدرجه اربكت الممرضه ضاربه الحقن، ظلت المناوشات مستمره حتي اتي دوري للحصول علي ثلاث حقن، بعد اثنتين اشتعل الموقف مجددا فتركتني الممرضه وتوجهت ناحيتهم في اشتباك لفظي طال قليلا، وعندما عادت الي سالتني (انت اخدت انهو اتنين؟)، كان السؤال صعبًا والاجابه شبه مستحيله، خصوصا ان جميع الحقن مفروشه بعرض مكتبها، راجعت دفتر الاسماء والعهده، لكنها لم تصل الي اجابه قاطعه، كان هناك حل وسط وهو ان اكتفي بتطعيم ضد مرضين، لا اعرفهما واترك الثالث علي الله، هذا افضل من احتمال الحصول علي جرعه زائده قد تقضي علي الواحد.

ارتضيت بالحل، ثم قضيت الايام التاليه احاول ان اتعرف علي نوع التطعيمات التي حصلت عليها عن طرق مذاكره الاعراض الجانبيه لكل واحد، في كوماسي عرفت ان احدهما كان تطعيم الصفراء من فرط الحمي والرعشه التي سَرَتْ في جسدي صباح يوم المباراه.

علي الرغم من ان اللون الأخضر يشكل ثلث علَم غانا فانه يشكل غانا نفسها، لدرجه انني رايتها تنمو فوق سياره نصف نقل مهجوره بالقرب من الفندق، لكن القاعده انكسرت عندما قررت ان ازور تجمعات المسلمين في (ابا بو) بناء علي كلام احد رجال الازهر الذين التقيتهم علي هامش تمرين المنتخب، وقال ان وضع المسلمين هنا هو الاسوا ماديا علي الاطلاق، وهناك غابت الخضره وظهر التجمع العشوائي، لكن الابتسامه لم تغِب، وكانت صلاه العيد بينهم بها شيء ما من فرحه الطفوله القديمه في مثل هذه المناسبه، صادقت ثلاثه اطفال (عبد الرشيد، وعبد الشديد، وعبد السلام)، ثم قررنا ان نشتري اضحيه، علي ان يكونوا هم الوسيط بيني وبين البائع، في بدايه الصفقه قال البائع انه يريد ثلاثه الاف سيدي غاني ثمنًا للخروف (السيدي باتنين جنيه ونص مصري)، كان احد الاصدقاء الغانيين قد دربني علي اللعبه.. اترك البائع يقول ما يريد ثم حدد انت السعر الذي يرضيك، سيرفضه البائع، انصرف فورا وسيقوم هو بمطاردتك موافقا علي السعر الذي قلته.

من واقع خبرتي ثمَّنت الخروف بـ300 سيدي، تمت الصفقه بالسيناريو السابق، وعدنا بالخروف وشاهدت الاطفال مستمتعين بعمليه غسله بالماء والصابون، لكن لم الحق بقيه مناسك الذبح، لان موعد المباراه اقترب، علي وعد مني بان اعود اليهم بعد المباراه ووعد منهم بان (يشيلوا لي نايبي).

الالام الشديده في الجسم كله جعلتني اعيد التفكير في مساله الذهاب الي الاستاد، لكنني تحملت علي نفسي، وهناك انهارت المقاومه تماما بعد ان هطلت الامطار لاكثر من ساعه تشبعت فيها ملابس الواحد بالماء فاكتملت دائره المرض، وبِتُّ اتابع المباراه كانني احلم، ثم سرعان ما تحول الحلم الي كابوس، بعد الهدف الرابع كنت اشق طريقي خارجا من الاستاد، كانوا قد اكدوا علينا ان لا يقوم احدنا بمثل هذا التصرف وان يلتزم بالبقاء في المدرج الي ان تخرج كل الجماهير الغانيه، لكن الحاله كانت سيئه فخرجت علي غير هدي باتجاه باب الاستاد.

في الطريق الي الباب كانت تمر بالواحد مشاهد كثيره، لاعبو المنتخب الغاني جيراني في الفندق الذين لم ينقطع مرحهم في ردهات الفندق طول الوقت دون حساسيات، بينما لاعبو منتخبنا يختبئون في غرفهم في كل مره يدخل صحفي مصري الي الفندق، المناوشات الضاحكه مع المدير الفني لغانا علي طاولات العشاء المتجاوره، ومشهد ضياء السيد وهو يعنف المصورين المصريين ويطردهم من ارض ملعب التمرين، هذا البلد الرائع الذي يعشق مصر لكن مصر تدير ظهرها له فاحتلتها جامعه ايرانيه وشركات اسرائيليه، بيوت مصريه اعرفها وهي تتابع الماساه تليفزيونيا في اول ايام العيد، التطعيم الناقص وما قد يترتب علي غيابه، هذا المنتخب الذي كسبناه علي ارضه منذ ثلاث سنوات وكيف مرت السنوات الثلاث عليه وعلينا حتي وصلنا الي هذه النقطه.

علي باب الاستاد وجدت مئات مشجعي غانا يقفون يتابعون المباراه عبر سماعات كبيره تذيع التعليق، التقت اعيننا، تذكرت تنبيهات بعدم الخروج، توقفت لثوان، كان واضحا بالنسبه لهم من انا، شخص ما بينهم رفع يده وصفق فبدا الجمع كله يصفق لي بحماس، بينما ابتسامات محبه ما تعلو الوجوه كلها.

بادلتهم المحبه الي ان خرجت من بينهم، كانت شوارع كوماسي خاليه تماما، التقطني مهندس مصري يعمل في اكرا غادر الاستاد قبل دقائق، وكان بالصدفه يقيم في الفندق نفسه فعدنا سويا.

من كوماسي الي اكرا كان الاوتوبيس يضع علَم مصر، في اثناء المشوار رايت عبر النافذه شابا غانيا يقود موتوسيكلا وعلي وجهه ابتسامه عريضه، رفع يده اليمني ولوّح لي بالاصابع الخمسه، كان يحتاج الي اصبع من يده الاخري لتكتمل نصف الدسته، لكنه كلما هم برفع يده الثانيه اهتز الموتوسيكل في يده، حاول ان يفعلها كثيرا ليشير بالسته، لكن الامر كان محفوفا بالخطر، وظل يحاول دون فائده الي ان تجاوزناه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل