المحتوى الرئيسى

مصر الحلوة (21): «أزمة الإمبراطورية»

10/19 22:36

نستكمل معًا حديثنا عن الحكم الروماني وقت ان 20كانت>كانت مِصر وِلايه رومانيه، وقد تحدثنا عن «اوبليوس مقرينيوس قيصر» كاول امبراطور يحكم روما من خارج طبقه مجلس الشيوخ، الذي لم يلبَث طويلًا في الحكم لقيام الجنود عليه وقتله؛ ليُصبح «اُغسطس بسيانوس هيلوغياله» قيصرًا لروما، الذي كثُر ظلمه فطلب اليه الشعب ان يُشرك في الحكم معه «الاسكندر سويرس» ابن زوجه «كراكلا قيصر»؛ فقبِل كارهًا وحاول قتله مرارًا الا ان امره انكشف، وقد قتل بيد الشعب، وتولي الحكم من بعده «الاسكندر سويرس قيصر».

«الاسكندر سويرس قيصر» (222 - 235م)

بعد موت «بسيانوس» نادي اعضاء مجلس روما بـ«الاسكندر سويرس» قيصرًا، لِما راَوه فيه من عدل وحكمه وقت مشاركته «بسيانوس» الحكم، ويذكر المؤرخون انه كان «حسن السيره والسياسه، كامل التدبير، موفقًا في جميع اقواله وافعاله، وكانت امه مسيحيه، وكان يستشيرها في كل الامور، ويطلب نصحها في مشروعاته وافعاله»، وبعد ان اصبح علي عرش روما اخرج صنم الشمس، الذي كان قد اقام «بسيانوس» له هيكلًا عظيمًا في روما، وجعله اعظم الآلهة الرومانية، وجميع الاصنام الغريبه من روما، واباح للرومانيِّين التمسك بدينهم القديم، او الايمان بالمسيحية، وقد عارضه كهنه الاوثان.

اهتم «الاسكندر سويرس قيصر» بسن القوانين النافعه للاخلاق، ونظَّم اقتصاد البلاد وسياستها علي افضل الاحوال. كذلك قرَّب اليه اهل المعرفه والحكمه، وكان يُمضي اوقاته في قراءه الكتب الادبيه، او في التدريبات العسكريه، وكان مفوهًا يعظ الناس بالخطابات والمقالات معيدًا عظمه الدولة الرومانية الي اَوج مجدها، وكان يستشير مجلس روما في امور الحكم كافه، فيما يؤول الي مصالح شعبه؛ الذي كان قد راعاه بتخفيف الضرائب عنه.

ايضًا كان القيصر يؤمن برعايه المواهب؛ فقد خص الصناع بجوائز لحثهم علي التميز في صناعاتهم، وكان يقظًا نشطًا ساهرًا علي امور الحكم، وعلي راس اهتماماته الجنديه؛ فاهتم بتقديم ما يحق لجنوده من طعام وملبس ومال في اوقاتها، ويزور مرضاهم في خيامهم، ومن كلماته: «يجب علي الجندي كمإل ألطاعه بقدر الاستطاعه، ويجب له ايضًا علي الدوله ان يكون حَسَن اللُّباس، جيد السلاح، مستور القَدم، حاصلًا علي قُوته علي الوجه الاتم، وان يكون في جيبه شيء من المال لحاجه نفسه»، وكما كان يوفي الجنود حقهم كان يوفيهم اشد العقاب متي صدرت منهم هفوه. وهكذا وجدت الرعيه راعيًا صالحًا لها، فاقتدت به في اخلاقه وعدله.

وبينما كان القيصر منشغلًا بامور البلاد والرعيه مع الاهتمام بالتجاره والصناعه والقوانين والشريعه، حدث انقلاب في بلاد الامبراطوريه في الشرق.

فقد قام «ازدشير»، راس الدوله الساسانيه، باخضاع بلاد الفرس وما حولها له، وبدا زحفه علي الممالك الرومانيه؛ فاسرع «الاسكندر سويرس قيصر» الي الشرق بجيشه، ولمّا علِم «ازدشير» ارسل السفراء يطلبون اعاده جميع بلاد فارس الخاضعه للامبراطوريه الرومانيه؛ فتعجب القيصر من جَراءته وسار الي قتاله.

وقد كان «الاسكندر» رجلًا وقائدًا وامبراطورًا لا يهاب الموت او يقبل الخطا، فحدث في الطريق لمحاربه «ازدشير» ان بعض العساكر خالفوا نظام الجنديه؛ فقرر القيصر محاكمتهم قائلًا: «ان السكوت عن اهمال الجنود في واجباتهم لهُوَ يزري بشرف المملكه، ويَهدِن (يدفِن) ناموس الامه»، وفي اثناء ذلك تجمَّع بعض الشعب ليرَوا ما سيحدث في امر الجنود، فلما سمِعوا كلمات «الاسكندر» اصدروا ضوضاء رافضين كلماته. وعندما حاول الجنود ضبط الصائحين اشتد غضب الاهالي، ورفعوا السلاح في وجه الامبراطور، فوقف في شجاعه نادره وسْط الجماهير، وقال: «اِغمِدوا سلاحكم، فاني لا اَرهَب التهديد ولا اخشي الوعيد»، فما كان منهم الا ان القَوا سلاحهم، وهابوه جميعهم.

سار القيصر بجيوشه، وانتصر علي «ازدشير»، الذي هرب فزِعًا من امامه، وعاد «الاسكندر سويرس» الي روما منتصرًا، واستُقبل بالافراح في روما، وبعد حين، خرج علي راس جيش لغزو المانيا بعد ان شقت عصا الطاعه علي روما، الا انه عندما وصل فرنسا حدثت فتنه بين جنوده في المعسكر وتقاتلوا، ودخلوا علي الامبراطور خيمته وقتلوه!

امّا عن احوال مِصر في ايامه، فقد ذكر المؤرخون انها كانت ايام ازدهار ورقي وتقدم في العماره والمعارف والعلوم بانواعها وتفرعاتها من اداب وفلسفه، ثم ملك من بعد «الاسكندر سويرس قيصر» ماكسيمينوس قيصر.

«ماكسيمينوس قيصر» (235 - 238م)

ذكر الكُتاب والمؤرخون عن «ماكسيمينوس قيصر» انه كان ضخم البِنيه بشكل ملحوظ حتي انه كان قريبًا في جسمه الي العمالقه! فقد وصفه البعض في اقواله بطول قامته، التي امتدت الي مترين ونصف المتر!! امّا عن مظهره فكان مرعبًا لكل من يراه، وقوَّته كانت فوق العاده لدرجه امكانه تحطيم شجره بيديه!!

وقد التحق بالجيش في ايام الامبراطور «سفروس قيصر» بحادثه عجيبه؛ عندما تقدم الي الملك للعمل لديه، فلما راي شكله وضخامته امر بان يصارع جنوده، فهزِم منهم عددًا ليس بقليل، فقام بضمه الي الجيش، امّا عن شغره المناصب الرفيعه في الجيش، فلم يكن قد وصل اليها حتي حكم الامبراطور «الاسكندر سويرس قيصر»، الذي نصَّبه قائدًا علي احد الجيوش، وقد ظهرت مهارته الحربيه في حرب الفرس، وبعد موت القيصر نادي به جنوده ملكًا، ثم سرعان ما انضم اليهم باقي الجيوش، ثم مجلس شيوخ روما، فصار قيصرًا علي روما.

الا ان العجيب في الامر ان «ماكسيمينوس قيصر» هو اول امبراطور لروما لم تطا قدمه روما، كما انه اول اباطره «الثكْنات» او الاباطره العسكريين، الذين حكموا روما في الفتره من 235م الي 284م خلال الازمه التي تعرضت لها الامبراطوريه الرومانيه، وكان عددهم 14 امبراطورًا، وكان اباطره «الثُّكْنات» لا يستطيعون التباهي باسماء عائلاتهم، او وظائف بارزه يشغلونها، وانما كل ما يملكون فقط هو وظيفتهم العسكريه

والاسلحه، التي يحملها جنودهم.وقد كان «ماكسيمينوس قيصر» ظالمًا عنيفًا غير عادل يقتُل بلا مبرر؛ فقد كان يكره نبلاء روما؛ خاصه من كانوا يساندون الامبراطور السابق فقام بقتل عدد غير قليل منهم، وعامل بكل قساوه كل من شعَر بالرِّيبه في انه يريد التخلص منه بتدبير المؤامرات، وكانت هناك محاولات للتخلص منه الا انها باءت بالفشل.

وتُعد بدايه حكم «ماكسيمينوس» بدء ما اُطلق عليه «ازمه القرن الثالث» او «ازمه الامبراطوريه»، التي تعرضت لها الامبراطوريه الرومانيه ما بين 235 و248م، التي تسببت في حدوث ثلاث مشكلات في ان: الغزو الخارجي علي الامبراطوريه، والحرب الأهلية داخل البلاد، والانهيار الاقتصادي.

وقد اغدق القيصر العطايا علي الجنود في مقابل الضرائب، التي فُرضت علي الشعب، وكان جامعو الضرائب يستخدمون ابشع السبل في جمع هذه الاموال من الشعب، وقد اضطهد «ماكسيمينوس» المسيحيين بعنف شديد، معتبرًا اياهم اعداء لروما، حتي انه قتل منهم عددًا كثيرًا جدًا؛ وكان معظم الشهداء من الاساقفه والقساوسه، الذين كان يامر بالقائهم للوحوش الضاريه.

ومع ظلم القيصر الشديد وكراهيته العدل، قام عليه الجنود والشعب وخلعوه وملَّكوا عليهم الملكَين «جورديان الاب» و«جورديان الابن»، وقد كانا من عائلات روما النبيله، التي تعيش في افريقيا في قرطاجنه (المغرب)، وكانا لهما الصيت الحسن حتي انهما بعد حدوث ثوره في افريقيا ضد الظلم الروماني نُصِّبا امبراطورين؛ وهو ما جعل مجلس شيوخ روما يُطلق عليهما لقب «اُغسطس»، وبينما «ماكسيمينوس» يستعد لمحاربتهما لاستعاده عرش روما، كان «كابيليانوس» احد الوِلاه الرومانيين يخرج لمقاتلتهما، فهُزما وقتلا كلاهما.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل