المحتوى الرئيسى

فيصل جلول يكتب: فرصة مصرية لرفع رؤوسنا

10/16 14:51

تشهد مصر منذ الاطاحه الشعبيه بنظام “الاخوان المسلمين” تزامناً دقيقاً بين ردود الفعل الغربية المؤيده للرئيس المخلوع محمد مرسي وبين ردود الفعل الامريكيه والاوروبيه الضاغطه علي الحكومه المصريه الجديده.

ويصل الامر احياناً الي اعتماد اللغه نفسها والحجه نفسها من قبيل: احترام الديمقراطيه. او شرعيه صناديق الاقتراع . او التعبير الحر الخ  . واذا كان مفهوماً ان يلجا “الاخوان المسلمين” الي هذه المعايير للدفاع عن حكمهم الفاشل طوال ما يقارب العامين فمن الصعب اعتماد المعايير نفسها كوسائل ادانه للحكومه المصريه من طرف الديمقراطيات الغربيه التي تدرك جيداً ان شرعيه الحكومات تضمنها سياساتها وليس صناديق الاقتراع، وان التعبير الحر ليس حقاً مقدساً الا لمن ينضوي ضمن منظومه ديمقراطيه متكامله .

والمدهش في هذا التزامن هو لجوء الولايات المتحدة الامريكيه والاتحاد الاوروبي الي اجراءات اقتصاديه ولوجستيه ضاغطه وبالتالي اشتراط سلوك سياسي علي الحكم المؤقت ودعوته لاتخاذ اجراءات او قرارات لا رغبه لديها في اتخاذها او لحمله علي الرجوع عن قرارات اتخذها واخر الضغوط  المعبره في هذا المجال كان تجميد اجزاء من المعونه العسكريه الامريكيه الي مصر كرد علي حل “جمعية الإخوان المسلمين” .

تفضي المواقف الغربيه والامريكيه بخاصه الي استنتاج مفاده ان شرط العلاقات الغربيه الحسنه مع مصر رهن بموقف الحكومه المصريه من الاخوان المسلمين ان عادت عن قرارها حل التنظيم الاخواني، تعود المعونه الامريكيه الي سابق عهدها، وان عاد مرسي الي قصر الاتحادية تنتهي كافه اجراءات التجميد والتهديد باجراءات اضافيه . . بالانتظار لا تقول امريكا ولا اوروبا شيئاً يذكر عن الاعتداءات التي تطال الجيش المصرى في سيناء والتي تصنف وفق معاييرها في خانه الارهاب، وقد جاء خطاب أيمن الظواهري الاخير حول مصر ليقطع الشك باليقين .

يطرح التزامن الواضح بين ردود فعل الاخوان وردود الفعل الامريكيه والغربيه سؤالاً كبيراً حول دوافع الامريكيين والغربيين الحقيقيه فهل يدافعون حقاً عن قيم ديمقراطيه يحبونها لمصر ولانفسهم ام انهم يلتزمون اتفاقات او تعهدات قطعوها للاخوان في سياق ما سمي ب “الربيع العربي”؟

حول الشق الاول من السؤال يجدر بنا فحص القيم التي يزعم الغربيون الدفاع عنها في مصر في ضوء التجارب الغربيه نفسها، ولنبدا بشرعيه صناديق الاقتراع هل هذه الشرعيه مطلقه وهل توفر سنداً مطلقاً لحكم ما؟ يفيدنا الجواب في التجربه الفرنسيه بمثال واضح حول هذه المساله . فقد انتخب نابليون الثالث رئيساً للجمهوريه الثانيه في باريس، وفور انتهاء ولايته قلب الجمهوريه الي نظام امبراطوري مستنداً الي شرعيه صناديق الاقتراع ومحاججاً خصومه بالقول اريد لفرنسا نظاماً امبراطورياً بوصفي رئيساً شرعياً انتخبت بواسطه صناديق الاقتراع . وفي المانيا جاء ادولف هتلر بواسطه صناديق الاقتراع وكان نجاحه شرعياً تماماً وصنع ما صنعه وما بات معروفاً للقاصي والداني بوصفه رئيساً شرعياً . ولعل فضيحه ووترغيت في الولايات المتحده الامريكيه نفسها تفيد بان صناديق الاقتراع ليست ضمانه لرئيس منتخب اذا ما تبين ان الوصول الي السلطه قد تم بوسائل غير ديمقراطيه، ما يعني ان صناديق الاقتراع هي في الاصل وسيله لمباركه سيروره سياسيه والتعبير عن الاتفاق حولها، فاذا ما تبين ان هذه السيروره قد خرجت عن قواعد اللعبه المتفق عليها وان الشعب عبّر في الشارع بحشود مليونيه عن رفضه للخروج علي تلك القواعد وعن رغبته بمعاقبه الخارجين عليها عبر نزع الثقه عنهم، فان صناديق الاقتراع لا تحميهم ولا تعيدهم للحكم وهو ما وقع حرفياً لنظام الرئيس المخلوع محمد مرسي .

اما التعبير الحر فهو كشرعيه صناديق الاقتراع ليس حقاً مطلقاً مجرداً من كل شرط ولنا ايضاً في التجارب الديمقراطيه الغربيه امثله معبره . ففي الولايات المتحده انتشرت المكارثيه كالنار في الهشيم في مطلع خمسينات القرن الماضي واعتقل ناشطون ومثقفون وفنانون كثر لانهم عبروا عن ارائهم او عرفوا بميولهم اليساريه ومنع اي كان من التعبير عن الافكار الشيوعيه وانتشرت في امريكا محاكم تفتيش عن الافكار، ومنعت افلام سينمائيه وكتب ومسرحيات، وفرضت رقابه مسبقه علي نصوص واعمال فنيه، وكل ذلك لحمايه نظام سياسي اعتبر اهله انه عاجز عن مواجهه الافكار الشيوعيه، وان اليسار سينتصر لو تم الالتزام بالتعبير الحر . وفي فرنسا لا يسمح مطلقاً بانشاء محطه تلفزيونيه لاي من الجماعات النازيه او الاصوليه، وقد جري نقاش طويل اواخر القرن الماضي حول حل الجبهه الوطنيه المتطرفه التي يحجم دورها دائماً في المعارك الانتخابيه ولا يتاح لها التوسع عبر قانون انتخابي مناسب لها . وفي بريطانيا تدور اللعبه الديمقراطيه حول حزبين يحتكران التعبير الحر والتشريع وصناعه الرأي العام بحيث يبقي حزب الاحرار ثالثاً وضئيلاً وبلا فرصه جديه للوصول الي الحكم .

اكتفي بالاشاره الي هذين المعيارين اللذين يستخدمان في مصر لادانه الحكومه الحاليه وللمطالبه بعوده الرئيس المخلوع الي قصر الاتحاديه، فهل تنتهك مصر الشرعيه عندما تختار بواسطه ملايين البشر طي صفحه الحكم السابق وفتح افاق اخري امام كل المصريين لاختيار دستور جديد ورئيس جديد انسجاماً مع رغبه المنتفضين وتطلعاتهم؟ عندما يقول ملايين البشر لرئيس: مش عايزينك . . يجب ان يبادر الي تقديم استقالته والا ينتظر تدخل الجيش لخلعه تعبيراً عن اراده ملايين الناس .

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل