المحتوى الرئيسى

«الجزيرة».. سلاح قطر لدعم «القاعدة» والإخوان وتصدير الموت للعرب

10/11 09:45

سنة 1994، وذلك بعد سنتين من قيامها، بسبب الرقابة التى طالبت بها المملكة العربية السعودية، فانضم لـ«الجزيرة» العديد من العاملين فى المحطة البريطانية.

كانت قطر تتصيد الفرصة، تراقب عن كثب ما اعتبره القطريون تضييقات تتعرّض لها القناة بالسعودية، فتلقفتها وفرشت لها البلاط، هذا هو السلاح الذى تبحث عنه قطر، الذى يبحث عنه حمد بن جاسم وحمد بن خليفة، فقطر دولة صغيرة لا منبر ولا نفوذ ولا قوة لها، من كان يتصور أن قطر ستصبح معروفة لدى العالم عن طريق القناة؟ حتى إنه قيل: «القناة التى أسست دولة وليست الدولة التى أسست قناة».

ضمت «الجزيرة» أغلب المغضوب عليهم والمطرود

كل هؤلاء جمعهم الحمدان بن جاسم وبن خليفة، وكونا منهم قناة. هدفت «الجزيرة» إلى تحقيق الاكتفاء الذاتى بحلول عام 2001 من خلال الإعلانات، ولكنها فشلت بسبب إحجام المعلنين السعوديين عن التعاقد معها، فوافق الأمير على الاستمرار فى تقديم دعم سنوى يقارب 30 مليون دولار.

* منبر من لا منبر له

وكّلت «الجزيرة» نفسها للدفاع عن الضعفاء والمهمّشين والمعذبين فى الأرض، هى هكذا تُوهم المشاهد، فهى لم تخرج مطلقاً من عباءة البلاط الأميرى.. وهى بالأساس منبر قطر التى لم يكن لها منبر أو شأن من قبل، ليس أدل على ذلك من أن مشيخة قطر التى لولا الغاز والنفط لكانت جرداء قاحلة.

إن عُقدة الإحساس بالنقص ولّدت أزمة نفسية لدى مشيخة قطر، فهى مستهدفة من كل الاتجاهات، وكل الطرق تؤدى إلى الدوحة، ثم إن الشأن الداخلى والوضع السياسى والأمنى الخطير شجّع الدولة على القيام بشىء ما يمكنه أن يُلهى العالم عما يحدث فى قطر، فكثرة الانقلابات والغدر والمؤامرات كانت خبز الصحف الصفراء، وقد ضاق الحاكمون بأمرهم من عذاباتهم وغسيلهم ينشر على الملأ.

* تصدير الموت والفتن للعرب

عملت قطر على تصدير أزماتها وخلق أزمات بالدول العربية، لم نلحظ دولة ناقمة على الدول العربية كمشيخة قطر، صناعة الأزمات ستريح الحاكمين بأمرهم فى قطر، وستجعلهم يستمتعون بما يحدث للآخرين، فهذا شر وجب توزيعه، مشيخة تجنّد قناة وتضخ فيها المليارات من أجل صناعة أزمات بالدول العربية، من أجل الموت وتحريك آلة الفتن والخراب والتحريض المباشر على التقاتل، رأينا ذلك فى العراق وفى الحرب الأهلية الدائرة بالجزائر، وفى أحداث سيدى أفنى بالمغرب، وفى أحداث الحوض المنجمى بتونس، ثم عايشنا التحريض المباشر فى الثورة التونسية، وما حدث فى مصر ويحدث فى ليبيا اليوم واليمن وسوريا.

كل هذا لم يأتِ من فراغ، فهو مخطط له منذ بُعثت قناة «الجزيرة»، فهدفها هو تخفيف الضغوطات على البلاط الأميرى وصناعة الأزمات بدول الجوار، مما يسهم فى إلهاء الناس بأحداث جانبية، قد لا ترتقى فى أكثر الأحيان لدرجة الخبر.. «الجزيرة» مصنع لفبركة الأزمات وإدارتها، تتحكم فى وقت إشعالها وإخمادها.

«الجزيرة» منبر من لا منبر له، جُعلت لتكون سلاح قطر الخارجى، وكذلك منبر الإخوان المسلمين وجماعة القاعدة، تخصّص لهم المساحات والبرامج المباشرة لإشعال الفتن وللركوب على الثورات العربية، ساندت حركة النهضة فى تونس، هذه الحركة التى لم يكن لها دور يُذكر فى الثورة التونسية، بشهادة أحد مؤسسيها راشد الغنوشى، ثم كيف أنها بعد ذلك صنعت من هذه الحركة الفتيل الذى أوقد الثورة التونسية، حتى إن «الغنوشى» نفسه لم يجد بُداً من مسايرة القناة فيما تبثه من دعاية لهم، فصدق الرجل فعلاً أنهم أسهموا فى الثورة، وقال حرفياً: «أنا أسهمت فى الثورة والنهضة أسهمت فى الثورة».

والحال أن الجيل الذى قام بالثورة هو جيل ما بعد هروب راشد الغنوشى، لم يسمع مطلقاً بهذا الشيخ ولم يعرف عنه وعن حركته شيئاً، وقد قال فيه «الغنوشى» على قناة «الحوار» إنه: «جيل بن على، تربى فى حضن بن على.. ثم ثار عليه».

لقد عوّدنا «الغنوشى» على تضارب أقواله، يجيد تقنية الخطاب المزدوج، يُظهر عكس ما يُبطن ويبطن عكس ما يظهر.

سياسة «الجزيرة» الإخبارية هى البحث عن الفتن وإن لم تجدها فالواجب صنعها، تورطت فى العراق حتى اختلطت عليها الأمور.

وبإمكان قطر أن تضحى بجميع مصالحها مع الدول المجاورة وحتى مع الشيطان نفسه، لكن لا يمكنها أن تضحى بعلاقاتها وبمصالحها مع الولايات المتحدة، فهى الضامن لوجودها والحامى لكيانها، إن الجرعات الزائدة قد تؤدى إلى التقيؤ، ويمكن أن تؤدى إلى الموت. اقتربت قطر من بعض الخطوط الوردية، فقرصتها أمريكا من أذنيها وتطاولت على «سيادتها» وتصرّفت معها كتصرف الأطفال الصغار. إن لم توقفوا سكرتكم وتفتحوا عيونكم وتشغلوا عقولكم «سنفتح خطاً مع الأمير المخلوع خليفة»، ما يعنى ذلك إمكانية إرجاعه للحكم.

مثل هذا يعد اعترافاً من وزير خارجية قطر بتعرضه إلى نقد شديد من قِبل البيت الأبيض، بسبب تغطية «الجزيرة» للحرب فى العراق، فى وقت ذكرت فيه مصادر صحفية سعودية أن مسئولاً أمريكياً أشار إلى إمكانية فتح خط مع حاكم قطر السابق الشيخ خليفة المقيم فى السعودية، وهو الأمر الذى دفع وزير خارجية قطر إلى التعهد بإجراء تغييرات على أسلوب المحطة والموافقة على إبعاد بعض العاملين فيها.. وكان حمد بن جاسم وزير الخارجية القطرى، قد صرّح للصحف الأمريكية بأنه سيسعى إلى أن تعيد قناة «الجزيرة» الفضائية الإخبارية النظر فى تغطيتها للأوضاع فى العراق بعد أن شكت واشنطن من أنها غير دقيقة ومعادية للأمريكيين «ولكننا سننقل هذا القلق إلى (الجزيرة) وعليهم أن يعيدوا النظر فيها لأننا نريد من (الجزيرة) أن تكون احترافية ولا نريد من أحد أن يُرسل أكاذيب أو يرسل معلومات خاطئة».

قدّم جورج بوش خدمة دعائية لـ«الجزيرة» كان متفقاً عليها، كلنا يتذكر الخبر العاجل الذى بثته «الجزيرة» عن تخطيط «بوش» قصف «الجزيرة»، انطلت الحكاية على المشاهد العربى وارتفعت أسهم القناة وجلبت متعاطفين جدداً وكثراً لبرامجها.

لم يكن وراء إطلاق هذه الكذبة المخابراتية إلا لفت أنظار المشاهدين إلى «الجزيرة» بعد أن أصبحت الأنظار تتوجه إلى قناة «العربية»، وبعد اكتشاف المشاهد الدور المشبوه الذى تقوم به «الجزيرة» كان لزاماً خلق دعاية بهذا الحجم، حتى يطمئن قلب المشاهد العربى ويواصل نومه وتواصل «الجزيرة» استبلاهه وتنويمه والعبث بمستقبله وبأمنه.

لو كانت أمريكا منزعجة مما تبثه قناة «الجزيرة»، مثلما أوردنا سابقاً، لا تحتاج إلى توجيه ضربة لها، بل تستطيع الضغط على أمير قطر لتغلق خلال ساعات، ولكن قناة «الجزيرة» تخدم أمريكا كما كان يخدمها «بن لادن والزرقاوى»، فكلما تأجج الوضع بالعراق وسيتأجج حتماً بالمنطقة بحكم البوادر الجديدة، فإن أمريكا سوف تبقى بالمنطقة وستلتحق بها فرنسا الجديدة.

كل ما نخشاه هو ألا تخرج علينا هذه القناة بتخطيط «بن على» لاختطاف أحمد منصور أو فيصل القاسم، ومن يدريك فقد يظهر للجماعة أن بابا الفاتيكان طلب رأس «القرضاوى» أو أن «أوباما» سيقصف قطر بضربة واحدة وسيقبض على مالكى القناة.

الرأى والرأى الآخر، تعنى وفق مبادئ العمل الإعلامى سماع رأيين مختلفين، يمثلان وجهة نظر لموضوع واحد، لكن مذيعى «الجزيرة»، خصوصاً قسم الأخبار لا يريدون سماع إلا رأى واحد، وهو الرأى الذى تريد القناة تبليغه، خدمة لأجندة معينة، يتصلون بك كمحلل سياسى، وبمجرد المباشرة فى إبداء رأيك، وقد يكون مخالفاً، والأصل فى الأشياء أن يكون تدخلك معبراً عن وجهة نظرك لا وجهة نظر القناة التى من المفروض ألا تكون لها وجهة نظر، وأن تلتزم بالموضوعية والحياد الأخلاقى، فجأة ينقطع الخط، ثم يردّدون الجملة الشهيرة «ألو.. ألو.. هل تسمعنا.. لا نسمعك.. لقد انقطع الخط».

لا تستقبل القناة إلا الاتصالات الواردة من معارضين فقط للحكم، وأما غيرهم فلا تسمح لهم بطرح رأيهم وتقطع عنهم الاتصال لأسباب يخجل الواحد من اللجوء إليها، حدث هذا مع متصلين من تونس ومن مصر ومن ليبيا، ففى ليبيا مثلاً ظهر انحياز قناة «الجزيرة» الكامل للمتمردين، حيث قدّمت على مدار الساعات والأيام معارضين ليبيين على أنهم محللون سياسيون، كما اكتفت بشهادات الكثيرين عبر الهاتف وتقديمهم كشهود عيان، فقد ثبت أن الاتصالات وردت من خارج ليبيا، ومن طرائف إعلام «الجزيرة» المهزلة أن قدّمت متصلاً قالت عنه إنه شاهد عيان من مدينة «الزاوية» الليبية، وهو على بُعد أمتار من الحرب الدائرة، فى حين ثبت أنه أحد المتمردين الجالسين تحت جذع نخلة ببنغازى، إضافة إلى منع بعض المحللين السياسيين البارزين الذين كانوا يظهرون على القناة، لأن لهم رأياً آخر، كما عملت على تحجيم وتقزيم وقطع الاتصال عن أصوات داعية للمصالحة والحوار، فى حين وفّرت وقتاً إضافياً للأصوات الداعية لمزيد من الفتن والقتل.

مل المشاهد من هذه الحكاية الركيكة، فالواجب تغيير التكتيك حتى لا يصبحوا أكثر مسخرة، الخرجة الجديدة، أصبح قسم الأخبار يتصل بالمشارك المفترض مسبقاً، يطرحون عليه بعض الأسئلة، ليس لإبداء الرأى وإنما للاستدلال، بمجرد أن تقع فى الفخ وتبدى رأيك الذى يكون مخالفاً لما يريدون تمريره، يشكرونك ويقولون لك: «سنتصل بك قريباً».. ويندثرون.

لقد حدثت مثل هذه الأشياء معى شخصياً، حيث وقع الاتصال بى من قسم الأخبار خارج البث فى الأيام الأولى من هروب «بن على»، فأرادوا معرفة رأيى فيما يخص حل التجمع الدستورى الديمقراطى، أبديت رأيى دون تشنّج أو عاطفة، فقلت إن حل الحزب لا يكون إلا بقرار قضائى وليس بقرار من جهة حزبية أو نقابية، كما أنه قانوناً لا يمكن منع الحزب من النشاط، لكن مع إمكانية فتح ملفاته والتحقيق فى التجاوزات لحين استصدار قرار قضائى، فهموا توجهاتى التى لم تكن أكثر من قانونية وعقلانية. الظاهر أن إجابتى التى تعكس ما أؤمن به لا تخدم هدفهم وهدف حركة النهضة التونسية التى تبنّوا برامجها، قال لى المذيع: «شكراً لكم سيد سامى، سنتصل بكم قريباً».

مثل هذه السيناريوهات تتكرر على المداخلات المباشرة، فكثيراً ما تقطع «الجزيرة» أثناء تغطية ما، المكالمة الهاتفية دون مقدمات. من ذلك قطعها الاتصال لأحد المشاهدين حين وجّه بكل أدب عتبه ولومه إلى قناة «الجزيرة» الفضائية على تغطيتها الأحداث المصرية، مما جعل مقدم برنامج القناة يسارع إلى قطع الاتصال، قائلاً: «أعتقد أن ما تقوله ليس مناسباً فى هذه التغطية، شكراً لك أخى الكريم، أعتذر لك».

مثل هذه التصرفات التى تنم عن عقلية إقصائية وانتقائية بما يخدم أسس برنامج معين محدد سلفاً، أثار لدىَّ تساؤلات عديدة يفرضها واقع القناة، لا سيما أنها القناة التى تنادى بحرية الرأى والرأى الآخر، وارتفاع سقف الحرية لديها، كما تدعى.

«أكثر من رأى» «الرأى والرأى الآخر»، «الاتجاه المعاكس»، «منبر من لا منبر له».. للوهلة الأولى تبعث هذه العناوين على الموضوعية والتوازن فى المداخلات والوقوف بحيادية، جل برامج الجزيرة الحوارية تتخذ عناوين لا تعكس فى جل الأحيان المضمون.. هى مسألة مقصودة واختيرت بعناية فائقة، تدخل فى تكتيك «صدمة المشاهد» الذى يحفظ العنوان والمقدم ولا يحفظ المحتوى، فهو يبقى مشدوداً فقط للعنوان الذى يحيل إلى قيم ومبادئ عظيمة، فى حين يظهر العكس تماماً فى محتوى البرنامج، مؤامرات ودسائس وفتن وخلاء للأوطان وقطع للنسل.

الفضيحة ستكون مدوية عندما تأتى من نفس العنوان ومن نفس البرنامج، جل المتابعين يعرفون أن «الجزيرة» منغمسة فى المشروع الإيرانى، فهى تنفذ أجندة إيرانية فى المنطقة، فى إحدى حلقات برنامج «أكثر من رأى» استضاف المذيع «سامى حداد» فى لندن العميل السابق «وفيق السامرائى» والعميل الحالى «موفق الربيعى» وشخصية أخرى، وكان الحديث يدور حول تفجيرات الأربعاء الدامى والاتهامات العراقية لسوريا، وفى منتصف الحلقة، وبينما كان الكلام مخصصاً لوفيق السامرائى، حيث يطرح أسئلة تهكمية عن سبب تغاضى المالكى عن تسمية إيران فى جرائم كثيرة، وبعد أن بدأ بسرد تلك الجرائم الإيرانية بحق العراقيين وبعد أن ظهر أن إيران متهمة أكثر من سوريا، فجأة، ورد اتصال من إدارة القناة إلى «سامى حداد» يطلب منه إنهاء الحلقة، تعجب «سامى حداد» وتلعثم، وقال بصراحة إن الإدارة فى قطر تطلب منه إنهاء البرنامج مباشرة لسبب يجهله، وهكذا تم فعلاً إنهاء البرنامج، حيث قال «سامى حداد» بالحرف الواحد: «دكتور عماد يبدو أن المركز فى قطر يريدون أن ننهى البرنامج لا أدرى لماذا، وربما هنالك بعض الأخبار الطارئة».

والغريب أنه بعد إنهاء البرنامج قبل وقته الأصلى بربع ساعة تقريباً لم يظهر أى عنوان عاجل! بل اكتفت «الجزيرة» بعرض برنامج بسيط عن الطقس، وعن «حدث فى مثل هذا اليوم»! فهل وصل الحال بقناة الجزيرة أن تكتم حرية الرأى بهذا الشكل الصارخ إذا ما تعرض أحد بنقد إيران «المعصومة»؟، وما دلالات هذا السلوك الغامض ضمن مشروع الإسلام البديل؟

منذ ذلك الوقت اندثر «سامى حداد» واندثر برنامجه الذى عُوض ببرنامج الملف، الذى يقدمه «سامى كليب» فى نفس المساحة الزمنية، والذى بدوره استقال من القناة فى شهر يوليو 2011، تاركاً وضاح خنفر فى ورطة كبيرة، لا شك أن الانفصالات التى تعرفها «الجزيرة» اليوم تعود لوعى المستقيلين بالآثار الخطيرة التى ستحدث من ذلك حال شروع بعض المؤسسات الحقوقية الدولية فى مقاضاة «الجزيرة» وبعض من مذيعيها.

دور «الجزيرة» -النظام القطرى- فى قلب أنظمة الحكم

منذ سنوات وقطر تتحرش بتونس ومصر، تحرشت فى وقت من الأوقات بالسعودية، لكن تراجع ذلك التحرش لعدة أسباب، وهى مجاورة السعودية لقطر من جهة وكذلك لإمكانية شن السعودية هجوماً على قطر، وقد كان أن نشرت جيشها سنة 1995 إبان انقلاب حمد على والده خليفة، فهى تملك العديد من الملفات الحساسة التى بإمكانها استعمالها أو كذلك إمكانية تأليب والده عليه.

لقد شحنت «الجزيرة» التونسيين منذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة وبثت العديد من المداخلات من بعض المعارضين الكلاسيكيين وكذلك من مغمورين وصفتهم بالمحللين وبمناضلى حقوق الإنسان الذين خلقتهم الظروف.

لم تكن هذه المداخلات لتخلو من الدعوة للتهييج وللعصيان المدنى. جندت «الجزيرة» جميع وسائلها لقلب نظام بن على، فهى كانت القناة الوحيدة فى العالم التى تبث مقاطع الفيديو بصورة متواصلة دون انقطاع، الشىء الذى أدى إلى تشنج الجمهور من جهة وتشنج النظام من جهة أخرى، وهو الذى وجد نفسه أمام اجتياح عارم عجز عن مقاومته بحرفية بعيداً عن القمع والتقتيل.

اليوم بعد هدوء العاصفة لم يكن البوعزيزى أول أو آخر من انتحر، بل سبقه إلى ذلك الكثيرون الذين لم يكن الإعلام يبلغ عنهم أو يتناول مشاكلهم، أناس انتحروا جراء انسداد الآفاق وانحباس الأنفاس، لكن، لماذا كان انتحار البوعزيزى هو الذى أطلق الشرارة؟ كان يمكن أن يمر انتحار البوعزيزى دون إثارة أى جلبة لو مثلاً بكرت السلطة التى كانت قائمة بمعالجة الموضوع نهائياً، فوفق الأيام الأولى لم يكن يدور بخلد بعض أبناء سيدى بوزيد غير تكوين لجنة للتحدث للوالى وبسط مشاكلهم، لكن كيف تطورت الحكاية إلى أكثر من ذلك؟

يتحمل نظام «بن على» المسئولية الكبرى، لعدة أسباب موضوعية، أهمها عدم تعوده على الحوار مع المواطنين وتحسيسهم بقيمة المواطنة، وعدم نزول المسئولين إلى المواطن والالتصاق به لمعرفة مشاغله، فكل مسئول ولو كان «عمدة» فهو يحسب نفسه السلطة المصغرة لـ«بن على»، لا يعرف إلا التهديد والوعيد.

نوم نظام القذافى فى العسل

لم ينتبه القذافى إلى سر المهمة القطرية والجزيرة وفرنسا ساركوزى، فتصرف باستعلاء ولم يستعجل الإصلاح أو اتخاذ سياسة مجابهة للقناة.

تتوفر بليبيا قرابة 5 قنوات فضائية متعددة المهام والوظائف لم تقدر منذ سنين على شد انتباه المواطن الليبى، كلها تدور فى نفس الدائرة وتعيد نفس الاسطوانة.

استفاق سيف القذافى باكراً وأراد تأسيس إعلام جديد وقد كان تأسيسه لقناة «الليبية» منعرجاً فى المشهد الإعلامى الليبى حيث بدأت القناة فى اكتساب شعبية كبيرة فى ليبيا على حساب القنوات الحكومية الأخرى.

سرعان ما أجهز بعض المحيطين بالقذافى من الحرس القديم بغبائهم تجارب ومشاريع عدة بدأت تظهر، موغلين صدر القذافى بأن ابنه ينوى تغيير أسس المجتمع الجماهيرى السعيد بأخرى أكثر انحلالاً وأكثر حرية، لقد كانت الضربة القاسمة لمشروع سيف الإسلام القذافى التحررى عند تعاقده مع المذيع المصرى «حمدى قنديل» وذلك لتقديم برنامج «قلم رصاص» على قناة «الليبية» يعرى فيه الحقائق العربية، الشىء الذى جعل الرئيس المصرى مبارك يتدخل لدى القذافى ليوغر صدره على سياسة ابنه الجديدة.

ذات صباح باكر على غير عادة الليبيين، توجه القذافى إلى مقر قناة «الليبية»، أقفلها ووضع مديرها «عبدالسلام المشرى» بالسجن لساعات.

وفى مرحلة ثانية وقع تغيير طاقم القناة، ألغيت برامج كانت تشد المشاهد، وكانت تلك علامة شؤم ستظهر انعكاساتها على مجموعة «الغد الإعلامية» التى نجح «سيف» فى أن يستقدم إليها بعض وجوه المعارضة الليبية من الخارج للعمل بها وإدارتها مثل «سليمان دوغة» و«فائز سويرى».

حاول سيف الإسلام بعد تأميم قناته من طرف والده أن يؤسس قناة أخرى ببريطانيا وهى قناة «المتوسط»، وأراد أن تكون ذات توجه مغاربى، ولكن لم يدم حالها إلا بضعة شهور مقتصرة على البث التجريبى ووقع وأدها.

نسرد هذا لتبيان السياسة الإعلامية التى كانت قاتلة لتونس وليبيا مع اختلاف جوهرى مع مصر، التى تملك أسطولاً من القنوات يتجاوز عدد أسطولها الجوى، ولكن عجزت أمام قناة الجزيرة المخابراتية.

إعلام مستقل أم إعلام مصالح

طبعاً لا وجود لإعلام مستقل فى هذا العالم، كل وسيلة إعلامية بغض النظر عن مصدر تمويلها المادى وطبيعة القاعدة الجماهيرية التى تستهدفها وشروط ممارستها، لا بد أن تخضع لأجندة محددة توجه سيرها العام ويعبر عنها خطها التحريرى.

كحقوقى وسياسى وإعلامى لست ضد أن يكون للإعلام رسالة ما، لكن ضد أن يتحول الإعلام إلى جهاز مخابرات أو إلى خلية تحريضية مهمتها المزيد من العنف والمزيد من التقتيل، وبالتالى المزيد من الأخبار العاجلة مما يعنى تحقيق شيئين: المزيد من عدد المشاهدين والمزيد من النجاحات الجيواستراتيجية لحساب كارتلات اقتصادية سواء كانت نفطية أو صناعية أخرى، كلنا نعلم أن الحروب والفتن والدمار تحركها الشركات المتعددة الجنسيات من شركات سلاح وأدوية وغذاء فهى التى تتحكم فى السياسة العامة وهى صاحبة القرار السياسى، وما السياسيون سوى بيادق وديكورات لإضفاء المشروعية السياسية ليس أكثر.

كل الحروب يقع تقريرها فى دوائر ضيقة ومغلقة فى مكان ما من العالم، تدار بالوكالة، يقع التحضير لها سرياً ثم الجهر بها إعلامياً ثم سياسياً ثم عسكرياً، ثم تندثر جميعها لتحل محلها الكارتلات الاقتصادية، إن أكبر كذبة يمكن تصديقها هى التدخل باسم حماية حقوق الإنسان، مارست قطر بكل إخلاص مبدأ التدخل الإنسانى تحت مسوغ حماية حقوق الإنسان وتقديم المساعدة الإنسانية، هكذا خيل إلى العالم.

إن مثل هذه الحالة تنطبق بالتأكيد على قناة الجزيرة نفسها التى تعتبر الذراع الإعلامية والمخابرات لدولة قطر ولحلفائها، حيث بدأ الدور الإقليمى لهذا البلد الصغير يتنامى بشكل ملفت فى السنوات الأخيرة، فهذا البلد الذى لا يعرفه الكثيرون إلا كمرادف لقناة الجزيرة، لم يكن ليسحب البساط من تحت أقدام دول «كبرى» فى منطقة الشرق الأوسط لولا هذه السطوة الإعلامية التى اكتسبتها عن طريق هذه القناة الحربية.

لقد ثبت أثناء الاحتجاجات الليبية أن من قدمتهم الجزيرة كمعارضين على أساس أنهم من داخل ليبيا ظهر كذباً واضحاً، لقد كنت شاهداً على استضافة «الإعلامى» «المنشق» ثم «العائد» ثم «المنشق» المسمى بـ«سليمان دوغة» الذى استضافته «الجزيرة» فى استديوهاتها بالدوحة فى الأيام الأولى من الاحتجاجات، وكال للقذافى وأبنائه من الشتم والتهييج ما لم يكله لأحد من قبل، رغم أن هذا الطفل أول من بسط له سيف الإسلام الطريق وأعاده إلى ليبيا ونصبه مديراً عاماً على إمبراطوريته الإعلامية.. انتهت حلقة البرنامج المباشر. مرت الليلة بسلام.. فى اليوم الثانى استمعت إلى صوت متداخل بالهاتف. هذا صوت سليمان دوغة واسمه وصورته على الشاشة.. من أين يتكلم شاهد العيان هذه المرة؟ إنه يتكلم من طرابلس! يتحدث بنفس الطلاقة وبنفس التهييج، لقد صدمت فعلاً بسياسة «الجزيرة»، فالرجل لم يتصل بها من طرابلس لأنه لو ثبت ذلك فعلاً لكان «دوغة» فى عداد المفقودين، فللسائل أن يتساءل لماذا لم يقع إيقاف دوغة فى مطار طرابلس عند عودته من قطر بعد كل تلك الشتائم التى كالها للنظام؟ وكيف دخل ليبيا ونحن عايشنا ما قاله فى حق القذافى وأبنائه؟ لو حدث ذلك فعلاً وهذا ضرب من الخيال، فالأحرى أن يكون اتصال دوغة من مكاتب المخابرات الليبية وتصبح عليه العمالة المزدوجة أو أن ليبيا واحة ديمقراطية ننفرها فى الصباح ونحضنها فى المساء.

الحقيقة أن السيد دوغة كان يتصل من داخل قطر وإيهام المشاهد على أنه اتصال من ليبيا. فبإمكان الجزيرة أن تقول إنه اتصال من زحل أو عطارد فلا أحد بإمكانه تكذيب ذلك، لقد كذبت المخابرات الأمريكية ومن ورائها «الناسا» على جميع سكان العالم بصعود «أرمسترونج» إلى القمر، اكتشف العالم الكذبة الأمريكية بعد قرابة نصف قرن من ذلك، لا نريد أن ننتظر نصف قرن آخر لنكتشف كذب «الجزيرة».

كلما ازدادت الاحتجاجات اشتعالاً ازدادت الاتصالات حرارة وبالذات من غرب ليبيا حتى يظهر للمشاهد أن معقل القذافى قد أصابه الانهيار.. وتوالت الاتصالات من كل حدب وكلها بطبيعة الحال من خارج ليبيا، فى حين أنهم يؤكدون دون كلل أو ملل أنها من شهود عيان داخل ليبيا، وبالتحديد من غرب ليبيا وأساساً من سوق الجمعة، والحال أن هذا السوق، وهو حى سكنى كبير، على مرمى حجر من قسم المخابرات الليبية، وغير بعيد عن باب العزيزية. حدث كل ذلك فى الأيام الأولى للاحتجاجات الليبية والقذافى ولجانه الثورية وابنه محمد أمين وزير الاتصالات، الذى من المفروض فى مثل هذه الحالات يراقب كل المكالمات الداخلية والخارجية التى تدخل وتخرج من ليبيا، نيام لا يصحون!

لقد ظهر بالحجة الدور المخابراتى الذى تقوم به قناة الجزيرة، من حيث تجنيدها لمتصلين من أبناء البلدان المتأججة لبث الفتنة ونشر معلومات زائفة، وكذلك الاستنجاد بخبرة مذيعيها للقيام بأدوار تخريبية بنفس تلك البلدان.

الجديد فى الأمر أن محطة الجزيرة كانت تزعم أن المواطنين السوريين -شهود العيان- يبادرون إلى الاتصال بها طوعاً للإبلاغ عن جرائم يرتكبها الجيش السورى.. لكن مذيع الجزيرة الأردنى «ياسر أبوهلالة» كتب مقالاً فى صحيفة أردنية كشف فيه عن أنه قام بحكم منصبه فى المحطة بالتسلل إلى «درعا» السورية وتنجيد شهود عيان لهذا الغرض، مهمة الصحفى المتعارف عليها هى نقل الأحداث كما هى ولا يمكنه بأى حال التأثير فيها أو محاباة طرف على آخر، هو يلتزم بالنقل فقط، لكن مذيعى «الجزيرة» لهم تكوين آخر ورأى آخر، هم لا يكتفون بنقل الخبر والحدث بل ويتعدى دورهم إلى تجنيد جواسيس عبر الحدود وحثهم على خيانة أوطانهم والعمل على تخريبها.

يكشف مقال «ياسر أبوهلالة» جانباً من العقلية الإجرامية التى يتمتع بها عدد كبير من موظفى محطة الجزيرة التى بنت شهرتها على بث أشرطة «بن لادن» وانفرادها بنشر أخبار جرائمه التى بدأت تلجأ إلى ما يمكن أن نسميه «إعلام الصعلكة» الذى يدفع شباب سوريون وليبيون ثمنه بدمائهم من أجل أن تضاعف المحطة القطرية من مشاهديها، وبالتالى من حجم عائدات الإشهار الذى يذهب إلى جيب رؤوس النظام القطرى.

«لونة الشبل» الإعلامية السورية المستقيلة من قناة الجزيرة، تكشف عن حقائق إعلامية وصفها البعض بالغرفة السوداء فى قناة الجزيرة، حول ما تبثه من تقارير مصورة، وتنقله من أخبار عن الأحداث فى سوريا، تزعم أن كثيرها مفبرك.. فوفق «الشبل»: «الهجمة الإعلامية على سوريا بدأت منذ سنوات داخل القناة، التى تسلحت بقاعدة بث خمس أخبار صحيحة مقابل خبر واحد خاطئ، لتصبح على مدار السنوات على قدر كبير من المصداقية لدى المشاهدين»، وأن هذا المخطط كتب عنه فى العديد من الصحف والقنوات العربية والغربية وبعض الكتب، وأبرزها «المحافظون الجدد» حيث يقوم على دعم المعارضين المحليين فى أى دولة لإسقاط النظام الذى يعتقد أنه قد يضر بمصالح أمريكا وإسرائيل، كما أن الموضوع لا يقتصر على قنوات كـ«الجزيرة» و«العربية» أو صحف كـ«الشرق الأوسط» و«الحياة»، لأن المخطط أكبر بكثير، وهو مكشوف حتى فى كتب غربية صدرت منذ سنوات، وبعضها صدر بعد عهد بوش الابن وكونداليزا رايس.

اعتبرت «الشبل» أن الشارع السورى شعر بما تقوم به بعض المحطات من تزوير وتزييف للحقائق، بعد أن أصبح السكين على رقابنا وقالت: «صحيح أن الجزيرة تذيع الخبر الذى يناسبها عن سوريا، وهذا نهج اتبع مع أغلب الدول التى جرى فيها احتجاجات وانقسامات كالسودان وتونس ومصر وليبيا واليمن».

مضيفة: «هناك مؤامرة واضحة على سوريا والعالم العربى، من خلال الإشاعات والأخبار المدسوسة والملفقة أو الأخبار المعلنة وفق أهواء البعض، أو المخطط المرسوم للوسيلة الإعلامية».

فى تلك الحصة تطرقت الشبل فى حديثها إلى وثائق «ويكيليكس» التى تخص قناة «الجزيرة»، حيث أكدت تلك الوثائق أن رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطرى حمد بن جاسم عبر عن اهتمام قطر بإزاحة النظام المصرى، على أن تلعب الجزيرة دوراً هاماً فى هذه العملية، طبقاً للوثائق، وهو ما جرى فعلاً حسب قول «الشبل».

ولقد اعترفت الشبل بأن العديد من الصحف ووكالات الأنباء تتعامل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «CIA»، كما أن بعض موظفى تلك الصحف والوكالات هم جواسيس يتخذون الصحافة غطاء، كما يتخذون صفة المحللين السياسيين نقاباً يخفون من خلاله وجههم الحقيقى، كما تعترف «الشبل» بأن قناة الجزيرة التى دخلتها منذ سنوات هى غير قناة «الجزيرة» الموجودة حالياً، مشيرة إلى أن ميثاق الشرف الموجود فى القناة لا يعمل به حالياً.

الحرب الإعلامية مستعرة بين بعض دول الخليج، فكل دولة تسعى إلى تنفيذ استراتيجيتها عن طريق وسائل الإعلام الممولة من طرفها حيث تنفذ الأجندات التى تفرضها عليها تلك الدول، فمن يدفع المال هو من يقرر سياسة القناة ويسعى إلى توجيه الرأى العام العربى وجعله فى صفه، فبالنسبة للونا الشبل: «الإعلام العربى ممول بشكل كامل من دول الخليج، ومن يدفع المال هو من يقرر السياسة، والآن دول الخليج قلقة من إيران ومن تحالفها مع سوريا، ووسائل الإعلام التى تدعمهم كلها موجهة لهذا الأمر».

كما أن: «هناك دول خليجية لا تحتوى لا على مجلس نواب أو شعب، فلا يعلمونا الديمقراطية».

ترى الشبل أن الإعلام السورى وقع فى الفخ الطائفى الذى تعمل القوى الخارجية عليه، مشيرة إلى أن قيادة ما يسمى بـ«الثورة السورية» موجودة فى ألمانيا، وأن من يقودها هو «فداء طريف السيد» العضو فى اللجنة المؤقتة لـ«إعلان دمشق» فى الخارج الذى يترأسه الدكتور «عبدالرازق عيد»، مطالبة بالبحث عنه ومعرفة كيفية إدارته للأمور من مكتبه فى السويد.

وحول الصور التى تبثها الفضائيات عن المظاهرات فى سوريا، أكدت الشبل وجود «غرف سوداء» فى الفضائيات تقوم بإدخال تعديلات على تلك الأفلام لتوحى أنها من داخل سوريا، واستعانت الشبل بمقطع الفيديو الذى أظهر عناصر أمن يقومون بضرب الناس فى قرية «البيضا» كمثال للدلالة على أن هناك عملية مونتاج تمت بحرفية عالية لتوحى بأن عناصر الأمن تقوم بتلك الأفعال.

فى الواقع، ما يحدث فى سوريا حدث بنفس السيناريو فى تونس ومصر ويحدث اليوم فى ليبيا، قناة واحدة ونظام واحد يقف وراء الدمار الذى حل وسيحل بالمنطقة العربية.

كثيراً ما تبث قناة الجزيرة أشياء ثبت أنها غير صحيحة، فقد بقيت عدة أيام تعيد خبر مقتل السورى «أحمد بياسى» تحت «تعذيب وحددت المكان والأشخاص الذين عذبوه وقتلوه.. وهيّجت الشارع السورى وأيقظت الفتنة ونوضت فيه قربالة»، مثلما يحلو لإخوتنا المغاربة الحديث عن شأن موقد.. بعدها يظهر «البياسى» على التليفزيون السورى حياً يرزق.. هذا دون الحديث عن بثها للقطات حدثت فى بلدان أخرى، على أساس أنها حدثت بالبلد المستهدف. فريق كامل جاهز لتركيب الصور وحتى الصوت،. من ذلك بث قناة الجزيرة قبل فترة قصيرة، أحداث عنف ادعت أنها حدثت فى سجن فى اليمن، فى حين كانت اللقطات التى ادعتها «الجزيرة» قد تم تصويرها فى 2007 فى العراق، وبثتها قناة العربية آنذاك. لو حدثت هذه الفبركات فى قنوات أخرى تحترم نفسها لقامت بتقديم اعتذار لمشاهديها أولاً ثم للبلد الذى استهدفته بتشهيرها ثانياً، لا يمكن للجزيرة أن تعتذر فهى أكبر من هذا، فهى على كل حال ليست قناة إسبانية بثت لقطات عن جريمة قتل حدثت بالدار البيضاء، على أساس أنها حدثت بمدينة الداخلة المغربية، وعند اكتشاف نواياها قدمت اعتذارها للحكومة وللشعب المغربى.

لقد كشفت بعض وثائق «ويكيليكس» الأخيرة هذه الحقيقة، حينما أكدت أن دولة قطر تتخذ من «الجزيرة» وسيلة للضغط على الدول العربية.. وفى هذا السياق لا يمكن أن تكون الوثائق السرية التى نشرتها «الجزيرة» بخصوص مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين مجرد خدمة إعلامية مجانية للمواطن الفلسطينى أو العربى عموماً، كما قد يعتقد البعض، وإنما هى رسالة قوية لا بد أن المعنيين بها قد التقطوها بكل وضوح، ذلك أن تداعيات هذه الوثائق لا تتوقف عند حدود اللغط الإعلامى الذى يثار بشأنها، فمن خلال هذه التسريبات تعلن «الجزيرة» أنها ليست مجرد محطة إخبارية عادية لتلقى الخبر ثم إعادة إنتاجه تقنياً وتداوله، بل هى فاعل أساسى فى المعادلة السياسية على المستوى الإقليمى، إنه ليس من السهل أن تحصل وسيلة إعلامية على وثائق من هذا القبيل إلا إذا كان خلفها قرار سياسى نافذ، وذلك هو الوجه الخفى فى لعبة النفوذ القطرى فى المنطقة.

تعمل القناة على إنتاج خطاب تضليلى، بعدما بنت ثقة بينها وبين المواطن، حتى أنه أصبح من الصعب جداً إقناع مواطن عادى بأن ما تبثه «الجزيرة» لا يخلو من التلفيق والتزوير والكذب، إنها فعلت فعلها فى العقل العربى، فعملت على تنويمه ونزع ملكة النقد والملاحظة أو حتى مجرد إعمال العقل، عبر التشكيك فيما تبثه القناة.

إنه سحر من نوع آخر يجعل المتتبع المدمن على تصديق «الجزيرة» مجرد متفرج مخدوع، لا يعى شيئاً مما يدور حوله، لأن الأمر أكبر من مجرد وسيلة إعلام.

فى نشأتها مرت «الجزيرة» بمرحلتين مهمتين من استراتيجية وجودها.

المرحلة الأولى عملت فيها على سلوك نهج الحيادية القصوى والموضوعية والإبهار الشديد، أعانها فى ذلك تفردها وجرأتها وسط ندرة فى القنوات من جهة، وضحالة ما هو موجود من جهة أخرى. حتى هجر المشاهد العربى قنواته التى أكملت النوم فى العسل وقتلت فيه الإحساس بالوطنية.

عملت «الجزيرة» على تربية جيل من المشاهدين مطيعين لها مصدقين لأخبارها، توطدت العلاقة النفسية بين المشاهد والقناة، التى ستمر للمرحلة الثانية لممارسة المخطط الأصلى الذى قامت من أجله، وهو دس السم فى العسل.

الكثير يعتقد أن القناة انزلقت عن حيادها، فى حين أرى أن توجهها الجديد ليس انزلاقاً، إنما هو نتيجة منطقية لهالة التقديس للقناة من جهة، وكذلك انتهائها من تنفيذ مرحلتها الأولى التى كما أسلفنا، تتمثل فى تكوين جيل من المعتنقين لبرامجها التى عملت على أدلجتهم بطريقة بشعة، حتى أصبحت «الجزيرة» فى نظرهم الركن السادس من الإيمان، كانت تلك المرحلة ضرورية، وقد نجحت فيها «الجزيرة» أيما نجاح، حتى يسهل فيما بعد المرور للمرحلة الأصلية، وهى تمرير خطط التدمير للكيان العربى وتنفيذ أجندة مخابراتية بدأت تظهر دلالاتها منذ بداية انشقاق بعض مقدميها كـ«أكرم خزام»، الذى فضح ممارسات «الجزيرة» التى تمنع أى مذيع من الاشتغال دون إشراف عمودى من البلاط الأميرى، فخطط القناة وبرامجها ومحتوياتها يقع التحضير لها فى دائرة مغلقة بالبلاط، وما على المذيعين إلا التنفيذ والتقيد بالمخطط، هذا هو عمل المخابرات، فقتلت فى إعلامييها ملكة التفرد والإبداع وحولتهم إلى رجال مخابرات، يحيكون الدسائس والفتن والتحريض المباشر على القتل، لقد حدث هذا فى استفتاء أجرته «الجزيرة» عبر موقعها الإلكترونى، بعد تفجيرات عرفتها الجزائر، فقامت بتوجيه السؤال التالى: هل تؤيد العمليات الانتحارية بالجزائر؟ والأدهى أن الإجابات كانت كالتالى: 89 بالمائة أجابوا بنعم. هل يعقل أن يطرح مثل هذا السؤال؟ وهل يعقل أن تكون الإجابة بهذا الرقم المفزع؟ فقط للتدليل أكثر على الدور الخطير الذى تقوم به هذه القناة.

تعمل القناة على إثارة الفتنة، وتعميق الانقسامات، وتكريس الخلافات، وتأليب الرأى العام العربى، وذلك تحت اسم دعم النزعة التحررية والانفصالية للأقليات العربية والطوائف الدينية أو الحزبية أو العرقية.

فى الواقع تعمل «الجزيرة» على ضرب الوعى العربى العام وتغيير الحقائق والجنوح نحو الإثارة والشحن السياسى، عبر منظومة متكاملة من الأطرح غير المتزنة والفاقدة للرصانة والموغلة فى الهدم، إلى غير ذلك من أساليب التشفى والشماتة وصناعة الكذب والخداع.

لقد نجحت «الجزيرة» بامتياز فى إحداث التصدع فى المجتمعات العربية، الذى لم نر مثله قبل ظهور «الجزيرة»، لقد كانت رسالة مفتوحة لإعلامييها للعمل من أجل كسر نفسية العربى، وبث روح الهزيمة لديه وتصويره على أساس أنه مشتت، مهزوم، لا يمكن الوثوق به كشريك فاعل فى المجتمع الدولى، فكان لكل ذلك آثار خطيرة على صورة العربى، ليس بالأوطان العربى فقط وإنما تعدت الصورة السلبية والمدمرة التى عملت على بثها «الجزيرة» للتأثير على وضع المواطنين العرب خاصة المسلمين بأوروبا وأمريكا وأستراليا، مما عرض حياة الكثيرين للخطر المحدق وحتى للموت، نتيجة تأثير القناة على المتلقى الغربى، بما يسمعه وما تبثه القناة من قتامة وشناعة لصورة العربى المجرم، الإرهابى والمتسول والمتسكع.

خرج الصحفى «غسان بن جدو»، المستقيل مؤخراً من قناة «الجزيرة»، عن صمته، وقال عبر فضائية «الجديد» اللبنانية إنه يرفض الإعلام الذى يسعى إلى نشر الفتنة والتحريض أثناء التغطية الصحفية للثورات العربية، التى تقوم بها بعض المحطات العربية، وقال: «قناة الجزيرة أنهت حلماً كاملاً من المهنية والموضوعية، وباتت تلك المهنية فى الحضيض، بعدما خرجت «الجزيرة» عن كونها وسيلة إعلام، وتحولت إلى غرفة عمليات للتحريض والتعبئة»، و«حينما شعرت بأننى لم أعد أستطيع التحمل قررت التوقف عن العمل وقدمت استقالتى التى لم يعلم بها سوى زوجتى».

ومن لا يعرف وزن غسان بن جدو، فهو أحد عمالقة القناة، وإليه يعود نصيب وافر لـ«نجاحها»، حتى أن استقالة الرجل وردت مقتضبة جداً: «معذرة لا يمكننى المواصلة».

دون أدنى شك، فإن استقالات لمذيعين من حجم بن جدو لن تروق للقناة، وستزعجها لما يحملونه من أسرار مهنية قابلة للانفجار فى أى لحظة، لكن الشىء الذى يثير نقاط الاستفهام لدى المتابع قد يوحى بأشياء أخرى.

فى الواقع، يظهر أن استقالة غسان بن جدو لم تكن ضد سياسة «الجزيرة» التحريضية بشكل عام، فلو كانت كذلك لكان امتنع عن زيارة تونس بعد ثورتها والدفاع عن تغطية القناة لثورتها، فهو قد دافع بكل جوارحه عن الثورة التونسية ودور «الجزيرة» الكبير فيها، والحال أنه يعرف أن «الجزيرة» قامت بالتحريض مبكراً، كما أن استقالته لم تأت بعد اندلاع الاحتجاجات بمصر والدور التحريضى الذى لعبته «الجزيرة»، ولم تأت استقالته أثناء الاحتجاجات بليبيا، والحال أن بن جدو شاهد على الكم الهائل من المعلومات الخاطئة والتحريضية للقناة، لكن تحرك بن جدو كان بعد تغطية القناة لما جرى فى سوريا والبحرين، عندما وصل السكين العظم.

يرى بعض المتابعين لشئون الشرق الأوسط والمختصين فى متابعة مذيعى «الجزيرة» أن استقالة بن جدو، لم تكن أساساً لكون القناة تدعو للتحريض، فهذا أمر مفروغ منه، وإلا لكان قدم استقالته منذ ثورة تونس أو مصر أو أحداث ليبيا، لكن انتماءه العقائدى هو الذى حسم الأمر، فبن جدو يُعرف على أنه معتنق للمذهب الشيعى وزوجته لبنانية شيعية، وبالتالى فالمسألة أكبر من مسألة التحريض وبث أخبار كاذبة، بل إن التوجه العقائدى هو الذى كان مستهدفاً، ظهر ذلك جلياً فى مطالبة شيعة البحرين ببعض الحقوق وكيفية التعامل معهم.

فى كل الحالات، فإن ما يجمع «الجزيرة» ببعض مذيعيها هو المصالح المشتركة، وينتهى العقد بمجرد تضارب المصالح مع الخصوصيات الذاتية أو الهوية، جل المستقيلين من «الجزيرة» لم يستقيلوا خدمة للرأى العام العربى بمختلف أطيافه مسلمين ومسيحيين ويهودا، سنة وشيعة، عرباً وبربراً، أو دفاعاً عن حقوق الإنسان أو تصدياً للكذب والتلفيق، فهذه مسائل عامة تحكم جميع الإنسان وإنما حدثت الاستقالات أثناء مس أحد الثوابت العقائدية أو الوطنية.

من يزرع يحصد.. لقد زرعت «الجزيرة» الأشواك، وستحصد من مقدمى برامجها الأشواك، فهى التى زرعت فيهم بذور الخداع والكذب والتلفيق والحقد.. انتدبتهم للعمل كمذيعين فحولتهم إلى جواسيس وجنرالات حرب.

يظهر فى كل الحالات أن المشاهد العربى هو الخاسر الأكبر فى الأخير، بحيث تمارس عليه جميع وسائل التلفيق والابتزاز والتهييج والإثارة من قناة مستأجرة إلى مذيعين «مرتزقة» و«مصلحيين».

التلفيق المباشر - حلقة من الظفيرى وعزمى بشارة

«برنامج فى العمق» أثبت بالفعل سياسة «الجزيرة» المسرحية فى العمق، كشف مقطع فيديو حواراً بين المفكر الفلسطينى عزمى بشارة والمذيع فى قناة الجزيرة على الظفيرى، خفايا عدم تعرض «بشارة» لما يحدث فى الأردن من تظاهرات واحتجاجات، حيث يؤكد خلاله «بدون الأردن» ويكررها ثلاث مرات. «أرجوك بدون الأردن، بدون الأردن، الأردن بلا».

ويسأل عن سبب التركيز على تناول الأحداث فى سوريا والبحرين. وينبه عزمى بشارة المذيع الظفيرى من أن يكون كلامهما بُث على الهواء أثناء الفاصل وسمعه المشاهدون، حيث عاتب بشارة مقدمه الظفيرى لتخصيص «الجزيرة» وقتاً كبيراً لتغطية أحداث البحرين، وأنه غير راضٍ عن ذلك، فيرد عليه الظفيرى أن ذلك «من أجل تبييض وجه الجزيرة».

لقد كشف مقطع «اليوتيوب» الذى نجهل من قام بتنزيله، نكاية فى هذه العصابة الإجرامية الفضائية، أيضاً ما حدث بين «بشارة والظفيرى» عندما أعلن المذيع عن «فاصل إشهارى» ولم يتوقعا أن كلامهما بُث وأن المخرج لم يبدأ «الفاصل».

لقد أظهر الحوار الموقف الواضح من عزمى بشارة حول عدم التعرض لما يحدث من تظاهرات واحتجاجات فى الأردن، فيقول لعلى الظفيرى: «دون الأردن.. بدون الأردن.. الأردن بلا».

ويخشى «بشارة» أن يكون كلامه بعدم التعرض للأردن سُمع على الهواء مباشرة قبيل الخروج للفاصل، فيقول للظفيرى: «انسمعت بدون الأردن؟ انسمعت لا تكون؟ لا يكون انسمعت؟ فيؤكد له الظفيرى: «لا.. لا.. من اللحظة ذيك كنا.. »..

يقصد أنهم كانوا فى الفاصل، وأن تأكيدات عزمى بشارة بعدم تناول الأردن لم تظهر ولم تسمع.. ويستمر الحوار ويؤكد بشارة أن التركيز يكون على ما يحدث فى البحرين وسوريا وعدم الإشارة إلى الأردن، ويسأل بشارة المذيع الظفيرى عن عقده ويقول: «عندك عقد انت، طلعتلى كل عقدك، كل قصصك مع السعودية طلعتها».

ويثنى الظفيرى على «بشارة» ويصفه بأنه «بيض وجه المؤسسة»، مؤسسة قناة الجزيرة، ويؤكد أنهم: «والله لو أقعد 100 سنة ما يقولوا الكلام هذا، بيضت صفحة المؤسسة.. هذا أهم».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل