المحتوى الرئيسى

جمال حمدان.. عبقرية أكتوبر

10/06 21:43

يقول جمال حمدان صاحب «مصر: عبقريه المكان»: «سيناء قدس اقداس مصر، 61 الف كيلومتر مربع، او نحو 3 امثال مساحه الدلتا».

عاشق الجغرافيا يجسد المكان، قبل ان تحتضن كل تفاصيل ومعاني ايام العبور. يكاد يصور عرق الرجال وملامح تصميمهم في سفره الرائع «6 اكتوبر- في الاستراتيجيه العالميه»، «ليس الذي بيننا وبينهم اربع حروب، بيننا حرب طويله واحده بها اربع معارك حتي الان! حرب تدور علي المستوي السياسي والعسكري والحضاري.

(العامل البشري) اهم من العوامل الاخري، من الزمن والطبيعه والتكنولوجيا، حقق العرب نصرهم بفضل العامل البشري اساساً، كماً وكيفاً، سيطروا علي التكنولوجيا الحديثة اولاً، كما سخروا عامل الوقت لصالحهم، العالم كله متفق الان علي ان الزمن لم يعد يعمل لصالح اسرائيل، انه اصبح يحارب في صف العرب. وواجبنا الا نسمح باي تغيير في هذا الاتجاه، وان نضاعف من تسخيره لصالح قضيتنا ومصيرنا، علينا ان نتم ما بداناه».\nالكتاب حشد رائع من المعارف والعشق والبصيره والعواطف، امتاز بهذا المزيج عمل وحياه هذا الراحل العظيم الذي لا تندمل فجيعتنا في غيابه المفاجئ الغامض.

جمال حمدان: مواليد قريه ناي - قليوبيه «4 فبراير 1928 - 27 إبريل 1993» الدكتوراه من جامعه ريدنج موضوعها «سكان وسط الدلتا قديماً وحديثاً» حصل عليها 1953. استقال من جامعة القاهره 1963 بعد معاناه من غباء واحقاد وبيروقراطيه احاطت به. عاش متصوفاً فقيراً متفرغاً للعمل الجغرافي والتاريخي السياسي الخلاق بعيداً عن الاضواء والمقابلات في شقه متواضعه في الدقي. استطاع الصديق الرائع الراحل مصطفي نبيل، رئيس تحرير مجله الهلال في ذلك الوقت، ان يقتحم عليه وحدته بصعوبه لكي ينشر احياناً في الهلال. واستطاع ايضاً ان يرتب لقاء او اثنين تاريخيين بين جمال حمدان وحسنين هيكل. الصياغة الاولي لـ«شخصيه مصر» تمت في 1967، ثم الصياغه النهائيه في اربعه اجزاء 1981 الي 1984. قبل النهايه الفاجعه كان للرجل 29 كتاباً و79 بحثاً منشوراً في الداخل والخارج. يكرر جمال حمدان: «ان ما تحتاجه مصر هو ثوره نفسيه! بمعني ثوره علي نفسها اولاً، وعلي نفسيتها ثانياً اي تغير جذري، العقليه والمثل وايديولوجيا الحياه. عن سيناء يقول بمناسبه «25 إبريل عيد سيناء القومي»: تحتمس الثالث عبر سيناء 17 مره لا حل بالنسبه لسيناء الا تعمير شامل، ان تكون مليئه بالبشر، اسمع بن جورين يقول: هدف اسرائيل ليس البقاء في سيناء ولكن منع مصر من البقاء فيها. كما يقول حمدان ان تقليص مساحه الزراعه: هو مقتل مصر، قاتل مصر، هو الراسماليه المتوحشه. في الاصول الاسلاميه يتمسك حمدان: العمل والعلم:… عباده. وقف جمال حمدان بشكل معلن ضد كامب دافيد، واتهمها بانها تقضي علي دور مصر العربي. لجمال حمدان كتاب مثير بعنوان: «اليهود انثروبولجيا» يقول ان لا علاقه تاريخيه لهم بأرض فلسطين وانهم ينتمون الي امبراطوريه الخرز ما بين بحر قزوين والبحر الاسود، «دعم هذا الراي الكاتب كوستلر في كتابه «القبيله الثالثه عشره».

في الساعه 4 بعد الظهر يوم السبت 17 إبريل 93 انفجرت انبوبه بوتاجاز في شقه جمال حمدان واعلنت وفاته، تقرير طبيب شرعي د. يوسف الجندي مازال يثير شكوكاً حول اسباب الوفاه.

يقول الاستاذ هيكل: كانه كان طائر العنقاء الخرافي، ارتفع عالياً ونشر اجنحته رائعه الالوان، ثم احترق مخلفاً رماداً هو احجار وافكار عظيمه تبني الهرم، «لا املك نص كلمات الاستاذ، كما احترق الكتاب الذي اهداه له حمدان»، اما أنيس منصور فامامي كلماته التي قالها عن حمدان، يقول الاستاذ انيس منصور:

«عاش غريباً، ومات وحيداً، يرحمه الله، مات وحده، كما تموت الشهب، محترقاً في السماء لا احد راه، لا احد يعرف كيف صرخ ولا كيف بكي، وانما سقط رماداً اضيف الي تراب مصر يا ارض مصر، قد مات فيلسوفك، وشاعرك، والشاهد علي عبقريتك».

بعد ان راي العدو وفهم، قال دعهم يسعون الي حتفهم، كان انتصار يونيو قد اعماهم، لم تكن مفاجاه العبور، وتحطيم الخط «الاول والثاني» مفاجاه غدر او ضربه جبان في الظهر والظلام. كانت مفاجاه شرعيه يقرها الشرف العسكري «وتحطمت الاسطوره: احمد بهاء الدين».

اما تشرشل الحفيد فيقول، لقد فوجئ الجنرالات الاسرائيليون وهم غافلون، ويرجع ذلك اساساً الي ما كانت تشعر به اسرائيل من نشوه انتصارها في 1967. كذلك فان اسرائيل لم تكن مستعده لمواجهه هذا النوع من الحرب الذي خاضه العرب بالاسلحه الجديده. اسرائيل ظلت تعتمد في استراتيجيتها علي انتصاراتها بالطائرات والمدرعات، في حين اغفلت المدفعيه والمشاه وهما السلاحان اللذان تحملا عنف الهجوم، كانت حرباً شامله استعمل فيها احدث الاسلحه مع اسلحه القرون الوسطى، السلالم والحبال والمياه. وعادت مره اخري القيمه الحقيقيه لبساله الجندي وشجاعته، ودافعه الحر القوي للحرب والاقتحام.

انتقل الي البر السينائي 80 الف جندي بكامل سلاحهم في 12 موجه متتابعه، وكتبت مجلة تايم: هذا في حد ذاته نصر عسكري بكل مقياس، تحطم 80٪ من خطي بارليف، بدات ملحمه اقتحام وتصادم شرسه رهيبه، ولم يطلع فجر 7 اكتوبر حتي كانت القوات المصرية قد توغلت 8 كم. الاسبوع الاول كان عجز اسرائيلي واعجاز مصري، الاسبوع الاول كان اسبوع تاديب للجيش الاسرائيلي: قال دايان: اخطر اسبوع في حياه اسرائيل. وقال شارون: اننا نرقص علي انغامهم.

كانت الحرب طبعاً علي جبهتين «سيناء والجولان» وكان التخطيط والاداء العربي معجزاً في الايام الاولي.

لكن اسرائيل قسمت المعركه الي معركتين «من 6 الي 16 اكتوبر» حاربت اسرائيل معركه مهزومه بصفه مؤكده، كانت القوه الاسرائيليه فيها علي وشك ان تتحطم نهائياً. المعركه الثانيه استمرت عشره ايام، كانت معركه أمريكية اكثر منها اسرائيليه، معركه التدخل الامريكي شبه المباشر، نقل اليها في الميدان شلال من الاسلحه الحديثه البالغه التطور، كانت العمليه اشبه بعمليه نقل دم لطريح كاد يلفظ انفاسه.

يدرس الكتاب طبعاً عمليه التسلل التليفزيونيه، كانت واحده من معارك الحرب الدعائيه التي بدات لاخفاء الهزيمه، استغاثه جولدا مائير استغاثه غريق، وقامت مظاهرات ضد «دايان» سمته «وزير العار» وقال اليعازر: ان مبدانا الا نقول الحقيقه. واستقال شارون احتجاجاً علي بدء اي نوع من التفاوض، وكانت ملحمه المقاومه في السويس هي السبب الحقيقي، انزلت حرب اكتوبر الحرب من السماء الي الارض، واستطاع رجل المشاه ان يواجه الدبابه.

تاكد ان هذه المنطقه عاصمه العالم مرتين، مره للموقع، ومره لوجود البترول، الذي كان الرد الموجع علي التدخل الامريكي «تم تخفيض الانتاج بنسبه حوالي 25٪ وارتفع سعر البرميل من 2 دولار الي حوالي 14 دولاراً»، انضمت الي الجامعة العربية موريتانيا والصومال. وانعقد في الجزائر اول مؤتمر عربي ناجح، بعد ان كان دايان يقول: ان تناقضات الدول العربية سياج امن يحمي اسرائيل.

لم ننتصر علي اسرائيل بالضربه القاضيه ولكننا انتصرنا بالنقط، وامتلكنا مفتاح الامل، يقول احمد بهاء الدين: «هزيمه يونيو لم تجعلنا نركع، ولكن ظل سيفها مسلطاً فوق رؤوسنا، قريباً جداً من اعناقنا.. حرب اكتوبر كسرت هذا السيف، وحطمت القيد».

عن لحظه الاعجاز الاولي: لحظه ان رفع الجندي المصري العلم علي ارض سيناء، قال صلاح عبدالصبور:

تمليناك حين اهل فوق الشاشه البيضاء/ وجهك يلثم العلما

وترفعه يداك/ لكي يحلق في مدار الشمس/ حر الوجه مقتحما.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل