المحتوى الرئيسى

40 عام على نصر أكتوبر.. «هيكل» يكتب عن السادات ومعركة العبور

10/05 11:57

فى كتابه المهم، «السلاح والسياسة» والذى يعد وثيقة تاريخية لتفاصيل حرب 1973، روى الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل، تفاصيل ساعات الحرب بدقة ووضوح، وجاء فى الفصلين الثانى والثالث من الجزء الثانى من الكتاب، تفاصيل اللحظات التى مرت على الرئيس الراحل «محمد أنور السادات»، وكيفية تفكيره وردود فعله فى أول يومين من الحرب المجيدة، كما شرح «هيكل» قدر الإنجاز الذى حققه «السادات» بإدارته لحرب أكتوبر والذى وضعه بين كبار القادة السياسيين فى العالم ليحمل بعده لقب «الداهية السياسى».استيقظ الرئيس «السادات» من نومه صباح يوم 6 أكتوبر فى الساعة السابعة والربع، وكأن أول ما فعله أن مد يده إلى سماعة التليفون واتصل بالعقيد «عبدالرؤوف رضا»، مدير مكتبه للشؤون العسكرية فى ذلك الوقت، وكان قد انتقل فعلاً ومعه مجموعة من ضباط أركان الحرب إلى مقر مؤقت يحتل ثلاث غرف فى بدروم قصر الطاهرة، وكان الرئيس «السادات» مشغولاً بنفس السؤال الذى نام به قبل ساعات: هل عرف العدو؟وجاءه الجواب بأن العدو قد عرف، وهذا ظاهر من رد فعله على الجبهة. وكان هناك تقرير مختصر جاهز، وقد أعد للرئيس حالما يستيقظ. ووصل التقرير فى أقل من دقيقة إلى غرفة نوم الرئيس «السادات».قرأ الرئيس التقرير، ثم أعاد قراءته، وتناول قلماً ووضع خطاً تحت جملة «وتعتبر القوات الجوية الإسرائيلية حالياً جاهزة ومستعدة لتنفيذ مهام العمليات».وهكذا عرف الرئيس السادات أن إسرائيل قد «عرفت»- وكان واضحاً بالنسبة له أنه حقق سبقاً على الأرض. ولكن الخطر الأكبر خلال الساعات القادمة، وحتى ساعة الصفر هو أن ينقض من الجو على شكل محاولة ضربة إجهاض يقوم بها سلاح الطيران الإسرائيلى.. وكان هذا الهاجس هماً ثقيلاً على فكره وأعصابه- ولم يكن يعرف أن هذا الاحتمال قد استبعد، وأن هذه الضربة الجوية الوقائية لن تقع، لأن مجرى الحوادث- فى هذه الساعات- كان يتخذ مساراً آخر فى تل أبيب وفى واشنطن.فيما بين الساعة الثامنة وحتى الساعة العاشرة إلا الربع من صباح يوم السبت 6 أكتوبر- كان الرئيس «السادات» فى قصر الطاهرة وليس فى رأسه إلا سؤال واحد: هل توجه إسرائيل ضربة إجهاض بالطيران ضد الجبهة المصرية قبل الموعد المقرر لبدء الهجوم وبقصد تشتيت وبعثرة صفوفه؟وفى اليوم نفسه تقريباً، وفى بيت رئيسة وزراء إسرائيل- كانت «جولدا مائير» ومعها مجموعة من أعضاء مجلس الوزراء المصغر- يناقشون نفس السؤال تماماً.كان «أنور السادات» مهموماً بالسؤال- وكانت «جولدا مائير» مهمومة بالجواب، ومن الغريب أن ردها كان بـ«لا»- متوافقاً بالضبط مع ما كان «أنور السادات» يتمناه، وإن اختلفت الأسباب لدى كل منهما.فى الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم السبت 6 أكتوبر وصل الرئيس «أنور السادات» إلى المركز رقم «10»- مقر القيادة الرئيسى للعمليات. وقد توجه فور وصوله ومعه الفريق أول «أحمد إسماعيل على» إلى مكتب القائد العام- وهناك قضى بضع دقائق ألقى فيها نظرة على خرائط التخطيط، واهتم بالسؤال عن مواقع القطع البحرية التى تحركت قبلها بأيام فى البحر الأحمر وفى البحر الأبيض، ثم سأل عن أعداد قوات الصاعقة التى تسللت إلى سيناء بالأمس لإبطال عمل مواسير اللهب السائل الذى كان معروفاً أنه بند رئيسى فى الخطة الإسرائيلية لعرقلة أى عبور. وكان هذا البند فى الخطة الإسرائيلية من أهم وأخطر العقبات المضادة التى رتبت لها إسرائيل، فلو أن هذه المواسير ظلت سليمة وتدفق ما فيها من لهب سائل، واشتعل حريق فوق مياه القناة، لكانت تلك ضربة مزعجة لموجات العبور المصرى الأول، خصوصاً أنها تستعمل قوارب مطاطية لحمل مقاتليها من ضفة إلى ضفة أخرى عبر هذا المانع المائى الكبير.ولم تكن الإجابة التى تلقاها الرئيس «أنور السادات» قاطعة. فالثابت لدى القائد العام أن قوات الصاعقة «دخلت» لمهامها، ولكن نجاحها فى تحقيق مهمتها لن يتأكد خبره إلا عندما تبدأ عملية العبور فعلاً، ذلك أن هذه الوحدات من الصاعقة مأمورة بالتزام صمت لاسلكى كامل.ودخل الرئيس «السادات» إلى قاعة العمليات فى الساعة الواحدة والنصف وكانت القاعة شحنة من الأعصاب امتزج فيها الأمل والقلق والعلم والإيمان. فقد أحس كل من فيها من القادة والضباط- وعددهم يزيد على المائة- بأنهم يعيشون لحظة فاصلة فى تاريخ وطنهم، وأن أقداراً كثيرة سوف تكون معلقة بما يجرى فى هذه القاعة صادراً عنها إلى ميادين القتال أو وارداً إليها من هناك.كانت القاعة ضخمة وقد أحاطت بجدرانها لوحات زجاجية كبيرة مضيئة، وعلى كل لوحة منها كانت هناك على الزجاج خرائط شفافة رسمت عليها معالم قطاعات الجبهة المختلفة، والتحركات المنتظرة عليها تطبيقاً للخطة، وكانت الخطط المعلقة على هذه اللوحات الشفافة كثيرة، ففضلاً عن قطاعات الجبهة- كانت هناك لوحات تحدد مواقع القوات البحرية وخطط التحركات المنوطة بها. وكان الحال هو نفس الشىء بالنسبة للقوات الجوية، فقد ظهرت على اللواحات مواضع تمركز أسراب قاذفات الضربة الأولى، إلى جانب مواقع تمركز طائرات القتال والإمداد والحماية وكذلك كان الحال نفس الشىء بالنسبة للدفاع الجوى، حيث رسمت على اللوحات الخاصة به قواعد الصواريخ الثابتة والمتحركة سواء على خط القتال أو فى العمق، حيث يحتمل أن يوجه العدو هجماته المضادة الفورية.وكانت هناك مائدة رئيسية للقيادة العليا- كما أنه بجوار اللوحات الخاصة بخطط الأسلحة المختلفة، كانت هناك مجموعات من ضباط أركان الحرب وضباط الاتصال الجاهزين لإصدار الأوامر وتلقى المعلومات.وكانت أضواء الغرفة ساطعة فى حين كانت ألوانها هادئة مليئة ببقع ملونة من الخرائط والرسوم والخطوط، ثم إن معدات الاتصال المتوافرة فيها أعطتها جوا شبه سينمائى، ومع ذلك فقد كان هذا الجو حياة حقيقية، وإنسانية دافئة إلى درجة السخونة رغم أن أجهزة التكييف كانت تدفع إليها بهواء بارد ونقى.وفى الساعة الثانية بعد الظهر كانت الأنظار فى القاعة كلها متجهة إلى الجزء الخاص بالقوات الجوية. وكانت الإشارات قد وصلت بأن قوات الضربة الجوية الأولى، وقوامها مائتا طائرة، قد عبرت على ارتفاع منخفض فوق قناة السويس قاصدة إلى تنفيذ المهمة الأولى فى العملية. ثم بدأت الإشارات تترى بأن طائرات هذه القوة بلغت أهدافها وبدأت تنفيذ مهامها بنجاح فاق ما كان منتظراً، فقد تم ضرب مراكز قيادة ومواقع رادار ومناطق حشد وعقد مواصلات وقواعد جوية.وفى الساعة الثانية وعشر دقائق كانت الأنظار فى القاعة متجهة إلى الجزء الخاص بالمدفعية. وفى نفس اللحظة كانت فوهات ألفى مدفع من مختلف العيارات والطرز تضرب بكل قوتها بعيداً وراء خطوط العدو لقطع عمقه عن جبهته، وتدمير ما يمكن من منشآته المتقدمة، وتشتيت ما هو متجمع من حشوده. وتلا ذلك قصف ستمائة مدفع ركزت على مدى قصير بضرب منشآت وتحصينات خط بارليف.وفى الساعة 2.25 بدأت قوارب المطاط تنزل فى القناة بجنودها تحت وابل من نيران العدو الذى بدأ يفيق من المفاجأة. ومع ذلك فإنه فى ظرف عدة دقائق كان على صفحة القناة ما يقرب من ستمائة قارب مطاطى فى كل واحد منها ثمانية مقاتلين، وقد راحت تشق طريقها إلى الضفة الأخرى وسط عاصفة من النار.وفى هذه اللحظة تأكد أن مجموعات الصاعقة التى دخلت بالأمس قد نجحت فى تعطيل عمل مواسير اللهب. وكان نجاحها فائقاً إلى درجة أنه لم يظهر لأى واحدة منها أثر على الإطلاق فوق مياه القناة.وفى الساعة 2.25 أيضاً كان هناك لواء دبابات برمائى يعبر على القطاع الجنوبى من مياه القناة بالدبابات الضخمة من طراز «تى 76»، ووراءه المدرعات السابحة من طراز الـ«توباز» الشهير.وفى نفس اللحظة عبرت فوق القناة مجموعة من الطائرات تحمل مجموعات من قوات المظلات الذين قفزوا بقرب منطقة المضايق تمهيداً وانتظاراً وإعداداً لمرحلة ثانية من الخطة.وفى الساعة الثالثة كان مجموع القوات المصرية التى تمكنت من العبور إلى الضفة الشرقية قد وصل إلى 800 ضابط و13500 جندى.وفى الساعة الثالثة والنصف كانت قوات المهندسين تعبر فى وحدات بحرية خاصة جهزت بالخراطيم وكانت المهمة الموكولة إليها هى فتح الثغرات فى الساتر الترابى على الضفة الشرقية من القناة.وفى الساعة الرابعة والنصف كان حجم القوات المصرية على الضفة الشرقية قد وصل إلى 1500 ضابط و22000 جندى.(وفى هذه اللحظة قام الرئيس «السادات»، ومعه الفريق أول «أحمد إسماعيل» قاصدين إلى مكتب القائد العام، وطلب السفير السوفيتى).وفى الساعة الخامسة والنصف كان هذا الحجم قد وصل إلى 2000 ضابط و30000 جندى.(قام الرئيس «السادات» مرة أخرى قاصداً إلى مكتب القائد العام ليتلقى مكالمة تليفونية له من «بريجنيف»- لكن الاتصال لم يتم لسبب غير واضح، وقد انتهز الرئيس فرصة وجوده فى مكتب القائد العام فاتصل ببيته بالجيزة وبـ«محمد حسنين هيكل» فى مكتبه بالأهرام).وفى الساعة السادسة والنصف كانت عملية فتح الثغرات فى الساتر الترابى قد حققت جزءاً جزءاً كبيراً من مهامها، وبدأ تركيب كبارى العبور، وراحت الدبابات تتقدم على أول كوبرى جرى تركيبه.وفى الساعة العاشرة مساء كانت قوات المهندسين قد تمكنت من فتح 60 ثغرة فى الساتر الترابى، وأزاحت بالتجريف ما حجمه 90000 متر مربع من الرمال، ووصل عدد الكبارى الثقيلة التى أمكن تركيبها إلى ثمانية، بالإضافة إلى أربعة كبارى خفيفة، و31 معدية كانت تتحرك بسرعة وقوة من ضفة إلى ضفة حاملة معها المزيد من القوات والمعدات.وعندما حل منتصف الليل تماماً كانت هناك خمس فرق كاملة من المشاة والمدرعات على الضفة الشرقية لقناة السويس، وكانت معظم مواقع خط بارليف الحصينة قد حوصرت، ونصفها تم اقتحامه.

«السيسي» يتقدم جنازة اللواء محمد الفاتح بطل معركة جبل المر بحرب أكتوبر

«الصريطي»: تكريم الفنانين الذين شاركوا في حرب أكتوبر بالسيرك القومي

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل