المحتوى الرئيسى

بكر عويضة يكتب : الفرصة الضائعة.. هل توفرت فعلا؟

10/03 17:49

الخميس 27 ذو القعده 1434 هـ - 03 اكتوبر 2013 مـ

الخميس الماضي نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن «سما» الفلسطينيه تصريحا للسيد موسي ابو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركه حماس، تضمن التالي: «غزه كانت مشموله في إتفاق كامب ديفيد وكانت حينئذ فرصه لتحرير غزه مع سيناء»، معربا عن اسفه لضياع هذه الفرصه، حسب الوكاله. تابع قائلا: «لو كان الامر حدث، لكانت غزه الان محرره وتحت الاداره المصريه كما كانت سابقا».

ذلك كلام مهم من جوانب عده. بدايه، ان يقول ابو مرزوق بشمول اتفاق كامب ديفيد بندا ينص علي انسحاب اسرائيل من قطاع غزه، بما يمكن الحكم المصري من العوده لادارته، كما كان الحال حتي حرب الخامس من يونيو (حزيران) 1967، هو قول يحتاج الي شيء من التثبت، الامر الذي حفزني للرجوع الي نص الاتفاق، فلم اجد سندا لما ذهب اليه ابو مرزوق، سوي ان نص المقدمه يتضمن اشاره الي قراري مجلس الأمن 242 و338، ومن ثم فان الطرفين المصري والاسرائيلي يذكران بان اطار الاتفاقيه المتفق عليه في كامب ديفيد بتاريخ 17 سبتمبر (ايلول) 1978 «قصد به ان يكون اساسا للسلام ليس بين مصر واسرائيل فحسب، بل ايضا بين اسرائيل واي من جيرانها العرب - كل فيما يخصه ممن يكون علي استعداد للتفاوض من اجل السلام معها علي هذا الاساس». اما بنود الاتفاق الخاص بالدولتين فتضمنت اشاره صريحه واحده لقطاع غزه وردت في الماده الثانيه علي النحو التالي: «ان الحدود الدائمه بين مصر واسرائيل هي الحدود الدوليه المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب كما هو واضح بالخريطه في الملحق الثاني، وذلك دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزه»، فهل يمكن الربط بين جمله «دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزه»، وبين ما ورد في البند الثاني من الماده الاولي لاتفاق كامب ديفيد الذي نص علي التالي: «تسحب اسرائيل كافه قواتها المسلحه والمدنيين من سيناء الي ما وراء الحدود الدوليه بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، كما هو وارد بالبروتوكول الملحق بهذه المعاهده (الملحق الاول)، وتستانف مصر ممارسه سيادتها الكامله علي سيناء»، لاستنتاج ان قطاع غزه مشمول بالانسحاب الاسرائيلي؟ لست خبيرا في النصوص القانونيه، لكن الارجح ان الجواب واضح، فاستئناف «السياده المصريه الكامله» يخص سيناء، ولم يشمل قطاع غزه. اين هي اذن فرصه عوده غزه الي الاداره المصريه، التي كانت متاحه بموجب اتفاق كامب ديفيد، لكنها ضاعت؟

رغم انني اشك في توفر تلك الفرصه، يجب القول ان بروتوكولات وملاحق الاتفاقيه قد تتضمن ما يعزز ما ذهب اليه السيد موسى ابو مرزوق. علي كل حال، ذكرني كلام مسؤول حماس بحقيقه ان حديث «الفرص الضائعه» اقدم من اتفاق كامب ديفيد، وكذلك بحقيقه تباين المواقف ازاء تعريف «الفرصه» ذاته. علي سبيل المثال، من موقع المتعاطف مع الموقف العربي – الفلسطيني في التعامل مع العناد الاسرائيلي، كان الكاتب البريطاني الراحل بيتر مانسفيلد يبدو شديد الاسف ازاء «الفرص التي ضاعت»، ما يدفعني للتخفيف عنه، لكنه لم يكن يقتنع بسهوله، فيصر علي القول: «لكنكم يا عزيزي لا تضيعون فرصه لتضييع فرصه».

لماذا؟ الجواب - وليس عند صديقي مانسفيلد فقط – هو باختصار وبساطه، لان اساس العمل السياسي هو المناوره، وهذه تعني حريه الحركه، اي نقيض الجمود من منطلق رفض اي اخلال بمبادئ وعقائد ثابته. في هذا السياق، وفي الشان الفلسطيني علي وجه الخصوص، كثيرا ما ضربت امثال ذات جذور تضرب بعيدا في عمق التاريخ، بما في ذلك تعامل رسل وانبياء مع خصومهم، للتدليل علي امكانيه التراجع في لحظه ما لاحراز التقدم في وقت لاحق.

مع ذلك، تبدو القضية الفلسطينية ذات خصوصيه تكاد تكون فريده في نوعها عندما يتعلق الامر بتعامل اطرافها معها، وتعاملهم بعضهم مع بعض، وبالتالي تنسحب تلك الخصوصيه علي مسألة «الفرص»، هل توفرت بالفعل وضاعت، ام ان المساله اكثر تشابكا وتعقيدا مما تبدو للمراقبين عن بعد؟

في اطار ضرب الامثله، صار من السهل فور وقوع هزيمه يونيو 1967 القول ما معناه: لماذا لم يستمع العرب جيدا للرئيس التونسي الحبيب بورقيبه، عندما دعا الي القبول بقرار التقسيم الصادر عن الجمعيه العامه للأمم المتحده في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1947؟ تكرر ترديد مثل هذا التساؤل التوبيخي، ولا يزال، من منطلق يعتبر بشيء من التاكد غير المستند الي اي دليل، ان اقتراح المجاهد الأكبر شكل فرصه ضاعت هي ايضا.

في الواقع، ثمه فرق كبير بين خطاب يلقي، او تصريح يطلق، لجس نبض الشارع، وبين توجه استراتيجي يريد بالفعل ممارسه العمل السياسي بذكاء ومرونه يحولان دون اضاعه اي فرصه تفيد، كما هو الحال مع القضيه الفلسطينيه. هنا يمكن التساؤل عما اذا كانت قياده منظمة التحرير الفلسطينية اضاعت وقتا، حتي لا نقول فرصا، فقط لمجرد الاصرار علي ما اعتبر استقلاليه القرار الفلسطيني.

بالطبع، كان تاسيس المنظمه في حد ذاته بمثابه اعلان استقلال مؤقت للشعب الفلسطيني المشتت في مخيمات التهجير. لكن واقع الشتات هو ايضا كان، ولا يزال، ينعكس سلبا علي تلك الاستقلاليه. هذا امر نتج عنه دور فلسطيني تداخل مع اوضاع عربيه عده، مما تسبب بغير ازمه فلسطينيه مع اكثر من طرف عربي، وعلي نحو اضر كثيرا. وفي هذا السياق، فان فرضيه تقول ان تعجل المنظمه في انتزاع صفه «الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني» من قمه الرباط (اكتوبر/ تشرين الاول 1974) اضاع فرصه تمكين كل من الاردن ومصر من فرض اعاده الضفه الغربيه وقطاع غزه الي وضع كل منهما قبل حرب 1967 - تحتل مكانه معتبره في اوساط مختلفه، ومن دون ان يقلل ذلك من اهميه ما حققته المنظمه، نتيجه لقرار القمه ذاك، من اعتراف الدولي بكينونتها السياسيه وفر لها حضورا سياسيا مهما عزز صفتها النضاليه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل