المحتوى الرئيسى

عمر طاهر يكتب: زيد «2»

10/03 09:59

في بلاد الشام استقر مقام زيد بن عمرو عند راهب في صومعته، فحكي له عن المِ الغربه التي يعيشها بين قومه، وقال له انه ايضا لم يرتح للديانات السماويه الموجوده (اليهوديه والمسيحية)، فقال له الراهب: «يا زيد انك لتطلب دينًا ما يوجد اليوم احد يدين به، وهو دين ابيك ابراهيم، كان حنيفا لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، كان يصلي ويسجد الي هذا البيت الذي ببلادك، فالحق ببلدك فان الله يبعث من قومك في بلدك من ياتي بدين ابراهيم الحنيفيه، وهو اكرم الخلق علي الله».\nكانت البشاره واضحه وارتاح لها قلب زيد فعاد الي بلاده قويا بامله في ان يلحق بهذا النبي، كان يتلمسه في وجوه الكبار والاطفال وفي حكايات القادمين للطواف بالكعبه من قبائل بعيده، وفي كتب اليهود والنصاري، في ما يراه بعينيه حقا وفي الاحلام.

ترك زيد زمام امره لفطرته، كانت تغيب الشمس فيستقبل الكعبه ليصلي ركعه وسجدتين، ثم يقول: «هذه قبله ابراهيم واسماعيل، لا اعبد حجرًا، ولا اصلي له، ولا اكل ما ذبح له، ولا استقسم الازلام، وانما اصلي لهذا البيت حتي اموت».

كان اثر النبي سابقا علي ظهوره، وكان ان اشرقت انوارٌ ما في صدر زيد بفعل الانتظار، كانوا يسالونه عن حاله فيصمت، ثم اطمان قلبه لـ(عامر بن ربيعة) فقال له: انا انتظر نبيا من ولد اسماعيل، ثم من بني عبد المطلب، ولا اراني ادركه، وانا اؤمن به واصدقه واشهد انه نبي، فان طالت بك مده فرايته فاقرئه مني السلام، وساخبرك ما نعتُه حتي لا يخفي عليك.

قال عامر: هَلمَّ! قال: هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بكثير الشعر ولا بقليله، وليست تفارق عينه حُمره، وخاتم النبوه بين كتفيه، واسمه احمد، وهذا البلد مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منها، ويكرهون ما جاء به حتي يهاجر الي يثرب، فيظهر امره، فاياك ان تخدع عنه، فاني طفت البلاد كلها اطلب دين ابراهيم، فكان مَن اسال من اليهود والنصاري والمجوس يقولون: هذا الدين وراءك، وينعتونه مثل ما نعته لك، ويقولون: لم يبق نبي غيره.. يا عامر فان طال عمرك حتي التقيته فاقرئه مني السلام.

كانت أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهما، تحكي عنه قائله: لقد شاهدت زيد بن عمرو شيخا كبيرا، ظهرُه مسندٌ الي ظهر الكعبه ويقول: اللهم لو اني اعلم ايَّ الوجوه احب اليك عبدتك به، ولكنني لا اعلمه، ثم يسجد طويلا.

هل كانت اختيارات صحبه زيد مماثله؟

اما ورقه بن نوفل فقد ارتاح الي المسيحيه واستحكم فيها، واتبع كتبها من اهلها في كل مكان حتي صار عالما من علماء اهل الكتاب، لحق ورقه بدعوه سيدنا النبي في بدايتها، وكانت البشاره علي يده عندما اخبرته السيده خديجه بما جري في اول نزول للوحي علي النبي فقال «قدوس قدوس.. لقد جاءه الناموس الاكبر الذي كان ياتي موسي، يقصد جبريل عليه السلام، وانه لنبي هذه الامه». ويقال انه مات علي المسيحيه قبل ان تبدا الدعوه للاسلام.

اما عبيد الله بن جحش فقد ظل يترقب طريق الهدايه حتي لحق بالرسول فاسلم، ثم هاجر مع المسلمين الي الحبشه، فلما وصل هناك واطّلع علي المسيحيه تنصّر، وظل يعيش هناك حتي مات مسيحيا.

اما عثمان بن الحويرث فقد استقر به المقام في كنف ملك الروم، وارتاح الي المسيحيه وظل عليها وحسُن مقامه ومنزله عند ملك الروم حتي مات هناك.

اما زيد فقد عاد الي الشام من جديد الي الراهب الذي زاره من قبل، وكانه يتعجل خبر ظهور النبي، فقال له الراهب: عد الي بلادك فالحق بها، فانه مبعوث الان، هذا زمانه.

كانت قريش تعاني من اثار الاضطراب الفكري الذي بثه زيد في عقول شبابهم، ولم يستبشروا خيرا بعودته من بلاد الشام، ففي كل مره يعود الي مكة اقوي من ذي قبل، فيستفز وجدان كثيرين يعبدون الاصنام علي حرف، ويشيع امر النبي المنتظر الذي سيقلب الموازين، ففكروا ان يتخلصوا منه.

في طريق عودته من الشام وهو يمنِّي نفسه بلقاء النبي الذي اتي زمانه وجد نفسه محاطا بوجوه ليست غريبه عنه، وقبل ان يتعرف عليها كانوا قد اعملوا فيه سيوفهم.

بينما زيد يلفظ انفاسه الاخيره علي الطريق الي مكه، نظر الي السماء قائلا: اللهم ان كنت حرمتني من هذا الخير فلا تحرم منه ابني «سعيدا».

كان دعاء هذا الرجل الذي مهّد الارض امام رساله سيدنا محمد مستجابا، فكان (سعيد بن زيد) من اوائل المسلمين، وكان انْ اصبح واحدا من العشره المبشرين بالجنه.

في غزوه بدر غاب سعيد بن زيد عن المعركه، لان النبي كان قد اوكل اليه مهمهً ما بعيده عن الميدان، فلما عاد زيد ووجد النبي والمسلمين منتصرين بدا علي وجهه بعض الضيق من غيابه عن هذا الشرف، فكّر النبي في ان يطيِّب خاطر سعيد، فاخذ النبي منه قوسه وضرب له سهما فاصبح كانه قد شهد الغزوه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل