المحتوى الرئيسى

كيف سيتفرغ الإخوان لمراقبة كوكب أورانوس؟

09/29 23:05

هناك كتاب ظريف يباع في مكتبه مدبولي منذ سنوات.. كتبه لواء سابق (لا ادري يقينًا لواء شرطه ام جيش)، يتناول بصوره معلوماتيه الفِرَق والمذاهب التي ظهرت في صدر الإسلام من شيعه وخوارج ومرجئه ومعتزله، بالدراسه والشرح والتفصيل.

 الطريف ان سياده اللواء الذي كتب هذا الكتاب كان يتناولهم جميعًا بوصفهم فرقًا مارقه تمردت علي نظام الحكم، وما بين السطور ايماءات وتعبيرات تركز في حقيقه كونهم من «المخربين» «الخارجين علي قانون الدوله».

الكتاب مثير للضحك لا انكر، اذ يبدو اول تحليل «امني» رصين للبنيه الفكريه للفِرَق والمذاهب في الاسلام.. هو ببساطه عباره عن تناول للمذاهب من منظور امني.. لا عقيدي كما يفعل السلفيون.. ولا فكري كما يكتب استاذه الفلسفه.

وهي المره الاولي التي تخضع فيها افكار واصل بن عطاء ومعارك شبيب الشيباني واشعار قطري بن الفجاءة وحروب المختار الثقفي لمثل هذا التناول الذي بدا اشبه بـ«تستيف» ملفات لهم في أمن الدولة حتي ولو بعد وفاتهم بنحو 13 قرنًا!.

الكتاب، كوثيقه امنيه جافه، ينتصر في النهايه الي الدوله التي ثبتت في مواجهه كل هذه الانواء الفكريه وما استتبعها من تحزب الفِرَق في جيوش خاضت حروبًا ضد الدوله في كثير من الاحيان.

لكنه من غير قصد، ربما يعكس لنا ان التشويه الذي شنّته الدولتان الامويه والعباسيه ضد خصومهما من هذه الفرق، جنبًا الي جنب مع عمليات تطهير عسكري واسعه النطاق ضدهم، تمكنت ــ وان علي مدار عشرات السنوات ــ من النيل من هذه المذاهب وتلويث سمعتها تمامًا.

انت اليوم لا تقابل شخصًا يصف نفسه بانه معتزلي (فيما عدا د.حسن حنفي!)، وبالطبع لا يُعرف احد نفسه بانه (جهمي).. وحتي الخوارج الذين يمثلون غالبيه سكان سلطنة عمان، لا احد يسمع بهم ولا بارائهم ولا يشكلون هم بكل عقائدهم شيئًا في المشهد الاسلامي العام.. بل لا يعرف الكثيرون ان سلطنه عمان «اباضيه» المذهب.. فضلًا عن عدم معرفه احد بعقائد المذهب الأباضي اصلًا.

تمكن الشيعه من البقاء في لبنان وسوريا والعراق وايران، تحت تصنيفات وطوائف مختلفه، لاسباب تاريخيه يتداخل فيها السياسي اكثر من العقائدي، لكنهم لعموم الجمهور السُّني من المسلمين، ما زالوا طائفه مجهوله الافكار او غير مفهومه المعتقد.. الي حدود عشر سنوات مضت فحسب!

وبمد الخط علي استقامته، فان مطارده عده انظمه عربيه لجماعة الإخوان، مع تشويههم ولفظهم مجتمعيًا، سيجدي بصوره ناجعه علي المدي القريب.. بل واقرب مما يتخيل الذين يعجبهم ايراد تجربه قمع الاسلاميين في التسعينيات شاهدًا علي فشل الدوله في دحض الافكار او في تفكيك اوصال الاسلاميين.

فالحروب ضد الافكار، تستغرق عشرات السنوات، لا مجرد عقد او عقدين او جوله او جولتين.. فضلًا عن ان هذه المعركه الاقليميه التي تتبناها عده انظمه عربيه ضد الاخوان، تسير بوتيره غير مسبوقه وبامكانات مهوله، اعلاميًا وامنيًا، مدعومه بمسانده اجتماعيه وغضب شعبي جارف.

والاخوان من جانبهم، وبقدرتهم العصاميه علي هدم جماعتهم وتشويه انفسهم، ساهموا بصوره اسطوريه علي مدار عام كامل من تبديد رصيدهم في النفوس وتحويله هشيمًا تذروه الرياح.. بل راح الذين كانوا ينتقدون عبد الناصر وقمع سنواته ضد الاخوان، يلتمسون له العذر ويرون في سياسته الحنكه والحكمه واستقراء الغيب.. «هو اللي فهمهم بدري بدري الله يرحمه» هكذا اسمع الجمله عشرات المرات.

الخطير والذي يضع الاخوان في العراء تمامًا.. والذي يجعل من امكانيه تحقيق «المرجئه» او «الجهميه» او «القائلين بالرجعه» نتائج افضل من الاخوان في اي انتخابات قادمه في مصر، هو ان الاخوان جماعه بلا مذهب اصلًا!

الاخوان تنظيم سُني، لكنه لا يعلن اعتناق اي رؤيه فقهيه او مذهب بعينه، مالكيًا او حنفيًا او شافعيًا او حنبليًا، ويفضل اللعب في مساحه مرنه مطاطه تتيح له ان يختار مواءماته وفقًا لاحتياجات الظرف ووفقًا لارتجالات القدر.

يقول الاستاذ حسن البنا في تعريفه للجماعه (ان الأخوان المسلمين دعوه سلفيه، وطريقه سُنّيه، وحقيقه صوفيه، وهيئه سياسيه، وجماعه رياضيه، ورابطه علميه وثقافيه، وشركه اقتصاديه، وفكره اجتماعيه).. وهو تعريف ربما يصلح لان تقول علي نفسك اي شيء وان تتخذ اي موقف.. هو فقط لم يذكر موقف الاخوان من انقراض البطاريق.

ثم هي جماعه تتقلب سياسيًا وفقًا لما تمليه موازين القوي، فلا هي تنزع الي قيم العدالة الاجتماعية فتتجه يسارًا، ولا هي التي تقدر علي المصارحه بانها تفضل النموذج اليميني الليبرالي.. وهو ما عكسه تناقض خطاب الاخوان من الستينيات الي السبعينيات.

وفي هذا دراسه مدهشه للراحل حسام تمام -رحمه الله- تعرض فيها لتبديل نماذج الصحابه في مناهج الاخوان الداخليه، ففي الستينيات كانوا يدرسون سيره أبي ذر الغفاري وابي هريره –رضي الله عنهما- كنموذج للمسلم الفقير الصابر المجاهد، في حين لجاوا مع الانفتاح في عهد السادات لتدريس سيره عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنهما- كنموذج للصحابه الاثرياء الذين سخّروا اموالهم لصالح الاسلام واعمال الخير.

ثم يتبدل موقفهم من القوي العالميه وفقًا للحظه الانيه.. ينددون احيانًا بالدور الامريكي في المنطقه ويرفضون غزو العراق، لكنهم يشاركون في مجلس بول بريمر الحاكم العسكري للاحتلال!

هي جماعه تتخذ الموقف وعكسه في كل شيء ولا تثبت علي قناعه بعينها.. تراوغ وتكذب كما تتنفس، الامر الذي يجعل من الحرب ضدها حربًا قيميه لا حربًا مذهبيه او سياسيه.

لقد ثبت الخوارج والشيعه ضد الامويين ثم العباسيين، واستبسل عبد الله بن الزبير وجماعته ضد عبد الملك بن مروان، لان هناك بُعدًا عقائديًا وفكريًا كان يتم بموجبه تعبئه الحشود والانصار.. كانت هناك فكره تتقد جذوتها، سواء تحت رايه يقين ديني او غيره فكريه.

في حين ان الاخوان الذين نشات جماعتهم لاجل استعاده الخلافة الاسلامية واقامتها في انحاء الارض.. تضاءلت معركتهم وتقزّمت الي «الشرعيه» و«الانقلاب» وكل هذه السخافات التي يدهسها الامر الواقع يومًا بعد يوم.

ربما لا يتخيل الاخوان بعد سنتين من الان، كم ستبدو مظاهرات يوم الجمعه ضد الانقلاب اشبه بفقره الحاوي حين يمر في الحواري والمناطق الشعبيه او بتطبيل المسحراتي في فجر رمضان.. كلها مفردات رفاهيه تنتمي لظواهر فلكلوريه علي وشك الانقراض.. ولم نعد نتذكر علي الاحري متي نشات ولا لِمَ!

نقطه قوه الاخوان التاريخيه كانت اللاموقف الذي يتيح لهم التلون والتنصل.. لكنها اليوم كعب اخيل هذه الجماعه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل