المحتوى الرئيسى

نعم أنا إمام ولكنني أيضا بشر

09/29 14:40

راي: شريف السليماني - من المسلم به ان ائمه المساجد يجب ان يكونوا ابعد الناس عن الحرام، والحرام هو ما حرمه الله ورسوله. الا ان هناك امورا لا علاقه لها بالحرام او حتي بالشبهات، وانما هي اعراف وتقاليد وقيود من وضع الناس اثقلوا بها كاهل الأئمة، وجعلوها من شروط الامامه، ومعيارا لقبول الامام او رفضه، وربما كانت لها الاولويه عندهم علي حساب الشروط الشرعيه المعتبره.

كنت الاحظ الراحه والسعاده علي وجوه الائمه كلما جمعنا لقاء خلونا فيه مع بعضنا، نتصرف بصفتنا الفطريه البشريه بما لها وما عليها، نسترد انفسنا التي اخذتها منا الضغوط ونكتشف ذواتنا، نكون كما نحن في الحقيقه، دون اقنعه ودون ضغوط لانه لا احد يعد علينا اللفظ والنفس الا الله طبعا (وكفي بالله شهيدا) نتصرف بعفويه وتلقائيه، نتمازح ونضحك ونلعب ونتصارع، نقول الشعر بانواعه المدح والهجاء وحتي الغزل، ونقص النكت......لحظات لا يعيشها ولا يقتسمها الامام الا مع امام مثله.

سالت نفسي لماذا لا نتصرف هكذا دائما بعفويه وتلقائيه؟ لماذا علينا نحن الائمه ان نراعي تفسير الناس وفهمهم ونظرتهم لكل ما يصدر منا؟

سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يتصرف في بعض الاحيان بوصفه بشرا، لا بوصفه نبيا رسولا كما يقول علماؤنا، من ذلك حبه لبعض الالوان وبعض الماكولات علي بعض، وحبه لبعض النساء علي بعض، وفي حديث صحيح ان امراه اتته فعرضت عليه نفسها فنظر اليها فلم تعجبه فرفض الزواج بها. وهذا لا ينقص من قدر رسول الله صلي عليه وسلم، بالعكس هذا يبين ان الانبياء ليسوا الات جامده يحركها الوحي، فهم بشر قبل ان يكونوا انبياء - بلغوا الكمال البشري طبعا- وقد يعتريهم ما يعتري البشر الا ما عصمهم الله منه مما لا يتناسب مع وظيفتهم الرساليه. وقد استغرب بعض المشركين ابان البعثه هذا الامر. قال تعالي (وقالوا ما لهذا الرسول ياكل الطعام ويمشي في الاسواق)، لكن القران ابي الا ان يؤكد هذه الحقيقه في العديد من المناسبات، قال تعلي ( قل انما انا بشر مثلكم....).

اذا كانت الطبيعه البشريه تظهر حتي في تصرفات الانبياء عليهم السلام، فكيف ينتظر من ائمه المساجد ان يكبتوا طبعهم البشري وميولهم الفطري ويتصرفوا فقط بما تقتضيه وظيفتهم. وحسب الصوره النمطيه التي وضعها المجتمع لهم.

فائمه المساجد قبل ان يكونوا ائمه فهم بشر مثل باقي الناس لهم ما يحبون وما يكرهون لهم اذواقهم ولهم ميولاتهم، ولهم هواياتهم، ولم لا يكون لهم في الرياضه والسياسه والفن نصيب؟

ام لا بد ان يعرف الائمه من بعيد باشكالهم وهيئاتهم من بين باقي الناس كما تعرف سيارات الأجرة بلونها ونوعها من بين باقي السيارات؟ ربما سيحددون لنا زيا موحدا ولونا معينا وربما سيوضع لكل امام رقم معين يتميز به عن غيره ما دام التميز في الجوانب الاخري اصبح ممنوعا (السجين بل الامام رقم كذا).

بعض الناس مع الاسف له صورة نمطية للامام بناها انطلاقا من ثقافة شعبية او نماذج قديمه لائمه عاصرهم هو او اباؤه او ربما حتي اجداده. فلا يحق للامام ان يخرج عن تلك الصوره التي بناها هو في مخيلته، والتي قد لا تمت للشرع ولا للواقع بصله. فالامام في نظرهم لا يمارس الرياضه ولا يلبس البذله ولا يجلس في المقهي ولا يسوق السياره، هذا الامام الذي نصلي خلفه خمس مرات في اليوم، والذي لا تتم عقيقه ولا وليمه ولا جنازه الا بحضوره، ومع ذلك فلا يجوز ان يكون افضل من غيره لا في اجرته ولا في مسكنه ولا في ملبسه ولا حتي في مضجعه. ان هذا البعض من الناس مصابون بداء مزمن اسمه: داء مقارنه النفس مع الامام، (راه تيربح اكثر منا) وليت المقارنه كانت في العلم والعمل.

ذات مره كنت في نقاش مع احد الزملاء الائمه حول هذا الموضوع وحول اسبابه، فقال لي مازحا: لقد صادفتنا نحن الائمه دعوه احد الاولياء الصالحين حين دعا علينا فقال: (اللهم اجعل ازواجكم عجائز وعشاءكم جنائز). طبعا ليس كل الائمه اصابتهم دعوه هذا الولي المزعوم، ولكنها اصابت الكثيرين من تعساء الحظ منهم، لذلك كثيرا ما تسمع ان فلانا اهدي بنته لامام، او ان العائله الفلانيه زوجت الامام- حتي في صيغه الكلام تحس ان الامام لا حول له ولا قوه، فالغير من زوجه والغير من اهدي له- وحينما تدقق في اوصاف العروس المهداه غالبا ما تكون من العوانس اللوات فاتهن قطار الزواج .اما ذوات الشباب والجمال والمنصب والمال فلن يكن ابدا من نصيب الامام. طبعا ويجعلون للامام ما يكرهون.

وحتي ان وافق ابو الحسناء وولي امرها فمن الصعب ان توافق هي علي ذلك، لان القيود والنمطيه المفروضه علي الامام تلاحق حتي زوجنه في الكثير من الاحيان.

فزوجه الامام يجب ان تكون ارزن النساء واعقلهن، لا تخرج عن وقارها ابدا، ولا تنزع حجابها حتي وسط النساء، لا تضحك اذا ضحكن ولا ترقص اذا غنين. يجب ان تتميز عن الجميع ويعرفها كل من يراها لاول وهله انها زوجه الامام، لما يظهر علي حالتها وهياتها من جهل وبعد شديد عن الموضه والعصرنه. فاما ان تكون كذلك حقيقه واما ان تتصنع وتلبس القناع طول حياتها.

ذات مره وانا اتجاذب اطراف الحديث مع احد الاصدقاء من الجماعه قال لي انه معجب بشخصيه امام معين، يحس ان لذلك الامام هيبه ووقارا من خلال هيئته وطريقه تعامله مع الناس التي تغلب عليها الجديه والصرامه، مما جعله يكسب احترام الجميع. صاحبي يقول لي بطريقه غير مباشره انه غير راض عن هياتي، وان علي ان اقتدي بالامام الذي ذكر. قلت له : ان ما تراه انت ايجابيا في ذلك الامام قد يراه غيرك سلبيا، قد يري الغير ان الامام يجب ان لا يتميز عن الناس وان لا يضع بينهم وبينه حواجز لا من خلال مظهره ولا من خلال سلوكياته كي يقتربوا منه ويصاحبوه ويتاثروا به عن قرب، وخاصه الشباب منهم.

كنت العب الكره مع بعض الشباب من ابناء الجماعه، فبلغني ان احد الشيوخ قال: والله لو كنت اعلم انه يلعب الكره ما اديت الشرط (واجب الانخراط).

وليت شعري كيف سيكون رد هذا الشيخ وامثاله لو قرا ما كتبه الشيخ محمد الغزالي تحت عنوان (الامام يغني)، حيث ذكر قصه امام كان كلما اتم الصلاه تغني بابيات من الشعر، فلم يرق ذلك للمامومين فشكوه الي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاءه عمر بنفسه واستبان من امره واستمع الي الابيات التي كان يتغني بها، فاذا هي موعظه وتذكره للنفس بلقاء الله، فردد معه عمر رضي الله عنه بعضها ثم قال: من اراد ان يغني فليغن بمثل هذا، والقصه موجوده في الكثير من الكتب كالاعتصام للشاطبي وسيره عمر للطنطاوي.

نرشح لك

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل