المحتوى الرئيسى

مبارك يكشف عن أسباب اختيار إسرائيل لساعة الصفر

09/29 09:46

تواصل صحيفة الراي الكويتية نشر مذكرات الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ويتطرق في الحلقة الثالثة إلى الأسباب الرئيسية التي جعلت إسرائيل تحدد ساعة الصفر في الثامنة إلا الربع يوم 5 يونيو بتوقيت تل أبيب ..

ومحاولات على العسكرية المصرية الاستماتة في الحصول على أجهزة الرادار القادرة على كشف الأهداف المعادية في الوقت الذي كانت فيه الغالبية الساحقة من الطائرات المصرية ترقد على أرض مطاراتنا وقواعدنا الجوية في العراء . وأن قّلد حرفياً خطة أساتذته في حرب 1956وتطرق إلى خدمة  فايتسمان في مطار فايد وأنه عرف كل شيء عن القواعد المصرية وأن ما حدث كان نتيجة أخطاء مصرية لا عبقرية إسرائيلية وسببا في ارتفاع نسبة الخسائر ..

يقول مبارك في الحلقة الثالثة من مذكراته  إن إسرائيل تعرف - بلا شك - أن كاتب هذه المذكرات، طيار مقاتل، درس ومارس التخطيط والقتال الجوي، بالمستوى الذي يجعله قادرًا على الحديث عن أي خطة جوية، حديث من يعرف دقائق العملية وأسرارها، بكل ما فيها من نواحي الامتياز والقصور، وبكل ما حوت من تقليد أو تجديد.

وإذا كان هناك احتمال للتعصب من جانبي ضد خطة الجنرال الإسرائيلي مردخاي هود ـ كما رُسمت ونُفذت ـ بحكم العاطفة الوطنية، فإن الضمان الوحيد لكشف الحقيقة، والحقيقة وحدها ـ في تلك الخطة التي تحولت بفعل الدعاية إلى أسطورة ـ هو الاتفاق منذ البداية على أسس موضوعية للتحليل، وقواعد ثابتة معترف بها في جميع مدارس الفكر العسكري ومناهجه، شرقية كانت أم غربية. ثم ننطلق من هذه الأسس والقواعد المتفق عليها علميًّا، إلى تطبيق صحيح لدقائق الضربة الإسرائيلية لطيران مصر.

ويشير إلى أنه في القاهرة: كانت الأحداث تتلاحق بسرعة مذهلة، ويتصاعد الموقف بشكل لا يترك فرصة لالتقاط الأنفاس  وأن  رؤساء الوحدات وقادة الأسلحة المختلفة في الجيش المصري، يتلقون الأمر اليومي رقم «1» الذي يقول: «أعلنت حالة الاستعداد القصوى ابتداءً من يوم 15 مايو، الساعة 14:30، وتغادر الفرق والوحدات التي أعدت للعمليات مراكزها الحالية، وتتحرك نحو مناطق التجمع والانتشار التي خُصصت لها، وتستعد القوات المسلحة للانتقال للقتال على الجبهة الإسرائيلية، طبقا لسير العمليات وكذلك وجود قرار مصري بسحب قوات الطوارئ الدولية المتمركزة على الجانب المصري من الحدود الفاصلة بين مصر وإسرائيل.. ثم إغلاق مضيق تيران في المدخل الجنوبي لخليج العقبة ـ وهو شريان الحياة الوحيد للعلاقات النامية بين إسرائيل ودول أفريقيا والشرق الأقصى.. ومنابع البترول مصدر الطاقة الذي لا حياة لها من دونه. ويتطرق إلى المؤتمر الصحافي العالمي، الذي عقده المرحوم الرئيس السابق جمال عبدالناصر، ويعلن فيه ـ أمام المئات من الصحافيين ومراسلي وكالات الأنباء العالمية ـ تهديده لإسرائيل ـ بإلقائها في البحر، إذا نشبت الحرب بينها وبين مصر، أو إذا جازفت بالهجوم على سورية. وأيضا اللقاء بين جمال عبدالناصر وأعضاء «اللجنة المركزية لاتحاد النقابات العربية» يعلن فيه أنه «إذا هاجمت إسرائيل سورية أو مصر، فإننا جميعًا سندخل الحرب ضدها، وسيكون هدفنا الأساسي هو تدمير إسرائيل.. إنني لم أكن أستطيع أن أقول مثل هذا الكلام منذ ثلاث سنوات أو خمس، وليس من عادتي أن أعد بشيء لست قادرا على تحقيقه.

أما اليوم فإنني مقتنع بانتصارنا.. إن مصر تتوقع في كل لحظة هجوم إسرائيل، الذي سيتيح لنا الفرصة لتدميرها».

وبشكل سريع يتطرق الى بنظرة سريعة الى تاريخ نشأة السلاح الجوي الإسرائيلي، والظروف النفسية التي تأسس في ظلها، والعقيدة القتالية التي عاش أفراد هذا السلاح يستنشقونها كالهواء. إلقاء هذه النظرة التاريخية، أمر حيوي، في التحليل المنصف لعملية «طوق الحمامة» التي رسمها «هود»، سواء من حيث التخطيط أو التنفيذ.

وأول ما يطالعنا في تاريخ «الطيران الإسرائيلي» عبارة أطلقها ذات يوم أحد أدباء إسرائيل ووصف فيها طيران بلاده، بأنه «طيران يملك دولة»، ورغم ما يبدو في هذه العبارة من «تهريج» ظاهري ودعاية لاذعة.. فإنها في حقيقة الأمر، تعبر عن واقع مؤسف يعيشه الإسرائيليون، ويخضعون له طوعًا أو كُرهًا.. لأنه نابع من طبيعة الظروف المكونة لإسرائيل كدولة ومجتمع، يقومان على تبني نظرية متعصبة تؤمن ـ من جهة ـ بتفوق الجنس.. وتحلُم من جهة أخرى ـ بالتوسع والاستعمار الاستيطاني لأجزاء من الوطن العربي.

هذا التعصب العنصري، والإيمان بتفوق «الجنس» إلى جانب الحلم الأسطوري بانتزاع أجزاء من أراضي الدول العربية المجاورة؛ جعل وضع إسرائيل منذ قيامها ـ كشعب ودولة ـ في حالة حصار دائم، تمارسه من حولها الدول العربية المحيطة بها.

ولما كانت إسرائيل من جانبها، وبحكم قلتها العددية، بالقياس إلى الكثرة العربية الهائلة من حولها، غير قادرة على رفع هذا الحصار عمليًّا فقد اتجهت إلى رفعه نفسيًّا.

بل إن اسرائيل تجاوزت هذا، إلى التفكير في تحويل الحصار ـ العددي المفروض عليها من العرب ـ إلى حصار نفسي، تفرضه هي على الدول العربية مجتمعة، عن طريق إنشاء قوة ضاربة ذات قدرة قتالية مرتفعة، تستطيع عن طريقها، أن تغرس الرعب في قلب الإنسان العربي، وتحقق بها في نفس الوقت، التوازن النفسي بين أحلام التوسع العدواني التي تعشش في عقل الإسرائيلي، كما تصور هالة أبواق العسكرية الإسرائيلية، وبين الفزع الطبيعي الذي يهاجم هذا المواطن التعس ـ ليل نهار ـ وهو يحس برياح الخطر والعداء تهب عليه وتحاصره من كل جانب.

فإذا عرفنا أن سكان إسرائيل ـ بملايينهم الثلاثة المحدودة ـ لا يمكن أن يشكلوا ـ عدديا على الأقل ـ القوة «البرية» المسلحة التي لا تغرق في محيط الكثرة السكانية العربية الرهيبة من حولها.. يتضح لنا، السر الحقيقي في التركيز على الطيران بالنسبة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية ـ وهي بعقيدتها العدوانية.. تضمن العدوان على الغير كما تتوقعه من الغير بنفس الدرجة.

هكذا تحول الطيران الإسرائيلي، إلى «وهْم كبير» في عقول الإسرائيليين أنفسهم، قبل أن يكون وحشًا خرافيًّا طائرًا بالنسبة للإنسان العربي.. بل إن واجب الإنصاف والأمانة العلمية ـ حتى بالنسبة لخصم لا يتوقف كثيرًا عن الأمانة إذا لم تخدم أهدافه العدوانية ـ يفرض علينا أن نقول إن الشخص الإسرائيلي ـ سواء أكان مواطنًا عاديًّا.. أم واحدا من أكبر قادة المؤسسة العسكرية في إسرائيل ـ هو أولاً وأخيرًا، ضحية لخرافة «الوحش الإسرائيلي الطائر» قبل أن يكون صانعًا لهذه الخرافة أو مروجًا لها.

ويؤكد مبارك في مذكراته انه كان واجبًا على العسكرية المصرية في مواجهة كل هذه التحديات، التي تمثلت في حدود مصرية بالغة الطول، وفي حاجة ماسة للتأمين ضد الهجوم الجوي من عدو يفاخر بأنه يملك ذراعًا طويلة اسمها «الطيران الإسرائيلي» يعتمد عليها في تنفيذ مخططه العدواني.. أن تضع نصب عينيها، وهي تخطط للدفاع عن مصر، ما حققه الطيران الحربي في العالم، من خطوات واسعة المدى على طريق التقدم، سواء من حيث التسليح أو كمية الذخائر المحمولة بالنسبة للطائرات القاذفة ـ أو القدرة على المناورة والطيران على ارتفاعات بالغة الانخفاض ـ بالنسبة لكل أنواع الطائرات الحربية بوجه عام.

ويشير الى ان هذا يقتضي بالضرورة، الاستماتة في الحصول على أحدث أجهزة الرادار القادرة على كشف الأهداف المعادية التي تتحرك على ارتفاعات منخفضة، ونشر هذه الأجهزة في أنساق متتالية على امتداد الحدود الشرقية والشمالية لمصر، التي يمكن أن يفكر العدو في اختراقها، للقيام بضربة جوية مفاجئة.. وإلى جانب حزام أجهزة الكشف الراداري ـ القادرة على إرسال موجاتها على ارتفاعات منخفضة ـ كان من المحتم أيضا، العناية بأسلوب الإنذار البشري بالعين المجردة، وهو ـ رغم ما قد يبدو من بدائيته أسلوب أثبت فعاليته في كثير من الأحوال، وقدرته على سد الثغرات في حزام الأمان الذي تكونه أجهزة الرادار الحديثة.

ويرى انه كان من الواجب ايضا وضع في الحسبان، إذا أرادت العسكرية المصرية في العام 1967 ـ أن تقي بها مصر جيشًا وشعبًا أي مفاجأة غادرة، خصوصا مع تصاعد التوتر في الموقفين السياسي والعسكري مع العدو ـ قبيل ضربة الخامس من يونيو ـ هي المرونة في وضع خطط الإنذار المتحرك، الخاصة بمظلات طائرات الحماية والاعتراض، التي أثبتت التجارب العملية نجاحها في التغلب على كثير من الصعوبات التي تواجه أجهزة الإنذار الأرضية الثابتة كعمليات التشويش والإعاقة والتمويه التي قد يلجأ إليها العدو ليعطل بها أجهزة الرادار، أو يصيبها بالعمى، فتعجز عن القيام بمهمتها الخطيرة في الإنذار المبكر باقتراب العدو الجوي.

ومن هنا كان وجود أسراب طائرات الحماية والاعتراض، معلقة في الأجواء المصرية ـ وعلى طلعات متفاوتة المواعيد طوال الأربع والعشرين ساعة ـ هو الضمان الحتمي، لمواجهة أي احتمال لتعطيل أجهزة الرادار أو تضليلها.. ومعنى هذا بالضرورة.. هو المرونة في مواعيد إقلاع هذه المظلة الجوية وهبوطها.. وعدم ثبات هذه المواعيد، بحيث لا يأخذ العدو فرصة لالتقاط أنفاسه ولا يستطيع تحديد وقت معين تخلو فيه السماء المصرية من طائرات الحماية، يستطيع خلاله أن يضرب ضربته الجوية المفاجئة.

ويضع مبارك اسئلة الأول يقول: لماذا حددت إسرائيل ساعة الصفر لتنفيذ عمليتها الجوية لضرب الطيران المصري ـ في الساعة الثامنة إلا الربع بتوقيت تل أبيب ـ التاسعة إلا الربع بتوقيت القاهرة ـ مثلًا ـ لم يبدأ الهجوم قبل ذلك الموعد أو بعده بساعة؟

السؤال الثاني: يتناول جانبين مهمين من العملية الهجومية الإسرائيلية، وهما: تحقيق عنصر المفاجأة الكاملة ـ تقريبًا ـ لسلاح الجو المصري، ثم.. ارتفاع عدد الطلعات التي قامت بها الطائرات المغيرة في اليوم الواحد ـ يوم 5 يونيو ـ بحيث حققت سلسلة متصلة الحلقات من الغارات شبه المستمرة على المطارات المصرية، جعلت منها طوقًا، أشبه بطوق الحمامة، وهو نفس الاسم الكودي للعملية الإسرائيلية.

وبالنسبة للسؤال الأول ـ الخاص بتحديد ساعة الصفر في التاسعة إلا الربع بتوقيت القاهرة ـ فقد اضطرت قيادة سلاح الجو الإسرائيلي ـ وبعيدًا عن كل الدعاية وأساطير الحرب النفسية ـ إلى الاعتراف بالحقيقة، وهي أن الجنرال الإسرائيلي «هود» استفاد من خطأ القيادة المصرية التي كانت ـ طبقًا للنظرية العسكرية المتخلفة التي أشرنا إليها من قبل ـ تحدد ساعة الخطر المرتقب «بأول ضوء».

لم يكن على «هود» سوى الابتعاد عن هذه الساعة الخطرة من وجهة النظر المصرية، التي تبلغ فيها الدفاعات المصرية ـ الثابتة والمتحركة ـ أقصى مدى لها.. وهذا ما فعله بالضبط، فقد ابتعد عن تلك اللحظة الحرجة بالنسبة لطياريه، التي يحتمل أن يواجهوا فيها طائرات الحماية والاعتراض التي تحلق في الأجواء المصرية ـ عقب أول ضوء ـ ثم تهبط إلى قواعدها عند زوال الخطر كما تتصوره قياداتنا السابقة، كما أن الجنرال الإسرائيلي، استفاد من تقارير الأرصاد الجوية التي أكدت أن الممرات التي كان قد حددها كمسار لطائرات الموجة الأولى من موجات الضربة الجوية، وتقع في المدخل الشمالي للدلتا ـ من ناحية البحر الأبيض ـ ستكون مغطاة بضباب لن ينقشع قبل الساعة الثامنة صباحًا، وسيكتمل انقشاع هذا الضباب بعد ذلك بنحو نصف الساعة، فإذا بدأت الموجة أولى هجومها في التاسعة إلا الربع، فإن طياريها سيضمنون رؤية واضحة تمامًا لأهدافهم من ناحية، واسترخاء مداهم الجوي الذي تحكم قياداته نظرية بالية من مخلفات الحرب العالمية الثانية من ناحية أخرى.

بالنسبة للسؤال الثاني ـ الخاص بتحقيق الطيران الإسرائيلي، للمفاجأة الكاملة لسلاح الجو المصري، من ناحية، وارتفاع عدد الطلعات التي قامت بها الطائرات الإسرائيلية في اليوم الواحد ـ فإن الأمر لم يكن بحاجة إلى كل هذه الأساطير التي نسجتها أبواق الدعاية وأجهزة الحرب النفسية الإسرائيلية، لتضخم ما حدث يوم 5 يونيو.

ذلك أن نجاح الطيران الإسرائيلي في مفاجأة الطيران المصري في ذلك اليوم، لا يرجع إطلاقًا إلى عبقرية عسكرية فذة، وليس معجزة يستحيل تكرارها.. الأمر أبسط من هذا ـ وأكاد أقول.. أكثر سذاجة مما صورته الدعايات الإسرائيلية..وهو لا يخرج عن استفادة جيدة من الإمكانيات المتاحة للجنرال هود وسلاحه الجوي من ناحية، واستغلال الخطأ في التفكير العسكري، والقصور في العتاد، خصوصا في أجهزة وأساليب الإنذار المبكر على الجانب المصري.

ولو أننا استعدنا تفاصيل العملية الهجومية ذاتها كما خطط لها هود ونفذها طياروه؛ لوجدنا أمامنا الدليل القاطع، الذي لا يقبل المناقشة على صحة ما ذهبنا إليه من بساطة وتقليدية خطة العملية الإسرائيلية، وخلوها من أي ملمح من ملامح العبقرية والإعجاز العسكري، إلا إذا جاز لنا أن نصف التلميذ الذي يحفظ جدول الضرب، بأنه عبقري معجزة، إذا استطاع أن يعرف أن الرقم 144 ـ مثلا ـ هو حاصل ضرب الرقمين 12في 12.

ويؤكد إن مردخاي هود في تخطيطه لعملية 5 يونيو، كان تلميذًا مجدًّا للعسكرية «الإنجلوفرنسية»، التي خططت لضرب سلاح الجو المصري العام 1956 ـ التي عرفت باسم العدوان الثلاثي.. والتي أخذت فيها إسرائيل دور الشريك الأصغر، الذي تعلق بذيل العربة التي يقودها الشريكان الأكبر سنًّا، والأكثر ثراءً ومقدرة.

ففي العملية الأولى التي نفذها الطيران الإنكليزي بالاشتراك مع الطيران الفرنسي، أتت الطائرات المغيرة من البحر الأبيض، ودخلت الأجواء المصرية من شمال الدلتا، لتهاجم المطارات المصرية، التي كانت معروفة تمامًا، بكل تفاصيلها وتجهيزاتها للطيارين الإنكليز، الذين لم يكن قد مضى على مغادرتهم لهذه القواعد الجوية سوى فترة زمنية قصيرة لم تكن تسمح بتغيير معالم هذه المطارات، أو إنشاء مطارات أخرى غيرها، تكون مجهولة تمامًا من العدو المغير.

ويضيف مبارك قائلا على الجانب العسكري لكلتا العمليتين في 1956 و1967؛ نجد نفس التقليد الحرفي، يقوم به التلميذ الإسرائيلي «مردخاي هود» لخطة أساتذته من قادة الطيران الإنجلوفرنسي الذين خططوا لضرب السلاح الجو المصري في عملية 1956.

ويشير الى إن السنوات الإحدى عشرة التي تفصل بين عملية 1956 الإنجلوفرنسية والنسخة الإسرائيلية المكررة لنفس الضربة العام 1967، هذه السنوات الطويلة، حدث فيها تطور هائل في مجال الطيران العسكري، واستحدثت خلالها ابتكارات شبه أسطورية في تصميم وبناء الطائرة الحربية وأعطتها إمكانيات هائلة، وقدرات قتالية لم تكن تخطر على بال أحد.. وأبسط هذه الإمكانيات قدرة الطيار المقاتل على التحكم في طائرته وهو يُحلق على ارتفاعات بالغة الانخفاض، وهو آمن تمامًا من أي مفاجآت، لأنه يطير في حماية أجهزة إلكترونية معاونة، تيسر له التحكم في طائرته على أي ارتفاع، وتحاشي الاصطدام بأي نتراءات تصادفه أثناء طيرانه المنخفض، وكأجهزة الإنذار الموجودة بالطائرة والتي تنبه الطيار إلى وجود خطر يلاحقه أو يهدده.

كما أن التطور الذي لحق طوال السنوات التي تفصل بين العمليتين الأصل الإنجلوفرنسي والتقليد الإسرائيلي استحدثت في مجال الإنذار المبكر، خصوصا في أجهزة الكشف الراداري، ابتكارات متلاحقة، جعلت من هذه الأجهزة خطرًا ساحقًا يهدد الطائرات المغيرة، بحيث لا تكون هناك فرصة للطيار المقاتل لكي يفلت من هذه الأجهزة إلا بالاستفادة من الفرصة الوحيدة، المتاحة أمامه، وذلك باستغلال قدرات طائرته على المناورة والطيران المنخفض.

من هاتين الحقيقتين، يتضح لنا أن اتخاذ أسلوب الطيران المنخفض الذي لجأ له طيارو إسرائيل في 5 يونيو، ليس دليلًا على عبقرية فترة في التخطيط أو التنفيذ، بل هو استفادة من إمكانيات أتيحت لهم وقت تنفيذهم لعملية خططها أساتذتهم الإنجليز والفرنسيون، ولم تكن متاحة من قبل.. بل هو رضوخ حتمي اضطروا إليه، ولكي ينجوا بأنفسهم وبطائراتهم من الوقوع في مصيدة الكشف الراداري الذي يرسل نبضاته المتلصصة على ارتفاعات عالية، ومن ثم اضطروا للطيران المنخفض في المستوى الذي يعرفون أن مصر لا تملك أجهزة الكشف الراداري القادرة على اكتشافهم فيه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل