المحتوى الرئيسى

"الحسن والحسين" يحكي قصة خوارج 2013

08/23 17:02

لان الفن مراه الشعوب.. ومن منطلق ان التاريخ يعيد نفسه.. فاذا اراد احد مشاهده نسخه بالكربون من وجوه البلتاجي وطارق الزمر وصفوت حجازي و ماجد عاصم, فعليك باعاده مشاهده مسلسل «الحسن والحسين» لانك ستجد نسختهم التاريخيه بافكارهم الدمويه التكفيريه من خلال الممثلين الذين ادوا ادوار عبد الله بن يحيي بن عمر بن الاسود، وابو بلال مرداس الحنظلي.. تلك الاسماء التي تعد نقطاً سوداء في ثوب الاسلام الناصع البياض.

ما اشبه الليله بالبارحه, فالاحداث التي نعيشها الان تشبه كثيرا ما حدث ابان الفتنة الكبرى والتي البس فيه الدين رداء الباطل واستخدمت شعارات التدين والمدافعه عن شرع الله لنشر افكار الخوارج. وقت رفع فيه قتله الحسين المصاحف علي اسنه الرماح.. لقد وضع الخليفه علي بن ابي طالب منهجا قويما في التعامل مع هذه الطائفه، تمثل هذا المنهج في قوله للخوارج: «.. الا ان لكم عندي ثلاث خلال ما كنتم معنا: لن نمنعكم مساجد الله، ولا نمنعكم فيئا ما كانت ايديكم مع ايدينا، ولا نقاتلكم حتي تقاتلونا». وهذه المعامله في حال التزموا جماعة المسلمين ولم تمتد ايديهم اليها بالبغي والعدوان، اما اذا امتدت ايديهم الي حرمات المسلمين فيجب دفعهم وكف اذاهم عن المسلمين، وهذا ما فعله أمير المؤمنين علي رضي الله عنه حين قتل الخوارج عبدالله بن خباب بن الأرت، فطالبهم رضي الله عنه بقتلته فابوا، وقالوا كلنا قتله وكلنا مستحل دماءكم ودماءهم، فسل عليهم رضي الله عنه سيف الحق حتي ابادهم في وقعه النهروان.. تلك الحادثه التاريخيه تفسر ما فعل بخوارج 2013 من قبل الحكومه المصريه. ومن هذا المنطلق يكون طرح اعمال فنيه تقترب من تلك الفتره بكل موضوعيه وتمثل دورا تنويريا يساعد عوام الناس علي فهم ما يحدث الان حتي لايقعوا فريسه سيطره مدعي التدين وراغبي السيطره, وخير وسيله هو مشاهده عمل بقيمه مسلسل الحسن والحسين. وللاسف نال قدرا لايستهان به من الهجوم عليه والمطالبه بعدم عرضه بحجه حرمه ظهور الصحابه وال البيت, رغم ان في ظهورهم وسيله لدرء المظالم عن الناس ووسيله لتوصيل الحق لعامه الشعب وهو هدف سام, واعتقد ان الشخص الوحيد الممنوع ظهوره او التشبه به هو الرسول عليه الصلاه والسلام, لذلك فانا اري ان كثيراً من الكتابات التي تصدت لعمل (الحسن والحسين) خرجت من عباءه المواقف الدينيه المتباينه، واعتمدت علي روايات تاريخيه مختلفه، عنهما وعن الفتره التي عاشا فيها، بما فيها من احداث وشخصيات.

وللاسف لم يحكم العقل في بعض الاراء خاصه ان من تابع المسلسل يجد انه صحح الكثير من الاخطاء التي نقلت الينا اما من قراءه كتب تاريخ مغرضه او من فرقتي السلفيين والشيعه المتشددين، وهي محاكمه غير منطقيه، وبالضروره غير واعيه. وفي الحقيقه ان اشد ما اعجبني في هذا العمل هو انك امام سيناريو لم يستغرق في التفاصيل الي حد ان يصبح المسلسل عملا وثائقيا, ولم يسقط في الاستهانه بالاحداث الي حد الاقتراب من كونه عملاً درامياً يمكن ان يحمله صاحبه ما يريد قوله من رؤيته الشخصيه للاحداث, فالاعمال ذات الصبغه الدينيه لا تتحمل هذا الشطح الدرامي, والذي يمكن تقبله في بعض الاطروحات الفنيه لاحداث تاريخيه.

واهميه هذا العمل انه طرح بدايه اشتعال الفتنه بعد تولي عثمان بن عفان رضي الله عنه, وشرحها بشكل يجعلك تشعر بالمطابقه بين ما يحدث ايامها وما يحدث الان. واكد من خلال استعراض فتره ولايه سيدنا علي رضي الله عنه فكره اختيار الوقت المناسب لاتخاذ القرارات, ففي بدايه خلافته التي لم تستقرّ له، لا شك ان علي كان حريصًا علي تنفيذ القصاص ممن قتل عثمان، ولكنه راي ان اهل الفتنه الذين قتلوا عثمان هم المسيطرون علي زمام الامور في المدينه الان، ولو حاول تنفيذ القصاص لانقلب كل هؤلاء علي اهل المدينة قتلاً وتمثيلاً، فاجل تنفيذ القصاص حتي تستقر الامور. وكان كثير من الصحابه معه ولكن كانت هناك مجموعتان يرون رايًا مخالفًا؛ فكانوا يرون وجوب القصاص الفوري من قتله عثمان، الفريق الاول يضم السيده عائشة رضي الله عنها، وطلحه بن عبيد الله، والزبير بن العوام، والفريق الثاني يضم معاوية بن ابى سفيان والي الشام، والذي يعتبر نفسه ولي دمه؛ لانه من بني أمية مثله. لذلك رفض المبايعه الا بعد حدوث القصاص، وهذا ما اظهره السيناريو بكل وضوح. وبالتالي انقذنا من روايات اهل الفتنه مشوهي تاريخ الصحابه, وهذا ما نجح فيه ايضا السيناريست عند تناوله موقعه الجمل فمعاويه لم يشارك مع اصحاب الجمل في الحرب، رغم انه علي نفس رايهم، وهذا ما اكده ايضا الامام ابن تيمية: «ولم يكن معاويه ممن يختار الحرب ابتداءً، بل كان من اشد الناس حرصًا علي الا يكون هناك قتال».

وهذا مافعله المسلسل عند تناوله موقعه صفين والتي استشهد فيها الصحابي الجليل عمار بن ياسر الذي كان يحارب في صفوف امير المؤمنين علي وجعله السيناريست يقتل علي يد احد الخوارج وهو محاكاه دراميه موفقه وتبرئ معاويه من دمه. وتقترب من الحقيقه, فقد قال عمار نفسه: «حدثني حبيبي رسول الله اني لا اموت الا قتلاً بين فئتين مؤمنتين».

وفي الحقيقه ان من اجمل الحلقات التي قدمها المسلسل عندما اقترب من احداث حقن الحسين لدماء المسلمين والتنازل لمعاويه عن الولايه ومبايعته.

فقد قال الحسن: سمعت ابا بكر يقول: رايت رسول الله علي المنبر والحسن بن علي الي جنبه، وهو يُقبِل علي الناس مرهً وعليه اخري ويقول: (اِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ اَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ).

وكان رائعا من السيناريست عدم اظهار اي من الصحابه والتابعين رغم تباين مواقفهم وتصرفاتهم كباغين, علي عكس ما رسخ في العقول من رجال الدين من الطرفين والذي وصل ببعضهم الي حد تشويه معاويه واتهامه بالكفر. رغم قول النبي صلي الله عليه وسلم لمعاويه: «اللهم اجعله هاديا مهديا واهده واهد به», الي جانب ان المسلسل اصلح ما يتناقله البعض بشان قصه دس السم من قبل معاويه للحسن رغم بعدها عن المنطق وخاصه ان الحسن رضي الله عنه تصالح مع معاويه وسلم له بالخلافه طواعيه وبايعه عليها، فلماذا يقدم معاويه علي سم الحسن ؟! واذا كان معاويه يريد ان يصفي الساحه من المعارضين حتي يتمكن من مبايعه يزيد بدون معارضه ، فانه سيضطر الي تصفيه الكثير من ابناء الصحابه، ولم تقتصر التصفيه علي الحسن فقط. لذلك طرح السيناريست فكره ان احد اعداء الحسن بن علي رضي الله عنه، ظل يتابعه لسنوات وتحين الفرصه وسقاه السم, وهي رؤيه دراميه اقرب للمنطق.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل