المحتوى الرئيسى

التنمية الرثة: برنامج فورى لمواجهة التدهور «2-2»

08/18 09:38

ابدا بالاعتراف بان كاتب هذه السطور لم يقم بابداع شخصي في طرح عناصر البرنامج التالي، بل اكتفي بجمع اقتراحات طرحتها مختلف الاطراف المكونه للحركه الثورىه في مصر. وفيما يلي اهم البنود التي تشكل هذا البرنامج المحتمل:

1- لابد من اعاده النظر في صفقات بيع موجودات الدوله. وهناك دراسات دقيقه ــ من مستوي «لاوديت» ــ تتيح تحديد القيمه الحقيقيه لهذه الاصول. وبما ان المشترين لم يدفعوا هذا الثمن، فلابد من تحويل الملكيه المعنىه الي كيان جديد (شركه) يحدد راسماله بقيمه الموجودات الصحيحه، وان يكون المشتري صاحب حصه من رأس المال هذا تعادل ما دفعه، بينما يكون الباقي ملكا للدوله، وان يكون للدوله حق عرض حصتها للبيع بثمنها الحقيقي. ولابد ان ينطبق هذا المبدا علي جميع المشترين المصريين والعرب والاجانب.

2- لابد من تحديد حد ادنى للاجور بحكم القانون، ومستواه المقترح هو 1200 جنيه شهرياً (ما يعادل حوالي 155 يورو بسعر الصرف الجاري او 400 يورو حسب القيمه الشرائيه)، علما بان هذا المستوي قد حُدد في مارس 2012. ويُلاحظ ان هذا الحد الادني يقل عما هو عليه في بلدان اخري متماثله في مستوي دخل الفرد. ويجب ان يكون الحد الادني المقرر قابلاً للتعديل بالموازاه مع تطور الاسعار (نظام السلم المتحرك)، وان تشارك النقابات جهاز الدوله المسئول عن تنفيذه في جميع قطاعات النشاط الخاص والحكومي. وقد اثبتت دراسات دقيقه ان الموقع الاحتكاري للانشطه التي تسيطر علي الاقتصاد، والتي تستفيد من حريه تحديد الاسعار، قد ادي الي تصاعد الارباح الاحتكاريه. وبالتالي، فان رفع الاجور لن يؤثر في مستوي الربحيه الطبيعيه العادله. كما ان رفع الدعم المشار اليه انفاً، من جانب، وزياده موارد الموازنة المتوقعه من خلال الاصلاح الضرائبي المقترح فيما بعد، من جانب آخر، من شانه ان يعوض تكلفه رفع مرتبات موظفي الدوله.

وهناك اقتراح يلازم ويكمِّل تحديد الحد الأدنى للأجور، الا وهو تحديد حد اقصي للاجور والمرتبات بحيث لا يزيد الحد الأقصى علي 15 ضعف الحد الادني.

3- لابد من فتح مفاوضات ثلاثيه تجمع النقابات واصحاب الأعمال والدوله من اجل التوصل الي اتفاق علي مشروع قانون يخص حقوق العمال (شروط العمل والفصل، التامينات الاجتماعيه، المعاشات، الرعاية الصحية... وما الي ذلك). ويبدا الاصلاح باعتراف الدوله بحقوق النقابات المستقله وبحق الاضراب.

وهناك اقتراح مكمِّل يتعلق بمنح «معونه بقاء علي قيد الحياه» (وهي ليست بمستوي التعويض الذي يُمنح عادهً للعاطلين عن العمل) للعائلات التي تعاني من الفقر المدقع. وتُحدد شروط المنح وقيمتها ووسائل تمويلها من خلال مفاوضات بين النقابات والدوله.

4- لابد من الغاء اشكال الدعم الممنوح للاحتكارات الخاصه. وهنا ايضاً تثبت الدراسات المتوفره في هذا المجال عدم صلاحيه هذا الدعم ما دامت المؤسسات المعنيه تعمل في ظل حريه تحديد الاسعار.

5- لابد من القيام باصلاح النظام الضرائبي علي اساس ادخال مبدا التصاعديه؛ وتحديد معدل الضريبه علي ارباح المؤسسات الانتاجيه (شركات ومؤسسات فرديه تستخدم اكثر من 20 عاملاً). والمقترح هنا نسبه 25 بالمائة، هذا الي جانب الغاء الاعفاءات التي منحتها الدوله لصالح الاحتكارات العربيه والاجنبيه. وجدير بالذكر ان عبء الضريبه المفروضه علي المؤسسات الصغيره والمتوسطة هو حالياً اثقل (نعم اثقل) في كثير من الاحيان. ولذلك، فلابد من تخفيفه.

وفيما يتعلق بمعدل الضريبه علي الشريحه الاعلي من دخل الافراد ــ والمقترح بهذا الصدد هو نسبه 35 بالمائه ــ فالملاحظ انه اخف ما هو عليه في المقارنات الدوليه.

6- اثبتت الدراسه ان مجموعه الاقتراحات المطروحه هنا تضمن انجاز التوازن في الموازنه العامه. فسوف يحقق تنفيذها التخلص من العجز الجاري (في السنتين 2009 و2012)، بل وتكفل تحقيق فائض ملحوظ يمكن تخصيصه لرفع مستوي الانفاق علي التعليم والصحه ودعم الاسكان الشعبي، وتجدر الاشاره الي ان اعاده بناء قطاع حكومي في مجال توفير الخدمات لا تستلزم اتخاذ اجراءات تعوق استمرار عمل الانشطه الخاصه في هذه المجالات.

7- لابد من العوده الي وضع الائتمان تحت رقابه البنك المركزي، فلابد من التخلي عن المغالاه في تقديم القروض السهله للاحتكارات، واعاده توجيه القروض المصرفيه للمؤسسات الصغيره والمتوسطه النشطه. وقد اثبتت دراسات دقيقه في هذا المجال ان هناك وسائل لتشجيع انتاج القطاعات الحرفيه والصناعه والنقل والخدمات اذا توافرت لها القروض اللازمه. ويتيح هذا للكثيرين، وخاصه في صفوف الشباب المتعلم والعاطل حالياً، القدره علي خلق وظائف عمل لهم ولغيرهم.

8- ينظر البرنامج ايضاً في مطالب صغار الفلاحين، وان كان ذلك دون الدخول في التفاصيل. وجدير بالذكر ان هذا النقص يرجع لتفتت حركه صغار الفلاحين، حيث مازالت حركه الاحتجاج الي الان حضريه اكثر منها ريفيه. وبهذا الصدد هناك اقتراحاً اولياً مفاده اصدار قانون يمنع (مؤقتاً) نزع ملكيه صغار الفلاحين الذين يواجهون صعوبات في دفع ايجار الاراضي. بالاضافه الي اقتراح مكمل يسعي الي العوده لقانون تحديد الايجارات، وهو قانون اُلغي في عهد السادات ولايزال ملغياً  الي الان.

كذلك هناك تكتلات من مهندسين زراعيين تقدميين طرحوا مشروعات مدروسه لاحياء انتاج صغار الفلاحين بوسائل مختلفه، منها اصلاح نظام الري (الري بالتنقيط)، وتشجيع الزراعه الكثيفه لمنتجات ذات قيمه عاليه (خضراوات وفواكه)، وتاطير اسعار المدخلات (اسمده وكيماويات) بالرقابه الحكوميه (علي ان تشترك الجمعيات التعاونيه في متابعه التنفيذ)، وتدعيم موقع الفلاحين في مجال تسويق انتاجهم من خلال اقامه جمعيات تعاونيه حره وصحيحه... وما الي ذلك. ولا جدال في ان نجاح مثل هذا البرنامج يتطلب تدعيم العلاقات العضويه بين منظمات الفلاحين من جانب وتكتلات المهندسين الزراعيين من جانب اخر، كما انه يفترض اصدار قانون يعترف بشرعيه تكوين منظمات الفلاحين.

9- من شان تنفيذ الاقتراحات المذكوره ان يدفع في اتجاه تنمية اقتصادية صحيحه. ويزعم اعداء هذا البرنامج من انصار الليبراليه المتطرفه انه برنامج يغلق الابواب لمشاركه الاموال الاجنبيه في التنميه. وهذا القول فاسد وينكره واقع التطورات الحديثه في الاقتصاد العالمي. فقد اثبتت التجربه ان الدول التي رحبت بالمبادئ الليبراليه دون تحفظ، وتنازلت عن اي برنامج تنموي وطني لصالح الاعتماد علي فعل «حريه الاسواق»، لم تنجح في جذب الاموال الخارجية. وفي هذه الاحوال، اكتفي راس المال الاجنبي بغزو الموارد الطبيعيه المحليه ولاغير. وفي المقابل نجد ان الدول التي طورت مشروعاً تنموياً وطنياً مستقلاً (مثل الصين) هي التي جذبت الاموال الخارجيه التي وجدت في هذا الاطار فرصاً حقيقيه للعمل والكسب، فقبلت الشروط التي تفرضها الدوله الوطنيه والتي تضع حدوداً لارباحها، ومن ثم اكتفي راس المال الاجنبي بمعدل ربح طبيعي ومعقول.

10- دلت ممارسات الحكومات المتعاقبه بعد الثوره 25 يناير وحتي الان- وبالاخص حكومه الاخوان المسلمين-علي تمسكها بالمبادئ الليبراليه المتطرفه، بل ابدت جميعها نيتها في الاسراع بتنفيذ برنامج «البنك الدولي». ولهذا دلالته المهمه ففي الحقيقه كل هذه الحكومات هي تنويعات مختلفه لنفس نظام مبارك. فدوله مابعد الثوره ظلت هي نفس الدوله الكمبرادوريه التي تعبر عن مصالح راسماليه المحاسيب. والوعي الشعبي يدرك ذلك كما تشهد عليه الشعارات المكتوبه علي جدران القاهره والقائله: «الثوره لم تغيِّر النظام ولكنها غيَّرت الشعب».

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل