المحتوى الرئيسى

أزمة مواطن أمريكي في سجون البحرين تسلط الضوء على العلاقة المعقدة بين واشنطن والمنامة

08/12 22:49

دبي (رويترز) - كانت أمينة الميدان نائمة في شقة أسرتها بالبحرين في أكتوبر تشرين الأول الماضي حين وصل رجال شرطة ملثمون نحو الساعة الثانية صباحا يبحثون عن ابنها تقي.

وقالت أمينة وهي شيعية تعيش في قرية السنابس "لم يظهروا لي أي أوراق أو أوامر اعتقال... لم يعرفوا السبب في طلب اعتقاله. حدث كل شيء بسرعة كبيرة. كنت أفكر هل هذا حقيقي ام لا. هل أنا أحلم؟"

أيقظ رجال الشرطة تقي الميدان بركلة. صاح أحد الضباط "انهض وتعال معنا."

عصبوا عيني الشاب وكبلوا يديه وقادوه الى موقع لم يُكشف عنه. ويقول تقي إنه أُمر بالوقوف على ساق واحدة لأربع ساعات. وذكر أنه ضُرب مرارا وسط تهديدات باغتصاب والدته وشقيقاته الى أن اعترف -كذبا حسبما يقول- بحضور جنازة لمحتج لقي حتفه وبأنه رشق سيارة شرطة تحترق بحجر.

وتقول الحكومة إنه مُتهم بإتلاف سيارة شرطة والشروع في القتل خلال اضطرابات مرتبطة بمطالبة الشيعة بالتغيير في البحرين المملكة التي تحكمها الأقلية السنية منذ وقت طويل. واذا أُدين فمن الممكن أن يواجه السجن 15 عاما.

وتنفي البحرين المزاعم بتعذيبه. لكن قضية الميدان تشبه قضايا بعض الشبان الشيعة الاخرين في البحرين الذين تقول جماعات محلية ودولية لحقوق الانسان إنهم اعتقلوا تعسفيا وسجنوا منذ عام 2011 بسبب اعتداءات مزعومة على قوات الأمن البحرينية. لكن قضية الميدان تختلف في جانب مهم.. انه مواطن أمريكي.

وتسلط أزمته الضوء على العلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة والبحرين التي لا يتعدى سكانها 1.25 مليون نسمة نحو نصفهم من المغتربين.

والبحرين حليفة للولايات المتحدة في منطقة ساخنة وتستضيف الاسطول الخامس الامريكي لكنها في نفس الوقت تواجه انتقادات بسبب سجلها في مجال حقوق الانسان التي تدافع واشنطن عنها.

وفي إشارة الى حقوق الانسان والأمن في الخليج قال تقرير للكونجرس الأمريكي العام الماضي "تضع البحرين على وجه الخصوص واشنطن أمام تحد صعب بخصوص السياسات."

وتحكم أسرة آل خليفة السنية البحرين منذ عام 1783. ويمثل الشيعة نحو 60 في المئة من السكان وإن كان البحرينيون يختلفون بشأن النسبة الدقيقة. ويريد الشيعة إصلاحات دستورية ونصيبا أكبر في السلطة وبدأوا بإلهام من انتفاضات الربيع العربي في الاحتجاج في العاصمة المنامة في فبراير شباط 2011.

وشنت الحكومة حملة عنيفة على الاضطرابات في ذلك الحين.

ولكن بعد مرور اكثر من عامين وفي حين يجري "حوار وطني" لاتزال الاضطرابات مستمرة على مستوى اقل ومن المتوقع تنظيم المزيد من الاحتجاجات المعارضة للحكومة في الايام القليلة القادمة.

وفي كل ليلة تشهد قرى شيعية لعبة القط والفأر. يغلق شبان الطرق وتدخل قوات الأمن ويتبادل الجانبان القاء القنابل الحارقة وعبوات الغاز المسيل للدموع واطلاق طلقات الخرطوش. وتذكي الاعتقالات المزيد من الغضب بين الشبان الذين يعانون الحرمان.

وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش إنه تم إلقاء القبض على المئات هذا العام في مداهمات ليلية. وقال نيكولاس مكجيهان الباحث المتخصص في الشأن الخليجي بالمنظمة إن من بين المعتقلين نشطاء "تحدثوا عن مزاعم تعذيب ذات مصداقية تتسق مع وقائع تعذيب موثقة سابقة."

وترفض البحرين هذه المزاعم. وحين طلبت رويترز الحصول على تعليق على رواية الميدان عن معاملته قال مكتب المتحدثة باسم الحكومة البحرينية في بيان إن الحكومة تتبنى سياسة "عدم التسامح" مع التعذيب.

ويتهم منتقدون حكومة الولايات المتحدة بالتهوين من شأن انتهاكات حقوق الانسان في البحرين بسبب مصالحها العسكرية والأمنية هناك. وهذه تقريبا هي نفس المعضلة التي تواجهها في مصر حيث ظهرت أصوات في الولايات المتحدة تطالب بقطع المعونة الأمريكية عن القوات المسلحة والتي تبلغ 1.3 مليار دولار سنويا بعد ان عزل الجيش الرئيس الإسلامي المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي إثر احتجاجات شعبية حاشدة على سياساته.

واجاب الميدان المحتجز منذ اكتوبر تشرين الاول على أسئلة طرحتها رويترز من خلال عائلته وصديق للعائلة قدم نصا لإجاباته. وينفي الميدان الاتهامات الموجهة له ويقول هو وعائلته وجماعة حقوقية مقرها الولايات المتحدة تدعم حقوق الانسان في البحرين إن واشنطن لم تبذل جهدا يُذكر لمساعدته.

وقال مسؤول بوزارة الخارجية الامريكية إن سفارة الولايات المتحدة بالبحرين تقدم "الخدمات القنصلية الملائمة" للميدان. وتقول عائلته إن مسؤولا قنصليا زار الميدان عدة مرات وحضر جلسات نظر قضيته.

وقال المسؤول بالوزارة إن واشنطن اكدت أهمية التزام البحرين "بالإجراءات القضائية الشفافة بما يتفق مع حقوق الانسان العالمية والإجراءات القانونية الواجبة."

ولد الميدان في كونيتيكت بالولايات المتحدة عام 1988 حيث كان والده السعودي يدرس للحصول على درجة الماجستير في الصحة العامة بجامعة ييل. ووالدته بحرينية لكن الميدان ولد على الأراضي الأمريكية وبالتالي أصبح مواطنا أمريكيا.

ووقع الطلاق بين والدته أمينة ووالده بعد ذلك ببضعة أعوام لتعود مع أولادها الى البحرين. ولم يستطع الميدان الذي لا يحمل سوى جواز سفر أمريكي الدراسة في جامعة حكومية أما الكليات الخاصة فمصروفاتها باهظة. تقدم عدة مرات للعمل في سفارة الولايات المتحدة والقاعدة البحرية التي يوجد بها آلاف الأمريكيين لكن محاولاته باءت بالفشل.

اتجه للعمل في عدد من الوظائف غير النظامية فعمل في محطة بنزين وفي تركيب وصلات الانترنت بشركة للاتصالات.

وتقول أمينة إن أسرتها ابتعدت عن الاحتجاجات على مدى العامين المنصرمين. ويشمل هذا جنازة رجل شيعي في الخامس من اكتوبر تشرين الاول 2012 كان قد سجن بعد احتجاجات فبراير شباط 2011 وتوفي فيما بعد في مستشفى.

وشهدت الجنازة أعمال عنف واستخدمت الشرطة مدافع المياه والغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين. واشتعلت النار في عربة مدفع مياه حين قذف المحتجون قنابل البنزين والحجارة.

ويقول الميدان إنه لم يكن في الجنازة وانما كان في منزله وهو ما أكده صديقه المقرب حسين الذي يقول إنه طلب من الميدان المرور بسيارته لاصطحابه من الجنازة لكن الميدان رفض مغادرة المنزل في ظل توتر الوضع.

بعد ذلك بأقل من يومين زارت الشرطة الميدان. وتقول الحكومة البحرينية إنه شارك في إشعال النار في سيارة شرطة أثناء الجنازة بينما كان رجال الشرطة ما زالوا بداخلها ثم هاجم رجال شرطة على الأرض مما أدى الى إصابة ثلاثة ضباط. وتقول الحكومة إن هذه الجرائم تهدد الأمن القومي للبحرين ويواجه الميدان اتهامات بالشروع في القتل وحرق سيارة شرطة عمدا وإتلاف سيارة شرطة والحصول على متفجرات وحيازتها بصورة غير قانونية. وتشير وثيقة للنيابة العامة البحرينية الى أن أحد أفراد قوات الأمن ذكر أن دليله على أن الميدان حضر الجنازة ينبع من ثمانية "مصادر سرية" لم يتم الكشف عنها.

ويقول الميدان ووالدته إنه أجبر على الاعتراف بأنه حضر الجنازة.

وقال الميدان لرويترز من خلال أسرته "بعد الاستجواب على مدى أربع ساعات اعترفت بكل شيء. وقعت أوراقا على الرغم من أنني لم تكن لدي فكرة عن المكتوب بها."

وأضاف "تبولت على نفسي لخوفي من المزيد من الضرب وأجبروني بعد التوقيع على التحدث أمام كاميرا بعد أن جعلوني أحفظ ما سأقوله."

وقالت الحكومة البحرينية في بيان إن "مصادرها السرية" مجرد جزء من الأدلة ضد الميدان وإن جميع الاستجوابات والمقابلات جرت في غرفة مزودة بأجهزة تسجيل بالصوت والصورة.

وبعد القبض على الميدان مباشرة اتصلت والدته بالسفارة الأمريكية في البحرين طلبا للمساعدة خاصة وأنها كانت قلقة على الحالة الصحية لابنها فهو يعاني من قرحة في المعدة إضافة الى إصابته باعوجاج في العمود الفقري. وتقول والدته إن الطلبات بحصوله على علاج متخصص قوبلت بالرفض. ولم يتسن لرويترز التحقق من صحة هذا الزعم.

وقال المسؤول في وزارة الخارجية الامريكية "يواصل القسم القنصلي الاتصال بالسلطات المعنية في حكومة البحرين وأكد (للحكومة) مرارا أنه يجب أن يحصل السيد الميدان على الرعاية الطبية والطعام المناسبين لاحتياجاته الصحية الخاصة."

وقالت الحكومة البحرينية لرويترز إن الميدان يتلقى الرعاية الملائمة في السجن بما في ذلك الرعاية الصحية.

وبعد الانتفاضة الأولية التي قتل فيها 35 شخصا على الاقل كلفت الحكومة البحرينية القاضي الامريكي المصري البارز شريف بسيوني بقيادة تحقيق مستقل في أعمال العنف.

وقال تقريره الذي نشر في نوفمبر تشرين الثاني 2011 ويعرف باسم تقرير بسيوني إن الاعتقالات في أعقاب أعمال الشغب اتخذت نمطا سلوكيا متكررا "مصمم خصيصا لبث الرعب في نفوس المقبوض عليهم." وذكر التقرير أن السلطات استخدمت القوة المفرطة على نطاق واسع بما في ذلك اعترافات انتزعت تحت وطأة التعذيب.

وتقول الحكومة البحرينية إنها اتخذت خطوات لمعالجة المشاكل من خلال إقالة المسؤولين عنها وتركيب كاميرات في مراكز الشرطة.

ورغم انتقادات الكونجرس الامريكي للانتهاكات المزعومة وافقت واشنطن على بعض الصفقات العسكرية للبحرين. وأوضح تقرير لوزارة الخارجية الامريكية بتاريخ 28 اغسطس آب 2012 أن المبيعات العسكرية للبحرين منذ عام 2000 بلغت في المجمل 1.4 مليار دولار.

وقال مسؤول سابق بالحكومة الأمريكية إن توقيع الولايات المتحدة صفقة عسكرية العام الماضي كان هدفه توصيل رسالة وهي أن "الأمور كالمعتاد". وأضاف "ربما كانت هذه فرصة ضائعة حيث كان يمكن ان تمارس الولايات المتحدة نوعا من الضغط الخفيف حتى تصبح الحكومة الملكية (البحرينية) اكثر استجابة."

وقال كينيث كاتزمان الخبير في شؤون الشرق الاوسط بمركز أبحاث الكونجرس والذي كتب بحثا عن البحرين نشر في ابريل نيسان لرويترز إن الولايات المتحدة "في الأساس... في صف الحكومة... النظام" وان المسؤولين الامريكيين لا يعتقدون أن من حق الاغلبية الشيعية إسقاط الحكومة او استخدام العنف في الضغط لتحقيق مطالبهم.

وأضاف أن المسؤولين الامريكيين يريدون حلا وسطا "حتى لا تتأثر العلاقة الأمنية الوثيقة."

وأشاد مسؤول آخر بالخارجية الأمريكية بالملك حمد عاهل البحرين لإظهاره قدرة كبيرة على "القيادة" حين أمر بإجراء التحقيق الذي قاده بسيوني وأشار الى تعيين ولي العهد الأمير سلمان الذي ينظر اليه باعتباره صاحب عقلية أكثر ميلا للإصلاح في منصب النائب الاول لرئيس الوزراء. وقال المسؤول إن هذه الخطوة أظهرت التزام البحرين "ببرنامج إصلاحي على المدى الطويل."

لكن المحادثات بين المعارضة الشيعية والحكومة لم تحرز تقدما يُذكر حتى الآن. وأعاق انعدام الثقة المتبادل تحقيق أي انفراجة. فمن ناحية تصر المعارضة الشيعية على حضور ممثل للملك المحادثات ومن ناحية أخرى تواصل الحكومة بث رسالة مفادها أن ايران ذات الأغلبية الشيعية وحزب الله اللبناني الشيعي يذكيان الاضطرابات في البحرين.

وتنفي المعارضة وايران وحزب الله هذا الاتهام. ولم يجد تقرير بسيوني اي صلة ملحوظة بين ايران والاحتجاجات التي جرت أوائل عام 2011.

لكن واشنطن ولندن تنظران الى البحرين وفي ذهنيهما ايران التي تملك برنامجا نوويا. وتقول ايران إن البرنامج سلمي بينما يشتبه الغرب في أن هدفه تطوير أسلحة. ووسط هذا التوتر تكتسب قاعدة الاسطول الخامس الامريكي في البحرين أهمية كبيرة.

وخلال دورية بصحبة قوات مكافحة الشغب بالبحرين في وقت سابق هذا العام اطلع صحفيون من رويترز على لمحة من الاشتباكات شبه اليومية التي مازالت تدور في الشوارع. وتحركت الشرطة بعرباتها على الطرق الرئيسية وأزالت الحواجز التي أقامها شبان شيعة غاضبون. واثناء تعامل الشرطة مع الحواجز والإطارات المشتعلة تكرر توجيه الشبان الإهانات لرجال الشرطة فضلا عن رشقهم بالقنابل الحارقة. وردت الشرطة بالغاز المسيل للدموع. وفي مرات أخرى استخدمت احيانا طلقات الخرطوش.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل