المحتوى الرئيسى

د.أشرف الصباغ يكتب للدستور الأصلي: الفشل الأمريكي والورقة الروسية

08/11 21:07

من الواضح ان روسيا ستظل الورقه الاكثر ربحا وفاعليه في الداخل الامريكي مهما قيل عن انتهاء الحرب الباردة من كل الاطراف الكبري، وعلي راسها الولايات المتحدة وروسيا. فلا شئ يذهب مع الريح، ولا شئ يتبدد ابدا، ولا شئ يخلق من العدم، لان كل ذلك ضد العلم والمنطق والقوانين البشريه. لا شك ان اداره باراك أوباما تتعرض لانتقادات تكاد تودي بها الي مزبله التاريخ علي غرار اداره نيكسون ابان فضيحه "ووترجيت".

وبالتالي، لا الثورات العربيه، ولا بوادر سقوط حكومه اردوغان الاسلاميه في تركيا، ولا السيناريوهات الامريكيه لشمال افريقيا والشرق الاوسط، اصبحت ذي جدوي امام الفضائح المتواليه لاداره اوباما. اذ يبدو ان الورقه الروسية هي الانجح والانجع والاكثر تاثيرا.

في ٩ اغسطس ٢٠١٣، صرح الرئيس الأمريكي باراك اوباما بانه يتعين علي واشنطن اعاده تقييم علاقتها مع موسكو علي خلفيه ما اعتبره زياده الخطاب المناهض لامريكا في روسيا. وقال اوباما: "بصراحه، لم تتحرك روسيا في نطاق واسع من القضايا التي كنا نعتقد بان بمقدورنا تحقيق تقدم فيها". واضاف ان علاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين طبيعه، وانهما يتناقشان بشكل صريح وبناء حول القضايا ذات الاهتمام المشترك. الا انه اقر بان العلاقات الامريكيه الروسيه تباطات منذ عوده بوتين الي الرئاسه في عام 2012، معتبرا ان موسكو تسترجع عقليه الحرب البارده. والمعروف، والمعلن ايضا ان البيت الأبيض كان قد الغي زياره اوباما الي موسكو علي خلفيه قضيه ادوارد سنودن الموظف السابق في الاستخبارات الأمريكية الذي حصل علي حق اللجوء في روسيا.

لكن المدهش والمثير في ان واحد ان البيت الابيض نفي قبلها بيوم واحد فقط ان تكون العلاقات الروسيه-الامريكيه ازدادت تعقيدا بعد تولي فلاديمير بوتين الحكم. وقال الناطق الرسمي باسم البيت الابيض جاي كارني: "اننا نتعاون مع الدول ونحقق تقدما او نواجه عقبات بسبب السياسه وليس بسبب اشخاص معينين".

هناك تناقضات في الخطاب الامريكي تعكسه التصريحات الرسميه وغير الرسميه. البعض يفسره بتوزيع الادوار، والبعض الاخر يراه جزء من تركيبه المؤسسه الامريكيه كدوله ديمقراطيه تتضمن اجنحه ومواقف وانطلاقات مختلفه. هذه التناقضات ظهرت بقوه اثناء الزيارات المتتاليه والمتزامنه لعدد من المسؤولين والنواب الامريكيين لمصر. وتتوالي يوميا بشان تزويد المعارضه السوريه المسلحه بالاسلحه. وظهرت تناقضاتها ايضا بشان الازمه التركيه وانتفاضه الشعب التركي ضد حزب العدالة والتنمية الاسلامي بقياده حليف واشنطن وحلف الناتو رجب طيب اردوغان، وسرعان ما تلاشت هذه الانتقادات او تم تخفيفها لاعتبارات معروفه جيدا. وعلي الرغم من كل تلك الاحداث والازمات في مناطق واسعه تعتبرها العقيده العسكريه والسياسيه والاقتصاديه الامريكيه مناطق نفوذ لها، الا ان موضوع موظف الاستخبارات الامريكيه ادوارد سنودن طغي علي كل ذلك واصبح مربط الفرس لاداره اوباما. لدرجه ان الرئيس الامريكي الغي لقاء قمه مع نظيره الروسي!

هناك علامات استفهام كثيره تدور حول موضوع سنودن. وبعيدا عن الجزء الامني الاستخباراتي، تتردد تساؤلات كثيره من قبيل، لماذا لم تتصل واشنطن بموسكو عبر القنوات الامنيه والاستخباراتيه المفتوحه بين اجهزه البلدين؟ ولماذا فضلت واشنطن اصلا ان تطرح القضيه علي الملا؟! لماذا ترفض الولايات المتحده الي الان توقيع اتفاقيه تبادل تسليم المتهمين والمجرمين والسجناء مع روسيا؟ وهل تذكر الولايات المتحده قضيه تاجر السلاح الروسي فيكتور بوت، المسجون حاليا في الولايات المتحده، وما جري من احداث حولها، وتم خلالها اذلال القضاء الروسي ووزاره الخارجيه والكرملين والرأي العام الروسي كله؟ في الحقيقه، لقد تصرفت موسكو بشكل قانوني، تُحسَد عليه، في قضيه سنودن. لا يهمنا الاستعراضات القانونيه والحقوقيه، والتصريحات الاعلاميه للطرفين بشان العلاقات الجيده، وان هذه القضيه لن تفسد العلاقات بين موسكو وواشنطن، وان سنودن سيلتزم الصمت بشان الاسرار والمعلومات التي بحوزته، وان سنودن سيوقف كل نشاطاته خلال تواجده في روسيا بعد ان حصل رسميا علي اللجوء المؤقت فيها لمده عام واحد. كل ما يهمنا هنا، هو ان الولايات المتحده التي ترفض التدخل في شؤون القضاء، وتنتقد الدول الاخري علي فعل ذلك، تطالب الجميع بخرق كل القوانين والتشريعات اذا كان الامر يتعلق بمصلحه او رغبه او توجه امريكي. واذا رفض هذا الطرف او ذاك تنفيذ الرغبه الامريكيه، فالويل كل الويل له ولحلفائه، بدايه من الحملات الاعلاميه، وانتهاء بالعقوبات الاقتصاديه والعسكريه والانسانيه، وربما التحريض والتدخل المباشر وغير المباشر.

من المعروف ايضا انه عندما تتعرض الاداره الامريكيه لمازق هنا او هناك، او تتوالي عمليات فشل ما لسيناريوهاتها، تبدا باستخدام الورقه الروسيه التي تعمل علي رص صفوف المجتمع الامريكي المسكين فعلا في ظل اداراته المتعاقبه. بل ويصل الامر في الكثير من الاحيان الي ان يتحول الديمقراطيون الي صقور اكثر تطرفا وراديكاليه من الجمهوريين. واحيانا يبداون باستخدام تطرف واندفاع الجمهوريين في الهجوم علي هذا الطرف او ذاك. وبالنسبه لروسيا، فهناك دائما الجزره الجاهزه، الا وهي التلويح بضروره التفاهم في قضيه الدرع الصاروخيه واتفاقيه تقليص الاسلحه الهجوميه الاستراتيجيه. لقد اظهرت التجارب خلال اكثر من ٢٠ عاما ان واشنطن تستخدم هذه الجزره مع موسكو في وقت ازمات الاولي. ولكن يبدو ان الازمات اصبحت كثيره، وان اداره اوباما تكاد تتجرد من اخر قطعه ملابس بصرف النظر عن اللقبين اللذين حصل عليهما السيد باراك حسين اوباما: "الرئيس الحكيم" و"الحائز علي جائزه نوبل للسلام"! لم يعد حتي بمقدور موسكو ان تساعد الاداره الامريكيه اذا اراد الكرملين نفسه. والا ستكون روسيا بذلك قد فرطت في مصالحها القوميه والوطنيه التي لا يهددها فعليا وعلي الارض الواقع الا السياسات الامريكيه وطموحات الهيمنه التي لا تريد الادارات الامريكيه المتعاقبه ان تفهم وتدرك ان زمنها قد ولي والي الابد!

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل