المحتوى الرئيسى

كيف وصل المسلمون إلى القمر؟!

07/26 10:47

كان الامر منطقياً للغايه، فالصلاه في الاسلام هي عماد الدين، ويقول عنها المولي عز وجل «ان الصلاه كانت علي المؤمنين كتاباً موقوتاً»، وقد ارتبطت بوقت معين يجب معرفته من خلال مواضع الشمس في السماء في منتصف النهار، وكذلك تحديد وقتي المغرب والعشاء، فاذا اضفنا الي ذلك حاجه المسلمين لمعرفه مكان القبله، ثم حادثه تحويل القبله، واذا كنا نعرف ان التقويم الذي نستخدمه في التقويم الهجري هو (تقويم قمري)، واننا نحتاج دائماً لاستطلاع الهلال لمعرفه نهايات وبدايات الشهور، والي جانب ذلك ذكّرنا الجميع بالايات الكريمه التي تتحدث عن السماوات والارض، فهل ما زلت تسالني: لماذا اهتم المسلمون بالفلك؟

وهل يصلح ذلك كمدخل مناسب؟ دعنا نرَ.

هذا هو كلام الله عز وجل لافتاً النظر الي اعجازه سبحانه وتعالي في مجالات الفلك المختلفه، فتجده يقول في سوره (يس): «وَايَهٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَاِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّي عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا اَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ»، ويقول في محكم اياته وتحديداً في سوره يونس: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْـحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ اِلاَّ بِالْـحَقِّ يُفَصِّلُ الايَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * اِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ لايَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ»، ويقول تعالي: «وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُون»، ويسمي النجوم باسمائها: «والسماء والطارق وما ادراك ما الطارق.. النجم الثاقب».

وسط كل هذه الايات، ووسط حديث لا ينقطع تقريباً عن (السماوات) يصبح الامر منطقياً، فهل ما زلت ايضاً تسال: لماذا اهتم المسلمون بالفلك؟

اعتقد ان «لماذا» ليست هي اداه الاستفهام المناسبه.

والافضل هو «كيف» اهتم المسلمون بالفلك.. عموماً.. دعنا نرَ.

في كتابات كوبرنيكوس عن «دوران الافلاك السماويه» اشارات دائمه الي البتاني والزرقاني الفلكيين المسلمين اللذين عاشا في القرنين العاشر والحادي عشر، كما ثبت مؤخراً انه استعار الكثير من ابن الشاطر، ولا تزال افضال الاكتشافات الفلكيه تعود للمراصد الشرقيه في الاساس، وكانت «طليطله» في الاندلس مركزاً لذلك، لكن كل هذا الكلام يبدو جامداً يمكن نقله من اي كتاب تاريخ منصف لعلماء المسلمين، اما الكلام الذي يجب ان تتتبعه فسيعود بك حتماً الي بيت الحكمة.

انت الان في بغداد في عهد الخليفه المأمون، وتحديداً في القرن التاسع، وهذا هو بيت الحكمه، حيث مؤسسه فكريه تعمل بداب علي الترجمه والعلم بشكل عام، لكن من اهم الكتب التي تُرجمت هناك هو الكتاب العظيم او المجسطي لبطليموس الفلكي السكندري الذي يصف فيه الكون الذي تدور فيه الشمس والقمر والكواكب والنجوم حول الارض، وهو الاساس الذي بني عليه المسلمون الكثير في الفلك.

عموماً.. كانت معرفه المسلمين بعلم الفلك في فتره صدر الاسلام والعصر الاموي معرفه متواضعه، تقتصر علي ما يدرك بمجرد العيان، كما ذكر «نلّينو»، دون ان تتكئ علي اسس علميه ثابته، او معرفه موسعه بعلوم الرياضيات، باستثناء ما تردد عن ترجمه كتاب في الفلك بعنوان «عرض مفتاح النجوم» لهرمس الحكيم، تُرجم في ذي القعده من سنه (125هـ/ 743م). ورُوي كذلك ان الوزير الفاطمي «ابا القاسم علي بن محمد الجرجاني» عثر في خزانه الكتب الفاطميه عام (435هـ/ 1044م) علي كره من نحاس من علم بطليموس مكتوب عليها: «حُملت هذه الكره من الامير خالد بن يزيد بن معاوية» حفيد معاويه بن ابي سفيان، وهي روايه تؤكد ما تردد عن اهتمام الامير خالد بالفلك وغيره من علوم الاوائل، وانه اول من تُرجم له كتب الطب والنجوم والكيمياء.

وقد نبغ في العصر العباسي ثلاثه عُرفوا بانهم ابناء موسى بن شاكر، وموسي بن شاكر هذا هو فلكي كان في بلاط الخليفه المامون، فلما مات تعهد المامون اولاده بالعنايه والرعايه صغاراً، واوكلهم الي الفلكي يحيي بن ابي منصور، والي حين ان يكبر الصغار كان الخوارزمي يصحِّح اخطاء بطليموس من موقعه في بيت الحكمه ببغداد. فلما كبر الصغار نبغ منهم في الفلك محمد بن موسي بن شاكر، وافسح المامون لفلكييه داراً في اعلي ضاحيه من بغداد، بقرب باب الشماسيه لرصد النجوم رصداً دقيقاً علمياً، واجراء قياسات مثيره للاعجاب، كانت تقارن بغيرها في جنديسابور، وباخري تُجري بعد ثلاث سنوات تقع علي جبل قاسيون علي مقربه من دمشق للمقارنه. وكان علماء الفلك يعملون مجتمعين علي وضع جداول الفلك «المجرّبه» او «المامونيه»، وهي مراجعه دقيقه لجداول بطليموس القديمه.

واستخدم المامون جماعه من الفلكيين -كان منهم محمد بن موسي بن شاكر- ليرصدوا الأجرام السماوية، ويسجلوا نتيجه هذه الارصاد، وليحققوا كشوف بطليموس الفلكي، ويدرسوا كلف الشمس. واتخذوا كرويه الارض اساساً بداوا منه بقياس الدرجه الارضيه بان رصدوا موضع الشمس من تدمر وسنجار في وقت واحد. وتوصلوا من هذا الرصد الي تقدير الدرجه بسته وخمسين ميلاً وثلثي ميل -وهو تقدير يزيد بنصف ميل علي تقديرنا في الوقت الحاضر- ومن هذه النتائج قدروا محيط الارض بما يقرب من عشرين الف ميل. ولم يكن هؤلاء الفلكيون يقبلون شيئاً الا بعد ان تثبته الخبره والتجارِب العلميه، وكانوا يسيرون في بحوثهم علي قواعد علميه خالصه.

هل يكفي ذلك لكي نقول ان المسلمين اهتموا بالفلك؟؟

هناك المزيد حتماً.. ولكي اثبت لك: دعنا نرَ!!

نبغ في علم الفلك كثير من علماء المسلمين، مثل «محمد البتاني» الفلكي، الذي صحح بعض الاخطاء التي وقع فيها «بطليموس»، ووصل الي نتائج جديده لم يصل اليها احد من قبله. و«محمد الفرغاني» الذي عاش في القرن الرابع الهجري، وقام بابحاث مبتكره في تحديد طول السنه تحديداً مضبوطاً، واطوال الليل والنهار، وحركات الكواكب والنجوم. و«ابن يونس المصري» الذي عاصر «الحاكم بامر الله الفاطمي»، قام بابحاث حول كسوف الشمس وخسوف القمر، وتعيين الاعتدال الشمسي، وتحديد خطوط الطول، وقد عاصر «ابن يونس» فلكي اخر هو «ابوالوفاء البوزجاني» الذي اشتهر بالجداول الفلكيه الدقيقه التي وضعها.

من اهم مؤلفات الفلكيين المسلمين كتاب «الزيج الصابئ» للبتاني، بما احدثه من تاثير كبير في علم الفلك، وقد تُرجم هذا الكتاب الي اللاتينيه في القرن الثاني عشر الميلادي، كما طُبع في اوروبا عده طبعات.

ويُعد هذا الكتاب دائره معارف فلكيه، وضح فيها «البتاني» دائره الفلك، وارتفاع القطب الشمالي ومعرفه ارتفاع الكواكب، وطول السنة الشمسية وافلاك القمر والكواكب، ومعرفه كسوف الشمس، ومطالع البروج وغير ذلك من المعلومات المهمه المدعمه بجداول رياضيه غايه في الدقه والوضوح.

والازياج جمع زيج، وهي جداول رياضيه عدديه، تحدد مواضع الكواكب السيارة في افلاكها، وقواعد معرفه الشهور والايام والتواريخ الماضيه، والوقوف علي اوضاع الكواكب من حيث الارتفاع والانخفاض والميول والحركات. وتعتمد هذه الجداول علي قواعد حسابيه وقوانين عدديه في منتهي الدقه.

لكن كل ذلك يمكن ان يكون علماً «نظرياً»، فهل هناك شيء عملي في الفلك فعله المسلمون؟

سؤال جميل.. وللاجابه عليه: دعنا نرَ!!

يُجمع علماء الفلك اليوم علي اهميه النتائج التي توصل اليها علماء الفلك المسلمون، ومن هذه النتائج:

* ان المسلمين اول من اثبت بالتجربه والمشاهده والحساب نظريه ان الارض كرويه.

* ان بعض علماء المسلمين مثل «الفرغاني» و«ابن رسته» حسبوا ابعاد الشمس والقمر و«الزهره» و«المريخ» و«عطارد» و«زحل» و«المشتري» عن مركز الارض، وقدّر «البتاني» ان بُعد الشمس في ابعد افلاكها يساوي (1146) مره مثل نصف قطر الارض، وفي اقرب مواقعها يساوي (1070) مره مثل نصف قطر الارض، واذا كانت في متوسط بعدها فانه يساوي (1108) مره، وهذه الارقام قريبه جداً من النتائج التي وصل اليها العلماء في هذا العصر.

* قيام «الحسن بن الهيثم» باختراع اول كاميرا في التاريخ، وسماها «الخزانه المظلمه ذات الثقب» وهي عباره عن صندوق مطلي من الداخل باللون الاسود، وبه ثقب من ناحيه، ولوح خارجي مصنفر من الناحيه الاخري.

وقد استعمل علماء الفلك المسلمون هذه الكاميرا في مراصدهم، حيث تظهر علي اللوح الزجاجي صور صافيه للنجوم والكواكب، مما ساعد علي معرفه نسبها واحجامها وفي اكتشاف نجوم جديده لا تزال تحمل الاسماء العربيه حتي اليوم.

* انهم رسموا خرائط ملونه للسماء، وقد الف «عبدالرحمن الصوفي» كتاباً بعنوان «صور الكواكب الثابتة» عن النجوم الثوابت به خرائط مصوره، وبيّن فيه مواضع الف نجم، وكلها رصدها بنفسه، ووصفها وصفاً دقيقاً، ووضع اقدارها من جديد بدقه متناهيه تقترب من التقديرات الحديثه.

* انهم ابتكروا تقاويم شمسيه فاقت في ضبطها واتقانها كل التقاويم السابقه، وحسبوا ايام السنه الشمسيه بانها (365) يوماً وست ساعات وتسع دقائق وعشر ثوانٍ، وهو يختلف عن الحساب الحديث بمقدار دقيقتين و(22) ثانيه.

* ان «عباس بن فرناس» العالم الاندلسي الي جانب كونه اول مخترع للطائره، فهو اول مخترع للقبه الفضائيه، فقد اقام في ساحه بيته قبه ضخمه جمع فيها النجوم والافلاك والشهب والنيازك والبرق والرعد، وكان يزوره الولاه والعلماء والاعيان فيعجبون من اختراعه هذا.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل