المحتوى الرئيسى

وكتب المسلمون روشتة الكون

07/21 14:28

كانت اقصي طموحات المريض في اوروبا انذاك ان يحظي بميته كريمه، فلا طبيب سيعالجه، والمرض -في الاعتقاد السائد حينها في اوروبا- عقاب من الله لا يجوز لانسان ان يصرفه، بل سيفعل ذلك الرب بنفسه.. ان اراد.

في الغالب سيكون علي المريض بمرض خطير ان يلجا للدير الذي سيعتني به فيه الرهبان، املين في شفاء الله بالصلوات.. فقط الصلوات.

كانت اوروبا في هذا الوقت تدفع ثمناً باهظاً لحدثين جلبا عليها لعنه (الجهل) الطبي لفتره اقتربت من الخمسمائه عام، اولهما اغلاق الامبراطور البيزنطي زينو لمدرسه اديسا للطب الابقراطي، ثم اغلاق اكاديميه اثينا التي اسسها افلاطون شخصياً علي يد الامبراطور جستينيان، ويتسبب التعصب الديني (في اوروبا) في استبعاد التاريخ الحضاري اليوناني، بينما يتفاعل معه ويحتويه اخرون يعرفونهم في هذا الوقت وحتي يومنا هذا باسم «المسلمون».. ومن هنا تبدا قصتنا.

هذه هي اوامر الرسول «صلي الله عليه وسلم» واضحه باقامه خيمه الاسيه (الممرضه) العربيه رفيدة الأسلمية، التي امر الرسول «صلي الله عليه وسلم» ان تضرب في المسجد؛ لتكون قريبه من الجيش؛ لان رفيده كانت لها معرفه بالجراحه والاسعافات الاوليه. ولذلك حينما اصيب سعد بن معاذ في المعركه، قال «صلي الله عليه وسلم»: «اجعلوه في خيمه رفيده حتي اعوده من قريب».

لكن اول مستشفي بالمعني الحقيقي -ربما في العالم اجمع- هي تلك التي انشاها احمد بن طولون في القاهره عام 872م، وكان مستشفي متطوراً يعالج فيه المرضي ويقدم لهم العلاج دون مقابل في نظام اشبه بالتامين الصحي الموجود حالياً، وتطور الامر كثيراً مع مستشفي بغداد الذي اقيم عام 982م، والذي قدم مع ما تلاه من مستشفيات نماذج في الاداره الطبيه، وكان يحتوي علي هيئه طبيه مكونه من 24 طبيباً، واطلق عليه (بيماريستان)، وافتتحت في ذات الوقت اول صيدليه اسلاميه، وكان الصيادله في عهد الخليفه المامون يحصلون علي (اجازات) و(ترخيص بالعمل)، واستحدث الصيادله المسلمون العديد من انواع العلاج، مؤمنين بقول رسول الله «صلي الله عليه وسلم»: «ما انزل الله من داء الا وانزل له دواء»، واحتوي كتاب (الجامع في الادويه المفرده) الذي الفه ابن البيطار علي اكثر من 1400 عقار مختلف منها 300 لم تستخدم من قبل قط، واستحدث المسلمون تخفيف الادويه عن طريق اضافه السكر المطعم ببعض نكهات الفاكهه لتحسين مذاق الادويه، ومع مرور الوقت، تحولت المستشفيات في العالم الاسلامي في القرنين التاسع والعاشر الي كليات طب حقيقيه يدرس فيها الطلاب كل ما له علاقه بعلوم الطب والصيدله، وهنا..

هنا فقط يمكننا الحديث عن اهل السبق واشهر (علماء) الطب في العالم الاسلامي وسنجد فيما فعلوه عجباً، ويمكننا ان نبدا هكذا.................!!!

بالطبع لن تصدق ان (الجراحه) كانت ممنوعه في فتره من الفترات في اوروبا لاعتبارات (كنسيه) تتعلق بعدم وجوب العبث في الجسم الانساني الذي هو (هبه الرب)، لكن هذا ما كان يحدث فعلاً، وفي الوقت ذاته كان هناك طبيب استثنائي في العالم الاسلامي يضع اسمه في كتب تاريخ الطب بعمل دؤوب يثبت ان كل ما وصل اليه العالم في علومه الطبيه حتي يومنا هذا يدينون فيه لاطباء مسلمين علي راسهم «الزهراوي» الذي عاش في القرن العاشر في اسبانيا، وقدم كتاباً خالداً هو «التصريف لمن عجز عن التاليف»، والذي ضمنه فصلاً كاملاً عن (الجراحه) قدم فيه ما يزيد عن المائتي اداه جراحيه محولاً الطب من (التامل) الي (التجريب)، ومن مجرد الملاحظه الي العمل الطبي الحقيقي، وكانت هذه المقاله هي اول مقاله في تاريخ الطب تصف الادوات الجراحيه التي ما زالت تستخدم حتي يومنا هذا مع تعديلات طفيفه لترسي اسس الجراحه في اوروبا بعد ترجمه كتاب «الزهراوي» الذي ابتكر الات الجراحه وتفتيت الحصي في الكلي وفي المراره والاداه التي تسحب بها الجنين عند الولاده والتي تستخدم حتي يومنا هذا، ولم يكتف «الزهراوي» بذلك بل ابتكر الخيوط الجراحيه، واستخدمها من ماده تصنع منها اوتار الالات الموسيقيه، وطور «الزهراوي» من الطب وتبحر فيه، فابتكر الاسنان البديله، وتقويم الاسنان، وكان اول من استخدم القطن للسيطره علي النزيف، بل انه اجري جراحات وعمليات تجميليه للاثديه المتهدله، اضافه للاله الشهيره التي يستاصل بها اللوزتين حتي يومنا هذا مؤكداً علي وجوب حدوث علاقه طيبه بين الطبيب والمريض لكي يطمئن هذا الاخير، ولم يتوقف فضل «الزهراوي» علي الطب في الكون باسره عند تلك المرحله بل ساهم «الزهراوي» وباقي الجراحين المسلمين بالرياده في طب النساء والتوليد مستخدماً ادوات ما زال معمولاً بها حتي يومنا هذا، ولم يكن د.ابوالقاسم الزهراوي، المعروف في العالم كله وجميع المراجع الطبيه المتخصصه باسم abulcasis هو الاستثناء في العالم الاسلامي في هذا المجال، بل كان هناك اخرون سنعرفهم بعد قليل.

ثلاثون عاماً من حياته قضاها ابوبكر الرازي في دراسه الكيمياء القديمه والرياضيات والفلسفه والفيزياء والفلك، وبعدها كانت زيارته لمستشفي بغداد في القرن العاشر الميلادي نقطه فارقه في حياته اذا استشعر ببعد فلسفي شديد العذوبه ان الحاجه الملحه الحقيقيه هي انهاء المعاناه البشريه.. هكذا كتب مايكل جراهام عن ابن الرازي الذي عين مديراً لمستشفي بغداد والتزم بدراسه الطب، وعرف وقتها باعظم طبيب في العالم، ويدين له الكون بتفريقه بين الجدري والحصبه، وفي كتابه (الطب الروحاني) اعطانا ما يمكن اعتباره اول وصف طبي لتاثيرات التسمم بالكحول!!، ومن بعده يصف علاجاً يصلح لعلاج ادمان هذه الحالات، كما عالج العديد من امراض المعده والراس، واوصي بحميه صحيه (نظام غذائي صحي) مؤكداً علي اهميتها اكثر من الادويه في بعض الحالات، كما اخترع طرقاً جديده في خياطه الجروح، وقد الف الرازي اكثر من 200 كتاب اهمها واشهرها في العالم هو كتابه (الحاوي) الذي ترجم وكانت قراءته الزاميه في مدارس الطب الاوروبيه بعد ذلك بمئات السنين، وخلال القرن الرابع عشر امتلكت كليه باريس تسعه كتب فقط كان احدها (الحاوي)، وحين طلب الملك لويس الحادي عشر استعارته عام 1371 اجبرته الكليه علي دفع مبلغ تامين ضخم علي هذا الكتاب، وامن الرازي بقوه الايحاء، والتاثير النفسي في العلاج، ويروي عنه انه ذات مره كان يعالج اميراً طريح الفراش، وضعه الرازي عارياً في مغطس ماء، ثم وقف الي جانبه وشتمه!!! وهكذا قام الامير غاضباً مهدداً بقتله، قبل ان يدرك انه تحسن!!!!!

والان هل انتهت القصه؟؟.. الواقع لا.. وتكملتها كما يلي:

هذا هو أبن سينا.. الشيخ الرئيس كما اُطلق عليه.. الرجل الذي قورن بجالينوس، الطبيب الاغريقي القديم، ومن يعرف بجالينوس المسلم، تنافست امم عديده للاحتفاء بذكراه السنويه، وكانت تركيا اول المبادرين، واحتفل به اليونيسكو عام 1980 بعد الف سنه من مولده.

هذا هو ابن سينا الطبيب والفيلسوف وعالم النفس الشهير، ومفسر القران، وفي نفس الوقت كتب في الحب والموسيقي، والف العديد من القصص الادبيه!!!

هذا هو ابن سينا الذي يعد كتابه (القانون) في الطب اشهر كتب الطب علي الارض قاطبه، حيث ستجد فيه المبادئ العامه للطب، وعلم العقاقير والادويه، والامراض المختلفه وعلاجها، والحميات، وكسور العظام، وكيفيه علاجها وتجبيرها.

وسيضع كتاباً مختصراً عن كتاب ابن سينا الاسطوري واحد من تلامذته فيما بعد هو ابن النفيس، والذي اكتشف الدوره الدمويه الصغري قبل مئات السنين من اكتشافها في العالم الغربي، في ثوره طبيه حقيقيه تعدل العديد من الموازين في الطب.

وكان لابن النفيس فضل كبير في تقدم علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء، كما كان لغيره من الاطباء في عصور ازدهار الحضارة الاسلامية العديد من الادوار العظيمه، خذ عندك مثلاً وصف ابن ابي الاشعث وظائف المعده، في كتابه الغادي والمغتدي حيث كتب:

«عندما يدخل الطعام المعده، خاصه عندما تكون ممتلئه، تتسع المعده وتتمدد طبقاتها.. الناظر للمعده يراها صغيره الي حد ما، لذا فقد شرعت في صب ابريق بعد ابريق في فمها.. الطبقه الداخليه للمعده المنتفخه اصبحت ناعمه كطبقه الغشاء البريتوني الخارجيه. ثم قطعت المعده وسمحت للماء بالخروج، فتقلصت المعده، حتي رايت فمها».

دوّن ابن ابي الاشعث ملاحظاته تلك عام 959، وبعد نحو 900 عام، اعاد وليم بومونت وصف تلك الوظائف، مما يجعل ابن ابي الاشعث رائداً في علم وظائف الاعضاء التجاربي، ورغم كل ما كتبنا، لا يمكن ان تكون اسهامات المسلمين قد انتهت في الطب عند ذلك الحد، فقد اسهموا بالمزيد والمزيد، ومن ذلك ما سنحكيه سريعاً الان.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل