المحتوى الرئيسى

"آل كرودز".. الغد لم يعد مكانًا للرجعيين

07/16 21:18

من غير المنصف ابدًا الان ونحن في عام 2013، ان ناخذ من فيلم الكارتون رسائله السياسيه فقط كعنوان اساسي لمضمونه الفني، بينما نضرب بالخيال والابداع الذي يحتويه هذا العمل عرض الحائط، فالطريقة التي استساغها النقاد منذ "كليله ودمنه" وحتي "مزرعه الحيوانات" باتت بليده جدًا في التعاطي مع اي عمل فني.

وهو العمل الذي ياخذ من الرمز والخيال ادواته الفنيه، الا اننا وبسبب الظرف الراهن الذي نمر به -ليست مصر وحدها ولكن العالم كله- سنتوقف كثيرًا امام المضمون السياسي والمجتمعي الذي يحتويه الفيلم الامريكي "ذا كرودز The Croods" - من انتاج شركه "دريم وركس" واخراج كيرك دي ميكو وكريس ساندرس وبطوله نيكولاس كيدج وايما ستون.

يدور الفيلم حول اسره من أهل الكهف تضم ست افرد؛ اب وام وجده وبنتان وولد، يعيشون في كهف يعتبره رب الاسره، حاميهم الوحيد من كل اخطار الحياه، وعليه فان كل ما يقع تحديدًا خارج ذلك الكهف هو خطر محدق لا محاله، لذلك فقد يقضون اسابيع مختبئين بداخله بلا طعام تجنبًا لذلك الخطر، بينما التغير يعم العالم خارج ذلك الكهف، حيث تاخذ القارات في التشكل.

يعاني الاب خلال ذلك من ترويض ابنته الكبري "اييب" -والتي تقوم بالاداء الصوتي لها ايما ستون- والتي تضع اسرتها في العديد من المشاكل بسبب خروجها المتكرر من الكهف في اثناء الليل، وفي احدي الليالي بينما هم مختبئون في الكهف تلمح نورًا خارجة فتستيقظ وتتبعه وعلي اثره تقابل الشاب المغامر "جاي" –ويؤدي صوته ريان رينولدز-، وتتوالي الاحداث بعد ذلك الي ان يتهدم كهفهم نتيجه للتغيرات الارضيه، فتضطر العائله للهروب من الدمار الذي حل بالارض التي يسكنوها، ثم تعثر الاسره علي الشاب الذي قابل ابنتهم، وهنا تبدا المفارقات العديده للفيلم والتي تنشا من التحدي الدائم بين معتقدات الاب الرجعيه وبين عقل الشاب التنويري والذي اخترع الحذاء ليقي اقدامه الصخور الصلبه والنار لتضئ له والمظله لتحميه من المطر... الخ، ووسط احداث الفيلم التي يحركها ذلك التحدي لا يستطيع الاب النجاه بعائلته، الا بالتخلي عن معتقداته الرجعيه واعمال عقله حتي يصل بهم الي بر النجاه.

الفيلم رغم فكرته البسيطه، الا انه –مع تجارب اخري سبقته- يمثل تطورًا ملحوظًا في مستوي أفلام الكارتون الامريكيه –من حيث المضمون- والتي يبدوا انها قررت التخلي اخيرًا عن فكره الشخص الانطوائي المختلف الذي باستطاعته تغيير العالم لو اعطيت له الفرصه، وهي احدي الاشكال المقنعه للفكره الام التي تقوم عليها السينما الامريكيه حيث "الامريكي السوبر مان الذي يستطيع تغيير او حكم العالم" او "الامه التي تحمل علي عاتقها عبء حمايه العالم من الهلاك"، فالفيلم من منظوره السياسي يمثل رفضًا واضحًا للسياسه الامريكيه التي لطالما دعمت الرجعيه في العالم تحت قناع الديمقراطيه فقط من اجل تمرير مصالحها، بل ويقدم تصحيحًا لصوره الامريكي الذي طالما نظر لكل من حوله علي انه القائد صاحب الرتبه البشريه الاعلي، فعندما يقابل الشاب المغامر "جاي" عائله ايب –ولا يكون قد عرف انهم عائلتها بعد- ينصحها بالابتعاد عنهم لانهم من اهل الكهف وهم "لايختلفون عن الحيوانات في شيء"، ورغم انه بعد ذلك يصير قائدهم في الطريق الي النجاه حتي نهايه الفيلم، الا ان العلاقات التي تنشا بينهم خلال احداثه تتسم بالنديه والتوازن، حيث ان ميزه العقل والتي كانت تميزه وحده في البدايه بدات تتسرب اليهم سريعًا فيصير كل منهم قادرًا ان يسلك طريق نجاته بمفرده.

لا يستطيع ان يمر فيلم صراعه الاساسي بين الرجعيه والتنوير، دون ان يعرج علي تفتيت ما يسمي بالسلطه الابويه، لكن الفيلم الذي قرر ان تقوم احداثه علي "التصالح الفئوي"، لا يقدم السلطه الابويه بصفتها وسيله للهيمنه علي الاخرين، بل يقدمها في صوره الديكتاتوريه النابعه من الحب والخوف علي الاعزاء، وتلك اشاره اخري يمررها الفيلم تفيد بان نموذج الديكتاتور "النبيل/ العادل" ليس الا اكذوبه او بطريقه اخري ليس صالحا لـ"استهلاك"، فالاب "كروج" –والذي يؤدي صوته نيكولاس كيج- يصنف كل شيء "جديد" علي انه خطير، فــ "الفضول خطير، والخروج ليلًا خطير، تقريبًا، اي شيءٍ مرح يعتبر خطيرًا" وذلك حسب تعبير ابنته ايب، ولكن تظل جملته التي تكررت علي مدار معظم احداث الفيلم "الخوف يبقينا احياء، اياك وعدم الشعور بالخوف" هي الاكثر تعبيرًا عن حاله ذلك الاب الذي يري ان "اتباع القواعد" هو السبيل الوحيد له ولعائلته "ان ارادت البقاء علي قيدِ الحياه"؛ لذا فانه يظل منزعجًا بشد من ابنته التي تريد ان "تعتلي الشمس وتقودها".

بينما كارثته الحقيقيه تتحقق عندما تقابل عائلته "جاي" ذلك الشاب الذي يخبرهم ان راس الانسان بها شيء يستعمل في التفكير ويدعي "عقل" وانه ذاهب حيث "الغد" في حين يري هو ان التفكير "شيء مضر" وان "الغد" ليس مكانًا بالاساس، بل ان دافعه الوحيد للذهاب خلف ذلك الشاب هو العثور علي كهف جديد ليعيش بداخله حين يصلوا الي بر الامان! فشخصيه كروج الرجعيه –رغم عثوره طوال الرحله علي سبل جديده للعيش اكثر تطورًا -بحسب عصره- ومصادر اخري للحياه افضل من التي كان عليها في الماضي- لا تستطيع ان تقبل الحياة الجديدة ولا تتمكن من التعاطي معها الا من خلال استدعاء ماضيه، بالعوده مره اخري للحياه بداخل "الكهف".

ووسط تلك المعارف والمفردات الجديده، ومع تعلق عائلته بـ"جاي" ورغبتهم في الذهاب معه "للغد"؛ يجد "كروج" نفسه وحيدًا ومنعزلًا، حتي حين يقرر ان يُعمل عقله، فقط لانه "يحب ابنته"، يصاب بالفشل الزريع بل ويستجلب السخريه لنفسه، ذلك لان كل محاولاتها تتم في اطار معتقداته السالفه وفي غير اعمال حقيقي لعقله.

وفي مشهد رومانسي –ومنطقي دراميًا- حين يوضع "كروج" مع "جاي" في مواجهه مازق ما، يقتنع انه لابد له من الايمان بالتنوير الذي يدعو اليه ذلك الشاب الصغير، فيقرر ان يضرب بمعتقداته الرجعيه عرض الماضي حيث تنتمي و يسير وراءه؛ ويتجلي ذلك عندما يصل الفيلم الي ذروته حين تتهدم الجبال والارض ولا يصير امامهم غير كهف يحتمون به، فتنصحهم الام بالدخول اليه للنجاه، حينها يرفض "كروج" ذبك بشد، ويقول لهم " كفانا العيش في الظلام، لا مزيد من الاختباء، ما المغزي من كل هذا" ويقرر انه:" لا يمكنني ان اتغيّر، وليس لديّ افكار، ولكني لا ازال املك قوتي، والان هذا كل ما تحتاجونه".

وينجح في انقاذ عائلته مضحيًا بنفسه، ووسط وحشه الوحده والخوف من الهلاك يعمل عقله لاول مره فيستطيع من خلال افكاره التي استلهمها من الشاب التنويري ان ينجو بحياته، بل ويستطيع انقاذ كل ما تبقي معه من الكائنات الحيه المتوحشه والاليفه ليبدا مع عائلته ومعهم حياه جديده علي كوكب الأرض في شكله الجديد.

نرشح لك

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل